خاص- واإسلاماه -ملفات ساخنة
في تغريدة لـ”بوقادوم” عبر حسابه بتويتر، بمناسبة الذكرى 61 لأول تفجير نووي فرنسي بصحراء الجزائر في 13 فبراير/ شباط 1960.
قال وزير الخارجية الجزائري، صبري بوقادوم، السبت، إن التفجير النووي لفرنسا بصحراء بلاده في الستينيات كان يعادل من 3 إلى 4 أضعاف قنبلة هيروشيما باليابان، ولا تزال له “تداعيات كارثة”
وغرد بوقادوم قائلا: “في مثل هذا اليوم من عام 1960، قامت فرنسا الاستعمارية بأول تفجير نووي في منطقة رقان بالصحراء الجزائرية، في عملية سُميت بالجربوع الأزرق”.
وتابع أن التفجير النووي الفرنسي كان “بقوة 70 كيلوطن، وهو ما يعادل من ثلاثة إلى أربعة أضعاف قنبلة هيروشيما، وكان لهذا الانفجار تداعيات إشعاعية كارثية لاتزال” .
هذا وقد سبق لقناة الجزيرة اعدا دتقرير هام عن هذه الجريمة البشعة لفرنسا من سنوات
خلص الى أن تجارب نووية قد أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية بين 1960 و1966 لتعزيز قدراتها النووية، وتمكنت بفضلها من دخول نادي الدول النووية بعد الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي وبريطانيا.
السياق التاريخي
خرجت فرنسا من الحرب العالمية الثانية منتصرة لكن كرامتها أُهينت، وبات شبح الاحتلال النازي وإمكانية تكراره على يد قوة أجنبية أخرى أكبر هاجس بالنسبة للقادة السياسيين.
وانطلاقا من ذلك؛ عكفت فرنسا منذ 1954 على وضع برنامجٍ نووي اعتبِر بعثا لبرنامج نووي فرنسي طموح كان في مراحله الأولى عام 1939، لكن الاحتلال النازي وأده في المهد.
وأمر رئيس الوزراء الفرنسي آنذاك بيير منديس فرانس ببدءِ إقامة مركزٍ للتجارب النووية في مطلع 1957، وكانت على رأس المواقع المرشحة لاستضافة المشروع الجزر الفرنسية في المحيطين الهادي والأطلسي (مثل لاريونيون وبولينيزيا ومروروا) التي ستحتضنُ لاحقا مراحل هامة من البرنامج النووي الفرنسي.
لكنَّ عوائق لوجستية حالت دون إجراءِ التجارب في تلك الجزر البعيدة فبدأ التفكير في الصحراء الجزائرية الشاسعة والقليلة السكان.
أسباب الاختيار
مع بدء العمل في استكشاف فرص إجراء التجارب في المحيط الهادي أو الأطلسي، برز إشكال نقل المواد النووية والتجهيزات الحساسة إلى مواقع التجارب. ففي تلك المرحلة لم يكن الطيران قد بلغ من التطور ما يُمكّن من نقل الشحنات إلى لاريونيون أو مروروا أو بولينيزيا دونَ الحاجة إلى إجراءِ توقفٍ تقني في أرضٍ أجنبية، وهو أمرٌ مرفوض البتة لأسباب أمنية.
في ضوءِ ذلك، وقع الاختيار على الصحراء الجزائرية القريبة نسبيا والتي ما زالت يومها تُشكل جزءا من فرنسا ما وراء البحار. وهكذا وقع الاختيار على منطقة “رقان” التي تقع في ولاية بشار وتبعد نحو 1500 كلم جنوب غرب العاصمة الجزائر، وأُطلقت اشغال إقامةِ مضمار للتجارب في نوفمبر/تشرين الثاني 1957.
اليربوع الأزرق
سُميت التجربة النووية الفرنسية الأولى في الجزائر “اليربوع الأزرق”، وجرت يوم 13 فبراير/شباط 1960 تحت إشراف مباشر من الرئيس الفرنسي آنذاك شارل ديغول، وبلغت شدةُ التفجير الذي أُجري على سطح الأرض خمسة أضعاف التفجير الناتج عن قنبلة هيروشيما.
وتقول رواياتٌ تاريخية إنَّ خبراء إسرائيليين حضروا التجارب وربما شاركوا في الإعداد لها وإن كانت الرواية الرسمية الفرنسية تُكذب ذلك، كما لا توجد وثائق تُؤكد هذا الأمر. وبعد هذه التجربة الأولى، أجريت في الأشهر التالية ثلاث تجارب أخرى سُميت كذلك “اليرابيع”.
ورغم النجاح المطلق للتجربة، فإن فرنسا كانت في تلك المرحلة لا تزال متأخرة عن القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وبريطانيا. وكانت فرنسا تسابق الزمن قبل التوقيع على معاهدة الحد من التجارب النووية، كما كانت بوادرُ استقلال الجزائر تهدد استمرار البرنامج النووي الفرنسي.
وفي ضوء هذه المعطيات، عمل ديغول على تسريع وتيرة البرنامج خاصة منذ 1961، إذ تم في نوفمبر/تشرين الثاني إجراء أول تجربة نووية تحت الأرض في منطقة “عين إكَّرْ” إلى الجنوب من رقان. وبين ذلك التاريخ وفبراير/شباط 1966 أُجريت 13 تجربة نووية.
وقد اعترفت فرنسا بأربع تجارب في منطقة رقان بولاية بشار و13 في عين إكّرْ بولاية تمنراست جنوب الجزائر، لكن الباحث وأستاذ الفيزياء والكيمياء النووية في جامعة وهران كاظم العبودي (مؤلف كتاب “يرابيع رقان”) أفاد بأن فرنسا أجرت 57 تجربة نووية بالجزائر، وأن المنطقة الصفرية بين تفجير وآخر كانت مسافتها أقل من 150 كلم، مما جعل الجو مشبعا بالإشعاع النووي.
استقلال الجزائر
رغم استقلال الجزائر والإدانات المتكررة للتجارب من قبل الحكومة الجزائرية المؤقتة، فإنَّ اتفاقيات إيفيان -التي وقعت بين الجزائر وفرنسا بعد مفاوضات بين 1960 و1962- ضمنت بنودا سرية تُتيح لفرنسا إمكانية الاستمرار في استغلال المواقع النووية لفترات تتراوح بين خمس سنوات (رقان) وعشرين سنة (قاعدة الصواريخ في كولومب بشار).
وواصلت فرنسا إجراء تجاربها وبحوثها النووية إلى منتصف 1966، ونقلت بعد ذلك مكونات البرنامج النووي إلى الجزر الفرنسية في الأطلسي والمحيط الهادي.
أضرار وأسرار
أضرت التجارب النووية الفرنسية بالبيئة والإنسان في الجنوب الجزائري، وظهرت تشوهات خلقية على نطاق واسع بمناطق الصحراء الجزائرية التي شهدت التجارب. لكن السلطات الفرنسية قللت من شأنِ ردة الفعل الشعبية وحتى السياسية، من خلال ترويج المخابرات الفرنسية لأسطورةِ القنبلة النظيفة التي أقنعت حتى الخبراء والتقنيين والعسكريين الفرنسيين الذين عملوا في مواقع التجارب.
فقد قالت مجلة “الجيش” (التي تصدرها وزارة الدفاع الجزائرية) عام 2010 إن 150 جزائريا استُخدموا كفئران تجارب في التفجير الأول، حيث عُلقوا على أعمدة في محيط التجربة لدراسة تأثير الإشعاعات على الإنسان.
ووفق الباحث الفرنسي المتخصص في التجارب النووية برينو باريلو؛ فإن سلطات الاحتلال الفرنسي استخدمت 42 ألف جزائري فئران تجارب في تفجيراتها النووية.
وفي السياق، قدّرت “منظمة المجاهدين” (قدماء المحاربين) -في بيان أصدرته بمناسبة الذكرى الـ52 لأول تجربة نووية فرنسية بالجزائر- عدد ضحايا التجارب النووية الفرنسية في البلاد بأكثر من ثلاثين ألفا، وطالبت المنظمة فرنسا بتعويض الضحايا وذويهم.
ولم تبادر فرنسا بتنظيف المنطقة من الإشعاع النووي الذي تبقى أضراره آلاف السنين بحسب العبودي، الذي صرح للجزيرة نت بأن “التجارب الفرنسية بالجزائر استخدمت اليورانيوم الذي تبقى آثاره 24400 عام، كما استخدمت البلوتونيوم الذي تستمر آثاره 4.5 مليارات عام”.
وفي السياق، أفاد تقرير فرنسي سري بأن باريس عرّضت جنودها عمدا لإشعاعات التجارب النووية في الجزائر لمعرفة آثارها على الإنسان.
وحسب التقرير -الذي حصلت عليه وكالة الأنباء الفرنسية من مسؤولين عسكريين لم تسمهم ويعود إلى 1998- فقد أرسلت فرنسا جنودا إلى مواقع تجرى فيها التجارب في صحراء الجزائر بين 1960 و1966 لدراسة “الآثار الجسدية والنفسية للسلاح الذري على الإنسان”.
وتقدمت في تجربة أجريت عام 1961 قوة راجلة وبعضها داخل شاحنات إلى مسافة بضع مئات الأمتار من مركز التفجير، بعد أقل من ساعة من حدوثه.
وقال التقرير إن الجنود منحوا 45 دقيقة لحفر مواضع قتالية في الأرض الصحراوية الملوثة بالإشعاع، ولم يكن لديهم ما يحميهم إلا النعال العسكرية والقبعات والقفازات وأقنعة الوجه البسيطة. وأضاف التقرير أن الجيش قال حينها “يبدو من النتائج أن المقاتل قادر جسديا على الاستمرار في القتال حتى على بعد 800 متر من النقطة الصفر وخارج منطقة السّقط (الغبار النووي المتساقط)”.
تمدد الإشعاع
عقب تجربة “اليربوع الأزرق”، نشرت وزارة الدفاع الفرنسية خريطة تُحدد مجال التلوث الإشعاعي في حيزٍ ضيق من الصحراء الجزائرية، وعند نشر الخرائط الحقيقية -بعد إخراجها من دائرة أسرار الدفاع- عام 2013 تبيَّن أنَّ الغبار النووي طال أرجاء واسعة من منطقة الساحل الأفريقي وصولا إلى أفريقيا الغربية والوسط، فقد وصل الإشعاع السنغال وتشاد وأفريقيا الوسطى وموريتانيا بعد أربعة أيام من التجارب، أما مالي فقد وصلها بعد أقل من 24 ساعة من التفجير.
ورغم ذلك ظل التحرك للتنديد بهذه التجارب محصورا في الجانب الشعبي وعدد من الجمعيات المهتمة، أما الموقف الرسمي فظلَّ يتأرجح بين التجاهل واللامبالاة.
تحرك جزائري
وفي سياق التحركات الجزائرية لمقاضاة فرنسا على تجاربها النووية، راسلت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (مستقلة) مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، من أجل جر السلطات الفرنسية للمحاكمة في كل الهيئات الدولية، وفي الاتحاد الأوروبي.
وبحسب ما كشف المكلف بهذا الملف هواري قدور -في تصريحات لوكالة الأناضول في منتصف فبراير/شباط 2017- فإن الرابطة الجزائرية قامت بمراسلة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للنظر في هذه الجرائم، كما طلبت من الجزائريين في أوروبا مساعدتها من أجل إيجاد محامين في القانون الدولي لرفع دعوى قضائية أمام مكتب للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي، وكذلك في المحاكم المحلية في سويسرا التي لها اختصاص في متابعة الجرائم ذات الطابع الدولي.
وتنسق الرابطة مع عدة هيئات حقوقية ودولية في هذا الاتجاه، وقد راسلت المنظمات الدولية لحقوق الإنسان والمنظمات الدولية لمناهضة التجارب النووية، إضافة إلى المنظمات الفرنسية لحقوق الإنسان.
وتتهم الرابطة الجزائرية السلطات الفرنسية “بمحاولة التغطية على هذه الجرائم التي لا تسقط بالتقادم”، كما تتهم السلطات الجزائرية “بالتقصير في ممارسة الضغوط على الجانب الفرنسي من أجل الاعتراف بهذه الجرائم”.