رؤيـة الـنـبـي ( صلى الله عليه وسلم)
كتبه عبد الله بن سُلَيْمَان العُتَيِّق
شبكة وا إسلاماه الإخبارية
و قال ( صلى الله عليه وسلم ) : ” من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ، فإن الشيطان لا يتمثل بي ” .
كثير من الناس يفرح برؤية النبي صلى الله عليه و سلم في المنام ، و لا عجب إذ رؤيته في النوم خيرٌ للرائي و منفعة له ، و هي إما بشارة أو نذارة ، و كل ذلك خير .
و لكن في رؤيته صلى الله عليه و سلم ثمة مسائل :
1) رؤية النبي صلى الله عليه و سلم في المنام على قسمين :
الأول : ما يحتاج إلى تعبير .
كمن رآه و هو يأمره بملازمة الطاعات ، و ترك المعاصي ، و على هذا حال كثير من الصالحين .
الثاني : ما لا يحتاج إلى تعبير .
2) رؤيته على صفته : جمهور أهل العلم أن من رأى النبي صلى الله عليه و سلم في المنام فلا بد أن يكون على الصفة التي مات عليها و هم أخذوا في ذلك بقول ابن سيرين : ( إذا رآه في صفته ) .
قلت : و في هذا نظر ؛ و الصواب _ و الله أعلم _ أن من رأى النبي صلى الله عليه و سلم في منامه فهو قد رآه سواء رآه على صفته التي مات عليها أو بعض صفته _ عليه الصلاة و السلام _ .
و الدليل على هذا قوله : ” فإن الشيطان لا يتمثل بي ” و ظاهره العموم أي لا يتمثل بأي صفة من صفاته عليه السلام .
قال الحافظ : و الصواب التعميم في جميع حالاته بشرط أن تكون صورته الحقيقية في وقت ما سواء كان في شبابه أو رجوليته أو كهوليته أو في آخر عمره ، و قد يكون لما خالف ذلك تعبير يتعلق بالرائي .أهـ .
و لأبي بكر بن العربي كلام غاية في النفاسة و التحقيق و هو : ( رؤية النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة ، و رؤيته على غير صفته إدراك للمثال ) .
3) رؤيته ( صلى الله عليه وسلم ) عامة لجميع الناس فليست خاصة بأمته ، و ليست خاصة بالصالحين من أمته .
و تُعَبَّرُ لكل راءٍ بحسبه .
قواعد :
الأولى : من رأى الملائكة أو النبيين أو الصالحين :
1) على هيئة حسنة و إقبال عليه فهي : بشارة و خير و رحمة .
2) إن رآهم على عكس ذلك فهو نقص في الرائي .
الثانية : من رأى نبياً فإن العابر يَعتبر للرائي ما جرى للنبي المرئي .
الثالثة : إن رأى الرائي أنه في صفة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو صاحَبَه أو لبس بعض ثيابه فهو : ارتفاع لذكره و تشرف أهله به .
الرابعة : إن رأى الرائي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أعرض عنه أو شتمه أو تغير عنه ؛ فهو : نكد يحصل للرائي ، و ربما كان على أمر مكروه .
و قال ( صلى الله عليه وسلم ) : ” الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت ” .
هذه المسألة مهمة و الكلام فيها حاصله أمران :
1) أن الرؤيا لأول عابر لها إن وافقت ما خُطَّ في اللوح المحفوظ .
2) أن الرؤيا ليست لأول عابر إذا أخطأ في التعبير .
فمدار وقوع تعبير الرؤيا من المعبر في حالة إصابته ، و أما في حالة خطأه فلا تقع على ذلك .
وقد تقع الرؤيا على التعبير الأول _ مع الخطأ _ لا لكونه هو الصواب بل لكونه وافق المكتوب في القدر .
و هذه لمحة دقيقة قلَّ من تنبه لها .
مما انتشر عند كثير من الناس _ بل المعبرين _ أن مراتب التعبير ثلاثة مراتب _ و هذا التقسيم من عندهم و ليس في الشريعة لذا داخلها التعقيب _:
1) الإلهام ؛ و هو : ما يقذفه الله في قلب العابر من تعبير .
2) الوراثة ؛ و هي : وراثة التعبير من السالف للعابر .
3) الاكتساب ؛ و هو : المعرفة بالتعبير عن طريق التجربة ، و معرفة قواعد التعبير الكلية ، أو القيـاس .
قلت : أما كونه إلهاماً فالصحيح أن المراد به التوفيق من الله _ تعالى _ لفهم الرؤيا ، و التسديد في التعبير ، و هو _ أي الإلهام _ مُسْتَنِدٌ إلى ألفاظ الرؤيا ليعرف باطنها .
إما ادِّعاءُ أنه شيء يقذفه الله في قلب المعبر ففي النفس منه شيء ، لأنه _ أي العابر _ محتاج إلى فهم ألفاظ الرؤيا ، بل يعتبر بالألفاظ حتى يصل إلى تعبير صائب .
نعم ؛ قد يكون من التعبير عنده إلهاماً من الله _ تعالى _ و لكنهم نادرين ، و تعبيرهم بالإلهام نادر .
و أما التعبير بالوراثة فقد يكون وقع ، و لكنه على قلَّةٍ ، و من هذه حاله يفتقر إلى ما افتقر إليه من ألهمه الله التعبير .
و يظهر لي _ و الله أعلم _ أن التعبير قد يكون بالتكسب و التعلم ، و لي على ذلك أدلة سبعة ، هي :
1) دلالة تعريف ( التعبير ) ؛ فهو : العبور من ظاهر الرؤيا إلى باطنها .
و وجه الدلالة فيه : أن التعبير إنما هو طريق لمعرفة باطن الرؤيا من خلال ما يظهر منها ، فلو كان التعبير إلهاماً لما كان للظاهر أي اعتبار .
2) حديث النبي صلى الله عليه و سلم : ” للرؤيا كنى و لها أسماء فكنوها بكناها واعتبروها بأسمائها”. و على هذا جرى عمل السلف .
3) سؤال النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه كل صبح من رأى منكم رؤيا البارحة استدل منه العلماء أن الرؤيا تُتَعلَّم .
4) أن المعبر ينظر في التعبير إلى ما في الرؤيا من ألفاظ .
5) أن من الكفار من هو متمرِّس في التعبير . و الإلهام مِنَّةٌ من الله و فضيلة فلا يجعلها لكافر .
6) أن لها أصولاً يُعتمَدُ عليها في التعبير .
7) أن لها كُليات يرجع إليها المعبر في تعبير الرؤى و تأويلها .
و أمثلة هذه الأدلة كثيرة ليس هذا موضع بسطها .
و ليس معنى كلامي أن كلَّ من أراد أن يعبر عبر لا ، بل عليه بمراعاة الضوابط و الأصول المقررة في ذلك .
قلت : قد يقول قائل فما توجيه كلام الإمام مالك : ( أبالنبوة يُلعب ) .
فالجواب : أن كلام الإمام مالك في محله و هو متوجه إلى من لا يدرك الوصول إلى باطن الرؤيا عن طريق ظاهرها ، و يتوجه _ أيضاً _ إلى من يحمل الرؤيا الشر على الخير _ كما ظاهر في السؤال _ .
و قد يقول قائل _ أيضاً _ : إن العلماء قالوا : إن التعبير علم من العلوم التي يختصُّ الله بها من يشاء من عباده .
فالجواب : صحيح أن التعبير كما ذُكر و لكن المراد بذلك الفهم الصائب للرؤيا ، كما هو الحال في فهم نصوص الكتاب و السنة فمن الناس من يفهم فهماً سديداً و منهم من يفهم فهماً شاطحاً مجانباً للصواب .
وردت أحاديث كثيرة فيها النهي عن عرض الرؤيا و قَصِّها على غير من هو أهل لها ، و على الرائي أن يعرض رؤياه على :
1) رجل صالح ذي دين و تقى .
2) عالم بالتعبير يؤولها على الخير مهما أمكنه .
3) ناصح يرشد الرائي إلى ما ينفعه .
4) لبيب عارف بالتأويل .
5) حبيب إن عرف خيراً قاله ، و إن جهل أو شك سكت و لم يتكلف التعبير .
و على الرائي إن شك في رؤياه أو كانت بشرى فلا يقصها إلا على عالم ناصح .
و في هذا فائدة للرائي _ نفسه _ فإنه إذا حدَّث بالرؤيا الصالحة الحسنة من لا يُحب ربما كان ذلك باعثاً لمن قُصَّتْ عليه على أن يحسد صاحب الرؤيا فيؤولها على الشر و الضر
1) أن يكون عالماً بالتعبير لأنه علم و هو جزء من النبوة فلا يجوز الخوض في التعبير إلا إذا كان أهلاً لذلك ؛ و لما سئل مالك : أيعبر الرجل الرؤيا على الخير و هي عنده على الشر ؟ قال : أبالنبوة يُلعب .
2) أن يكون ناصحاً في التعبير فلا يحمله كرهه لأحد أن يحمل رؤيا الخير على الشر ، و لا حبه لأحد أن يحمل رؤيا الشر على الخير .
3) أن يكون تعبيره على وَفْقِ الأصول الشرعية المُقَرَّرَة في الشريعة .
4) أن يكون تعبيره للرؤى الصادقة ، فلا يعبر الأضغاث و لا الرؤى الشيطانية .
5) أن يتريث في التعبير فلا يعبر لكل أحد و هذا هو حال ابن سيرين _ رحمه الله _ .
6) أن يكون تعبيره للرؤى مستنداً إلى أمور معتبرة في الشريعة _ و سيأتي ذكرها _ .
7) أن يحذر من الوقوع فيما لا يجوز له الخوض فيه من الغيبيات كالتحديد لوقوع الرؤيا .
8) أن لا يجعل تعبيره عاماً لكل الرؤى المعروضة عليه _ و قد تكون بعض الرؤى تحتمل عِدَّةَ أمور، و عدة رؤى تعبيرها واحد _ .
9) إن كان في التعبير ترويع للرائي و فجعاً له فليتلطف في التعبير ، و إن سكت و نصح فهو خير .
10) أن يتيقن الرؤيا و يعرف أحوالها و أحوال الرائي لها و من ثمَّ يعبر .
11) إذا أشكل عليه شيء فلا يتكلف و يفسره بل يقول : لا أعرف ، أو لا أدري .
12) عليه أن يلزم الستر على الرائي فلا يظهر ما لا يحسن عنه .
13 ) ان لا يجزم العابر بتعبيره بل يجعله محتملا للخطأ ، و إن كان في نفسه أنه مؤكد .
1) دلالة الكتاب .
و من ذلك معرفة أمثال القرآن و دلالاته فإنها أصول التعبير ، قال ابن القيم _ رحمه الله _ : وبالجملة فما تقدم من أمثال القرآن كلها أصول وقواعد لعلم التعبير لمن أحسن الاستدلال بها وكذلك من فهم القرآن فإنه يعبر به الرؤيا أحسن تعبير وأصول التعبير الصحيحة إنما أخذت من مشكاة القرآن .
2) دلالة السنة .
3) دلالة الأمثال السائرة بين الناس .
4) دلالة الأسماء و المعاني ( و هو الاشتقاق ) .
5) دلالة الضد و القلب ؛ أي : ضد ما في الرؤيا ، و عكس ما فيها ؛ و هو نوعان :
الأول : جلي .
الثاني : خفي .
6) اعتبار حال الرائي .
7) اعتبار ألفاظ الناس بالنسبة إلى اصطلاح الرائي .
8) اعتبار عادات الناس و أديانهم .
9) القياس و الاعتبار ، فإن ( مدار تأويل الرؤيا على معرفة القياس والاعتبار ) .
و قد يكون الظاهر من الرؤيا شيء و لكن التأويل بضده فلا تلازم بين الظاهر و التأويل .
و قد يختلف تعبير الرؤيا من راءٍ إلى آخر بسبب :
1) اختلاف اللغات .
2) اختلاف الأديان .
3) اختلاف الزمان .
4) اختلاف المكان .
5) اختلاف الصنائع .
6) اختلاف العادات .
7) اختلاف المعايش و الأرزاق .
8) اختلاف الأمراض .
9) الموت و الحياة .
10) اختلاف الفصول .
الأولى : الأنبياء و رؤياهم كلها صدق لأنها و حي من الله .
الثانية : الصالحون و رؤياهم قد يقع فيها الصدق _ و هو الأغلب _ و غيره _ و هو الأقل ـ .
الثالثة : من عدا القسمين الأولين ، و قد يقع في رؤياهم الصدق و الضغث ، و هم ثلاثة أقسـام :
1) مستورون و الغالب استواء الحال في حقهم .
2) الفسقة و الغالب على رؤياهم الأضغاث و يقل الصدق فيها .
الوسومشبكة وا إسلاماه الإخبارية
أفغانستان تحت حكم طالبان: من حقول الأفيون إلى مزارع القمح ومن الإدمان إلى الإصلاح” تحقيق …