ملف 16 ماي
قالوا ولم نقل عن تلك الايام
بقلم زكرياء بوغرارة
كاتب مغربي
معتقل سياسي سابق
تحمل الذكرى ال21 لأحداث 16 ماي في الدار البيضاء لذاكرتنا الكثير من محطات المعاناة والمحنة والابتلاء .. فتسترجعها ببطئ شديد .. اذ لا يمكن لذاكرة القهر ان تكون يوما ما غافية او خابية.. فلم تزل السنوات تزيدها قوة فتظل كامنة في الوجع كمون الجمر تحت الرماد ولعلها من الجمر الذي لانزال نقبض عليه بأيدينا .. حتى النهاية..
كان من قدر الله وقدر الله ماض ان تهب تلك الرياح بما نشتهي وما لانتشهي
قد سبقها الكثير من الإشارات أن القادم سيكون عسيرا خاصة مع سرعة طبخ قانون مكافحة الإرهاب .. فقد طرح على خجل للنقاش وكانت تخرج الكثير من الفاعليات في مدن شتى مما يسمى المجتمع المدني ترفضه وتشجبه لأنه كان يشي بمرحلة ومنعطف جديد تتراجع فيه حريات اكتسبت بعد سنوات عديدة من الصراع والسجون والاعتقال السياسي خاصة لدى اليسار… كان هذا قبل تمرير القانون عقب التفجيرات ب12 يوم يوم 28 ماي 2003م
اتوقف مليا قبل تلك الاحداث بشهر و الأيام الحبلى بالتكهنات وما هي الا تمهيد ومقدمة لما سيحدث لي في ألف شهر
وفي تلك المنعطفات طالت العاصفة عشرات الألوف والعوائل على طول البلاد وعرضها
ذات يوم من ابريل كنت أمشي في شارع مؤدي للمحطة الطرقية بمدينة وجدة وألتقيت قدرا رئيس تحرير وناشر جريدة الحياة المغربية وتبادلنا الحديث فشد علي يدي وطلب مني باصرار عجيب أن أكتب له مقالة ملف العدد السياسي وعلل تلك الحجة بالكثير من المعاذير وأمام إصراره ورغبة كامنة في أعماقي يومها ان اكتب عن الاعتقالات الجارية يومذاك في صفوف من كانوا يصنفونهم تحت لافتة السلفية الجهادية ومعظمهم يومها كانوا معتقلين على خلفية مجموعة يوسف فكري او ما عرف إعلاميا بمجموعة 31 ان لم تخني الذاكرة في تحديد الرقم…
قبلت أن اكتب مقالة الملف السياسي في صفحتين وقال لي أنه ينتظرني على أحر من الجمر في مكتبه…لأن العددقد إكتمل ولم يبقى على تقفيله سوى الملف السياسي
فذهبت للمكتبة واشتريت عشر ورقات… بيضاء لونها
لم اكن ادري يومها ان كل ورقة منها ستتحول الى سنة سجنا
عشرة ورقات بعشرة سنوات سجنا
يا لها من صورة تختزل كل حمولات تلك المرحلة
وكان من عادتي أن اكتب في المقهى فذهبت لاحدى المقاهي القريبة واتخذت لي مكانا قصيا وكتبت العشرة ورقات في ساعتين من الزمن بتفكير عميق وفي المساء وقبل أن أصل لمقر الجريدة قلت لصاحبي بالجنب يومها
– قلبي يحدثني ان هذه هي المقالة الأخيرة
– فقال لي اذن لننصرف
– قلت ان الكريم لو دعي بطعنة بليل لأجاب
دخلنا مكتبه وكان هاجس قوة المقالة يسيطر على تفكيري .. تصفحها فأخبرته بما يدور في خلدي
فقال بنبرة متحدية ليفعلوا ما شاؤوا في المغرب اليوم صحافة وحرية رأي وتعبير
قبل ان انصرف أكد لي ان المقالة ستنشر حرفيا كما كتبتها …
مرت بعدها الأيام سريعة ونشرت المقالة في 5 ماي 2003م وسرعان ما نفذت اعداد الجريذة التي بيعت بسرعة فائقة …
وفي إحدى الأيام كنت مارا بطريق بشارع رئيسي بمدينة وجدة فاستوقفني شخص كنت اعرف هويته من …. جهة امنية
طلب ان يتحدث معي قليلا فدار بيننا حديث مقتضب جله عتاب وتهديد مبطن وغضب حول نشر المقال
-قال لو اطلعنا عليها قبل النشر ربما كانت وطأتها ستكون اقل ..
-قلت وما معنى ان تكتب مقالة وتقرأ من الجهاز الأمني قبل نشرها..
قال لي العنوان مشين جدا والجنرال غضب من المقالة جدا
الحقيقة أنني تأملت عنوان المقال من قبل ولم يعجبني .. فقد تدخل مدير النشر في تغييره وعبث به وقام بوضع عنوان مستفز جدا للجنرال …. خاصة مع نشر صورته مع عنوان عريض… وتلك من حيل الصحافة يومها لجذب الناس لشراء جرائدهم
-قلت اما العنوان فلم اضعه وتم تغييره
– والمقالة
-هي مقالتي وما ورد فيها نصا كتبته ( فقد كنت احتفظ بنسخة منها….)
– الصحافي علي لمرابط نشر مقالة مماثلة وبها صورة الجنرال و(شخصية أخرى غابت عن ذاكرتي ) في كاريكاتير ساخر…
– قال قبل ان انصرف ليس لي سوى أن اخبرك
– ستأتي احداث قريبة وستعصف بكم جميعا كل منظري السلفية الجهادية وانت منهم والمرابط وغيركم كثير ستكونون في السجن
لم ادري هل قالها غضبا ام توقعا ام كان يتحدث على علم…
فسرت الأحداث بعدها الكثير مما غمض وكان مبهما
غير أني لم ألتفت للتهديد ومضيت في طريقي وانا افكر في ما وراء الأكمة التي تحجبها عنا استار الغيب يومها
وقد كان ما قال.. بعدها ببضعة ايام تقريبا 11 يوما.
وقعت التفجيرات م انطلقت طاحونة الاعتقالات لاتبقي ولاتذر
اعتقل كل من وصفوا بالمنظرين للتيار السلفي الجهادي ومن صنفوا بانهم شيوخه ومن عجائب ما اتفق مع تلك التوقعات ان صح تسميتها بالتوقعات اعتقال الصحافي علي المرابط يومها …. ولم يخرج من السجن في تلك العاصفة الا بشق الأنفس بعد خوضه اضرابا مريرا عن الطعام…..