أفغانستان ليست كنزاً ماليا لأمريكا
مصطفي حامد – ابو الوليد المصري
– الولايات المتحدة تعالج فشلها في سداد القروض بالاستدانة والمزيد من القروض.
– أمريكا لا ترى لأحد سيادة أو مصالح أو حتى وجود خارج الرغبة الأمريكية.
– أصوات أمريكية عالية المستوى تحذر من الانخفاض الكبير في زراعة الأفيون في أفغانستان الذي قال تقرير تلفزيوني بريطاني (بي بي سي) إنه تعرض لانخفاض مقداره 80%.
– وراء حادث 11 سبتمبر خشية أمريكا من ضياع عائدات الهيروين، الذي كان يدر عليها ربحاً سنوياً، ما بين من600 إلى أكثر من 1000 ملياردولار.
– صراخ أمريكا من خطورة انخفاض إنتاج الأفيون؛ هو بسبب الخشية من التأثير السلبي الكبير على البنوك والدولار.
– أوكرانيا وأفغانستان حربان في سَلَّة أمريكية واحدة.
– القروض وسيلة الناتو لشراء أوكرانيا وضمها إلى الحلف.
– الغرب أضاع أمواله في أوكرانيا.. وأفغانستان هي الحل!!
– الغرب لا يجد بديلاً عن أفيون أفغانستان لاستعادة أمواله السائلة التي تجمدت في أوكرانيا على هيئة قروض وأسلحة غير مدفوعة الثمن، ومُؤجَّلة الدفع إلى أزمان لا يبدو أن لها نهاية.
– تلجأ أمريكا إلى حيلة ــ وقحة ومشهورة ــ في المدن الكبرى للعالم الثالث.
الولايات المتحدة تَمُر بظروف مالية صعبة جعلتها توشك على الإفلاس والتوقف عن سداد ديونها الخارجية. لولا أن الحزبين الرئيسيين وافقا على رفع سقف الدين. أي اقتراض المزيد من تريليونات الدولارات (أو مجرد طباعتها على الورق) لسداد جزء من الديون الخارجية المستحقة.
أي أنّ الولايات المتحدة مثلها مثل الدول الفاشلة والتي هي على وشك السقوط، تعالج فشلها في سداد القروض بالاستدانة والمزيد من القروض (أو بطباعة أطنان من العملة المزيفة). وذلك الطريق نهايته معروفة ومحتمة، وهي السقوط الاقتصادي والانهيار السياسي للدولة. والتي إن كانت بحجم الولايات المتحدة ــ الدولة الأعظم في العالم ــ فإن ذلك يعني كارثة عالمية وربما حرباً عالمية.
وتبتز أمريكا العالم وتراهن على أنه لابد أن يتصرف ويجد حلاً لمشكلتها، وإلا فإنه سوف يدفع الثمن غالياً.
أمريكا تقول للعالم تصرفوا أنتم وتحملوا المسؤولية عن مصائبنا لأنكم الأضعف ونحن الأقوى. لأجل هذا تثير أمريكا المزيد من الاضطراب والحروب الساخنة والتجهيز لحروب أخرى قادمة، والانتقال إلى مراحل جديدة من حروب قديمة كما تريد أن تفعل مع أفغانستان.
أمريكا ترى في أفغانستان دولة صغيرة ولكنها تمتلك ثروات كبيرة. وبالتالي فإن أمريكا (الدولة الأقوى) لها الحق في ثروات أفغانستان لأنها (الدولة الأضعف).
وهذا ما فعلته في عام (2001) إذ هاجمت أفغانستان عندما مارست الإمارة الإسلامية أحد حقوقها السيادية، بالسيطرة على واحد من ثرواتها الكبيرة وهي ثروة الأفيون، الذي قررت منع زراعته نهائيا طبقاً لحسابات مصالحها، فكان ذلك سبباً مباشراً لشن الحرب عليها بواسطة الولايات المتحدة ومن خلفها حلف الناتو. فأمريكا لا ترى لأحد سيادة أو مصالح أو حتى وجود خارج عن الرغبة الأمريكية. فرتبت الولايات المتحدة حادث 11 سبتمبر وأعقبته مباشرة بالحرب العالمية التي خاضتها ومعها حوالي خمسين دولة في تحالف عدواني ضد دولة صغيرة مسالمة هي أفغانستان بدعوى أنها وراء حادث سبتمبر.
والحقيقة أن الذي كان وراء حادث 11 سبتمبر هو خشية أمريكا من ضياع عائدات الهيروين الذي تصنعه من أفيون أفغانستان والذي يدر على الولايات المتحدة ربحاً سنوياً يتراوح ما بين من600 إلى أكثر من 1000 مليار دولار، بأسعار ذلك الوقت.
أضاف قائد حلف الناتو “ويلسلي كلارك” سبباً ايدلوجيا أكثر خطورة، حين قال إن أمريكا والغرب ذهبوا إلى أفغانستان بسبب الإسلام، ولأجل صناعة إسلام يناسب الغرب هناك.
والآن تواجه الولايات المتحدة ظروفاً مالية أصعب مما واجهتها عام 2001، ومَرَّة أخرى تريد إعادة زراعة الأفيون إلى أفغانستان بعد أن استجاب المزارعون بشكل أكبر مما توقعه أي أحد لقرار من أمير المؤمنين الشيخ المولوي هبة الله بوقف زراعته، كما حدث في المرة الأولى عام 2001 عندما توقف المزارعون بشكل جماعي بناءً علي طلب من أمير المؤمنين الملا محمد عمر.
وفي كلا الحالتين لم تستخدم الإمارة الإسلامية أي قوة ضد المزارعين كي تجبرهم على تنفيذ القرار. بل كان توقفهم طوعاً نتيجة الترابط العقائدي ما بين الإمارة والشعب، والثقة المتبادلة. فكل منهما ينظر إلى الآخر كضمانة وجود وضرورة شرعية.
الوضع المالي المتأزم في الولايات المتحدة إلى درجة العجز عن سداد الديون الخارجية، دفعها مرة أخرى صوب أفغانستان كملجأ وسفينة نجاة، كي تستعيد ما فقدته من أموال الهيروين وتجارته العالمية التي كانت قد تضاعفت أثناء فترة احتلالها أفغانستان. عندما سَخَّر الاحتلال الأمريكي كافة إمكاناته العلمية والعسكرية من أجل التوسع في زراعة الأفيون، وتحسين نوعيته، وتطوير إنتاج الهروين كماً ونوعاً.
كما كدَّسَت الولايات المتحدة مخزوناً هائلاً من الهيروين في مخازنها السرية في أمريكا وحول العالم.
ويبدو أن ذلك المخزون قد انتهى أو شارف على الانتهاء. لهذا بدأت الأجراس تدق. فالاقتصاد الأمريكي يتمتع بعظمة ظاهرية مخادعة، أكثر منها واقعية. فبدأت أمريكا ترمي أفغانستان باتهام مخالف تماما للحقيقة، وهو الاتهام بزراعة المخدرات والاتجار فيها. وهذا مطابق لما فعلته أمريكا تمهيدا لشن الحرب على أفغانستان عام 2001.
ولكن أفغانستان الآن اختلفت تماما. ومعظم المزارعين أصبحوا غير راغبين في العودة إلى الدورة الجهنمية للأفيون، والتي عانوا منها الأمَرّين بسبب الديون التي أوقعتهم فيها، وسطوة المرابين، مع تدهور حالة المزارعين وعائلاتهم.
وعلى المستوى الرسمي فإن قيادة الإمارة الإسلامية ليست متحمسة لعودة دورة زراعة الأفيون بشكلها السابق الذي كان يفضي في النهاية إلى مليارات تصب في بنوك الولايات المتحدة، بينما يرزح المزارعون الأفغان في الفقر، والإمارة تحت تشنيعات الحرب النفسية التي تشعلها أمريكا ضدها.
ورغم أن هناك أصوات أمريكية عالية المستوى صدرت من الكونجرس لتحذر من ذلك الانخفاض الكبير في زراعة الأفيون في أفغانستان الذي قال تقرير تلفزيوني بريطاني (بي بي سي) إنه تعرض لانخفاض مقداره 80%.
“المعهد الأمريكي للسلام” الملحق بالكونجرس الأمريكي وصف ذلك التطور بأنه ضار لهذا البلد والعالم. ويقصد بهذا البلد الولايات المتحدة، لأن أفغانستان لا تعنيهم بشيء، كما يقصد بالعالم الولايات المتحدة أيضا، فهي كل شيء على سطح الأرض، كما يظنون.
انخفاض انتاج الأفيون بهذه النسبة الكبيرة في أفغانستان يصيب بالضرر صناعة الدواء حيث يعتبر الأفيون أحد أهم مكونات منتجاتها. ولكن المستهدف الحقيقي لصراخ أمريكا من خطورة انخفاض إنتاج الأفيون هو التأثير السلبي الكبير على البنوك و الدولار. وهما مرتبطان بشكل كبير جدا بعائدات تهريب المخدرات (بجميع أنواعها) خاصة الهيروين الذي يشكل أكبر عائد مالي لأي سلعة في العالم.
أوكرانيا وأفغانستان حربان في سَلّة أمريكية واحدة
بدأت حرب أوكرانيا بعد فاصل قصير من انتهاء الفصل الأول من حرب أفغانستان، وفرار القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو بطريقة مخزية من ذلك البلد. فانتقلوا جميعا إلى حرب أوكرانيا مستفيدين من التطورات الكبيرة في الأسلحة التي حدثت خلال تلك الحرب، ومن التجارب العسكرية في الحروب غير التقليدية، وتجارب الحروب الحديثة المعقدة، المكونة من مجموعة حروب متداخلة: عسكريا واقتصادياً ونفسياً. وبشكل خاص الحروب الإعلامية وحروب الفضاء الافتراضي “الحروب السيبرانية”.
تعلمت الولايات المتحدة ودول حلف الناتو ألا تتورط في ميدان المعارك بجنودها إلا في أضيق نطاق ممكن، وبمجموعات محدودة من رجال المخابرات والخبراء، تاركين القتال الأرضي للقوات المحلية وشركات المرتزقة الدوليين.
اعتمد الغرب على توريد الأسلحة المتطورة إلى الجيش الأوكراني وفتح مخازنه على مصراعيها. كما فتح أنهار القروض المالية لتمويل حكومة أوكرانيا. ولكن تلك السياسة استنزفت الغرب مالياً. فالأموال والأسلحة تعتبر قروض مؤجلة لا يعلم أحد متى سترجع إلى أصحابها. وهنا مربط الفرس؛ فالغرب لا يجد بديلاً عن أفيون أفغانستان لاستعادة أمواله السائلة التي تجمدت في أوكرانيا على هيئة قروض وأسلحة غير مدفوعة الثمن، ومؤجلة الدفع إلى أزمان لا يبدو أن لها نهاية.
النتيجة أن أمريكا أسرعت إلى الطريق الذي تحفظه جيداً وهو طريق أفغانستان. ولكن أفغانستان قد تغيرت ولم تعد ذلك المنجم الذي لا حدود له بالنسبة لزراعة الأفيون أو صناعة الهيروين.
فالإمارة الإسلامية ليست في حاجة إلى أن تساعد أمريكا في الخروج من أزمتها المالية، بإعادة زراعة الأفيون مرة أخرى أو استيراد تكنولوجيا تصنيع الهيروين حتى تلبي مطالب المافيا الأمريكية، أو أن تفتح مطاراتها الرسمية أمام أمريكا حتى توزيع منها الهيروين علي العالم.
فإذا كان للعالم فى احتياج للأفيون الأفغاني لصناعة الدواء، فيجب على أصحاب تلك الصناعات أن يتكلموا مباشرة مع الإمارة الإسلامية. لبحث قواعد منصفة وآمنة لإنتاج الأفيون وشرائه لتصنيع الدواء بشكل بعيد عن سوء الاستخدام أو الإضرار بحقوق الشعب الأفغاني وباقي شعوب العالم.
حيلة قديمة
فبدلاً من أن تطلب أمريكا من الأفغان -بشكل مباشر وصريح- التوسع في زراعة الأفيون مرة أخرى، فإنها تتهمهم دولياً بالإفراط في زراعة الأفيون والإتجار به. فهي تلجأ إلى حيلة قديمة ــ وقحة ومشهورة ــ في المدن الكبرى من العالم الثالث، وهي حيلة تتبعها النساء المنحرفات، عندما يرغبن في لَفْت الأنظار إليهن وقد انصرف عنهن الجميع، وصار الناس يتأذون من مناظرهن القبيحة؛ فيلجأن إلى إثارة فضائح عامة مدوية، لجذب أنظار الجميع، باتهام الشباب في الطرقات بالتحرش بهن ومضايقتهن. وذلك غير صحيح، ولكنها مجرد مناورة لفتح باب المساومات والعودة بالزمن إلى الوراء من جديد.
ولكن الزمن لن يعود إلى الوراء في أفغانستان، لأن الولايات المتحدة في طريقها إلى المغادرة السريعة، وترك مكانتها الدولية، لتستقر بعدها في مزبلة التاريخ إلى الأبد.
أفغانستان ليست مخزن أمريكي للسيولة المالية
الحرب الأوكرانية أثرت كثيراً في موقف أمريكا المالي. وبدرجة تالية موقف أوربا وأعضاء حلف الناتو. فالمليارات من العملة الصعبة قد تجمدت على هيئة أسلحة غير مدفوعة الثمن وقروض قد تكون غير قابلة للعودة مرة أخرى.
سيأتي يوم تنتهي فيه حرب أوكرانيا، وسوف تطالب أمريكا وأعضاء الناتو باستعادة حقوقهم من الحكومة الأوكرانية التي لا تمتلك ما يمكنها من سداد تلك المبالغ الخرافية من القروض. وليس أمامها غير طريق واحد هو بيع أصول الدولة للدائنين، كما تفعل دول فاشلة أخرى.
وعن طريق هذا الأسلوب في سداد الديون تتحول أوكرانيا إلى دولة أصلية من دول حلف الناتو ومن ممتلكاته القانونية.
وبدلاً من أن تنضم أوكرانيا إلى الحلف، يجيء الحلف ويتملكها في مقابل الديون. فتصبح أوكرانيا ممتلكات أمريكية وأوربية. وهكذا يكون الحل السعيد الذي لن تتمكن روسيا من الاعتراض عليه من ناحية قانونية على الأقل.
هذا يبدو حلاً سعيداً بالنسبة لمشكلة أوكرانيا. الا أنه لا يشمل عودة السيولة المالية إلى الدول التي اقرضتها وقت الحرب.
لهذا فإن أمريكا وحلف الناتو سيعملان على توتير الأجواء مع أفغانستان، وتضييق الخناق عليها سياسياً واقتصادياً. وتشديد الحرب النفسية عليها، وتكتيل العالم ضدها إلى أن ترضخ للمشيئة الأمريكية الطاغية وتعيد زراعة الأفيون وتصنيع الهروين. أي عودة الاحتلال الأمريكي أو عودة نظام عميل إلى كابل مرة أخرى، كما كان نظام كرزاي أو نظام أشرف غني وزوجته الماسونية رولا غني.