إنصاف الحجاج القائد الفاتح
وتفنيد الافتراءات عليه
الحلقة الثامنة والتاسعة
الأستاذ محمد أسعد بيوض التميمي
شبكة وا إسلاماه الإخبارية
توصلنا من الأستاذ الفاضل محمد أسعد بيوض التميمي كتابه الجديد عن الحجاج بن يوسف الثقفي دراسة تاريخية استهدف من خلالها إنصاف هذا القائد المسلم المفترى عليه وقد استغرقت منه سنوات من البحث والتدقيق في مراجع التاريخ ليقدم للمكتبة التاريخية والإسلامية دراسته المدعمة بالأدلة التي نفذ من خلالها كافة المفتريات التي ألصقت بالحجاج عن الحجاج عليه فأننا ننشرها على حلقات…. إماطة اللثام عن الوجه الآخر للحجاج القائد المسلم
ونفتح باب النقاش العلمي الرصين لمن أراد أن يدلي بدلوه في هذا الإتجاه بغية أثراء النقاش..جاد في الإتجاه الذي يخدم العلم والحقيقة وبيانها …
الحجاج وإنهاء فتنة عبد الله بن الزبير
أيها الناس أيها القاريء ارجو أن تقرأ قصة الحجاج وعبد الله بن الزبير بتمعن وتدبر حتى تعلم الحقيقة فأنا واثق أن معظمكم بل جميعكم سيكتشف بأن هذه المعلومات عن هذه الفتنة لم يك يعلمها من قبل ويعلم بها اول مرة حيث ان معلوماتكم هي بالسمع والنقل ودون بحث وتدبر في التاريخ ولتعلموا بأن الحجاج لم يقتل عبد الله بن الزبير ظلما وعدوانا وإنما تطبيقا للحكم الشرعي الذي احتكم اليه الحجاج وهذا ما سنذكره في سياق الحديث عن كيفية إنهاء هذه الفتنة وعلينا أن نعلم إن جميع الروايات التاريخية عن قصة الحجاج مع عبد الله بن الزبير مأخوذة من المؤرخ الشيعي الواقدي الذي كان يمارس التقية فملاء كتبه بكثير من الروايات التي تطعن بالحجاج وبني امية حتى انه وضع احاديث لدعم رواياته والتي تنسجم مع عقيدته وروحه الشيعية المجوسية المعادية لبني أمية و المولود مع نهاية الدولة الأموية في عام 130 والمتوفي في عام 207 هجري ومن المعروف ان الواقدي كان على صلة قوية بخلفاء بني العباس مما اثر في أمانته العلمية فكان يكتب التاريخ بما يرضيهم عنه ويقربه بهم حتى أنه حذف اسم العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسماء اسرى المشركين في معركة بدر وشرحنا عنه في المقدمة عندما كتبنا عن المؤرخين
فعندما استفحل أمر تمرد عبد الله بن الزبير في مكة والمدينة, وطال أمده و الذي استمر ثلاثة عشر عاماً شجع كثيرا من الذين يدعون بأنهم احق بالخلافة في كثير من الولايات والأمصار وخصوصا في العراق بالخروج عن الخلافة الأموية حتى أن جميع الولايات خرجت عن طوع وبيعة خلافة بني امية ولم تبقى على البيعة معهم إلا الشام , وأصبحت الدولة الإسلامية الأموية التي حملت الراية من بعد الخلفاء الراشدين على شفا الانهيار ومهب الريح تمزقها الفتن ففقد فيها الأمن والأمان والاستقرار وتعددت الرايات وأنشغل المسلمون بأنفسهم مما أدى الى توقف الجهاد والفتوحات ونشر الإسلام في الأرض وتعطلت فريضة الحج احد اركان الإسلام طيلة هذه المدة واصبح حتى مصير الإسلام في
70
الأرض في خطر لولا أن الله تكفل بحفظ دينه فيبعث من ينصره فأمام هذا الحال المنهار والوضع الخطير والمصيري الذي أصبحت فيه الدولة الإسلامية الأموية
كان لابُد من اتخاذ قرار حاسم وحازم لا تردد فيه لإنهاء تمرد عبد الله بن الزبير وإعادة الحجاز(مكة والمدينة)الى حضن الخلافة الأموية كمقدمة لإنهاء جميع الفتن والثورات التي أصبحت تهدد وجود الدولة الإسلامية والتي اتخذت من تمرد عبد الله بن الزبير في الحجاز حجة وغطاء لشرف ورفعة نسبه
ونتيجة لرفض ابن الزبير جميع المحاولات السلمية والوساطات التي قام بها أبناء الصحابة بناء على طلب الخليفة الأموي يومئذ عبد الملك بن مروان لإنهاء تمرده حيث حاول عبد الملك بن مروان أن يُنهي هذا التمرد بكل الوسائل السلمية تجنباً لسفك دماء المسلمين
أصبحت المواجهة العسكرية مع عبد الله بن الزبير حتمية فهو لم يترك خيارا أمام الخليفة عبد الملك بن مروان الا خيار المواجهة المسلحة وأن يتم إنهاء تمرده بالقوة فأوكل هذه المهمة الصعبة والخطيرة والمستعصية الى قائده العسكري الحجاج بن يوسف الثقفي ,وكانت خطورة هذه المهمة نابعة من اتخاذ عبد الله بن الزبير من بيت الله الحرام معقلاً له وملاذاً حتى يُعطي تمرده بُعداً دينيا وشرعيا وحتى يحمي نفسه من اي محاولة للقضاء على تمرده , وكان عبد الملك بن مروان أيضا يعلم إن فشلت هذه المهمة ممكن أن تكون المحاولة الأخير مما سيؤدي فرط عقد الدولة الأموية ,وإن بقيت دون إنهاء فستبقى خنجراً في ظهرها ,تشل حركتها وتمنعها من القيام بواجبها في حماية الدولة من الأخطار التي تهددها داخليا وخارجيا ,وتمنعها من استئناف الفتوحات التي توقفت طيلة تمرد عبد الله بن الزبير ,فكان الحجاج أنسب قائد ممكن أن يكلف بهذه المهمة الخطيرة التي يتوقف عليها مصير الدولة الأموية
فموقف عبد الله بن الزبير هذا واصراره على الخروج على الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ورفضه لجميع محاولات إنهاء تمرده
71
بالحسنى وبالتفاوض وبالسلم , جعل عبد الله ابن الزبير في موقف العاصي لولي أمر أمير المؤمنين والخارج على الخلافة ومهدد لوجودها , مما جعل الحجاج يعتبر بأن إنهاء تمرد عبد الله بن الزبير واجب شرعي وتطبيق الحكم الشرعي عليه بتطبيق حد الحرابة عليه وخصوصاً بأن الذي كلفه بمهمة إنهاء هذا التمرد وهذا الخروج هو الخليفة عبد الملك بن مروان امير المؤمنين الذي له في عنقه بيعة واقتناعه أن تنفيذ هذه المهمة هي طاعة لله رسوله ولولي الأمر محتجا بدليل من القرأن والسنة اما الدليل من القرأن فهو
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا
(59) النساء
وقيام عبد الله بن الزبير بالإلحاد بالكعبة أي اللجوء اليها واللواذ والإحتماء بها وتعريضها الى الإضرار جعل الحجاج يحتج بقول الله تعالى:
وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ 25 الحج
ومعنى الأية أن من يلجأ الى البيت الحرام للاحتماء به مما يؤدي الى منع الطواف والعبادة ويؤدي الى الإضرار به من اجل مغانم ومكاسب دنيوية فأن الله توعده بالعذاب الشديد فنتيجة لجوء عبد الله بن الزبير الى الكعبة تعطل الحج تحت راية واحدة ثلاثة عشر عاما اما الدليل الشرعي من السنة الذي احتج به الحجاج لإنهاء الفتنة والذي يتم تجاهله ولا يتم الا الاستشهاد بما يدين الحجاج كحديث مبير ثقيف والذي لا ينطبق على الحجاج وهذا الدليل هو
روى العلامة السيوطي في جمع الجوامع عن إسحاق بن سعيد عن أبيه قال : أتى عبد الله بن عمر عبد الله بن الزبير
72
فقال : يا بن الزبير إياك والإلحاد في حرم الله تعالى ، فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سيلحد فيه رجل من قريش لو أن ذنوبه توزن بذنوب الثقلين لرجحت عليه فانظر لا تكونه
وقال الإمام أحمد في مسنده ص 376 :
حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم، حدثنا إسحاق بن سعيد، حدثنا سعيد بن عمرو قال:
أتى عبد الله بن عمر الى عبد الله بن الزبير وهو في الحجر جالس
فقال: يا ابن الزبير، إياك والإلحاد في حرم الله، فإني أشهد أني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «يحلها وتحل به رجل من قريش لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها فانظر أن لا تكونه
حدثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن يحيى عن ابي سلمة عن عبد الله بن عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
يلحد بمكة رجل من قريش ، يقال له : عبد الله ، عليه نصف عذاب العالم ” فوالله لا أكونه ، فتحول منها ، وسكن الطائف
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أباح دم جماعة في فتح مكة ,عندما أخبر أن بعضهم قد تعلق بأستار الكعبة فقال(إن الكعبة لا تعيذ عاصياً ولا تمنع من اقامة حد وجب)
73
ومما يؤكد أن الحجاج كان حريصا على الكعبة وحرمتها وعدم الحاق أي ضرر بها استحضاره قول الله سبحانه عن التحذير من الألحاد بالكعبة أي اللجوء اليها من اجل مكسب دنيوي وتحذير رسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك و قول الحجاج (إني والله لكاره لما ترون ولكن ابن الزبير لجأ الى البيت الذي لا يمنع خالع طاعة ولا عاصياً ولو أنه اتقى الله وخرج فأصحر لنا(أي خرج الى الصحراء) فإما أن يظفر وإما أن نظفر )اي أن الحجاج تمنى بأن يخرج عبد الله بن الزبير من صحن الكعبة الى خارج مكة الى الصحراء ويكون هناك القتال بعيدا على الكعبة حفاظا على حرمتها وعدم الحاق اي ضرر بها و إما أن ننتصر عليه أو ينتصر علينا ,فيستريح الناس من هذا)
ولكن عبد الله بن الزبير رفض وبقي يلوذ بالكعبة ,ومع ذلك لم يُباغت الحجاج عبد الله بن الزبير في الكعبة, وإنما أعطاه فرصة لتجنب القتال في البيت الحرام…
فحاصر الحجاج الكعبة مدة ثلاثة أشهر لإعطاء عبد الله بن الزبير فرصة كبيرة وفسحة من الزمن ليراجع نفسه لعله يُنهي تمرده بطريقة سلمية
74
ويُوفر دماء المسلمين ,خصوصاً أن معظم من كان معه تخلوا عنه وانفضوا من حوله بما فيهم ولديه ,ولكنه أبى وأصر على موقفه مما اضطر الحجاج أن يقتحم عليه الكعبة تنفيذا للحكم الشرعي بأن من يلوذ بالكعبة ويلحد بها فهو ظالم ويستحق العقاب وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذر عبد الله بن الزبير بالاسم من ذلك وحذره عبد الله بن عمر كما جاء في الأية والحديث انفا ومع ذلك لم يستسلم عبد الله بن الزبير بل بقي يقاتل وحده حتى قتل فلو أراد الحجاج أن يقتل ابن الزبير فوراً ومتعطش لدمه كما يدعي الواقدي , لما أنذره ثلاثة أشهر من أجل أن يمنحه فرصة للنجاة ,حتى لا يقتله ولكنه أصر على القتال وعدم الاستسلام …
فالحجاج اعتبر عبد الله بن الزبير الذي خرج عن ولي الأمر والتجأ الى الكعبة قد الحد بالحرم أي انه تحصن ولاذ به وعطل العبادة والتعبد فيه فهو ارتكب معصية فيه وزاغ عن الحق
وفي ص 472 من كتاب اعلام النبلاء للذهبي
قيل : كتب يزيد إلى نائبه عمرو بن سعيد الأشدق واليه على المدينة وجه جندا لابن الزبير