ثرثرة على تويتر … والفيس!
د طارق عبد الحليم
أصبحت وسائل الاتصال، وخاصة الفيس وتويتر، مجالس ثرثرة، يجتمع فيها الناس، كل ساعة، وكل يوم، يتخاطبون دون لقاء، ويتبادلون القول والآراء، كأنهم في مقهى، أو دوار، يعتمد عدد مرتاديه على عدد تابعي الصفحات، ونوعيته على نوعية صاحبها أو صاحبتها. فهي إما زاوية صغيرة، أو قهوى بلدي، أو منتدى، أو مؤتمر، أو غير ذلك من أشكال الاجتماع. استُبدلت تلك المظاهر التي كانت تجمع الناس للحديث بتلك الصفحات الوهمية على شاشة لامعة، يحدق إليها الخلق ليل نهار.
ثرثرة لا تتوقف!
أما تكون هادفة، وهو أقلها، وإما غير هادفة، وهو أكثرها.
منها قهاوى فكاهية، ومنها منتديات علمية أو ثقافية ومنها نوافذ دعوية أو إصلاحية أو تخريبية إلحادية ومنها سياسية وهي أكثرها، وكلّ حسب قصده ودينه واتجاهه. فترى مقهى صاحبه كوميدي ينشر النكات والمزاح، وبعضها يمعن في التحليل السياسي دون مرجعية صحيحة، وعلم بالشرع والواقع، ومنها قهاوى يختص صاحبها بأخبار النساء، أو تصيّد الغرائب من الأخبار، أو مساندة فريق كرة على آخر، أو فصيل على آخر، أو رئيس على معارض … وهلم جرا.
المشكلة أن هذه “البوتيكات” كلها قد استُبدلت بالجمع الإنساني العادي، فصار جمعا لا يرى بعضه بعضا، ولا يعرف له وجها ولا جسما، ولا أصلا من فصلا! إلا من كلمات يكتبها يعلم الله ما وراءها. ففُقدت المشاعر الحقيقية، وانعدم العلم بالغير من خلال حركات الجسم واليد وانفعالات الوجه، التي تعكس كلها شخصية المرء وحقيقته!
والأدهى أن هذه الحياة المنعدمة الشعور والاتصال، قد جعلت الكثير يهمل أصحابه وأقاربه، بل وأبناءه وزوجته، أو زوجها، في الواقع. وصارت هذه الحياة الواهمة ملاذا في غالبها للمطلق(ة)، أو الأرمل(ة)، أو حتى للعاذب(ة) الذي لا حيلة له ولا هواية ولا طموح. فترى الكثير يستغني بها عن واقعه المعاش، هربا منه غالبا، زهدا فيه أو كراهة له. وتجدهم يهنؤون بالمناسبات ويعزون في الممات، ويتفقدون أحوال بعضهم البعض، فتتداخل حياتهم كأنهم يعرف بعضهم بعضا حقا! وهذا أمرٌ، إن ظهر أنه طيب للوهلة الأولى، لكنه يعبّر عن فقر في الواقع لدى هؤلاء.
ولا أتحدث هنا عن المصائب الخلقية التي تقع بسبب تلك الوسائل الوهمية.
ولا شك أن في وسائل التواصل تلك بعض فوائد، كتفقد الأخبار، أو الاستماع لدرس مفيد أو قراءة مقال هام. ومثلها التلفاز مثلا. فإن الله ما جعل شيئا هو فساد محض، ولا شيئا هو خير محض، بل خلق الدنيا بما فيها على الخلط بين الفساد والصلاح، فما زاد فساده عن صلاحه فهو فاسد، وزاد صلاحه عن فساده فهو صالح. وهذه قاعدة من قواعد التشريع نص عليها الشاطبيّ والعز بن عبد السلام وغيرهما.
فالواجب على من يتقحم هذه الحياة أن يحذر من التمادي فيها. فصرف الوقت فيما لا فائدة منه ولا قصد له، خراب، بل حرام. والأولى أن يكون الوقت مصروفا في طلب العلم، ولا بأس خلالها من أن يكون هناك تفاعل لنقل أمر مفيد أو نقل عن سلف أو شرح لقاعدة، أو تحليل لموقف سياسي. فهذه كلها من الفوائد القليلة التي تجلبها تلك الوسائل. ونعم، تبادل الخبرات النفسية قد يكون مفيدا، لكن له حدّ معلوم لتعلقه بالشخصية الفردية. فهذه كلها من الفوائد القليلة التي تجلبها تلك الوسائل. واجعل ما تكتب هاما اغيرك، لا مجرد وصفا لنفسك وحالتك، أيا كانت..
د طارق عبد الحليم
19 ربيع أول 1444 – 15 أكتوبر 2022