أكاذيب كاشفة
بقلم زينب عبد العزيز
الصورة المنشورة أعلاه لإعلان عن إقامة ندوة مفتوحة يوم 18 الجاري في باريس لتنصير المسلمين، وفقا لتوجيهات البابا فرنسيس، لتوصيل الإنجيل للأطراف الضواحي في كل مكان..
وحينما يصل العداء الممتد في الغرب وكراهيته للإسلام بهذا الشكل، خاصة في فرنسا، الي درجة الهَوَس، فلا بد من وقفة لفهم الوضع.. ففي يوم 18/11/2021 سوف تقام في باريس ندوة من 9,30 صباحا الي 6,30 مساءً بعنوان “الإسلام/الغرب، إلى أين نحن ذاهبون؟”. أما باقي الإعلان فيوضح النقاط التي ستتم مناقشتها: “وضع الإنسان، الدولة والدين، الرب والإنسان. اختلافات وعدم تكافؤ، وعدم فهم بين الإسلام والغرب فهل يمكن تخطيها؟ وتحت أية شروط؟”.. والملاحظ في مختلف هذه النصوص كمّ غير معقول من الأكاذيب وليّ الحقائق لتقديم “سماحة” المسيحية ونصوصها القائمة على التحريف واقتلاع الآخر.
كما نطالع في موقع “إيڤانچليك انفو” يوم 9/11/2021 أن المركز التبشيري في باريس سيقوم يوما 22 و23 نوفمبر، في ندوة حضورا ومذاعة عن بُعد، بشرح وتدريس كيفية القيام بالتبشير. وهي ندوة خاصة أساسا بالذين يقومون بعملية التبشير، مصحوبة بعدة نشاطات أخري وموائد مستديرة لتدارس مسئولية الذين يعملون في التبشير وحول مسئولية الكنائس المحلية ومسئولية المسيحي كفرد في عملية التبشير وكيفية استخدام شبكات التواصل لهذا الهدف، إضافة إلى تفعيل برنامج “معايشة الإنجيل والدعوة في العمل”. وهو ما يكشف عن التركيز حاليا على عملية التبشير الممنهجة التي تدور أيضا في مختلف البلدان.
وعودة إلى الخبر الأول نطالع في مقال بموقع “الحرية ـ السياسة” الفرنسي أن مارك فروماچيه، رئيس منظمة “إسْمري” (Ismérie) قام بشرح أهدافها في حوار أوضح فيه أن المنظمة تولدت من ملاحظة تزايد أعداد المسلمين الذين يتجهون إلى المسيح. وأنه من هذا المنطلق تساءلنا: “ما الذي نفعله لاستقبال هؤلاء المسيحيين الجدد؟ هل يمكننا توسيع الظاهرة، وكيفية مساندة المبادرات القائمة والتي تعمل في هذا الاتجاه”. وقد فاته إضافة المساومات والضغوط بالوظيفة والمرتب وفرض خلع الحجاب وغيرها من التصرفات التي يمارسونها على المسلمين والمسلمات لتضييق النطاق عليهم، إضافة إلى أنهم عادة ما يخصونهم بالوظائف الدنيا، خاصة لمن يكونوا قد قطعوا حبال العودة إلى الوطن..
ثم يواصل مدير المنظمة شارحا بوضوح كيف تطورت وتزايدت التنظيمات التي انضمت إليهم منذ أكثر من عشر سنوات، وطورت أساليبها في تنصير المسلمين، وتكوين هذه الإرسالية، والتعرف علي الإسلام، لذلك يعملون على توسيع مجالاتها.
ومن أهم أهداف هذه الندوة المقامة يوم 18 الحالي، مناقشة موضوع الإسلام والهجرة، التي تعد من الموضوعات المركزية في الحملة الانتخابية القادمة للرئيس ماكرون في مطلع العام الجديد. والثابت ان ماكرون من أكثر المعادين للإسلام والعاملين على اقتلاعه. لذلك يوضح مارك فروماچيه قائلا:
“ان قلقنا على مستقبل الشباب، وعلى فرنسا، ورغبتنا في أن يكون لنا تأثير حول تطور الوضع الديني في بلدنا، يمكننا تقديم بعض الحلول في حملة الانتخابات القادمة. كما أن المسيحيين القادمين من الإسلام هم سعداء بلقاء المسيح وفخورين بكونهم مسيحيين وأن ارتدادهم عن الإسلام دفعهم إلي حب فرنسا. والمسيحي القادم من الإسلام يُعد مبشّرا له وزنه وتأثيره على من يقوم بتبشيرهم وله تأثير مبهر. وهذا هو هدفنا جميعا”.. والكلام واضح فهم يفرضون على من يتم تنصيره أن يقوم بتنصير غيره من المسلمين لاختبار حقيقة ولاءه للمسيحية وإلا يُحارب..
أما شعار هذه الجمعية فيقول بوضوح: “إرسالية إسْمري: من الإسلام للمسيح”. ولها موقع على الإنترنت بعنوان: “يسوع أو محمد”. والغريب هنا كتابة اسم سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، كما يُنطق تماما وليس “ما أو ميه” (Mahomet) كما اعتادوا كتابتها عمدا وازدراء. أما العنوان الفرعي للموقع فيقول: “نقد تاريخي منطقي وكاثوليكي للإسلام”. أما أبواب الموقع فهي: “الأصول التاريخية الحقيقية للإسلام”؛ “الدين الإسلامي”؛ “تاريخ المسيحية”؛ “الإيمان المسيحي”. ومن يطالع المحتوي يجزع من كم العداء للإسلام ومن كم الأكاذيب والمغالطات المضفاه على المسيحية لتجميل خطاها عبر التاريخ.
وكل هذه الأكاذيب تتلفع بمسوح العلم لجذب القارئ الذي يجهل تاريخ المسيحية. فهي تلفيق متعمد على شاكلة “قرآن المؤرخين”. ذلك الجهد المنبت الذي أمضي ثلاثون باحثا خمسة أعوام من عمرهم لتشويه معني القرآن ومحاولة إثبات أنه غير منزّل من عند الله، ملقين عليه كل ما تم في تكوين نصوص المسيحية من تحريف، وكل ما تمخضت عنه عقولهم ليخرج في ثلاثة أجزاء ضخمة إضافة إلى مجلد للفهارس والملاحق. وأكبر دليل علي عدم رواجه رغم الدعاية الشاسعة التي أحاطوه بها والجائزة التي منحوها له من “معهد العالم العربي” في باريس، أنه منذ إصداره تم وضعه على التحميل المجاني.. وهو أكبر دليل على تفاهته بالنسبة للقراء الجادين.
وإرسالية “إسْمري” هدفها كما أوضحه مديرها هو مرافقة المرتدون عن الإسلام إلي المسيح. وعبارة “من الإسلام إلي المسيح” هي الشارة المميزة للجمعية. ويواصل مديرها موضحا معني اسم الجمعية: “إسمري كانت ابنة السلطان في القاهرة في آخر القرن العاشر. وكان قد تم القبض على ثلاثة من الفرسان الفرنسيين وفُرض عليهم الدخول في الإسلام. وحيال إصرارهم على الرفض، أرسل السلطان ابنته لإغرائهم. إلا أن الفرسان راحوا يحدثونها عن السيدة مريم التي ظهرت لها في المساء. فدخلت إسْمري في المسيحية وهربت مع الفرسان ووجدت نفسها في باريس واقاموا لها كنيسة باسمها”.. وتركيبة هذه القصة تنضح بالأكاذيب التافهة.
ويواصل مدير الجمعية قائلا: “ولقد اخترنا هذه الشخصية التاريخية كمسلمة دخلت المسيحية لأن هذا هو هدف إرسالية إسْمري: تشجيع ومصاحبة المرتدون عن الإسلام إلي المسيحية. وهناك العديد من هذه الجمعيات مع فارق أن إسْمري تعمل في العلن علي أمل جمع المزيد من التبرعات”. ويعلم الله ما يدور في الخفاء.
وأكبر دليل علي الأكاذيب حول شخصية “إسْمري”، ابنة السلطان، قالوا في المقالات المروّجة لهذا الهجوم التلفيقي علي الإسلام أنها من القرن العاشر، ومن القرن الحادي عشر، والقرن الثاني عشر. وقد يكون الاسم الذي ابتدعوه مشتق جدلا من “سمراء” أو “السمراء”. أما تفاهة أو حماقة ان يرسل السلطان ابنته في السجن لتقنع ثلاثة فرسان صليبيين معتقلين ويتم تنصيرها في لحظة ويهربون بها من سجن السلطان الي باريس، فهي نسيج أتفه من الرد عليه، لكن ذلك يكشف مستوي وسائل الهجوم علي الإسلام بتقديم أدلة من نسيج الفريات.
وردا على سؤال الصحفي الذي يحاوره قائلا: “قليلا ما نطالع دخول المسلمين في المسيحية في فرنسا أو في غيرها من البلدان”. فيقول السيد فروماچيه متهربا من الرد على السؤال فعكسه تماما ليقول: “هذه الظاهرة توجد في جميع أنحاء العالم حتى في قلب الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي يمكن أن نتصور إن الإسلام قد سيطر عليها نهائيا، إلا أن الارتداد عن الإسلام والدخول في المسيحية منتشر جدا. ففي إيران مثلا أكثر من ثمانمائة ألفا دخلوا المسيحية. وفي شمال إفريقيا كذلك، بل حتى في أند ونسيا وهي أكبر بلد إسلامي حيث وصل عدد المرتدين عن الإسلام إلي ستة ملايين. وفي فرنسا 10 % من التعميد الجديد يتم للمرتدين المسلمين”..
ثم يواصل السرد موضحا: “وهناك جمعيات “يسوع المسيح” التي نظمت أكثر من ثلاثين لقاء في سبع سنوات في كل فرنسا؛ و”جمعية صلاة التبشير”، ويعمل بها مائتين مبشر متطوع في خمسة عشر مدينة بفرنسا وإمكانياتها ضخمة جدا، وهناك جمعية “ملائكة النت” التي تصاحب المرتدين على الفيسبوك. كما أشار إلى فرَق تمثيلية في الكنائس يقوم بها مسلمون سابقون..
ولم يفت السيد المدير توضيح أنهم جميعا يعملون تحت إشراف الكنيسة الأم، أي الفاتيكان، وإن بعض أساقفة باريس يرشدونهم ويتولون توجيههم.. وما أكثر المقالات التي تعلن عن هذا الموضوع خاصة في فرنسا، من قبيل: “من الهلال إلى الصليب”، “المرتدون الجدد”، و”المرتدون عن الإسلام سيملؤون كنائسنا”. فهم يقومون بذلك بناء على أوامر البابا فرانسيس الذي طالبهم بتوصيل الإنجيل إلى كل الضواحي اعتمادا على الأخوّة الإنسانية المزعومة، التي انتزع لها وثيقة من الأزهر قائمة على خدع الترجمة التي تمت في الفاتيكان..
وبذلك وصل وأعلن السيد مدير جمعية “إسْمري” إلى أهم غاية وهي: تنصير العالم. وهو ما يتم تنفيذه حاليا بسُعار لا تغفله عين. لكن السؤال الذي أبدأ به وسط كل هذا الزخم، هو: عن أي إنجيل يتحدث البابا فرنسيس؟! أي إنجيل فيهم وهو لا يكف في معظم خطبه عن المطالبة “بتوصيل الإنجيل”، توصيل الإنجيل لكل الأطراف والضواحي، توصيل الإنجيل لكافة البشر في جميع أنحاء العالم..
لذلك اتساءل: أي إنجيل فيهم؟ أي إنجيل فالأناجيل الرسمية الأربعة التي صاغتها الكنائس من التضارب والاختلاف والتناقض بحيث لا يمكن جمعها أو اختصارها في إنجيل واحد. إضافة إلى انجيل يسوع الذي لا يعرفه أحد. فالكنيسة تقول إن يسوع لم يكتب شيئا، وبولس الرسول يقول في أعماله أنه كان يكرز بإنجيل يسوع. وهناك الأناجيل التي استبعدتها الكنيسة منذ بدايات مشوارها لعدد من الحواريين. فعن أي إنجيل يتحدثون؟ عن أي إنجيل يتحدث البابا مختلقا فرية أخري تمس كل المسيحيين، فالجميع يعلم ان الأناجيل الرسمية أربعة؟
وقبل ختام هذا العرض الخاطف لنسيج من الأكاذيب التي تشهد بل تصيح وتجهر بما يقومون به في الغرب لاقتلاع الإسلام، أذكّر في عجالة أن البابا فرنسيس أعلن منذ ستة أشهر، يوم 21/5/2021، عن إقامة سينودس قد بدأ بالفعل، ودعي كافة الكنائس في العالم للمساهمة فيه، لتدارس كيفية مواصلة تنفيذ قرارات مجمع الفاتيكان الثاني لتنصير العالم. وينتهي هذا السينودس في أكتوبر 2023، نعم أكتوبر 2023، على ان تكون جلساته الختامية قاصرة على أساقفة جميع الكنائس التي ينوي توحيدها ليستقوي بها في تنفيذ قرارات مجمع الفاتيكان الثاني وتنصير العالم.
وإن كان البابا فرانسيس ومن سبقوه قد حاولوا توحيد الكنائس المنشقة، فإن الثلاث فرق الرئيسية منها في مصر قد اتفقت منذ عشر سنوات علي ترك الخلافات بينها جانبا والاندماج شكلا في كيان واحد مع ضم الأزهر وأطلقوا عليه “بيت العائلة” لتسهيل تنفيذ قرارات المجمع الفاتيكاني الثاني. فبدأوا بمراجعة المناهج التعليمية العامة وتبعتها المناهج الأزهرية.. وهو ما تناولته في حينها بأكثر من مقال.
كما أن هذه الكنائس الثلاثة التي تتغني من جهة بالمحبة والاخاء وحب الوطن، هي نفسها التي تحضر وتساهم في تلبية طلبات البابا فرنسيس، وتساهم في المؤتمر الممتد الذي أعلن عنه المقام حاليا والذي سوف ينتهي في أكتوبر 2023. فلا يمكنها الانشقاق على أوامره لأنه القائد الأعلى لكافة الكنائس..
ويا لغرابة الصدف، فقد فات تلك الكنائس المحلية الثلاثة أنها كانت مسقطة مستبعدة من حسابات الفاتيكان وكأنها نسيا منسيا، منذ سنة 1054، عند انفصال كنائس الغرب عن الشرق. إلى أن احتاجها للمساهمة في مخطط اقتلاع الإسلام من منطقة الشرق الأوسط فتذكر الفاتيكان وجودها..