من ملامح الرواية التاريخية عند باكثير الثائر الأحمر.. وفشل المشروع القرمطي
الحلقة الاولى
أ.د. حلمي محمد القاعود
(1)
“على أحمد باكثير”[1] واحد من بناة الأدب العربي الحديث في معظم ألوانه وفروعه، وهو في مجال الرواية يقف الصف الذي يضم “نجيب محفوظ” و”محمد عبد الحليم عبد الله” و”عبد الحميد جودة السحار” و”أمين يوسف غراب”وغيرهم، وقد آثر أن يتجه في كتاباته الروائية والمسرحية إلى التاريخ، معيناً ثرا يغترف منه الحوادث والظروف المشابهة لما تمر به الأمة العربية الإسلامية في العصر الحديث، فيجد هناك الرحابة والقدرة على التعبير الحر الطليق الذي يتيح له أن يسكب على الورق ما يعتمل في نفسه من هموم وأشجان، وآمال وطموحات، يفرزها عصره وواقعه، وإذا عرفنا أن الفترة التي عاشها “باكثير” ونضج فيها، كاتبًا مبدعًا، وشاعراً متمرسًا، كان تحالفة ومثيرة، فضلا عن مناخ عام كان يقف بالمرصاد لمحاولات التعبير التي تخالف ما هو سائد في الساحة الإعلامية، عرفنا لماذا جنح “باكثير إلى التاريخ يلبسه قناعًا يتحدث من ورائه بما يريد أو عما يريد، ففي التاريخ – على كل حال – مساحة آمنة، وأكثر رحابة، يستطيع الكاتب على أرضها أن يصول ويجول، دون أن تعترضه مخاوف أو محاذير، كذلك فإن التاريخ حافل بالنماذج الساطعة التي يمكن أن تحتذي في الواقع المعاصر الذي يخلو منها، وتصميه الهزائم والمحن فلا يجد مفراً من الهروب إلى التاريخ كي يجد فيه السلوى والتئام الجراح ويستعد مرة أخرى للمواجهة واتخاذ زمام المبادرة.
ولقد ألف “باكثير” أكثر من رواية تاريخية أبرزها “سلامة القس” و”واإسلاماه”، وقد حولتها السينما المصرية إلى فيلمين شهيرين، ثم كتب “باكثير” روايته “الثائر الأحمر[2]” التي تعد أنضج رواياته فنيا، من وجهة نظري، وهي رواية ذات طابع فكري وعقدي، وللأسف، فإنها لم تلق اهتماماً من الدارسين، وربما بسبب موضوعها الذي كان يشكل حساسية من نوع ما أيام كتابتها.
وتعالج الرواية، ثورة “القرمطة” التي ترافقت – إلى حد ما- قيامًا وسقوطًا، مع “ثورة الزنج” في دولة الخلافة العباسية على مدى عقود عديدة في القرنين الثالث والرابع الهجريين.. وتحكي قصة حمدان قرمط وابن عمه عبدان عندما تحولا من شخصين من عامة الناس الفقراء أو البسطاء إلى ثائرين يقودان الجموع ضد دولة الخلافة سعياً لما سمي “بالعدل الشامل”، وانتهت ثورتهما بالفضل الذريع بعد الإخفاق في تحقيق أي نوع من العدل (!)، وانهيار دولتهما التي أقيمت في جنوب العراق.
وواضح أن الكاتب لم يسع إلى سرد القصة التاريخية للقرامطة فسحب، بل إنه كان يريد أن يحذر من تجارب مماثلة في الواقع الذي يعيشه، وهي تجارب انتهت أيضاً إلى الفشل الكامل، والهزيمة المريرة.. وهذا ما تبينه القراءة المتأنية للرواية ومعرفة حوادثها وشخوصها.. ويبدو أن باكثير كان على موعد ليشهد نهاية هذه التجارب الفاشلة في عصره، وليتأكد من صدق حدسه وسلامة موقفه، فمات كمداً بعد هزيمة 1967م الساحقة، بعد أن رأى القدس تسقط، وعسكر العدو يقفون على ضفة القناة، وبالرغم من كمده وحزنه، فقد هتف بقصيدته الطويلة الشهيرة، “إما أن نكون أبداً أو لا نكون”، ليزرع الأمل في نفوس الأمة، ويوقد جذوة المقاومة في قلوب الناس، ويحرض على الثأر والانتقام.
(2)
يوحي عنوان الرواية “الثائر الأحمر” بأننا أمام شخص خارج على المألوف، يوصف الحمرة، وهذا الوصف يحمل في ذاته أكثر من دلالة، يرجع بعضها إلى الحقيقة باعتبار حمرة عينية، ويرجع بعضها الآخر إلى ما ترمز إليه الحمرة من معاني الثورة الدموية أو الصراع الدموي الذي نشأ عن حركة القرامطة ومن حولها، وفي كل حال، فإن دلالة العنوان وضاحة، وتشي بمضمون الرواية في إيجاز شديد.. وبخاصة حين نقارن هذه الدلالة بما نراه في الثورات المعاصرة والتي امتدت على رقعة كبيرة من العالم تبشر بالعدل والحرية والمساواة، مثل ثورة البلاشفة في روسيا 1917م، وثورة الصين الاشتراكية 1948، وثورات العالم الثالث وبخاصة في أمريكا اللاتينية (كوبا وأخواتها)..
يقسم “على أحمد باكثير” رواية “الثائر الأحمر” إلى أسفار أربعة، كل سفر يضم عدداً من الفصول تطول وتقصر بحسب المكان والأحداث، فلكل سفر في الرواية طبيعته أو تكوينه الذي يسهم به في بنائها، من حيث نمو الأحداث والشخصيات، وبيان مسرح الصراع الروائي.. فالسفر الأول يضم أحد عشر فصلا، تشغل ثلث الرواية تقريبا، ويقدم فيه الكاتب المسرح الأساس، والشخوص الرئيسيين، ويستغرق طويلاً في وصف البيئة والأفراد والحياة، كما يشير إلى زمن الرواية، ويهيئنا في كل الأحوال لتوالي الأحداث، وصراع الشخصيات في بقية الأسفار، في السفر الثاني خمسة فصول، تتحدث عن البيئة الجديدة “بغداد التي انتقل إليها” “عبدان” الشخصية الثانية المهمة في لحركة القرمطية، وتوضح كيف انتقلت من مرحلة إلى مرحلة وتحولت فكرياً بمساعدة الحركة السرية الباطنية إلى عضو فعال يتهيأ للعمل من أجل ما سمي بمملكة “العدل الشامل”، أو مملكة القرامطة.
في السفر الثالث اثنا عشر فصلا، وتشغل ربع الرواية تقريباً، وتظهر فيها ذروة الصراع بتحقق مملكة القرامطة في جنوب العراق (الكوفة ما يليها من قرى وسواد)، وتطبيق المذهب الذي دعا إليه الباطنيون من أتباع “القداحيين” الذين تمركزوا في بلاد الشام.
أما السفر الرابع والأخير، فهو أكبر الأسفار حيث يضم ثلاثة وعشرين فصلاً، تشغل ثلث الرواية الباقي أو أكثر قليلاً، وتتلاحق فيه الأحداث والصراعات، حيث تنجلي مصائر الأطراف المعنية، والأفكار المتعارضة، والشخصيات المتصارعة.. وتنتهي الرواية بنهاية مأساوية للمشروع القرمطي، وانتصار المشروع الإسلامي دون قتال أو سيف.
في بداية كل سفر من هذه الأسفار، يثبت الكاتب آية قرآنية أو أكثر ذات دلالة قوية على المضمون الذي حمل السفر، ويهيئ له.. مما يجعل النص القرآني ذا صلة وثيقة بالبناء الروائي فالسفر الأول تتصدره الآية الكريمة: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً}[3].
وهذه الآية تطرح القانون الإلهي الذي ينطبق على المجتمعات التي يسري فيها الفسق بواسطة المترفين، فتستحق الدمار لأنها تتحلل وتتخلي عن أداء رسالتها الإنسانية كما ينبغي، وهو ما رأيناه من خلال ترف الإقطاعيين الذين انغمسوا في الفساد، فكانت المظالم، وكان الصراع الذي تمخض عن دمار وهلاك أصاب جميع الأطراف.
وفي السفر الثاني، يضع الكاتب قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[4]، ويشير بذلك إلى ما جرى لعبدان القرمطي حين ذهب إلى بغداد وتفوق في مجال العلم وتفقه، ولكن غواية الحركة السرية الباطنية من خلال الجنس ممثلا في امرأة اسمها “شهر”، جعلته ينسى ربه ودينه وقيمه وينحدر إلى الهاوية، ويعمل مع القداحيين لهدم دولة الإسلام تحت لافتة البحث عن “العدل الشامل”، وكان من المأمول أن يكون تفوق عبدان وفقهه، طريقا إلى الإصلاح الحقيقي الذي يخدم الإسلام ويخدم المسلمين، ولكنه أخلد إلى الأرض – رمز السقوط والانحطاط – واتبع هواه فصار كالكلب لاهثا في كل الأحوال، لا يرجى منه خير ولا ينعقد عليه أمل.
وقد صدّر المؤلف السفر الثالث بالآية الكريمة: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ…}[5] مشيرا إلى المشروع الإسلامي في صفائه ونقائه كما قدمه عالم الدين “أبو البقاء البغدادي”، وأصر عليه، لإنقاذ الدولة من الخراب والدمار، على يد أبنائها، فهذا المشروع يحقق العدالة للفقراء، والمظلومين،وينصف الشريعة بنهي الأغنياء والظالمين عن الجشع والاستغلال، وإنشاء الدواوين التي تكفل إنصاف الجميع دون صراع أو مظالم حادة، كما حدث على جبهة القرامطة الذين أقاموا في ذات الوقت مملكة العدل الشامل، ولم يتحقق فيها شيء من ذلك العدل، بل كانت فحشاء، وكان منكر، وكان بغي…
يتصدر السفر الرابع أكثر من آية تشي بالنتائج والنهايات لكل من المشروعين، المشروع القرمطي والمشروع الإسلامي الآية الأولى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}[6].
والآيتان الأخريان: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[7].
والآيات هنا ترمز إلى النظرية والتطبيق، ثم النتيجة، النظرية القرمطية وتطبيقاتها التي تفترض أو تفرض المساواة على الجميع، ولكنها لا تستطيع، فقد تحول المجتمع إلى طبقتين أولاهما، طبقة الحكام وتتمتع بكل شيء، بل سعت إلى مزيد من النهب والتهريب للأموال إلى خارج المملكة،وثانيتهما، الطبقة الكادحة نفسها، التي كانت تحلم بشيء من الإنصاف، ولكنها وجدت نفسها تكدح وغيرها يأخذ عرقها دون أن يكون لها حق الحلم في العدل، ففقدت الحافز، وانتهت النظرية والتطبيق إلى الأنهيار.
أما النظرية القائمة على أساس الدين الإسلامي، فهي تحقق العدل، وتنتصر دائما على كل السلبيات التي تؤدي إلى الإخفاق.. والأمثلة واضحة المملوك والحر هل يستويان؟ الأبكم والناطق هل يستويان؟ فكأن العبد الأخرس يمثل الدعوة القرمطية، والحر المبين يمثل حقيقة الإسلام،وهو ما انتهت إليه أحداث الرواية وبرهنت على صدقة في السفر الرابع.
(3)
تعتمد الرواية على أسلوب السرد،واستخدام ضمير الغائب المعتمد على الفعل الماضي، وهو يتناسب مع القص التاريخي من ناحية، ويتيح الكاتب فرصة تقديم الأشخاص والبيئة والأحداث من خلال حرية كبيرة، وهندسة دقيقة، بحيث نرى عناصر الرواية، كلا في موضعه، دون زيادة أو نقصان.
ولعل ذلك يظهر جليا في بناء الشخصيات الروائية التي تتحرك عبر سطور “الثائر الأحمر”، وقد بناها الكاتب على أساس أن كل مجموعة من الشخوص تمثل تيارا فكريا أو عقديا يؤدي دوره في الصراع الروائي القائم بين هذه التيارات، نستطيع إذن أن نقول: إن الشخصيات الروائية مرسومة بدقة لغاية فنية يسعى إليها الكاتب، ومع ذلك فهي شخصيات إنسانية على المستوى الذاتي تتمتع كل منها بملامح خاصة وسمات متميزة.
تمثل المجموعة الأولى من الشخصيات تيار “القرمطة” أو صناع “الدولة القرمطية” وأبزرهم: “حمدان قرمط” وابن عمه “عبدان” وشقيقته “راجية” وابنته “فاختة” وأعوانه “ذكرويه” و”عطيف النيلي”.
ويمثل “حمدان” الشخصية الأولى أو الشخصية المحور التي صنعت الأحداث أو دفعت بها إلى الذروة من خلال إحساسه بالظلم كفلاح أجبر، يتعب كثيرا ولا يحصد من عائد تعبه إلا الفتات بينما يذهب معظم جهده إلى السادة المترفين في قصورهم، ويتضاعف إحساسه بالظلم عندما تخطف أخته “عالية” قبيل زفافها إلى ابن عمه “عبدان” ويكتشف بعد حين أن الذي خطفها هو الإقطاعي الفاسد “ابن الحطيم” مالك الأرض، والذي يعيش في قصوره مشيدة داخل ضياعه وفى الكوفة، ويطوع لإرادته والى الكوفة، ويقوم على رغباته رجال أشداء اصطفاهم لحمايته وتنفيذ أوامره.
تبدو شخصية حمدان بالرغم من الإحساس بالظلم المضاعف شخصية خيرة أو أقرب إلى الخير بطبيعتها.. ومع أن هذه الشخصية قد انخرطت في أتون الغضب والثورة إلا أننا نستشعر مدى شوقها إلى السلام والوداعة عندما يتوفر لها الإحساس بالتغلب على الظلم، أو عندما تجرفها أحداث الحياة فتنسى الظلم مؤقتا، تتحول حينئذ إلى شخصية طيبة باحثة عن الهدوء الاستقرار، عائدة إلى رحاب التدين والصفاء.. ويبدو هذا واضحا بعد وفاة زوجته التي كان يحبها حبا جماً.. ولكن ضراوة الظلم مع الإحساس به والتي يؤججها في نفسه، دعاة الباطنية، تدفع به إلى حيث لا عودة، فيتنكر لدينه وقيمه وفطرته، ويؤسس مع ابن عمه “مملكة العدل الشامل” التي تزعم تحقيق المساواة والقضاء على الظلم، ومنح الحرية للجميع… وعند انهيار هذه المملكة تطفو على صفحة نفسه علائم الندم مرة أخرى اعترافاً بخطأ المنهج الذي سار إليه وأدى به إلى هذه النهاية المأساوية، ويبدو كما لو كان يتمنى ألا يحدث كل ذلك، فطبيعته منذ نشأته تميل إلى الصبر والتحمل، ولكنها قسوة الظلم، مع الاستغلال الناجح والسريع من جانب “الباطنية” وأعوانها في توظيف هذه “القسوة” لتجنيد الضحايا، وتحطي الدولة الإسلامية بإثارة الفتن والقلافل..
ولا شك أن “حمدان” قد تأثر بما وقع عليه وعلى شقيقته “عالية” إلى حد كبير، ولكن هذا ما كان ليدفعه إلى ذلك العنف الجامع الذي أشعل نار الثورة ضد الدولة، فالذي أشعل هذه النار وصول رسل القداحيين “الباطنية” وتهيئتهم الجو النفسي والفكري لديه ليقوم بدوره، صحيح أن خطف “عالية” دفع “حمدان” إلى الانخراط في سلك “العيارين” للقيام بعمليات انتقامية محدودة ضد “ابن الحطيم” وممتلكاته، حتى استطاع ذات يوم أن يعثر على أخته في أحد قصور هذا الإقطاعي الظالم في صورة أذهلته، كجارية تقدم المتعة لسيدها، ولكن الدعوة “الباطنية” كان لها القول الفصل في توجيهه نحو مواجهة دولة الخلافة كلها، لقد أوشك حمدان – بعد هرب أخته أو اختفائها مرة ثانية- أن يتوب ويخلد إلى العبادة والصلاة والعمل الشريف، ولكن وصول داعية “الباطنية” حسن الأهوازي، قلب الموازين وأعاده مرة أخرى إلى واقعه السابق المضطرم بصورة أشد ضراوة وقسوة عن طريق الخداع، والتظاهر بالتقوى والورع، حتى كسب ثقته، وجعله سره ومأمنه، ولقنه المنهج ورسالة الإمام أو المهدي المنتظر، وترك “حمدن” بعد أن أخرجه عن عقيدته، يتحرق شوقا من أجل الثورة ثم ترك جنينا يتحرك في أحشاء أخته “راجية”، لا يثير حفيظة “حمدان” وغيرته بقدر ما يصير تطبيقاً للمنهج “القداحي” الذي يبشر به “الباطنيون” أتباع المهدي المنتظر أو الإمام المعصوم!…