الرئيسية / المنبر الحر / الإمام شامل أسد داغستان

الإمام شامل أسد داغستان

الإمام شامل أسد داغستان

مقدمة

لقد اتبع النظام الشيوعي البائد في حكم ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي سياسة الستار الحديدي والتعتيم الكامل عما يجري على أراضيه عموماً وعلى المناطق الإسلامية خصوصاً حتى نشأت أجيال متعاقبة من أبناء المسلمين لا يعلمون أن لهم إخواناً في العقيدة يعانون من الظلم والقهر لقرون طويلة، ولم تتكشف هذه الحقيقة إلا بعدما سقط الاتحاد السوفيتي وظهرت الجمهوريات الإسلامية، وقام المسلمون من تحت ركام الطغيان الصليبي ثم الشيوعي، ليرووا لنا الأهوال التي لاقوها من أجل الحفاظ على دينهم وعلى هويتهم، التي ظلت صامدة راسخة في قلوبهم، واستعصت العقيدة المتغلغلة في نفوسهم على التغيير والتبديل، وقاموا ليرووا لنا تاريخ أبطالهم العظام الذين قادوا المسلمين في التصدي لحرب الروس، وهذه سيرة واحد من أعظم أبطال المسلمين في تلك المناطق .

الإسلام في بلاد القوقاز

يطلق لفظ بلاد القوقاز أو القفقاس أو القفجاق على المنطقة الشاسعة الواقعة بين بحر قزوين ‘الخرز قديماً’ والبحر الأسود، ولقد دخل الإسلام لهذه المناطق مبكراً عندما فتح ‘سراقة بن عمرو’ أذربيجان عام 22هجرية في عهد الفاروق عمر رضى الله عنه، ثم أتم عبد الرحمن بن ربيعة الفتح بدخول مدينة ‘دربند’ على ساحل بحر قزوين وكان العرب يسمونها ‘باب الأبواب’ وتقع في ‘داغستان’ ثم واصل ‘سراقة بن عمرو’ فتوحاته بالقوقاز ففي عهد الخليفة الراشد ‘عثمان بن عفان’ رضى الله عنه فتح أرميتيا وجورجيا، ثم ارتد الأرمن فجاءهم جيش بقيادة ‘حبيب بن مسلمة’ فأخضعهم [وهكذا نرى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يسيحون في أقصى أرجاء المعمورة فاتحين ومبشرين وهادين الناس لدعوة الإسلام، حاملين في أعناقهم أمانة تبليغ الإسلام للعالمين، رافعين راية التوحيد ليبددوا بها ظلمات الشرك والجاهلية ولو في آخر بلاد العالمين].

لم يستقر الوضع للمسلمين بهذه المناطق بسبب بعدها عن الجزيرة العربية وكثرة ثورات أهلها الذين لم يتعرفوا بعد على حقيقة الإسلام، وكان الإسلام قد انتشر في الجهات الشرقية ‘داغستان والشيشان’ والجنوبية ‘أذربيجان’، وبقيت الأجزاء الوسطى والتي تتضمن بلاد جورجيا وأرمينيا نصرانية وعلى اتصال مباشر مع الدولة البيزنطية التي كانت تحرضهم على المسلمين باستمرار، واستمر الوضع هكذا أيام الدولتين الأموية والعباسية حتى ظهرت قوة السلاجقة الأتراك الذين سيطروا على بلاد القوقاز سنة 465 هجرية .

ومن حسن طالع هذه البلاد أنها كانت ضمن أملاك مغول القبيلة الذهبية أو أسرة ‘جوجى بن جنكيز خان’ وكانت هذه القبيلة أولى قبائل المغول إسلاماً خاصة أيام ملكهم العظيم ‘بركة خان’ فانتشر الإسلام أكثر فأكثر ببلاد القوقاز، ولكن انشغال ملوك هذه القبيلة بالحروب المستمرة مع بنى عموتهم ‘الدولة الإيلخانية’ هولاكو وأبنائه، صرفهم عن توسيع رقعة الإسلام بالقوقاز وظلت جورجيا وأرمينيا نصرانية.

بلاد القوقاز بين العثمانيين والصفويين

انقرضت دولة المغول وتفتت لدويلات صغيرة متناثرة هنا وهناك، وفى هذه الفترة تنامت قوى إسلامية جديدة على طرفي النقيض وهى الدولة العثمانية السنية والدولة الصفوية الشيعية وأيضا ظهرت قوة نصرانية جديدة وهى الدولة الروسية والتي حاولت أن تتوسع على حساب الدول الأخرى، وكانت منطقة القوقاز هي حلبة الصراع وتنازع القوى الثلاثة، ذلك لأنها تقع في وسط الدول الثلاث.

بدأ العثمانيون في مد نفوذهم إلى بلاد القوقاز والقرم خاصة بعدما استفحل الخطر الروسي والذي أخذ يبتلع بلاد التتر المسلمين فأوقفتهم الدولة العثمانية، وعلى الناحية الأخرى استطاع الصفويون ضم معظم أجزاء القوقاز بسبب انشغال العثمانيين بالحروب في البلقان، فلما تفرغ العثمانيين للقوقاز نزعوا كثيراً مما أخذه الصفويون، خاصة وأن الصفويين كانوا روافض يجبرون سكان القوقاز على الرفض والتشيع وتمكنوا من فرضه على سكان أذربيجان، فأوقف العثمانيون المد الشيعي لهذه البلاد، ونجح العثمانيون في نشر الإسلام بين القبائل التي لم تدخل الإسلام بعد فاعتنقته قبائل الشركسى والقبرطاى والأديغة والأنجاز والأوستين والأنجوس وأصبح غالب سكان القوقاز مسلمين سنة وتركز الروافض في أذربيجان، بينما بقى معظم الأرمن على نصرانيتهم .

الاحتلال الروسي للقوقاز

نستطيع أن نقول بمنتهى الوضوح والصراحة أن السبب الرئيسي وراء سقوط هذه البلاد الغالية في قبضة الاحتلال الروسي هو الكيد والتآمر الشيعي الخبيث الذي قامت به الدولة الصفوية الرافضية التي ظلت تحارب وتنازع الدولة العثمانية على منطقة القوقاز مما سهل على الروس التقدم واحتلال صحراء القوقاز، ثم احتلال بلاد القوقاز شيئاً فشيئا فاحتلوا أولاً داغستان المطلة على بحر قزوين ثم الشيشان ثم توالى السقوط بتوالي هزائم الدولة العثمانية أمام الروس.

عمل الروس منذ أن وطئت أقدامهم النجسة هذه البلاد الطاهرة على تغيير الهوية والصبغة الإسلامية لأهل القوقاز فنشروا المفاسد وأباحوا المحرمات وعطلوا الشريعة وبذروا الفتنة بين المسلمين واصطنعوا عملاء وجواسيس لهم في كل قرية وبلد في القوقاز، وأثاروا النعرات القبلية بين القبائل والقوميات المختلفة، ونصبوا حكاماً وأمراء من المسلمين الموالين لهم ممن يؤثرون دنياهم ومصالحهم الشخصية على حساب دينهم وعقيدتهم، ونجح الروس إلى حد ما في طمس الهوية الإسلامية للشعوب القوقازية ونشر بعض المفاسد مثل الخمر الذي انتشر بين أبناء الشعوب القوقازية هناك، واسمع لوصف داغستان من واحد من أكبر علماء البلاد وقتها وهو العلامة ‘سعيد الهركانى’ وهو يدعو تلاميذه للهجرة من هذه البلاد الظالم أهلها فيقول ‘اعلم أن دار داغستان هو معدن الأخطار ومسكن الأشرار ومنبع المآثم والأكدار لا تقام فيها الحدود، ولا توفى فيها العهود، وأهلها عبيد العارات، ومضيعوا الصلوات، ومرتكبوا الشهوات، ليس لهم همة سوى جمع الحطام من غير تفرقة بين الحلال والحرام، وحكامهم فجار، وولاتهم أشرار وعلماؤهم ذئاب على أجسادهم ثياب، فإن أردت اللحوق بالأبرار فعليك بالنقلة عن تلك الديار’ ونحن نلحظ من هذه الرسالة مدى الفساد واليأس المنتشر بين أهل البلاد تحت تأثير الاحتلال الروسي .

ثورة الأحرار

كانت روسيا تتبع مع سكان داغستان نظام الحكم شبة الذاتي، حيث تركت إدارة البلاد بعد تقسيمها لعدة إمارات بيد المسلمين الموالين لها من الأمراء الطامعين الدنيويين، والاشتراط عليهم بالحكم بقوانين وعادات الروس وليس بالشريعة الإسلامية التي هي بالطبع تقوم السلوك وتصحح الانحراف وتأبى على المتحاكمين إليها بالخضوع والذلة لأعداء الإسلام، وتولى هؤلاء الأمراء الخونة مهمة قطع وطمس هوية الشعب الداغستانى المسلم، واستمر الوضع كما هو عليه عشرات السنين حتى بدأ الأحرار من المسلمين الصادقين في الشعور بحتمية التخلص من نير الاحتلال الروسي وإنقاذ بلاد الإسلام ودينهم من جور الكفرة الذين يريدون طمسه بالكلية .

نستطيع أن نقول أن الذي قاد الثورة في داغستان هم العلماء والشيوخ وكان أول من قاد الثورة هو الشيخ العلامة ‘محمد الكمراوي’ وكان من كبار علماء داغستان وله تلاميذ كثر على رأسهم الشيخ ‘شامل أفندي’ بطلنا المقدام، واستطاع العلامة المجاهد ‘محمد الكمراوي’ أن يعد جيشاً صغيراً يقدر بثمانية آلاف مقاتل مسلم من أهل البلاد، حقق به عدة انتصارات باهرة على القوات الروسية ولكنه سرعان ما استشهد رحمه الله في معركة ‘كيمرة’ ضد الروس وذلك سنة 1248 هجرية وأصيب الشيخ ‘شامل’ إصابة شديدة ولكنه نجا، وكان العلامة ‘محمد الكمراوي’ شديد الحماسة والغيرة على الإسلام وفي منتهى الشدة على الخونة والمنافقين من الموالين لروسيا، وألف رسالة صغيرة بعنوان ‘إقامة البرهان على ارتداد أمراء داغستان’ ويعني بهم التاركين لحكم الشريعة الإسلامية، الموالين لروسيا الصليبية، وبالجملة وعلى الرغم من قصر مدة ثورة ‘محمد الكمراوي’ إلا أنها استمرت من بعده ولم تهدأ طيلة ثلاثين عاماً متصلة.

بعد استشهاد الإمام الغازي والشجاع الباسل ‘محمد الكمراوي’ في جهاده ضد الفرس، تولى القيادة بعده الشيخ ‘حمزة بك علي’ واستطاع أن يكسر شوكة أمراء ‘أوار’ الموالين للروس الخائنين للإسلام ولكن لم يمضي عليه سوى سنة ونصف حتى قتله رجل منافق اسمه ‘عثمان’ بدافع من الروس وذلك يوم الجمعة حين ذهابه للصلاة إلى جامع البلد الكبير، ‘وهكذا يلعب دائما المنافقون أقذر الأدوار في تعطيل مسيرة النهضة والتحرر ولولا هذا الطابور الخامس المندس في صفوف أمة الإسلام ما سقط بلد مسلم قط بيد أعداء الإسلام وما حدث في أفغانستان والعراق خير دليل على دور المنافقين الخطير في هدم الأمة وتسليمها لأعدائها’.

الإمام شامل

انتقلت قيادة الثورة إلى الشيخ الإمام ‘شامل بن دنكاو الداغستاني’ وكان هو بحق رجل الساعة وفارس الساحة والأسد الجبلي الذي لا يقوى عليه أحد من أعداء الإسلام، ولد ‘شامل’ سنة 1212 هجرية في قرية ‘كيمرة’ من مديرية ‘خونزاخ’ على نهر ‘قويصو’ وهى قرية زراعية مشهورة بالفواكه الجيدة، أخذ في حداثة سنه عن العالم المتبحر ‘سعيد الهركاني’ وصحب منذ صغره الشيخ المجاهد ‘محمد الكمراوي’ قائد الثورة الأول في رحلته العلمية وعكف معه على العلم والعبادة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، حتى قامت الثورة المباركة وكان ‘شامل’ الذراع اليمنى لمحمد الكمراوي وقائد جيوشه وشريكه في الأمور حتى ليلة استشهاده، ثم اشترك مع القائد الثاني ‘حمزة بك على’ حتى استشهاده هو الآخر، فأجمع الناس على تولية الشيخ ‘شامل’ قيادة الثورة ومن يومها أصبح اسمه الإمام شامل.

دولة داغستان الإسلامية

عندما استلم الإمام ‘شامل’ قيادة الحركة المباركة لطرد الروس من داغستان، كان يملك رؤية شاملة ومتكاملة عن شكل المجتمع المسلم الذي سيكون عليه الناس في داغستان بعد تطهيرها من دنس الروس الكفرة، وهو ليس قائد ثورة فقط بل حمل على عاتقه جميع شئون الملة من إحياء للدين الإسلامي ونشر العلم وتطبيق الشريعة وإقامة العدل وتطهير المجتمع من الآثار المرذولة التي خلفها الاحتلال الروسي للبلاد، وجاءت خطوات الإمام ‘شامل’ لتحقيق هذا الهدف كالآتي:

أولاً: القضاء على المنافقين

قام الإمام شامل أولاً بتطهير المجتمع الداغستانى من العملاء والموالين للاحتلال الروسي، فحارب جميع الذين والوا الروس وشايعوهم ضد إخوانهم في الدين والوطن، وألح في جهادهم حتى طهر منطقة ‘أوارستان’ منهم وهاجم الحاميات الروسية الموجودة بها حتى اضطرهم للجلاء عن معظم جبال داغستان بعدما كانوا قد أقاموا حصوناً وبروجاً ضخمة بها.

ثانياً: ضم الشيشان مع داغستان

لم يكن هدف الإمام ‘شامل’ تحرير داغستان فقط من نير الاحتلال الروسي، بل كان يهدف لتطهير منطقة القوقاز بأسرها من الروس، واستعادة الحكم الإسلامي عليها مرة أخرى، لذلك عمل الإمام ‘شامل ‘ على توسيع قاعدة الدولة الإسلامية، فانتقل بالثورة إلى الشيشان حيث الرجال الأشداء والأبطال الكواسر وأسود الجبال الضارية، وبالفعل هناك قوي عضده واشتد ساعده وجمع شمله وصار قوة كبيرة يخشى بأسها، وأنزلت هذه القوة العديد من الهزائم المدوية على الجيش الروسي، خاصة في معركة ‘ويدانو’ سنة 1251 هجرية التي قتل فيها ستة آلاف صليبي روسي وكانت فاتحة إقبال ‘شامل ‘ وحركاته على الصعيد القوقازي.

ثالثاً: بناء الجيش النظامي

كان الإمام ‘شامل’ يعلم علم اليقين قوة خصمه ومدى حجم جيوشه، ويعلم أيضا أنه يهدف لغاية عظيمة تحتاج لجهد وعرق وعمل دؤوب ليل نهار، وتحتاج أيضا لترتيب وتنظيم ودراسة لكل خطواتها لذلك شرع منذ البداية في بناء جيش نظامي قوي وكبير بلغ تعداده ستين ألف مقاتل مسلم وأنشأ مصانع لإنتاج البارود والذخيرة وتصنيع المدافع، وعهد بذلك للحاج حسين يوسف الشيشاني وهو مهندس رحل إلى مصر لتعلم العلوم الشرعية والفنون الحربية والهندسة ومكث سنوات في شغل وتحصيل، ثم عمل بالحكومة المصرية وترقى في سلم الوظائف ولما سمع بثورة العلماء بقيادة ‘شامل’ استقال من منصبه وعاد إلى القوقاز لتولي مهمة وزير الإنتاج الحربي بالعرف الحديث.

رابعاً: نشر العلم

لقد عمد الاحتلال الروسي على تنحية الشريعة من حياة المسلمين في داغستان وبلاد القوقاز لينشأ أجيال من المسلمين لا يعرفون شيئاً عن دينهم وعقيدتهم، وليسهل نشر المفاسد والمحرمات بينهم وهذا يسهل بدوره عملية التنصير المحمومة التي كان يقوم بها الروس في بلاد القوقاز، فلما قامت الثورة المباركة بقيادة ‘شامل’ عمل على نشر علوم الشريعة بين أهل القوقاز، فقام ‘شامل’ بتقسيم جميع مناطق ولايته إلى النواحي، وعين لها نواباً، وقضاة، وعلماء ومعلمين، وقد جمع حوله العلماء الكبار في منطقة داغستان وما حولها، فبدأوا في تعليم الناس فرائض دينهم ومعاني التوحيد وأنشأوا المدارس الدينية والمساجد والزوايا لتعليم القرآن والسنة، ولقد انضم لشامل مجموعة من العلماء العاملين المجاهدين المخلصين الذين استشهد معظمهم أثناء الجهاد ضد الروس بل لا يعلم أحد منهم مات على فراشه فكلهم شهداء في ساحات الوغى أمثال العالم ‘سورخاي الأوراي’ و’ملا رمضان الجاري’ و’بارتيخان’ و’أبو بكر الجركوي’ وكلهم استشهد في معركة ‘أحول كوح’ سنة 1253 هجرية، وبعضهم ذكرنا بالصحابة رضوان الله عليهم مثل العالم البطل ‘علي بك خويصلو’ الذي كان قاضياً في مدينة ‘أرغن’ فقد أصيب في معركة ‘جرقطة’ بطلقة مدفع في ساعده الأيمن فعطله عن مواصلة القتال فداس الساعد بقدمه ثم قطع باليسرى إياه وظل يقاتل حتى النصر ثم نال الشهادة في معركة أحول كوح {وهكذا يكون العلماء الربانيون الذين يعملون بما يعلمون ويفعلون ما يقولون الذين جمعوا بين العلم والعمل فصاروا سنداً للأمة وقت الأزمات وقادة لها عند نزول المهمات}

الأسد في الأسر

ظل الأسد الهصور ‘شامل’ يدافع عن دينه وعن وطنه لا يطرأ عليه ضعف ولا يعتريه وهن ولا ملل خمساً وعشرين سنة، دوخ فيها الإمبراطورية الروسية، وكبدها خسائر بشرية ومادية ضخمة واستطاع أن يكون على الطراز الحديث المعروف بإسلامية الصبغة والانتماء جيشا قويا وبيت مال منظم ودقيق ومعامل ومصانع لزوم الجهاد والحياة، ولها الوزراء والأمراء والنواب والقضاة، ومن أعظم دلائل نجابته ومهارته أنه ألف من الأقوام الجبلية المختلفة الألسنة والطبائع جنداً منظماً قاوم به الروس الكفرة بما لديهم من إمكانيات دولة ضخمة خمس وعشرين سنة حتى اندهش له العالم بأسره، وذكر اسمه على صفحات الجرائد العالمية وندوات السياسة الدولية .

ولكن وعلى الرغم من نجاح ‘شامل’ في تحقيق هدفه إلى حد بعيد إلا أن الوهن والضعف قد دب في نفوس بعض أعوانه وقواده الذين دخلهم الضجر والملل من مواصلة القتال، أضف لذلك استغلال الروس لبعض ذوي النفوس المريضة الحاقدة الذين أكلت الغيرة قلوبهم تجاه سطوع نجم الإمام ‘شامل’، ولجأ أعداء الإسلام للسلاح القديم الذي يلجئون إليه كلما فشلوا في ميادين القتال المفتوحة وهو سلاح الغدر والخيانة، وبالفعل وقعت مكيدة الخيانة ونسج الخونة خيوطهم على دولة الإسلام الوليدة في داغستان، ووقع الإمام ‘شامل’ في الأسر سنة 1276 هجرية، واهتزت روسيا طرباً وفرحاً بسقوط الإمام المجاهد في قبضتها، وحمل الإمام ‘شامل’ وأسرته إلى ‘موسكو’ وهناك استقبلوه بكل إعزاز واحترام لشدة هيبته ومكانته في العالم الإسلامي والدولي كله، ومكث الإمام ‘شامل’ مع أسرته في ‘موسكو’ تسع سنين، ثم سافر للحج بإذن من القيصر الروسي وبعد أن أدى مناسك الحج توفي رحمه الله ودفن بالبقيع حيث مرقد الأطهار والأشراف والأنصار سنة 1287 هجرية بعد حياة جهادية طويلة خدم فيها الإسلام وقاوم المد الكفري وأحيا العزائم من جديد وأشعل جذوة عز وكرامة بقيت متقدة في القلوب لم تطفئها الوحشية الشيوعية والقيصرية طوال مائة سنة حتى نال المسلمون استقلالهم .

وبالجملة كان الإمام ‘شامل’ من أعظم مجاهدي الإسلام وبطل من أكبر أبطاله حتى أنه صار قدوة ومثالاً للمسلمين المحرومين من نور الحرية في كل مكان، وجعلوه شيخ الإسلام وإمام الدين ومجدده وأثنى عليه علماء عصره وزكوه بما هو أهله مثل العلامة ‘إبراهيم الباجوري’ من علماء مصر والعلامة المحقق ‘شهاب الدين المرجاني’ من علماء الشام، وألف العلامة ‘حسن الدمياطي الشافعي’ من علماء مكة رسالة جيدة في سيرة الإمام ‘شامل’، فرحم الله بطلاً خدم الإسلام خدمات جليلة ونساه المسلمون الآن فلم يعرفوا عن أخباره شيئاً .

 

المصادر

1.         نزهة الأذهان في تراجم علماء داغستان.

2.         التاريخ الإسلامي.

3.         موسوعة التاريخ الإسلامي.

عن المحرر

شاهد أيضاً

السيف والقلم ( رحلتي مع الجماعة الإسلامية ) (6)

السيف والقلم 》  ( رحلتي مع الجماعة الإسلامية ) (6) الشيخ عاصم عبد الماجد أما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *