تعليق على فصل :
[[ الشروط التي ينبغي توفرها في الخليفة]] :
(1)- أمَّا العدالة: فالمراد بها أن يكون صاحب استقامة في السيرة، وأن يكون متجنبًا الأفعال والأحوال الموجبة للفسق والفجور، فكما لا يكون الظالم والغادر مستحقًّا للخلافة، لا يكون المتَّصِف بالتآمر والتحايل كمثل تسليم قطيعٍ من الغنم للذئب وجعله راعيًا لها.
وأقوى برهان على ذلك قوله تعالى لإبراهيم -عليه السلام- عندما سأله أن يجعل الإمامة في ذريته:
{لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} ، أي: لا يستحقونها ولا يصلون إليها، والقصد الأساسي من تنصيب الخليفة هو دفع الظلم عن الناس لا تسليط الظلم عليهم، فلذا لا يجوز عند علماء الإسلام كافَّة انتخاب من هو بالظلم والبغي خليفة، كما أنَّ الخليفة الذي ارتكب الظلم والطغيان أثناء خلافته يستحقّ العزل، بل إنَّه عند قدماء الشافعية وعلى رأسهم الشافعي نفسه: ينعزل ولو لم تعزله الأمة.
[فقه الخلافة وتطورها (ص/91)].
(2)- يستلزم أغلبية الفقهاء أن يكون الخليفة على درجة كبيرة من العلم، فلا يكفي أن يكون عالمًا، بل يجب أن يبلغ مرتبة الاجتهاد في الأصول والفروع على السواء؛ لكي يكون قادرًا على تنفيذ شريعة الإسلام، ودفع الشبهات عن العقائد، وإعطاء فتاوى في المسائل التي تقتضيها، وإصدار الأحكام استنادًا إلى النصوص أو إلى الاستنباط؛ لأن الغرض الأساسي للخلافة هو صيانة العقائد وحل المشاكل والفصل في المنازعات.
[فقه الخلافة وتطورها (ص/92)]
قلت: وينبغي أن يكون الإمام إلى جانب علمه بأحكام الإسلام مثقَّفًا ثقافة عالية، مُلِمًّا بأطرافٍ من علوم عصره، ويا حبَّذا لو كان متخصِّصًا في بعضها، ويكون على علمٍ بتاريخ الدول وأخبارها، وبالقوانين والمعاهدات الدولية، والعلاقات السياسية والتجارية والتاريخية.
(3)- قلت: وقد فرَّق ابن خلدون في مقدمته بين العيوب الجسمية المطلقة التي تمنع الخليفة من أداء وظيفته، كأن يكون أعمى أو أخرس، أو أصمّ، أو مقطوع اليدين، أو الرجلين، ففي هذه الحالة لا يكون المرشَّح أهلًا للخلافة، أمَّا إن كان أعور أو أصمَّ بإحدى أذنيه، أو مقطوعًا إحدى يديه، ففي هذه الحالة يبقى المرشَّح أهلًا للرئاسة.
(4)- قلت: ويعبِّر بعض الفقهاء عن هذا الشرط بالحكمة، والحق أنَّ هذه الحكمة غالبًا ما تُكْتَسَب بالخبرة والتجربة، لكن غاية ما ينبغي أن يتوفَّر في المرشَّحِ لمنصب الخليفة أن يكون قادرًا على سياسة الأمور سياسةً دقيقة ناتجة عن حِنْكَة وتجربة وفهمٍ للواقع.
(5)- ذلك أنَّ الخليفة هو قائد الجيوش الإسلامية، ولا يتَّسق أن يكون قائد جيوش المسلمين جبانًا أو متخاذلًا عن الدفاع عن قضايا الإسلام الكبرى.
(6)- ويشمل ذلك كل من كان من ذرية قريش، التي تنتسب إلى جدِّها الأول “النضر بن كنانة”، الملقَّب بقريش، ولقد كان لهذه القبيلة في الجاهلية نفوذ كبير بين العرب من الناحية الدينية والأدبية. وبعد انتشار الإسلام في أنحاء الجزيرة، وخاصة بعد فتح مكة، وعفو النبي -صلى الله عليه وسلم- عن القرشيين، زاد نفوذهم زيادة عظيمة، وخاصَّة لكون النبيّ وكبار صحابته كانوا من قريشِ، وقد تأكَّد هذا النفوذ نهائيًّا بتولِّي أبي بكر الخلافة، الذي كان معناه الاعتراف بسلطة قريش، وكان الخلفاء الأربعة الراشدون قرشيين أيضًا، وكذلك الأمويون والعباسيون، وطبقًا لمذهب أهل السنة: لا نزاع في وجوب توفُّر هذا الشرط، فهو لازم بالإجماع تقريبًا، إلَّا أن بعض فقهاء السنة، ومنهم ابن خلدون، فضلًا عن المعتزلة والخوارج يميلون إلى إلغاء هذا الشرط. [فقه الخلافة وتطورها: (ص/96)].
(7)- قلت: هو ضرار بن عمرو المعتزلي، إليه تنسب الفرقة الضرارية من المعتزلة، كان يقول: يمكن أن يكون جميع من في الأرض مِمَّن يظهر الإسلام كافرًا؛ توفِّي في حدود الثلاثين ومائتين.
(8)- صحيح: رواه أحمد (11898)، وصحَّحه الشيخ الألباني في صحيح الجامع “2758”.
(9)- صحيح: ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح، وقال: أخرجه عبد الرزَّاق بإسناد صحيح، لكنَّه مرسل وله شواهد، وصحَّحه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (2966) .
(10)- والنظرية الأخرى التى أخذ بها الخوارج وغالبية المعتزلة، يقول هؤلاء: إنَّ الخلافة ممكنة لأيِّ شخص، ولو لم يمكن قرشيًّا، وحجتهم في ذلك الحديث النبوي: “اسمعوا وأطيعوا ولَوْ وُلِّيَ عليكم عبد حبشي” مما يدل -في نظرهم- على أنَّ الإمام يمكن أن يكون غير قرشي، بل إنَّ ضرار بن عمرو الغطفاني -وهو من فقهاء المعتزلة- يرى أنَّه يجب أن يفضَّل الزنجيّ على القرشيّ إذا كان كلاهما في درجة واحدة من الأهلية؛ لأنَّ الزنجي يكون من السهل عزله إذا خرج عن واجباته كخليفة.
[فقه الخلافة وتطورها: (ص/98)]