ألح علي كثير من الإخوة المهتمين بالشأن الإسلامي أن أعود لاستكمال كتابة مذكراتي، وكنت قد توقفت عن كتابتها لانشغالي بتفسير القرآن الكريم، ولما رأيته وعشته في هجرتي من حقائق عن الوضع العام في الساحة الإسلامية الذي أدى حاليا إلى انهيار المشروع الإسلامي في كافة أوطان المسلمين، لذلك أحاول الآن تلبية رغبات هؤلاء الإخوة في حدود الطاقة والمستطاع، وأبدأ بأوائل ما بدأت به طبول الحرب علينا عقب هجرتي مباشرة في السعودية والكويت.
ذلك أنني أول ما انتقلت من السعودية إلى الكويت في أوائل سنة 1976 بلغني تحرك كتائب الشر ومحاولة الهجوم عليَّ بالكذب والافتراء، وجندت السلطة الرسمية لذلك الثلاثي الملكي (إدريس البصري وعبد الكريم الخطيب وعمر بهاء الدين الأميري) وشراذم ممن كانوا حولها وبيادق من الاستخبارات على رأسهم ضابط الشرطة “الخلطي” الذي اعترف في حوار صحفي له فيما بعد، بتجنيده عبد الإله بنكيران ومن معه، وإذ لم يفلحوا اضطروا لاستدراج بعض علماء المشرق من الإخوان المسلمين للتأثير على شبابنا وتفتيت حركتهم، وفض جمعهم، وكان أول من استدرج لهذه المعركة الشيخ يوسف القرضاوي، حيث دعي إلى المغرب دعوة رسمية في نفس السنة، واستقبله الملك الحسن الثاني، وأنزل في فندق باليما بالرباط، ثم أخذت وزارة الأوقاف تدعو له الشباب في إحدى قاعات الفندق ليحذرهم من عبد الكريم مطيع وتطرفه، وكان بعض شبابنا يتابع هذا النشاط وينقله إلي تباعا، وليس لي أي وسيلة للرد عليه أو تكذيبه، وبقي الشيخ القرضاوي يشرف على هذا النشاط ويرعاه إعلاميا ويموله من خزائن معروفة فيما بعد، إلى أن تأسس حزب العدالة والتنمية الذي كان بسارع في خدمته وترضيته بدءا بالإشادة به وختاما من تزويجه من مطلقة مغربية، وإقامة عرس له مختلط حضره قادة حزب العدالة والتنمية منشور على اليوتيوب، بعد تزويجه في الجزائر من جزائرية قصتها معه مشهورة ومعروفة.
وكان ثاني من جند في المغرب ضد الحركة الإسلامية المغربية أناس من تونس لجأوا إلى المغرب اضطرارا، فجندهم إدريس البصري ومكنهم من جوازات سفر رسمية ومنح دراسية في الجامعات المغربية وجنس بعضهم وتولى عبد الإله بنكيران تزويج أفراد منهم، مما سوف نفصله في الحلقات التالية إن شاء الله.
2
بيعة الإخوان المسلمين المصريين في الرياض
في نفس السنة 1976، وقد قدمت من السعودية إلى الكويت الذي كانت وسائل الاتصال فيه أكثر انفتاحا وتطورا، من أجل متابعة أوضاع الأسرة والجماعة، فوجئت بقدوم شاب سعودي للكويت برا على سيارة خاصة، يدعوني للعودة إلى الرياض للمشاركة في اجتماع للندوة العالمية للشباب الإسلامي، فلبيت الدعوة ورافقته في سيارته برا، ونزلت في فندق اليمامة المخصص للمدعوين، فإذا به قد امتلأ بالضيوف من كل قطر، وفيهم كثير من قادة الحركات الإسلامية العالمية إخوانية وغير إخوانية، وفيهم الأستاذ عمر التلمساني المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر، ومن الجزائر كان فيهم الأستاذ محفوظ النحناح.
في مساء اليوم الثاني عقب الاجتماعات الرسمية طرق باب غرفتي الأستاذ عبد الله العقيل والأستاذ مصطفى الطحان ودعواني لجلسة في غرفة الأستاذ عمر التلمساني فلبيت الدعوة ورافقتهما، وبعد عبارات الترحيب المتبادلة عادة أخذ الكلمة الأستاذ عبد الله العقيل فأطال ثم عرض علي أن أبايع الأستاذ عمر التلمساني على السمع والطاعة في المنشط والمكره، فابتسمت وقلت: أرى أنني حاليا في أشد محنة وأسوإ مَكْرَهٍ، وقد حوصرت زوجتي ووالدتي المريضة وأبنائي ويجرى التحقيق معهم والتضييق عليهم، واختطف ابني ذو الخامسة عشرة من عمره وهددوني به، ودُوهِمَ بيتي وصودرت كل ورقة مكتوبة فيه، والمطاردات والاعتقالات في حركتنا تترى بعشوائية، هذا الوضع لا يساعدني على اتخاذ أي قرار من غير مشورة مع إخواني في المغرب، أما الأخوة الإيمانية في الله فهي ثابتة بقوله تعالى” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ “.
في مساء اليوم الثاني رأيت الأستاذين عبد الله العقيل ومصطفى الطحان يقودان الأستاذ محفوظ النحناح إلى غرفة الأستاذ عمر التلمساني فترقبت أنه يقاد أيضا للبيعة، وعندما التقيت به فيما بعد سألته: رأيتك متجها لغرفة الأستاذ عمر التلمساني فهل دعيت للبيعة أيضا، فقال نعم، وقد بايعته، وسكَتَ لحظة ثم سأل: وأنت هل بايعت؟ فأجبت: “شرعا تكفيني الأخوة الإيمانية العامة (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، إن استطعت أن أوفيها حقها”، فاستشاط غضبا ورد مستنكرا موقفي بعنف، فهدأته بعبارات تحفظ الود وتستدرجه بيسر إلى عادته في المزاح والتنكيت، وكان سريع الرضى سريع الغضب. غفر الله لنا وله.
صورة لي في نفس المناسبة بحديقة فندق اليمامة بالرياض مع الأستاذ محفوظ النحناح عن اليمين والدكتور الشرتوني من لبنان في الوسط