تساؤلات محرمة!
د طارق عبد الحليم
**********************************
هل فشل الصهاينة حقا في تحقيق أي هدف من أهدافهم في غزة؟
هل أصابت قيادة حماس في هجومها في قرار السابع من أكتوبر؟
أحسب أنه اليوم، وبعد دمار 80% من غزة، ونزوح 80% من أهلها، واستشهاد (بإذن الله) ما يزيد عن ثلاثين ألفا من الضحايا، باعتبار المفقودين، أرى أن ترك الإجابة عنهما هو الجريمة الصامتة، والتواطؤ الضمنيّ.
======================
تساؤلان، ممنوع، بل محرم، على أي مسلم، وإن كان صادقا، أن يضعهما رهن الإجابة، بدعوى:
كره المقاومة
كره قضية فلسطين
حب العبودية والاحتلال وعدم الرغبة في التخلص منهما
ليس الوقتَ المناسب
=====================
أما عن تلك الدعاوى، فهي إما أن:
تصدر من محض عاطفة لا منطق لها يضبطها ولا عقل يهديها، بل هي مشاعر بلا توجيه.
وإما تصدر عن متعصب يرى الباطل هو ما عند غيره، والحق هو ما يراه وحده.
وفي كلا الحالين هي لا تصدر إلا عن جاهل بالشرع، قليل العلم، اغتر بما أتيح له من مساحة لينشر “رأيه” فظن أن له رأي مُعتبر!
فصاحب التساؤل يكره الكيان كراهته للشيطان، ويحب زواله كما يحب الخير لأبنائه ونفسه، ويحب أهل فلسطين من المسلمين محبته لنفسه وإخوانه الذين هم من أرحامه، ويقاوم الكافرين بما هو متاح له، بالقلم والتوجيه عقودا طويلة.
====================
أما عن التساؤلين:
فالأول، أقول فيه إن الإجابة تتوقف على ما يعني به “الهدف”، وما يعني هذا الهدف في المدى القريب والبعيد.
فهدف القضاء على حماس، قد يعني قتل كل حامل للسلاح في غزة الحبيبة، نسأل الله ألا يكون هذا أبدا، وفي هذه الحالة، فلا شك أن العدو لم يحقق هدفه، ولن يحققه في غالب الأمر. وكما قيل فإن المقاومة، حماس أو غيرها، هي فكرة لا تموت بالبنادق، ولو بعد قرون!
لكن هدف القضاء على أية حركة مقاومة، لها طريقان، طريق قريب سريع، وطريق بعيد أكثر تأثيرا وإيلاما.
أما الطريق السريع الأول فهو ما فشل فيه العدو، كما قلنا آنفا.
وأما الثاني، وهو ما نراه من استراتيجية للعدو، هو في العمل على إبادة الحاضنة للمقاومة، إبادة جماعية كاملة، خاصة الأطفال والنساء، بحيث يصبح من تبقى منهم بلا ظهر يعينه أو يستمد منه القدرة البشرية والمعنوية.
وهذا ما نرى العدو سائرا في طريقه، بنجاح تام، دون أي توقف أو تمهل أو تردد، رغم موقف المعارضة لما يحدث من قتل وتشريد وهدم في كثير من أوساط الشعوب، لا الحكومات.
واستمرار وجود مقاومة تحت الأرض أمر محبوب مرغوب، وهو ما نظن أن العدو لم يحسب حسابه في أول الأمر، غرورا واستعلاءً، حيث ظن أن الطريق السريع سيكون موصلا له لهدفه في القضاء على المقاومة، في أسابيع قليلة. فما فتأ أن أدرك أن الأمر على غير ما أحب، وهو ما قد يُقصد به قول إنه لم يحقق هدفه، فتحول إلى الاستراتيجية الثانية، بعد عدة أيامٍ من هجومه، والتي هي أبعد أمدا وأقوى تأثيراً، وهي القضاء على الحاضنة بأكملها، وتدمير القطاع برمته، وتحويله إلى ركام لا يصلح لحياة بشر، سواء بالقصف أو بالحصار التام العام.
وهذا هو هدف العدو اليوم، وهو ناجحٌ فيه لأبعد الحدود، حتى اليوم، بلا أي أفق في إمكان توقفه عن السير في طريقه وإتمامه، إلا كاشفة من الله تعالى.
========================
وأما التساؤل الثاني:
فنعم، قد وضعتُ السؤال مرة أو مرتين من قبل، وتركت المهلة لمن يقرأ أن يراجع ما يراه، ولا أضع قادة حماس فوق التساؤل، الذي ينعق الناعقون دائما بأنه حق للناس، يمارسونه بسؤال قادتهم عما يفعلون، ولم فعلوه، وإلا فنحن “سيساوية” شئنا أم أبينا،
فأقول اليوم:
إما أن قادة حماس لم يقدروا حجم الرد الصهيوني بشكل صحيح!
أو إنهم قدروا حجم الرد بالفعل.
فالأول، إن لم يقدروا حجم الرد الصهيوني بشكل صحيح، يعني مصيبة وإجرامٌ وسوء تقدير، معروف عن كل مُنتمٍ للإخوان في كل مكان، على امتداد القرن الماضي كله!
فإن كان الثاني، فهو يعني أنهم لم يأبهوا لما يحدث، ورأوا فيه “مصاب عارض collateral damage” يمكن تحمله لأجل النصر على العدو!
وهو ما دفعني للتساؤل من قبل:
ماذا كان هدف حماس من تلك العملية، في هذا التوقيت بالذات؟ ما تعريفها للنصر؟!
وما هي علاقته بما كان بارزا على السطح في وقتها مباشرة، من تهديد العدو لضرب العدو الرافضي، الأخ الأكبر لقادة حماس؟
فإن عرفنا معنى النصر الذي كانوا يأملونه، وهو ما لم يفصحوا عنه إلى الساعة، عرفنا الدافع للقرار، وحكمنا على نجاحه وفشله.
أما اتخاذ الوضع القائم والتستر وراء العاطفة الجارفة، لما يحدث على الأرض، وضرورة رفع المعنويات، فهذا لا ينبني عليه تحقيق هدف، أو نصر أو صحة قرار، إلا في حساب السذج الغافلين.
ولن تخرج قادة حماس يوما، لتفصح عن علاقتها “الحقيقية” بالروافض، وما كان يدور من وراء الكواليس، مع الروافض، ولكني أرى، بكل ما رأينا من مؤشرات وقرائن ومعضدات عديدة للنظر، ما يلي:
القرار النهائي للعملية كان للقيادة العسكرية (السنوار)، دون أن يرجع في موعده للقيادة السياسية (هنية، حمدان، مشعل)، رغم علمهم بالاستعدادات الجارية، للقيام بعمل مستقبلي. لكن قرار السنوار كان نتيجة تحريض مباشر من الروافض، خاصة على كتائب الجهاد الموالية تماما للروافض، بدافع إشغال العدو عن أي هجوم محتمل على إيران الفرس، مع وعود بإشعال الجبهة الشمالية، وبدء الحرب فيها. ولم يكن في تخيلهم أن يغدر بهم الروافض، مع كل دلائل التاريخ على غدرهم.
من المستحيل أن يكون اختيار التوقيت ذاك بالذات، خلال تلك النافذة التي كانت مفتوحة للعدو، لضرب مفاعلات الفرس، بعد أن أعلن عن عدم تقيده بتوجيهات أمريكا بهذا الصدد، هو أمر غير مرتبط بالقرار. مستحيل!
وهذا لا يُعفي القيادة السياسية من المسؤولية، بل هم كلهم شركاء في الاعتماد على الروافض، وفتح المجال لهم ليكونوا شوكة في جانب الحركة كلها في غزة، ويخترقوا كوادرها العليا، لدرجة أن توافق على هذا القرار، الذي ضاعت فيه غزة بأكملها، وصارت مطالب حماس هي مجرد انسحاب من أرض مدمرة، بعد مقتل وجرح مئات الآلاف! وأن تدخل المساعدات وإعادة البناء، مع العلم أن هذا لن يكون إلا بتنازلهم عن انجازاتهم العسكرية، المتمثل في هدم كافة الأنفاق.
فما الذي تحقق من تحرر ونصر يا ترى؟!
الضحايا في غزة والضفة، أم إطلاق أسرى ثم أسر أضعاف أضعافهم كل يوم؟!
لا نقول أن المقاومة والقرار مرفوضأساسا، لكنا نتحدث عن التوقيت والضمانات .. لمن عقل.
=============================
ما يهمنا اليوم، هو سلامة ما بقي من أهل غزة، وأن تُستبدل تلك القيادة التي أدت لهذه الكارثة، بقيادة يمكنها أن تجد مخرجا مما يجري اليوم، وإن كان المخرج في يد الله وحده، فإن الإجماع على أن أية قيادة تتسبب في خراب عليها التنحي.
اللهم لطفك بأهل غزة جميعا.
اللهم اسقهم وأطعمهم وارفع عنهم البلاء وأهلك عدوهم المغضوب عليه.
اللهم أهلك حكام العرب الأرجاس الأنجاس، واجعلهم عبرة للمُعتبر.
اللهم ارحمنا على تقصيرنا في القول والعمل لنصرة إخواننا في غزة والضفة وسوريا والسودان واليمن.
د طارق عبد الحليم
20 يناير 2024 – 8 رجب 1445