من خطوات التأسيس الأولى للحركة الإسلامية المغربية
3
فضيلة الشيخ
عبد الكريم مطيع الحمداوي
مؤسس التيار الإسلامي المعاصر في المغرب
(هذه الحلقات وغيرها إن شاء الله هدية لمقام أبنائي من الثابتين على الطريق، الأوفياء للعهود، على رغم المشاغبات التي يثيرها المفتونون بجمع غنائم أرصفة الطريق.. ، وإلى أحرار المتطلعين للحقيقة والمستفيدين منها مع خالص المودة والتحية.)
(الحلقة الثالثة)
في مستهل مرحلة التأسيس واجهتني أول عقبة، هي الإعداد العقدي والفكري والسياسي للشباب، لأن القلة الأولى من المدرسين كانوا من المدارس الابتدائية وليس لهم تكوين جامعي يسمح لهم بإعداد ما تحتاجه الحالة، والشباب الذين بين أيديهم تحت التأسيس كانوا مندفعين ويحتاجون إلى الانضباط والصبر على التعلم والتربية وتعود الحكمة، والحلقات التي تعقد أسبوعيا تعددت واتسعت وصار من المتعذر متابعتها كلها، والدروس التي تلقى عليهم كانت شفوية سرعان ما تنسى ولا يبقى لها أثر لديهم، والتحديات التي تواجههم في الشارع والثانويات والجامعة أقوى مما يحتملونها، لذلك دعت الضرورة إلى أن أحرر كل أسبوع درسا توجيهيا يجمع بين الفقه والتوعية السياسية التي تحتاج إليها الظروف، أطبعه في نسخ كثيرة توزع على الخلايا، فاشتريت آلة طابعة وآلة رونيو، وضعتهما في “كراج” بيتي وحولته مكتبا ومكانا لطباعة كل ما نحتاج إليه، ولم أجد أي صعوبة في ذلك، لأني كنت أتقن الطباعة من أيام عملي في المقاومة المسلحة مع الشهيد الفطواكي وصحبه الكرام رحمهم الله في مراكش مكلفا بكتابة المناشير السرية وطباعتها ونشرها.
أما الدروس الفقهية والتربوية المجردة فكنت أكتب بعضها وأختار بعضها من كتب الفقه والدعوة، وتطبع قي مكتبي التربوي، تقوم بذلك سيدة موظفة عندي في أوقات فراغها، تدعى الحاجة مليكة الغانمي، جزاها الله خيرا، من غير أن تطلع على ذلك أحدا، وكان مما أعادت طباعته جزاها الله خيرا كتاب “صفات الداعية” لفضيلة الشيخ محمد الصباغ، وعندما هاجرت إلى السعودية أخبرته رحمه الله فضحك وقال: وأين حقوق الطبع يا شيخ؟ فأجبته مبتسما: ننتظر طباعة دفتر الشيكات ما دام الثمن جزافا.
هكذا تغلبنا على معضلة تكريس ما ندعو إليه في أذهان الشباب، وعلى تبليغ ذلك بواسطة المدرسين الذين لم تسبق لهم أي خبرة سياسية أو حركية في ما سوى التعليم، ومع ذلك تخوف بعضهم من هذا التطور في نظام العمل والدعوة، ثم ما لبثوا أن تجاوزوا هذه العقبة.
وكان مما واجهني في عملية شراء الطابعة والرونيو أنَّ باعتهما حينئذ كانت لهم تعليمات من الأمن بألا يبيعوها إلا للمؤسسات الرسمية وبترخيص أمني رسمي، فاشتريت الآلة الكاتبة على أنها لمكتبي التربوي الذي أشرف عليه، وكلفت صديقا لي في اسبانيا بأن يشتري لي آلة رونيو من الصنف القوي الجيد ، ثم حولت له ثمنها وأرسلت إليه في غرناطة الأخ “بوجمعة إقديمن” فحملها إلينا، وساعدني على إخراجها من الباخرة والميناء وتسلُّمِها أحد الأصدقاء الطيبين من العاملين في الميناء هو الأخ ” السيد محمد الجذوري” الملقب “الرُّخّ” بسبب مظهره القوي وجسده الضخم وأخلاقه العالية المعطاءة، رحمه الله وجعله مع الأنبياء والصديقين، وتكفل نفس الأخ الذي أتى بها من اسبانيا بالإشراف عليها واستحضار حاجيات استعمالها حبرا وأوراقا وأدوات مكتبية.