الرئيسية / ملفات ساخنة / من خطوات الـتأسيس الأولى للحركة الإسلامية المغربية (الحلقة 17)

من خطوات الـتأسيس الأولى للحركة الإسلامية المغربية (الحلقة 17)

من خطوات الـتأسيس الأولى للحركة الإسلامية المغربية

(الحلقة 17)

فضيلة الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي

الحسني الهاشمي

كماهو من المنتظر ومن الطبيعي عندما يظهر في الدنيا أي كائن حي، فيتفاعل مع من حوله ويتفاعل من حوله معه، وتتفاعل الكائنات الحية مع بعضها، سلبا وإيجابا تآلفا أو تكاملا أو تنافيا، أخذت حركتنا تتفاعل مع مجتمعها وأخذ مجتمعها يتفاعل معها، ولئن أشرت في الحلقة السابقة إلى ما كان فينا وداخلنا كحركة ناشئة، بين رجالنا وشبابنا من تفاعلات سلبية وإيجابية، فلابد أن أوجز في هذه الحلقة وما بعدها ما كان من تفاعل المجتمع الدعوي والسياسي مع وجودنا وظهورنا.

كان أول رد فعل لظهورنا عدوانيا من جميع الاتجاهات اليسارية، بدءا من الحزب الشيوعي المغربي الذي دشن حملات متواصلة للتشهير بنا وربطنا بالإخوان المسلمين ونحن لا نعرف أحدا منهم ولا يعرفنا أحد منهم، ولم يجر بيننا وبينهم أي اتصال بأي شكل من الأشكال، على رغم أن سي علي يعطه زعيم الحزب الشيوعي يعرفني وأعرفه، وكان من شباب حزب الاستقلال قبل أن يستقطبه الحزب الشيوعي ويتخذه زعيما له، كي يتراجع مؤسسوه وزعماؤه الحقيقيون إلى الخلف لضرورات تاكتيكية خاصة بانتمائهم الديني، فأصررت على عدم الرد عليهم مطلقا، منتظرا أن يألفوا وجودنا في الساحة، ليكون الحوار العقدي بيننا وطنيا ومفيدا ومجديا، بل إنني عندما توفي أحد أبناء علي يعطة، أرسلت إليه برقية تعزية نشرها في صدر جريدته الرسمية “الطليعة”، وكانت منه خطوة عاقلة بعد مواقف من حزبه متشنجة، على رغم أن نشرها كان سيغضب السلطة التي لا تريد أي تقارب بين الخصوم العقديين أو السياسيين، وما كان بيننا وبين الشيوعيين إلا خلاف عقدي يحل بالحوار ورضا الطرفين بأن نستظل جميعا بالإسلام أو بالتعايش السلمي في الوطن المشترك، لا سيما وليس في منهجنا أن نضيق على أي حزب في مجال السياسة مطلقا، ولا نفكر أو يفكر أبناؤنا ولا كهولنا في تأسيس أي حزب أو منظمة سياسية.

وثاني رد فعل ظهر في الساحة هو حزب عبد الكريم الخطيب الذي أعرف ظروف نشأته بعد الاستقلال مُضارّةً للحركة الوطنية التي قادت المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، وللنشاط العلمي الإحيائي الذي حاول بعض الصادقين من علماء الإسلام متابعته بعد الاستقلال، وقد تحدثت في حلقة سابقة عن طريقة استدراجي للقاء به على يد الأخ إبراهيم كمال والشيخ محمد الحمداوي، وقد كان همه أن يشتري مني الحركة كأنني تاجر بشر، وكأنه (فراقشي) في سوق الأغنام، فلم يفلح بفضل الله عليَّ وأنجاني الله من كيده.

وثالث جهة أبدت رد فعل إيجابي مهذب ولا يخلو من محاولة استفادة سياسية ،كانت بواسطة الزعيم علال الفاسي رحمه الله، إذ أرسل إلي مع الأستاذ عبد الرحمن الحرايشي دعوة لبيته في الرباط فلبيتها، وكانت له عندي، لمعرفتي بدوره في الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي، وبقدرته العلمية وقد درست عليه علم أصول الفقه من قبل، مكانة خاصة، على رغم ما قد كان لي على حزبه من آراء خاصة بعد الاستقلال، وكانت لي لقاءاتي المتكررة به في بيته دروسا سياسية وحركية تتبعت بها سيرته من أول تأسيسه للحركة الوطنية بمعية نخبتها العلمائية الأولى إلى أن توفاه الله تعالى خارج الوطن في إطار حملة سياسية عالمية لاسترجاع الصحراء المغربية. وقد أصر على توديعي قبل سفره الأخير، فاتصل بي هاتفيا ودعاني للقاء به في مكتب حزب الاستقلال بالدار البيضاء، فلبيت الدعوة ووجدت معه مستشارا مصريا للملك الحسن الثاني رحمه الله هو الدكتور إبراهيم الدسوقي أباظة أستاذ المالية العامة في كلية الحقوق سابقا، وزوج الابنة الكبرى للموسيقار محمد عبد الوهاب، ومن قدماء حزب الوفد المصري المعارض، ودار بيننا حوار جاد حول الوضع العام في المغرب والوطن العربي، تديُّناً وسياسة واقتصادا وتعليما، واقترحت عليه أن يكتب مذكراته فأجابني مازحا: وهل شخت لأكتبها؟، مازلت شاب القلب أزاحمكم أيها الشباب في جميع المجالات، وضحك رحمه الله، وعند توديعي له قال: عند عودتي إن شاء الله نواصل الحديث فيما ينفع الأمة. إلا أنه توفي فجأة في الخارج، بعد أن رأيته في المنام قبل إعلان وفاته بليلة واحدة في أحسن حالاته. رحمه الله وجعل الجنة مثواه. وللحديث بقية إن شاء الله…

 

عن habib

شاهد أيضاً

من خطوات التأسيس الأولى للحركة الإسلامية المغربية 4

من خطوات التأسيس الأولى للحركة الإسلامية المغربية فضيلة الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي مؤسس التيار …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *