من خطوات التأسيس الأولى للحركة الإسلامية المغربية
( الحلقة الثامنة)
فضيلة الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي الحسني الهاشمي
من خطوات التأسيس الأولى للحركة الإسلامية المغربية
( الحلقة الثامنة)
كنت حليق الللحية في بداية تأسيسي للحركة الإسلامية المغربية، حتى إذا زارني أحد طلبتنا وسألني عن حكم إسبال اللحية ابتسمت وتلمست وجهي وأجبت: اللحية سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} آل عمران 31، ثم أردفتُ: “وعليَّ وعليك من الآن أن نكف عن حلاقتها، جزاك الله خيرا يا ولدي”؛ والغريب الذي أثار انتباهي بعد ذلك أنني عندما زرت المملكة السعودية لحضور بعض المؤتمرات الإسلامية التقيت بكثير من قادة الحركات الإسلامية العالمية في المجال الفكري والحركي فوجدتهم حليقي اللحى، ولكل تأويله الفقهي للنصوص، وكذلك عندما زارنا بعد ذلك بعض قادتهم في المغرب.
لقد انتبهت بسؤال هذا الشاب اليافع إلى جانب أساس في التربية وإعادة التربية هو أن فعل الداعية وقوله يجب ألا يتعارضا، وإلى أن فتياننا قد نضج وعيهم الديني، وعلينا جميعا أن يطابق ادعاؤنا دعوانا، فخصصت درسا مطبوعا لهذا المبدأ ووزعته على الجميع، فكانت فيه البركة وانصلح به من سلوك كثير من كبار حركتنا وصغارها ما كان في حاجة إلى إصلاح، وأخذ كل من رأى مخالفة في الصف يزورني في البيت مخبرا وحاثا على الإصلاح والنصح، أحدهم زارني حول أخ كبير وإحدى بناته سافرة، وآخر حول أخ كان يأخذ زوجته إلى السينما، وآخر كان يأخذها إلى البحر للسباحة، وقليل من كبارنا كانوا يدخنون خلسة، إلا أن عملية التربية وإعادة التربية بالقدوة الحسنة والتنافس على اتباع الحق وتشجيع التناصح بالستر واللين والحسنى، كل ذلك ساعد على ضبط الصف وتنقيته من هذه الشوائب والعادات والممارسات.
وحينئذ انتبهت إلى ضرورة العناية بالفتيات بجانب ما نحاوله مع الفتيان، فحدثت زوجتي في الأمر، وهي مدرسة من أسرة محافظة متدينة والدها رحمه الله فقيه كان يجالس الفقيه الشيخ عبد الرحمن النتيفي رحمه الله ومن المتأثرين بمنهجه، فاجتمعت كلمتنا على ضرورة تكوين خلية من طالبات المعاهد الثانوية وإعادة تربيتهن بالعقيدة السوية والخلق الكريم والالتزام الواعي القويم، واتفقنا على أن نخصص مساء كل جمعة لاستقبالهن في البيت، لا سيما والبيت في تلك الساعات من يوم الجمعة لا يكون فيه إلا أطفالي الصغار، وهم ما بين السنة الثانية والخامسة، أما ابني البالغ من العمر حوالي الرابعة عشرة من عمره فقد ألزمته أن يغادر البيت كل جمعة بعد تناول طعام الغذاء مباشرة ولا يعود إلا بعد المغرب، وطلبت من كل طالب من طلبتنا إن كانت له أخت في مستوى التعليم الثانوي، أن يبعثها إلى حلقة بيتي التي تشرف عليها زوجتي أم البنين.
وكنت قبل كل جمعة، مساء يوم الخميس أعد مع أم البنين ما تحتاجه من دروس تلقيها على الفتيات، وما تلقاهن به من الضيافة، فإذا حضرن صلَّت بهن العصر وأحيانا المغرب أيضا، وكانت الدروس الأولى مركزة على العقيدة والأخلاق من الكتاب والسنة، والالتزام بالعبادات والحجاب، بذلك كانت هذه الخلية أول ظهور للحجاب في ثانويات الدار البيضاء وإعدادياتها قبل أن تنتقل إلى غيرها. وبعد حين طالبَتْ بعضُ فتياتنا بتأسيس قاعات للصلاة ثانوياتهن، فأثار هذا الظهور وتلك المطالب صعوبات لفتياتنا في حياتهن الدراسية وردود فعل عنفوانية وعدوانية لدى بعض مديرات هذه المدارس ومعلماتها، ولكن فتياتنا تغلبن على كل ذلك بالصبر والمصابرة، وظهرت من بينهن فتيات هن نماذج للحماس والالتزام والصمود ومواجهة صفاقة المعارضين والمعترضين في إدارة الثانويات البيضاوية.