الحمد لله القائل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} النحل ٩٧، سواء بسواء، دون تمييز أو تفريق، والصلاة والسلام على مَنْ شجّع صحابته رجالاً ونساء على كل خير دون تضييق، أما بعد:
⏪ فالكفر -بخيبته المعروفة-؛ دأبَ -مِنْ جملة آثامه- على ظلم المرأة والانتقاص منها، واعتبارها أحَطَّ وأدنى مِنَ الرجل، وعمَد بنظرته الجاهلية إلى وأْدِها حيّة في العصور الغابرة، أو وأْدِها معنويًّا وفكريًّا؛ بظلمها وقتل مواهبها، وتهميش دورها في الحياة، بحجة أنها امرأة!! كأنما يعترض بذلك على خلق الله عز وجل أو يسخَر ويحتقِر! أو كأنما يغطي بهذا السبب السخيف -الذي ليس سببًا مِنَ الأساس!- على غيرته مِنَ المرأة، وغيظه مِنْ مواهبها التي قد لا يملكها بعضُ الرجال!
فتجد أن الغربَ الكافر مثلاً: كان يبحث في ماهيّة المرأة، وهل هي إنسان أم حيوان!
ويفرض على مَنْ أنجزت أيَّ إنجاز: أن تنسبَه إلى زوجها، أو أي رجل آخر، بحيث لا يظهر اسمها، وكأنه عار كبير، أو شر مستطير!!
💎 بينما في الإسلام -دين الحي القيوم العادل، الذي حرّم الظلم-؛ تجد المرأة معززة مكرّمة، لها مكانتها وقيمتها، ولها حقوقها المصونة، سواء كانت حقوقًا مادية، أو معنوية، أو حتى فكرية، وهذا شأن الإسلام العظيم، دين العدل والكرامة، دين الإسناد وأداء الحقوق لأصحابها، رجالاً كانوا أم نساء.
📕 ومن المعلوم من أحكام الشرع؛ أن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وقد حرصتِ الصحابيات على طلب العلم، وأخبارهن في ذلك أشهر مِنْ نار على علم.
📚 وبدَهيٌّ أن العلمَ ليس غاية في حد ذاته، بل هو وسيلة لتحقيق الغاية منه؛ ألا وهي: تبليغه والعمل به، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “مَنْ كتم علمًا ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار”(١)؛ فمن هنا كان التشجيع والحث -للرجال وللنساء- على تبليغ العلم، بل لم يكن يخطر في بال أحد أساسًا أن يمنع النساء مِنْ أداء هذه الأمانة، سواء كان بشكل دروس، أو بشكل قصائد وما شابهها؛ إذ هذا المنع منكرٌ عظيم لا يصدر إلا عن أثيم! كيف لا وهو مخالفة صريحة قبيحة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه هو وصحابته وعموم السلف الصالح؟!!! نسأل الله العفو والعافية؛ قال عز من قائل: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} المائدة ٢!
⏪ وحسبنا في ذلك الإشارةُ إلى أم المؤمنين “عائشة” رضي الله عنها، العالمة التي كان يستفتيها كبارُ الصحابة رضوان الله عليهم، برغم أنها امرأة، بل برغم أنها كانت في سنّ بناتهم! فتأمّل(٢).
👑 وقد أخبرنا التاريخ أن أول مَنْ أسلم على الإطلاق: امرأة؛ هي أم المؤمنين “خديجة بنت خويلد” رضي الله عنها، وأول مَنِ استُشهِد على الإطلاق: امرأة؛ هي الصحابية الجليلة “سمية بنت الخياط” رضي الله عنها.
📙 كما وقد زخَر هذا التاريخ بأسماء لامعة لعالمات وفقيهات، ومحدّثات ومـجــا هــد ات، وأديبات وشاعرات، تناقل الرجالُ أنفسُهم أسماءَهن بكل فخر واعتزاز، وسجلوا لهن حتى مواقفَهن وأقوالهن، فما بالنا بأعمالهن ودروسهن وقصائدهن؟!
📌 فعلى رأس الشاعرات المشهورات: تأتي الصحابية الجليلة “الخنساء” رضي الله عنها، والتي سمع النبي صلى الله عليه وسلم نفسُه شعرها، دون أن ينكر عليها لمجرد أنها امرأة -إذ هذا ليس عارًا!-، بل استشعَرها وشجّعها، وأعرب عن إعجابه بقصيدها قائلاً: “هيه يا خناس”(٣).
وكانت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم “أروى بنت عبد المطلب” رضي الله عنها: تقول الشعر الجيد، كما كانت الصحابية الجليلة “أسماء بنت أبي بكر” رضي الله عنهما: فصيحة تقول الشعر، أما الصحابية “خولة بنت الأزور” رضي الله عنها؛ فقد كانت مشهورة بأنها فارسة مـجـا هـدة، شُبِّهت بالصحابي الجليل والقائد المـجـا هـد المحنَّك “خالد بن الوليد” رضي الله عنه، وكانت شاعرة تميّز شعرُها بالفخر والجزالة، والأمثلة أكثر من أن يستغرقها المقام
ومن أشهر التابعيات اللواتي عُرِفْنَ واشتَهَرْنَ برواية الحديث: “خيرة أم الحسن البصري -مولاة أم المؤمنين أم سلمة-“، و” زينب بنت كعب بن عجرة -زوجة أبي سعيد الخدري-“، و”صفية بنت أبي عبيد بن مسعود -زوجة عبد الله بن عمر-“، و”زينب بنت نبيط -زوجة أنس بن مالك-“، و”أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق”، و”حفصة بنت سيرين”، و”عمرة بنت عبد الرحمن”، و”معاذة بنت عبيد الله العدوية”، و”عائشة بنت طلحة”، رضي الله عنهن جميعًا، وهناك غيرهن كثيرات.
📗 وكلنا عرف خبر أم المؤمنين “أم سلمة” رضي الله عنها، وكيف نفّس لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم عما لقيه يومَ صلح الحديبية، وتلكُّؤ الناس عن طاعته، فأشارت عليه بالحل السديد؛ فقَبِلَه منها، ونفّذه، مع أنها امرأة!
📘 وقد استودع الصحابةُ رضوان الله عليهم صحفَ القرآن الكريم عند أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهما، رغم كونها امرأة!
📓 ومَن منا لم يسمع بحرص أمهات الأئمة -كأحمد والشافعي وربيعة الرأي وغيرهم رحمهم الله جميعًا- على تعليم أبنائهن، وتشجيعهن لهم على طلب العلم وسلوك الصراط المستقيم؟!
💡كيف وصَلَنا كل ذلك؟! أليس عن طريق رواية الرواة وتناقل الأخبار؟! فلو كان ذلك إثمًا أو عارًا لَما فعلوه، ولَمَا سمح لهم النبي صلى الله عليه وسلم به، ولكنه فخر للإسلام، ودليل جديد على إنصافه وعُلُوّ مكانة المرأة عنده، بل إن النساء ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن وانتقص منهن إلا لئيم، وهنّ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: “استوصوا بالنساء خيرًا”(٤)، وقال الإمام ابن الجوزي – رحمه الله: «النساء ودائع الأحرار لا يعزهن إلا عزيز ، ولا يذلهن إلا ذليل» [المدهش].
⏪ هذا وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحسن ما يسمعه من كلام حسن، سواء صدر مِنْ رجل أو من امرأة؛ فإلى جانب ما تقدّم ذكرُه من خبره -عليه الصلاة والسلام- مع الخنساء رضي الله عنها، واستشعاره لقصيدها؛ كذلك كان له خبر مع الصحابية الجليلة “أسماء بنت يزيد” رضي الله عنها، والتي جاءتْه تسأله عن نصيب النساء مِنَ الأجور، بأسلوبها البديع -حيث كانت مِنْ أخطَب نساء العرب-؛ فلم يكتفِ صلى الله عليه وسلم بإجابتها عن سؤالها، إنما أبدى قبل ذلك إعجابَه بطريقة بيانها، وأشرَك الصحابةَ رضوان الله عليهم في إعجابه ذاك؛ إذ قال لهم: “سمعتم مقالةَ امرأة قط أحسنَ في مسألتها عن أمر دينها مِنْ هذه؟”؛ فقالوا: لا يا رسول الله….. الحديث(٥).
📝 وكثير من علماء السلف -رحمهم الله- كانت لهم شيخات من النساء؛ قال الحافظ الذهبي رحمه الله: “وأخذ خلقٌ مِنَ التابعين عن الصحابيات”(٦)، وعلى سبيل المثال: ذكر ابن عساكر أن عدد شيخاته من النساء كان بضعًا وثمانين امرأة، وكان لجلال الدين السيوطي اثنتان وأربعون شيخة، ولشيخ الإسلام ابن تيمية أربع شيخات(٧)، ولابن الجوزي ثلاث شيخات(٨)، والأمثلة كثيرة جدًّا(٩).
📜 وقال بعض العلماء: إنه لم يُنقَلْ عن أحد مِنَ العلماء بأنه ردّ خبر امرأة لِكونها امرأة، فكم مِنْ سنّة قد تلقّتْها الأمة بالقبول مِنِ امرأة واحدة مِنَ الصحابة، وهذا لا ينكره مَنْ له أدنى نصيب مِنْ علم السنّة.ا.هـ.
⏪ وفي عصرنا الحالي؛ يتأكّد أداء الواجب على المسلمين والمسلمات؛ في طلب العلم وتبليغه، وتنمية المواهب وتسخيرها في خدمة ونصرة الإسلام ودولته، ولا بد لنا جميعًا مِنَ التعاون على ذلك، لا أن يعمَد البعض إلى محاولة منع النساء من أداء واجبهن؛ إذ هذا مخالف لأحكام الشريعة، معارض لِما كان عليه سلفنا الصالح، وما من سبب وجيه أبدًا لذلك؛ فإن تكُ نظرة جاهلية؛ فالإسلام أبطَلها بإعزازه واحترامه للمرأة، وإن تكُ غيرة منها؛ فإن مِنْ واجب المسلم الحقيقي أن يغلّبَ مصلحة الإسلام على مشاعره الخاصة، لا أن يكون -من حيث يدري أو لا يدري- في صف الكفرة الذين يحاربون الإسلامَ وأبناءَه وبناتِه، ومعينًا لهم ضدّهم وضدّهنّ!
وإن يكُ بسبب الشعور بالنقص؛ فالمجال مفتوح أمام الجميع، ولا أسهل مِنْ أن يتوكلَ المرء على ربه، ثم يشمّرَ عن ساعد الجد، ويطلبَ العلم ويصقلَ المواهب، لا أن يقف في وجه الآخرين -الذين لم يضيعوا أوقاتهم، بل أنفقوها في طلب العلم- لمجرّد ألا يشعرَ بالنقص أمامهم وأمامهنّ!
وإن يكُ همزًا ولمزًا؛ فالله تعالى يقول: {إن بعض الظن إثم}، ويقول سبحانه: {وتحسبونه هيّنًا وهو عند الله عظيم}، والإسلام لم يحرِمِ المرأة مِنْ أداء واجبها، وإنما وجّهها لضوابطَ تحميها وتعينها، ومِن فضل الله تعالى أن بنات الإسلام لا يأخذنَ بتلك الضوابط وحسب، بل يعمَدْنَ إلى الأحوَط منها أيضًا بتوفيق الله تعالى وفضله، فاتقوا الله يا مَنْ تحاولون منعَهنّ، واحموا أنفسكم مِنْ شبهة: “كلٌّ يرى الناس بعين طبعه”!
ونعم؛ شاء مَنْ شاء وأبى مَنْ أبى: لن تتوقف بنات الإسلام عن أداء الواجب بعون الله وتسديده، بل سيعملن ويكتبن وبأسمائهن؛ فالله تعالى يقول: {وقل اعملوا} والخطاب عام للمسلمين والمسلمات، ويقول: {ولا تبخسوا الناس أشياءَهم}، ونحن أمة الإسناد، والمسلمة ليست عارًا.
📌 السلف تناقلوا للنساء حتى قصائدَهن في رثاء أزواجهن، بكل ما في تلك القصائد من مشاعر -كقصائد الصحابية الجليلة: “عاتكة بنت زيد” رضي الله عنها-، فما بالنا بالكتابات الجـهـا د ية؟!
⏪ ونساء السلف تكلّمْنَ بأصواتهن ودرّسْنَ الرجال، فما بالنا بأعمال مكتوبة مقروءة في الإنترنت؟! هذا كله يجعل الأمرَ قياسًا بالأَولى، والإسلام بأحكامه الساطعة: بريء مِنَ الجهلة والمغرضين، والمشبوهين الذين يحاولون التصدّي لكل مَنْ يعمل وتعمل في نصرة الدين والمجاهدين، لا حجة معهم ولا دليل، بل الشرع ضدهم، والأدلة حجة عليهم.
💡فاسترشادًا بالكتاب والسنة، وسيرًا على نهج سلف الأمة: سنبقى عاملات في نصرة إسلامنا الحنيف، وستكون أسماؤنا المتواضعة أشواكًا في حلوق المبطلين، جنبًا إلى جنب مع أسماء إخواننا الرجال.
لم نسمح -بفضل الله- أن يَقِفُونا، ولن نسمح -بعون الله- لجاهل أو جاهليّ ضيق التفكير محدود الأفق أن يمنعَنا، في أعناقنا أمانة سنُسأَل عنها يوم الدين! والحمد لله رب العالمين.
ختامًا أقول:
دعوني؛ سأمضي لِنُصْرةِ ديني * ولو كنتُ وحدي، وكنتُ فتاةْ!
📝 حفيدة السلفيّات؛ من الصحابيات والتابعيات