الرئيسية / عاجل / من خطوات التأسيس الأولى للحركة الإسلامية المغربية الحلقة 18

من خطوات التأسيس الأولى للحركة الإسلامية المغربية الحلقة 18

من خطوات التأسيس الأولى للحركة الإسلامية المغربية

الحلقة18

فضيلة الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي

الحسني الهاشمي

 

كان آخر حوار لي مع الزعيم الشيخ علال الفاسي رحمه الله في بيته وقبل وداعه في الدار البيضاء، إذ شكا من ضعف الالتزام الديني في حزبه وأنه يبذل جهدا لتلافي ذلك مع كبار المثقفين فيه من أمثال الأستاذ أبي بكر القادري والأستاذ عبد الكريم غلاب، واقترح أن ينضم شبابنا إلى حزب الاستقلال فتوضع جميع مراكزه في الدار البيضاء تحت تصرفنا فاعتذرت ورأيت أن أفضل وسيلة للتعاون في تلك الظروف هو تبادل الرأي فيما بيننا، والتناصح والتناصر في الله مع جميع العاملين للإصلاح، والتركيز على إشاعة الالتزام بمبادئ الإسلام في الأسرة والمدرسة والحياة العامة، فتقبل رأيي بأريحية العلماء العقلاء.

أما أعنف ردود فعل الحركات السياسية والعقدية التي فوجئت بها فكانت بيانا أصدرته جمعية مدرسي الفلسفة، وكان حادا وشديد التحريض علينا زاده خطورة أن عمم نشره في جميع الصحف على اختلاف انتماءاتها الحزبية والحكومية، مثل صحيفة العلم الناطقة باسم حزب الاستقلال، وصحيفة الأنباء لسان وزارة الإعلام، ناهيك عن الصحف اليسارية والثقافية والترفيهية وغيرها. مما أكد أن هذه الجمعية التي أصدرت بلاغها الحاد مدعومة من جهات في الدولة لها نفوذها، زاده حدة حملات يومية بعناوين كلها افتراء واستفزاز في صدر صحف اليسار بكل اتجاهاته بدون استثناء ، وواصلت هذه الحملة انتشارها في الخارج فوصلت إلى تونس في ندوة حضرها عابد الجابري فهاجمني في مداخلة له بها باسمي الشخصي وزعم أن لا مستقبل لنا ولا للإسلام (السياسي) في المغرب، وكان الإسلامي التونسي الغنوشي حاضرا فلم يرد عليه، ورد عليه المرحوم عبد الكريم غلاب بما هو أهله في نفس الندوة، كما ردت التطورات السياسية المغربية بعد ذلك على نبوءته الفجة، فبلغ بعض حثالات حركتنا رئاسة الحكومة في بلادنا.

كان موقفنا من هذه الخطوة العدوانية أن رأيت أولا القيام بتكثيف علاقاتي وزياراتي ودعواتي وحواراتي الثقافية والعلمية والاجتماعية مع نخبة المثقفين العلمانيين واليساريين، في بيتي وفي المراكز الثقافية والأدبية العامة لكسر الجفوة التي يراد إحاطتنا بها.

ثم رأيت أن من خير جواب عليها مضاعفة الجهد وتكثيف الاتصال بمن يظن فيهم الاستعداد للعمل الإسلامي واستنهاضهم وتنبيههم لما ينبغي العمل له، وفي هذا الإطار خطر ببالي زميل قديم من سنة 1954 في مراكش هو الأخ عبد السلام ياسين وكان اسمه قبل فرض نظام “الحالة المدنية” عبد السلام الحيحي، وكان قد عين مفتشا للتعليم وتقلب في مناصب به، من غير أن يكون له أي هوى دعوي أو سياسي، أو ثقافي أو علمي أو نشاط اجتماعي، إلى أن التقى يوما – كما حكى لي هو نفسه ذلك – بأحد دعاة الطريقة البوتشيشية من عائلة معنينو في مدينة سلا، فأعجب به وأخذ ورد الطريقة عنه، ثم اتصل بشيخ الطريقة “عباس البوتشيشي” نفسه في شرق المغرب، فبايعه وواصل الولاء له والدعوة لطريقته إلى أن عزله وجفاه، فاعتكف في بيته بمراكش.

حددت مع الرجل موعدا لزيارته في بيته بمراكش وأخذت معي الأخ إبراهيم كمال، فوجدنا معه صديقا مشتركا من أحد رجال العلم والأدب هو الأخ أحمد إقبال الشرقاوي، وقضينا ليلتنا في حوار معه حول انتمائه للطريقة وعزله منها وضرورة خروجه من العزلة الاكتئابية التي سجن نفسه فيها، وواجبه في الوقوف بجانبنا لمواجهة هذه الحملة الشرسة التي تشن على العمل الإسلامي في بلادنا، وختمنا ليلتنا فصلينا الصبح جماعة في بيته، وودعناه راجعين إلى الدار البيضاء وقد تلقينا منه تعهدا بالعمل في صفنا ونصرتنا.

في هذه الأثناء أخذت بوادر العنف ضدنا تتضح، لا سيما وقد يئس عبد الكريم الخطيب من ركوب أظهرنا، بعد أن ظن أننا ركوب موطأ الأكناف، فطلب مني هاتفيا إعداد تقرير أدبي لمؤتمر حزبي له ينوي عقده فاعتذرت، وأخذ ينال مني ويحذر من خطورتي كما يزعم في مجالسه الخاصة، بل أخذ أحد جلسائه هو الدكتور المهدي بن عبود أول سفير للمغرب في الولايات الأمريكية المتحدة عقب الاستقلال يردد في مجالسه الخاصة والعامة محرضا ومحذرا مني بقوله: (سي عبد الكريم سبيكة من ذهب ولكنها عالية السخونة تحرق من مسها أو اقترب منها)، وهي رسائل كان يشيعها الخطيب بواسطة المقربين منه كي تبلغ إلى الملك من عدة وسائط أمنية وغير أمنية، فتزكي ما كان يقدمه أيضا للملك من تقارير عني.

وفي هذه الظروف أيضا أخذت تمارس ضدي بعض المضايقات الاستفزازية في البيت والشارع، وكان مجهولون يتسللون إلى حديقة بيتي كل مرة ليلا لتفتيش سيارتي بها، فيتصدى لهم كلب بدوي النشأة اتخذته منذ ولد جروا فكبر في بيتي صموتا وفيا لا ينبح كثيرا، وإنما يفاجئ من هم بفتح سيارتي ليلا بأنيابه فيهرب ويبقى دمه حول بابها متدفقا.

وفي ليلة كنت في اجتماع عشاء تنظيمي مع بعض الإخوة العاملين، ببيت شقيقة لي هي الحاجة حفيظة رحمها الله، في شارع الفداء بالدار البيضاء، فلما انفض الاجتماع أخذت أخا كان معنا بسيارتي إلى بيته بشارع الحزام الكبير، وما إن وصلنا إلى باب بيته حتى حوصرت سيارتي بسيارتين إحداهما خلفي والأخرى أمامي، وفي كل واحدة منهما حوالي أربعة أشخاص أو خمسة يتأهبون كلهم للنزول إلينا، فضغطت على بنزين سيارتي ليرتفع صوت المحرك كأنني أهم بصدم السيارة أمامي فخاف سائقها وهرب واستدرت للسيارة خلفي كأنني أريد الاصطدام بها أو صدمها فهربت وطاردتها حوالي عشر دقائق ثم رجعت إلى بيتى وأخذت معي بندقية للصيد لي مرخصة، ثم رجعت بالأخ إلى بيته فوجدتهم قد أغلقوا الشارع أمام بيته بالحجارة استعدادا للمهاجمة إذا عدت، فنزلت من السيارة شاهرا البندقية وأدخلت صاحب البيت الأخ “جامع بوكنو” إلى بيته آمنا سالما.

عن habib

شاهد أيضاً

سلموا سلاحكم حتى نذبحكم ولا نترك منكم المبشر.. !!

سلموا سلاحكم حتى نذبحكم ولا نترك منكم المبشر.. !!   بقلم : فهمي هويدي إذا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *