عمر عبد الرحمن وحافظ سلامة .. الصبر والثبات
الشيخ الدكتور عبد الآخر حماد
لما تُوفيَ شيخنا الدكتور عمر عبد الرحمن ، قال أخي الشيخ علي الديناري –وكنا في طريقنا لدفن الشيخ رحمه الله- : إن بعض أبناء الشيخ يقترحون أن يؤمَّ العبدُ الفقير كاتبُ هذا السطور المصلين في صلاة الجنازة ، فهممْتُ بأن أقول : إنه ربما كان من الأفضل أن يؤمنا فضيلة الشيخ أسامة حافظ ،لولا أن بادرنا أخي الشيخ شعبان إبراهيم –وكان حاضراً -بأن قال : إن الشيخ حافظ سلامة موجود في الجنازة ، فكيف يكون الشيخ حافظ موجوداً ويصلي أحدٌ غيره؟ . وكأنَّما ذكرَّنا الشيخ شعبان بأمر بدهي لا نحتاج معه إلى نقاشٍ ولا جدال، وبالفعل قُدِّم الشيخ حافظ رحمه الله فصلى بنا صلاة الجنازة . ولم يكن ذلك بسبب سن الشيخ حافظ ومكانته فقط ،بل أيضاً لما كان بين الشيخين رحمهما الله تعالى من المودة ،والتقارب في الرؤى والمفاهيم ، فقد جمع بينهما حبُّ الجهاد في سبيل الله ، والعملُ لنصرة الدين وأهله ،كما جمعت بينهما الدعوة إلى تحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد كانت مرافعة الدكتور عمر رحمه الله أثناء محاكمته عام 1981 في مجملها بياناً لقضية الحكم بشريعة الله ونبذ ما خالفها . وكذلك كان من مآثر الشيخ حافظ رحمه الله أنه دعا في عام 1985 إلى مسيرة حاشدة سماها :”المسيرة الخضراء “، تتجه إلى القصر الجمهوري للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية ،ولكن مُنعتْ تلك المسيرة ،واعتُقِل الشيخ رحمه الله ،وقُبض على عدد كبير من الشباب الذين توقعت الأجهزة الأمنية أنهم سيقودون أو سيشاركون في تلك المسيرة ، وكان أكثرهم من أبناء الجماعة الإسلامية .
وكثيراً ما جمعت بين الشيخين رحمهما الله اللقاءاتُ والمؤتمراتُ الجماهيريةُ الحاشدة التي صدعا فيها بالحق ودعَوَا فيها إلى تطبيق شريعة الله . ومما تعيه الذاكرة في ذلك أنه في عام 1986 قُتل أحد أبناء الجماعة الإسلامية في مدينة أسيوط ،وهو يُلصق إعلاناً عن محاضرة للدكتور عمر عبد الرحمن ، على يدي أحد المخبرين .وكان من ضمن ما اتُفق عليه كرد فعلٍ على ذلك عقدُ مؤتمرٍ حاشدٍ في أكبر مساجد المدينة ،يتحدث فيه الشيخ عمر والشيخ حافظ ، وقد كُلِّفت يومها بتقديم الشيخين ، وفي أثناء الإعداد للمؤتمر رأيت كلاً منهما يُصرُّ على أن يُقدِّم الآخرَ على نفسه ،ويرفض رفضا باتاً أن يتقدم هو عليه. وبعد أخذ وردٍ وجدال ، كان الرضوخُ لقول الشيخ عمر فقدمتُ الشيخَ حافظاً قبلَه.
وبعد : فلسنا ندعي العصمة لأيٍّ من الشيخين رحمهما الله ،ولمن شاء من أهل العلم والدعوة أن يخالفَهُما في بعض ما كانا يذهبان إليه ، ولكن يا ليتنا نتأدب بأدب الخلاف في الإسلام ، ونعرفُ لأهل العلم والجهاد قدرهم ،ونُفرِّقُ بين شخصٍ ظاهرُه حب الدين والإيمان ، وقد قضى حياته منافحاً عن الدين وأهله ،وإنْ خالفناه في بعض ما ذهب إليه ،وبين من كان من أهل الضلالة المعادين للدين وثوابته .
وما أحسن ما قاله الإمام ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية ( 14/ 145) عن شيخه ابن تيمية رحمه الله : ( وبالجملة كان رحمه الله من كبار العلماء ،وممن يخطئُ ويصيبُ ،ولكن خطؤه بالنسبة إلى صوابه كنقطة في بحرٍ لجي، وخطؤه أيضاً مغفور له ؛كما في صحيح البخاري : “إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجرا وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر” .فهو مأجور).
رحم الله الشيخين الجليلين ،وغفر لنا ولهما ، وجعلنا وإياهما من أهل دار كرامته، ومستقر رحمته .
عبد الآخر حماد
12/ 3/ 1444هـ-8/ 10/ 2022م