الرئيسية / مقالات / شعارات في الميزان الــســلــفــيــة

شعارات في الميزان الــســلــفــيــة

شعارات في الميزان
الــســلــفــيــة

 

ما أكثر الشعارات . . وما أكثر مصادرها . . وما أكثر متبعيها .

ولا يهم مصدر الشعار أو رافعه بقدر ما يهم وزن هذا الشعار بالميزان القسط الذي لا يميل مثقال ذرة وهو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما فهمها ابر هذه الأمة قلوباً وأكثرها علماً وأقلها تكلفاً .

وبهذا الميزان القسط يتسنى لنا تصنيف هذه الشعارات إلى حق لا باطل فيه وجب اتباعه وباطل لا حق فيه وجب اطراحه وحق اختلط بباطل أو حق اريد به باطل من الفاظ موهمة أو عبارات مجملة وجب تمييز الحق من الباطل فيها ونسبة الحق إلى هذا الدين ونفي الباطل عنه

السلفية :

قد يكون من الصعوبة بمكان اعطاء هذا الشعار حقه من التحليل والتفصيل في مثل هذا المقام المحدود وذلك لما ناله من الغلو والتقصير وما لحق به من افراط وتفريط ولكثرة ما دار حوله من اللغط والغلط ، ونتيجة لذلك ظهرت في الافق نحوه نزعات متباينة : فظهر من يوجب على المسلمين ان يتسموا به وينتسبوا اليه وألا يكتفوا بالانتساب إلى أهل السنة والجماعة بدعوى أن شعار أهل السنة والجماعة انتسب اليه من ليس له بأهل ، وعلى النقيض من هؤلاء ظهر من يرفض التسمي به ويعتبره تحجيماً للأهل الحق ويكتفي بشعار أهل السنة والجماعة وظهر من يستحسن هذا الاسم – أعني السلفية – دون أن يوجبه على المسلمين . ثم أن هؤلاء المستحسنين للانتساب إليه مختلفون بينهم فيما يتضمنه من معان وظهر من ينهى عنه وينأى عنه لباطل يعتنقه أو مداراة لمجتمعه الذي يعيش فيه أو لما دخل على هذا الشعار ما ليس منه كما سنبينه إن شاء الله . ولا بد من التنويه ابتداء إلى ان هذا الشعار لم يرد به كتاب ولا سنة ولا ورد على لسان صاحب او تابع فيما نعلم . نقول ذلك لا لنحرمه على من رأى الانتساب إليه فلا مشاحة في الاصطلاح إذا لم يتضمن باطلاً ، ولكن لنتحرر من الإرهاب الفكري من قبل الموجبين له الملزمين الناس مالا يلزم فإن الواجب حكم شرعي يفتقر إلى دليل من كتاب أو سنة ثابتة أو اجماع أو قياس صحيح . أما قول الموجبين ان لقب أهل السنة والجماعة قد حمله من ليس له بأهل فيقال لهم والسلفية كذلك انتسب اليها من ليس من أهلها فنحن نرى تحت هذا الشعار اناسا شتى بعضهم يرى جواز أو وجوب العمل السياسي البرلماني وبعضهم يرى حرمته وبعضهم يرى مشروعية امارة الجماعات والبعض الاخر يرى بدعيتها وفي ازمة الخليج أيد بعضهم العراق وايد بعضهم الكويت والسعودية وبقى بعض الثالث محايداً والبعض يرى وجوب حمل السلاح ضد الحكام المبدلين للشريعة الطاعنين في الدين ، وكل هؤلاء سلفيون فوجب عليكم البحث عن اسم اخر للتميز عن المخالف .

فإذا سلمنا بهذه المقدمة في عدم وجوب التسمي بهذا الاسم فلننتقل الى تفصيل معاني هذا الشعار لعرفة الحق من الباطل فيها فمما يراد به : الرجوع الى ما كان عليه سلف هذه الامة من صحابة وتابعين وتابعي التابعين والذين هم خير القرون بشهادة المصطفى صلى الله عليه وسلم في عقائدهم وعباداتهم واخلاقهم وعدم تقديمهم بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وما يتبع ذلك من سلوك المنهج العلمي التربوي الموصل إلى هذا المقام الرفيع . ولا اظننا نحتاج إلى تنبيه القارئ اللبيب إلى حقانية هذا المعنى وانه لا ينبغي أن يختلف فيه ولكننا نحتاج إلى أن نقول لا يحملنك ما ألصق بهذا الشعار من معان باطلة على رد الحق الذي يتضمنه . يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ” لكن تجد كثيراً من هؤلاء قد يكون القول الباطل الذي مع منازعه فيه حق ما أو معه دليل يقتضي حقاً ما فيرد الحق في هذا الأصل كله حتى يبقى هذا مبطلاً في البعض كما كان الأول مبطلاً في الأصل كما رأيته لكثير من أهل السنة في مسائل القدر والصفات والصحابة وغيرهم ” [ اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ص 38 – 39 ] . وهذا الكلام النفيس من شيخ الإسلام رحمه الله يصلح أن يكون قاعدة نافعة في التعامل مع الشعارات والمقالات التي تتضمن حقاً وباطلاً .

والمقصود ان نتمسك بهذا المعنى الحق من معاني السلفية ولا نتعامل مع المبطلين باسلوب ردود الافعال الذي يضيع من جرائه الحق مع الباطل . وهذا هو ما حصل ويحصل فقد انفض كثيرون من حول الدعوة السلفية لمعان نسبت إليها فشانتها وشوهتها وحرمت كثيراً من الناس من بركتها وقبل الولوج في هذه المعاني تحسن الإشارة إلى الدور الخبيث الذي لعبته آل سعود المتسلطة على الحجاز في هذا المجال . حيث ينتسب طغاة الحكم السعودي إلى الدعوة السلفية و ” العقيدة السمحة ” ويقدمون أنفسهم على أساس أنهم ورثة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله مما حدا بالكثيرين إلى بغض هذا الشعار جملة وعلى الغيب . ومن الطرائف المضحكة المبكية أن نقاشاً حاداً جرى بين اثنين فيد بلد الله الحرام – مكة المكرمة شرفها الله – حول فهد بن عبد العزيز هل هو سلفي أم لا ؟!!

رجعنا إلى ما ادخل على هذا الشعار وليس منه فمن ذلك :

1- ان هذا الشعار اقترن بشعار آخر لا يكاد ينفك عنه وهو ” التصفية والتربية ” وهذا الأخير لا يُطرح كواجب من الواجبات الشرعية فحسب وإلا لما كان هناك مجال للإنكار وإنما يُطرح كطريق للخلاص وتحقيق الكيان الإسلامي وهذا يعني أنه يطرح كبديل لطرق أخرى كالجهاد من أجل إقامة دولة الإسلام أو العمل السياسي البرلماني مثلاً [ انظر كتاب حياة الألباني 1/ 377 – 391 ] .

إن تصفية التراث الفقهي والعلمي وتصفية المجتمع المسلم من العقائد الباطلة والبدع المستحدثة والأقوال الشاذة والأحاديث الضعيفة ، كل ذلك واجب على المسلمين على مر العصور وكر الدهور . كان هذا الأمر واجباً أيام كان هارون الرشيد رحمه الله متربعاً على عرش الخلافة ويقول للسحابة المارة : امطري حيث شئت فإن خراجك سأيتيني وهو الآن واجب كذلك . فهل الواجب الملقى على عاتق المسلم والخلافة قائمة هو نفس الواجب الملقى على عاتقه يوم الا تكون خلافة ويوم يظهر الكفر البواح ممن يحكم ديار المسلمين ام ان هناك قدراً زائداً من الواجبات في الحالة الأخيرة ؟! ويرحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية الذي كان يجاهد بقلمه ولسانه وبسيفه وسنانه وكان يجاهد نفسه في ذات الله عز وجل . . يؤلف كتاب عن المبتدعة والمارقين . . يجاهد التتار المبدلين للشريعة بسيفه . . ينشر عقيدة السلف . . يغير المنكرات في الأسواق فيريق الخمور ويحلق رؤوس الصبيان ، ويقيم الحدود بنفسه فصفى وربى وتعبد وعلم وامر ونهى وجاهد . وهكذا هي السلفية الحقة لا كما قال أحد المشايخ المنتسبين إلى الدعوة السلفية في مدح شيخ آخر : ” قد نفع الله بعلمه وبكتبه اضعاف اضعاف ما يقوم به أولئك المتحمسون على جهل اصحاب الثورات والانقلابات ” [ حياة الألباني 555/2 ] .

فمن يقصد هذا الشيخ ؟ ان كان يقصد الجماعات المجاهدة التي تقاتل الطغاة الذين استهزأوا بدين الله وفضلوا القانون الوضعي عليه وحاربوا الدعاة ونصروا أهل الفساد ، ان كان يقصد هؤلاء فإنهم والله اسعد بالدليل فيما يقومون به لنصرة هذا الدين من غيرهم . وماذا يقول الشيخ في خروج الحسين بن علي سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم على يزيد بن معاوية . وخروج عبد الرحمن بن الأشعث ومن معه من أهل العلم كسعيد بن جبير والشعبي وابن أبي ليلى على الحجاج وعبد الملك بن مروان وغيرهم . مع أن حكام اليوم أولى بالقتال من اولئك لأن اولئك مسلمون ظلمة وهؤلاء مرتدون كفرة .

2- ومن الباطل الذي لصق بهذا الشعار : جرثومة التقليد المذموم والتعصب لأقوال الرجال واحتكار تأشيرة المنهج السلفي وختم الدعوة السلفية بيد رجلين أو ثلاثة فما اقروه فهو الحق لا مرية فيه وما انكروه فهو البدعة والانحراف والاثم . ونسى هؤلاء ان من معالم السلفية الحقة عدم إيجاب تقليد واحد بعينه أو اثنين أو ثلاثة وان أقوال الرجال أحسن أحوالها أن تكون جائزة الإتباع لا واجبة الإتباع وان أهل الحق لا ينحصرون في بلد معين أو زمن معين ، ونسى هؤلاء كلمة الإمام مالك رحمه الله : ” ليس أحد إلا ويؤخذ من كلامه ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم ” والتي طالما لهج بها السلفيون في وجه المتعصبين لمذاهبهم ، وان الناظر المستبصر في مرض التقليد ليخلص إلى حقيقة مهمة وهي ان كثيراً من التقاطع والتدابر والبغي الحاصل بين المسلمين قديماً وحديثاً إنما هو من جراء هذا المرض العضال .

3- ومما يجب تنقية هذا الشعار منه : ما الصق به من مفهوم فصل الدين عن الدولة ومدح مقولة ” دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله ” كما جاء في كتاب هي السلفية لمحمد شقرة ، ونحو ذلك . التأصيل لفقه الهروب من المعركة الكبرى مع الطغاة المبدلين للشريعة والطاعنين في الدين والاشتغال بمعارك دونها في الأهمية وينبغي التنبيه إلى أننا لا نقسم الدين إلى لباب وقشور ولكننا نرتب واجباته إلى أهم ومهم كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ففي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له انك تأتي قوماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله ، وفي رواية إلى أن يوحدوا الله فإن هم اطاعوك لذلك فأعلمهم ان الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة . . وذكر الحديث ، قال محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد في ذكر فوائد الحديث : ” المسألة الثانية عشرة : البداءة بالاهم فالاهم ” وقال صاحب فتح المجيد : ” فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله ” وذلك هو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله ” [ص 64] ، ” وطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله ” كما قال ابن القيم رحمه الله .

4- ومن ذلك قول بعضهم ” تكفير المسلم الموحد بعمل يصدر منه غير جائز حتى نتبين منه أنه جاحد ” [حكم تارك الصلاة للألباني 61] . ويبدو ان سبب هذا الخطأ هو اللبس الذي يحصل بين الكفر العملي وكفر العمل وإيضاح ذلك ان اهل العلم قسموا الكفر بعدة اعتبارات ، فقسموا الكفر باعتباره مخرجاً من الملة أو غير مخرج ، إلى كفر عملي أي غير مخرج من الملة وإلى كفر اعتقادي اي مخرج من الملة . ثم قسموا الكفر باعتبار الآلة التي يحصل بها إلى كفر جحود وعناد يكون بالقلب وكفر عمل يكون بالجوارح . فظن من ظن ان الكفر العملي هو كفر العمل وبني على ذلك ان كفر العمل غير مخرج من الملة وهذا خطأ فادح لأن كفر العمل الذي هو كفر الخوارج قد يكون كفراً أكبر وقد يكون كفراً أصغر ، قال ابن القيم : ” الكفر نوعان ؛ كفر عمل ، وكفر جحود وعناد ، فكفر الجحود انه يكفر بما علم ان الرسول جاء به من عند الله جحوداً وعناداً من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه وأما كفر العمل فينقسم إلى ما يضاد الإيمان وإلى ما لا يضاده ” [كتاب الصلاة] .

وبعد .. فهذا ما تيسر ذكره حول هذا الشعار العظيم كمحاولة لتصفيته مما علق به فإن أصبنا فمن الله وحده وله الحمد ، وإن أخطأنا فمن أنفسنا والشيطان والله ورسوله منه برئ ، أما ما يحاول البعض إلصاقه بالسلفيين من قولهم : ” ان فيهم جفافا في الروح ” فأظن ان هذا من البغي وكلام الخصوم لأنه ما من طائفة مسلمة إلا وفيها العباد وفيها المخلطون والمقصرون فليس هذا من خصائص القوم ثم ان هذا امر باطن بين المرء وربه ولا يصلح ذكره في مثل هذا المقام .. والله تعالى أعلم .

[عن مجلة الفجر]

عن habib

شاهد أيضاً

البديات والنهايات حماس والسنوار و7 أكتوبر والنهاية الغامضة والتساؤلات المشروعة ؟؟

البديات والنهايات حماس والسنوار و7 أكتوبر والنهاية الغامضة والتساؤلات المشروعة ؟ محمد أسعد بيوض التميمي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *