معركتنا مع الشيطان
قراءة لكتاب “عندما ترعى الذئاب الغنم”- رفاعي سرور
الحلقة الاولى
تمهيد
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الرسول الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
لاشك أن الإيمان بالغيب يعتبر من أصعب الأشياء على الإنسان، وإن كان يرى أو يحس آثاره كل يوم وليلة، وهو من أجل هذا جعله الله علامة من علامات صدق المرء في إيمانه، {ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون}، فجعل الله سبحانه الإيمان بالغيب من أهم سمات المؤمن الصادق.
ومن الغيب، الإيمان بالجن، مسلمهم وكافرهم، مطيعهم وعاصيهم، كما جاء تفصيل ذلك في سورة الجن وسورة الأحقاف وغيرها من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة. والشيطان أو إبليس يعتبر أبو الجن ورأس الشر فيهم، منذ خلق الله آدم وحتى تقوم الساعة.
لا همّ لهذا المخلوق سوى التعرض لطريق الهداية بالغواية، وسد طرق الخير بعقبات الشر {لأغوينهم أجمعين}،
{ لأقعدن لهم صراطك المستقيم}.
ومن أفتك الأسلحة التي يستعملها الشيطان في مواجهة الإنسان، سلاح الكيد. بقول العلامة ابن القيم في كتابه (إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان): “ومن كيد عدو الله تعالى، أنه يخوف المؤمنين من جنده وأوليائه، فلا يجاهدونهم ولا يأمرونهم بالمعروف، ولا ينهونهم عن المنكر، وهذا من أعظم كيده بأهل الإيمان، وقد أخبرنا الله تعالى سبحانه عنه بهذا فقال: { إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}(آل عمران 175).
ومن مكايده أنه يسحر العقل دائماً حتى يكيده، ولا يسلم من سحره إلا من شاء الله، فيزين له الفعل الذي يضره حتى يخيل إليه أنه من أنفع الأشياء، وينفر من الفعل الذي هو أنفع الأشياء له، حتى يخيّل له أنه يضره، فلا إله إلا الله.
كم فتن بهذا السحر من إنسان، وكم حال به بين القلب وبين الإسلام والإيمان والإحسان؟ وكم جلا الباطل وأبرزه في صورة مستحسنة، وشنع الحق وأخرجه في صورة مستهجنة؟ وكم بهرج من الزُّيوف على الناقدين وكم روّج من الزغل على العارفين؟ فهو الذي سحر العقول حتى ألقى أربابها في الأهواء المختلفة والآراء المتشعبة، وسلك بهم في سبل الضلال كل مسلك، وألقاهم من المهالك في مهلك بعد مهلك، وزيّن لهم عبادة الأصنام، وقطيعة الأرحام، ووأد البنات، ونكاح الأمهات، ووعدهم الفوز بالجنات مع الكفر والفسوق والعصيان، وأبرز لهم الشرك في صورة التعظيم، والكفر بصفات الرب تعالى وعلوه وتكلمه بكتبه في قالب التنزيه، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قالب التودد إلى الناس، وحسن الخلق معهم، والعمل بقوله {عليكم أنفسكم} (المائدة 105) والإعراض عما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام في قالب التقليد، والاكتفاء بقول من هو أعلم منهم، والنفاق والإدهان في دين الله في قالب العقل المعيشي الذي يندرج به العبد بين الناس.
فهو صاحب الأبوين حين أخرجهما من الجنة، وصاحب قابيل حين قتل أخاه، وصاحب قوم نوح حين أغرقوا، وقوم عاد حين أهلكوا بالريح العقيم، وصاحب قوم صالح حين أهلكوا بالصيحة، وصاحب الأمة اللوطية حين خسف بهم وأتبعوا بالرجم بالحجارة، وصاحب فرعون وقومه حين أخذوا الأخذة الرابية، وصاحب عباد العجل حين جرى عليهم ما جرى، وصاحب قريش حين دعوا يوم بدر، وصاحب كل هالك ومفتون.” اهـ.
هذا هو الشيطان، وتلك هي مكائده وحباله التي يتربص للعباد بها الدوائر، ويقعد لنا بها كل مرصد، فمعركتنا معه أبدية، لا نملك معها إلا اليقظة والحيطة والحذر ثم الإعداد وجمع ما يلزم من عتاد للدخول فيها لنبحث عن أسباب النصر فنحققها في أنفسنا، ونتعرف عن أسباب الوهن والهزيمة فنتجنبها، كي يُكتب لنا النصر على هذا المخلوق العجيب والخطير، أو على الأقل نقاوم أسلحته ونرد هجماته حتى لا نسقط صرعى في وحل إغراءاته وشهواته، فنكون من الخاسرين والهالكين، ونكون سبباً لتعطل واجبات الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله، التي من أجلها كرّمنا الله تعالى لنتميز عن باقي الخلائق وعلى بقية الأمم، فنفوز برضوانه وجناته،
{وذلك هو الفوز العظيم}.
مقدمة
كم أنا فخور ومعتز بتقديم هذا الكتاب الرائع للأخ الشيخ رفاعي سرور، الذي لم أقابله ولا أظن أنه يعرفني، ولكنني متأكد من أن أرواحنا جنود مجندة في عالم الغيب، وبأن الله تعالى كفيل وقادر على جمعهما.
حسبي أني وقفت على هذا الثغر الخطير، أحاول فيه إظهار ما خفي على الكثير من أبناء الأمة، تتجلى هذه الخفايا في مخاطر وعقبات ومكائد هي أقرب إلينا من أنفسنا التي بين جنبينا، ولا نعير لها كبير اهتمام، بسبب غفلتنا وتأثير الشيطان علينا- كل على حسب ما تجرع من هذا التخدير الحلو والمر في آن واحد-.
فالشيطان يحاول أن يجرنا إلى حزبه وصفه لكي نرافقه إلى مصيره المحتوم، ويستعمل في سبيل تحقيق ذلك كل الأساليب الممكنة التي لا يمكن أن تخطر على بالنا، وبضحي في سبيل ذلك بالغالي والنفيس، ويستميت ويصر ويعاود الكرّة تلو الكرّة، في الوقت الذي نقف فيه موقف اللامبالاة والغفلة والاستهانة بهذا المخلوق العجيب والخطير، فنظن أن مجرد لعنه وتحقيره من شأنه أن يحسم المعركة لصالحنا ويرتد كيده إلى نحره. بينما المطلوب منا أكثر من ذلك بكثير، فلابد من معرفته والاطلاع على أساليبه وحيله، ثم لا بد من الإستفادة من وسائله وأساليبه، وأخيراً – وليس آخراً- لابد من امتلاك أسلحة مضادة والدخول معه في معركة فاصلة متواصلة، لا نيأس ولا نغفل ولا نتراجع ولا نضع السلاح حتى يحكم الله بيننا وبينه، أو حتى نلقى الله ونحن مسلمون {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.
حرص الكاتب على إبراز خصائص وسمات الشيطان خلال معركته الفاصلة والدائمة معنا، كفرد ثم كجماعة، وأدرك جيداً خبايا هذه المعركة وسماتها وعتادها ومختلف مراحلها، ثم بيّن لنا بعد ذلك تأثير الشيطان على مجريات الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية حاضراً ومستقبلاً، ومدى الحضور القوي والدائم للشيطان في كل هذه الأحداث ثم مدى تأثيره على أوليائه وتسخيرهم لحرب أصحاب الحق ومحاولة وأد كل عمل صالح، وشحذ همم أوليائه لمحاربة الحق وأهله، وإن كانت الضرورة تقتضي منه تدخله الشخصي في بعض المواقف الصعبة والحاسمة.
ووقف الكاتب على حقيقة هامة يجدر بنا التنبه لها وعدم غفلتها لكي نستطيع فهم هذا الواقع ونكون أهلاً للدخول في الصراع مع الباطل، وأهم من هذا كله، نستطيع امتلاك عقيدة سليمة صحيحة تجاه التجمعات التي تحيط بنا وأخص بالذكر هذه الأنظمة الحاكمة في العالم (الكافرة منها أو المرتدة)، وهي كونها – أي هذه الأنظمة – تستمد شرعيتها من الشيطان، وهو الذي يقوم على تسييرها والوحي لها والتأثير فيها، ليتحقق عليهم قول الله عز وجل {وصدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه}، فأصبحوا أولياءه المخلصين، يأتمرون بأمره ويقدمونه في كل شيء.
ونرى ذلك جلياً في آثارهم وأفعالهم اليومية، حيث يفسدون ولا يصلحون، ويهدمون ولا يبنون، ويحاربون الحق وأهله وينصرون الباطل وأهله.
تلك هي أهم المحطات التي وقف عندها الكاتب وحاول أن يعالجها بالنص الشرعي وبتقديم برنامج نبوي لمقاومة هذا المشروع الإبليسي، ومحاولة إبطاله ومواجهته.
نسأل الله جل وعلا أن يتقبل منه ومنا، ويجزيه خير الجزاء على عمله القيم هذا، ويرزقنا وإياه حياة في طاعته وتوفيقاً لنيل رضاه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.