تمهيد لحساب في الآخرة بيننا وبين من تنكر لنا
خلال نصف قرن مضى
انصرمت اثنتان وخمسون سنة على تأسيس الحركة الإسلامية المغربية، ثبت فيها على أصل عقيدتها وفكرها ومنهجها من ثبت، ونفر عنها من نفر باختلاف الرؤى والطموح، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وظروف الاستقطاب الذي سلط عليهم من أعوان السلطة المحلية، وعاتيات الإغراء الخارجي.
خيل لبعضهم أن الاستنصار لا يكون إلا بالنظام، فنالوا منه حظا من الدنيا أنساهم الآخرة، وها هو حاليا ينقلب عليهم ليذيقهم الله به من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر، أما في الآخرة فأمرهم بيد الله.
واستنصر بعضهم بقوى شيعية في لبنان استغبتهم، وأخرى في إيران استصغرتهم، ثم انفرط عقدهم وتمزق شملهم وانقلبوا على بعضهم وذهبت ريحهم.
وتقلب آخرون بين شيوخ السلفية والمتسلفة تلامذة لهم ومقلدة لهم، ثوارا متمردين ومدخليين خانعين، شيوخا ومتمشيخين، ومرتزقة في معارك غيرهم عن الوعي مغيبين، منصرفين عن أصل الداء، مختلقين مع أعراضه معارك “طواحين الهواء”.
كل ذلك وحركتهم الإسلامية مشردة مطاردة في دول عربية وغير عربية، تعاني مكرهم ومكر غيرهم من الرافضين لأصل وجودها، فلم تلن لها قناة ولم تساوم على عقيدتها ولم تستغفل عن أهدافها التي هي تحقيق الولاء لله وحده، وترسيخ العقيدة السليمة تصورا وعبادة وسياسة واجتماعا ونظام حكم منبثق من الكتاب والسنة القولية والعملية الصحيحة، مما دونه تراثها المنشور ومنهج تربيتها المأثور، ولا ينكره أو يجادل فيه إلا جبان أو موتور. مكتفية بما لديها من الصادقين الأوفياء، كما يقول المثل: (كمشة نحل خير من شواري دبان).
في هذه الظروف التي انكشف بها الغطاء لكل عاقل، أدعو القوم إلى أن يقفوا وقفة مراجعة لمسيرتهم وتأمل لاختياراتهم وتمعن في فشل مساعيهم، بل وفي طبيعة أخلاقهم التي عاملوا بها حركتهم الأم وإخوانهم الذين ساهموا في تربيتهم وتوجيههم وترشيدهم، فجازوهم جزاء “سنمار”.
أدعوهم بهذه الدعوة لا رغبة فيهم ونحن أغنى الناس عنهم، ولكن حرصا على أن يتخلصوا في الحياة من آثام ما ارتكبوه فيها إزاءنا، ولا أظن أن ذلك يغيب عن النابهين منهم ومن أراد الله بهم خيرا، وأعتقد أن هذه الدعوة تمهيد موثَّق لحساب بيننا وبينهم يوم الدين والله تعالى يقول:( وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} الكهف 48 – 49.