العقلية الفرعونية مرض يصيب كل من به صَغار أصيل، صَغَار في قوته أو وضعه الاجتماعي أو الأخلاقي أو الثقافي، إذا وجد نفسه فجأة في مقام يتزلفه فيه صغار النفوس، من عبيد بطونهم أو جيوبهم أو مصالحهم، فيستفحل مرضه ويزداد تعاليا، وينتفى عنه الشعور بأن في الأرض من يرفض التزلف ويأبى التقرب والتذلل، خاصة إذا كان بين يديه ديدان للقراء وأكلة للنفايات، ممن اعوجت فقرات ظهورهم إقعاء.
لقد عرفت البشرية في عهودها القديمة فراعين استبدوا واستعبدوا وتألهوا، فكان في كل ناحية من نواحي الأرض فرعون طاغية جبار: فرعون مصر المعرووف، ومعه فراعنة العراق وثمود والقسطنطينية وغيرها، كانوا فراعنةً بحق، قوة في الأرض واستعلاء بالمال، وقوة في الجند والمنعة واستعمار الأرض، وقال فيهم الله تعالى:{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} القصص 38، وقال:{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} الزخرف 51.
لكننا في بلداننا الإسلامية المعاصرة لم تر حكاما راشدين يحكمون، ولم تر رجالا عقلاء يحلمون، بل لم تر حتى مجرد فراعنة أقوياء يدافعون عن ملكهم كما يدافع أولو البطش والقوة فيما مضى…
ماذا نجد في كل قطر وماذا نرى؟
وجدنا ورأينا في كل قطر عربي “فريعينا” – تصغير للفظ “فرعون” على غير قياس –، “فريعينا” يرى نفسه أهلا للسجود والركوع، يغضب ممن لم يسمع له أو به، أو لم يطعه ولم يؤد فروض الولاء ولو لم تكن له علاقة به أو سابق معرفة، ويطيش به الغضب إن سمع رأيا حرا أو موقفا أبيا أو استعلاء على الراكعين… فيصيح بالملأ حوله: هل أخذ منكم مالا؟ استرجعوه. هل له بيت ..؟ صادروه، هل استضفتموه في مطعم أو فدق أو بيت؟ اطردوه وألزموه أن يؤدي الثمن واحجزوا جوازه ما لم يؤد…
هل نشرتم صورة له في صحفكم؟ احذفوها…
هل له أعداء؟ أعينوهم عليه..
هل له جواز سفر؟ اسحبوه منه، أو بطاقة تعريف وطنية؟ اسحبوها منه، أو ذكر طيب في قومه؟ شوهوا سمعته وشهروا به…الخ …
هل له في الوطن زوجة أو أم أو أولاد؟ احجزوهم رهائن…
هل لكم من وسيلة للقضاء عليه؟ عجلوا …
كل ذلك والصادقون المستعلون بإيمانهم لا يبالون بأي واد هلك أو يهلك “الفريعينات” القدماء والجدد.
كان من أتقى من عرفت في أبناء حركتنا شاب هو أكثر وعيا بدينه وأشد وضوحا في عقيدته وتصوره الإيماني، حصل على الإقامة الدائمة في إحدى الدول الأوربية فنصحته بمحاولة الحصول على الجنسية، فأجابني:( من يعطيك الجنسية يستطيع سحبها منك متى يشاء، والثقة بالله أولى من الثقة بغيره)، ما أبلغ حكمته!!!، رحمه الله وتقبله بقبول حسن وبارك في من بقي من ذريته وإخوته ورفاق دربه، كان رحمه اللهشجرة طيبة من أرض طيبة.