الأحاديث في المهدي ثابتة ومن عقيدة أهل السنة
لقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة عن ظهور المهدي عليه السلام، وأنّه سيكون في آخر الزمان، وهو علامة من علامات الساعة وشرط من أشراطها، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لا تذهب أو لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطىء اسمهُ اسمي واسم أبيه اسم أبي” رواه أحمد والترمذي. وقال عليه الصلاة والسلام: “المهدي من عترتي من ولد فاطمة”رواه أبوداود. فيكون اسمه محمد أو أحمد بن عبدالله من ولد فاطمة من نسل الحسن رضي الله عنه.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا يملك سبع سنين “رواه أبوداود. وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:”المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة”. رواه أحمد. قال ابن كثير: (أي يتوب عليه ويوفقه ويلهمه ويرشده بعد أن لم يكن كذلك).
ويخرج المهدي في آخر الزمان يؤيد الله تعالى به الدين يملك سبع سنين يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا تُنعم الأمة في عهده نعمةً لم تنعمها قط تُخرج الأرض نباتها وتمطر السماء قطرها ويعطي المال بغير عدد عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “أبشركم بالمهدي يُبعث على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض يقسم المال صحاحًا ” فقال له رجل: ما صحاحًا؟ قال: “بالسوية بين الناس، ويملأ الله قلوب أمة محمد غنًى ويسعهم عدله حتى يأمر مناديًا فينادي من له في مال حاجة؟ فما يقوم من الناس إلا رجل فيقول: ائت السدّان فقل له: إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالًا فيقول له: أُحثُ، حتى إذا جعله في حجره وأبرزه ندم، فيقول: كنت أجشع أمة محمد نفسًا، أو عجز عني ما وسعهم؟ قال:فيردّه فلا يقبل منه فيقال له:إنا لا نأخذ شيئًا أعطيناه، فيكون كذلك سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين، ثم لا خير في العيش بعده، أو قال: ثم لا خير في الحياة بعده”. رواه أحمد.
وفي هذا الحديث دليل على أن علامات الساعة الكبرى والشرور والفتن تظهر بعده.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث وتخرج الأرض نباتها ويعطي المال صحاحًا وتكثر الماشية وتعظم الأمّة يعيش سبعًا أو ثمانيًا “. ويخرج المهدي من قبل المشرق كما في حديث ثوبان رضي الله عنه الذي رواه بن ماجه: “يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلى واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلًا لم يقتله قوم ثم ذكر شيئًا لا أحفظه قال فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوًا على الثلج”.
قال ابن كثير في “النهاية”: (والمراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة يقتتل عنده ليأخذوه ثلاثة من أولاد الخلفاء حتى يكونَ آخرُ الزمان فيخرج المهدي ويكونُ ظهورُهُ من بلاد المشرق لا من سرداب سامراء كما يزعمه جهلة الرافضة من أنه موجود فيه الآن وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان فإن هذا نوع من الهذيان وقسط كبير من الخذلان، شديدٌ من الشيطان إذ لا دليل على ذلك ولا برهان لا من كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح ولا استحسان ويؤيّدُ بناس من أهل المشرق ينصرونه ويقيمون سلطانه ويشيدون أركانه وتكون راياتهم سود أيضًا وهو زيٌ عليه الوقار لأن راية رسول الله كانت سوداء يقال لها العقاب).
والمهدي يكرمه الله بكرامة لم يعطها لأحد قبله إلا لنبي حيث يصلي خلفه نبي الله عيسى عليه السلام حينما ينزل في آخر الزمان، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقول أميرهم: تعال صل لنا. فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة”.رواه مسلم.
وهذا الأمير المذكور في الحديث هو المهدي جاء ذلك في رواية أبي نعيم والحارث بن أسامة بلفظ: (فيقول أميرهم المهدي…) قال ابن القيم: إسناده جيد.
وقد تواترت الأحاديث بظهور المهدي تواترًا معنويًا، كما نصَّ على ذلك بعض الأئمة والعلماء قديمًا وحديثًا وفيما يلي ذكر طائفة من أقوالهم:
1. قال الحافظ أبوالحسن الآبري: (قد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذكر المهدي وأنه من أهل بيته وأنه يملك سبع سنين وأنه يملأ الأرض عدلًا، وأن عيسى عليه السلام يخرج فيساعده على قتل الدجال وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه). 2. وقال محمد البرزنجي في كتابه الإشاعة لأشراط الساعة: (الباب الثالث في الأشراط العظام والأمارات القريبة التي تعقبها الساعة وهي كثيرة منها المهدي وهو أولها، واعلم أن الأحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها لا تكاد تنحصر). وقال أيضًا: (قد علمت أن أحاديث وجود المهدي وخروجه آخر الزمان وأنه من عترة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ولد فاطمة عليها السلام بلغت حد التواتر المعنوي فلا معنى لإنكارها).
3. وقال العلامة محمد السفاريني: (وقد كثرت بخروجه -أي المهدي- الروايات حتى بلغت التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم). ثم ذكر طائفة من الأحاديث والآثار في خروج المهدي وأسماء بعض الصحابة ممن رواها ثم قال: (وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي الله عنهم بروايات متعددة، وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي، فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومُدوَّن في عقائد أهل السنة والجماعة).
4. وقال العلامة المجتهد الشوكاني: (الأحاديث في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثًا فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر وهي متواترة بلا شك ولا شبهة، بل يَصْدُق وصف التواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول، وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة أيضًا لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك).
5. وقال العلامة الشيخ صديق حسن خان: (الأحاديث الواردة فيه -أي المهدي- على اختلاف رواياتها كثيرة جدًا تبلغ حد التواتر المعنوي، وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد).
6. وقال الشيخ محمد بن جعفر الكتاني: (والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة وكذا الواردة في الدجال وفي نزول سيدنا عيسى بن مريم عليهما السلام) أنظر كتاب أشراط الساعة لـ/ يوسف بن عبدالله الوابل، ص 195 -203.
7. وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز: (المهدي المنتظر صحيح، وسوف يقع في آخر الزمان قرب خروج الدجال، وهو نزول عيسى عند اختلاف بين الناس، عند اختلاف عند موت خليفة فيخرج المهدي، ويبايع، ويقيم العدل في الناس سبع سنوات أو تسع سنوات، وينـزل في وقته عيسى بن مريم -عليه السلام- هذا جاءت به الأحاديث الكثيرة).
وقال رحمه الله: (فأمر المهدي أمر معلوم والأحاديث فيه مستفيضة بل متواترة متعاضدة، وقد حكى غير واحد من أهل العلم: تواترها… وهي متواترة تواترا معنويا لكثرة طرقها واختلاف مخارجها وصحابتها ورواتها وألفاظها، فهي بحق تدل على أن هذا الشخص الموعود به أمره ثابت وخروجه حق وهو (محمد بن عبدالله العلوي الحسني) من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا الإمام من رحمة الله عز وجل للأمة في آخر الزمان يخرج فيقيم العدل والحق ويمنع الظلم والجور، وينشر الله به لواء الخير على الأمة عدلا وهداية وتوفيقا وإرشادا للناس) أهـ. موقع الشيخ.
8. وقد ألف كثير من العلماء كتبًا في إثبات خروجه وجعلوا ذلك من عقيدة المسلم منهم: الحافظ أبونعيم، وأبوداود وأبي كثير والسخاوي والشوكاني وغيرهم ومن المعاصرين الشيخ عبدالمحسن العباد في كتابه عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر، والشيخ محمد بن إسماعيل المهدي في كتابه حقيقة لا خرافة.
أما إنكار المهدي المنتظر بالكلية كما زعم ذلك بعض المتأخرين فهو قول باطل؛ لأن أحاديث خروجه في آخر الزمان وأنه يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا قد تواترت تواترا معنويا وكثرت جدا واستفاضت وصرح بذلك جماعة من العلماء، وهو كالإجماع من أهل العلم. ولكن لا يجوز الجزم بأن فلانا هو المهدي إلا بعد توافر العلامات التي بينها النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأحاديث الصحيحة الثابتة.وقد أدعى كثير من الناس أن المهدي خرج أو سيخرج لنصر أغراضهم أهدافهم الشخصية وعقائدهم الضالة كالقاديانية والبهائية والشيعة وغيرها فأدى ذلك ببعض المتأخرين أن يردوا أحاديث المهدي أو يؤولوها بأن المقصود بالمهدي نزول عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان، واستدل بعضهم بحديث ورد مرفوعا وهو: ” لا مهدي إلا عيسى بن مريم “. وهو حديث ضعيف لا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. انظر ” السلسلة الضعيفة ” (1 / 175) للعلامة الألباني رحمه الله.
قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى: (أما المهدي الذي يدعيه الرافضة فهذا لا أصل له، مهدي الشيعة من الرافضة، صاحب السرداب هذا لا أصل له عند أهل العلم بل خرافة لا أساس لها ولا صحة لها.
وعلى المسلم أن لا ينتظر خروج المهدي، بل عليه أن يجتهد في العمل الصالح، ويسارع لنصرة الدين ونشر السنة، والدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن لا يعتمد على خروج المهدي أو غيره، بل يُصلح نفسه وأسرته ومن حوله، وبالتالي إن لقي الله لقيه وقد أعذر من نفسه.