ذكريات أم في القدس
قصيدة للشيخ أبي عبد الله الزليطني
من أين أبدأ هذا البوح يا قلم أم كيف تصمت والأحداث تزدحمهذا التزيف على جنبيك منبثق وفي فؤادك من فرط الأســـى ندمإن التضحيات التي قدمها ويقدمها الشعب الفلسطيني منذ ثلاثة وخمسين عاما ، وإلى يومنا هذا تعتبر صفحة ناصعة البياض في تاريخ أمتنا الإسلامية الحافل بالبطولات والتضحيات ، وتاجا على رأس كل مسلم في هذا الزمن القاحل ، الذي قل فيه أن تجد من يهتم بالمجد المأتل ، والشرف الممنع إلا من رحم ربك وقليل ما هم ، ودرسا عميقا لكل والج وطارق باب الحرية الحمراء من منظورها الإسلامي السامي ، وفي نفس الوقت صفعة قوية ومدوية في وجه كل متخاذل جبان ، لا يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا إلا بالاسم ، تزويرا وتمويها ، وخداعا وتشويها . وفي كل يوم نسمع من أخبار إخواننا وأخواتنا وأمهاتنا وأبنائنا قصصا وعجائب في تصديهم للهجمة الشرسة التي يقودها شارون وجنده ضد المسلمين في أرض الإسراء والمعراج في القدس الشريف ، في وقت قل فيه النصير والمعين ، ومات فيه داعي الإيمان فينا نحن المسلمين ، فلا ترى إن رأيت إلا محوقلا أوضاربا بكفه كفه الأخرى وهو مشدوه الانتباه إلى ما تأتي به الأخبار ، وكأن قدرنا ودورنا في هذا الوقت العصيب ، أن نظل معوقين لا نقوى على الحركة ولا التفكير ، اللهم إلا في التهديد إن سمح به والتنديد ؟!!. وتالله إني لأراني عاجزا عن التعبير وأشعر بالحياء من كثرة ما تكلمنا جميعا في هذا الموضوع وطرقناه نثرا وشعرا دون أن تكون هناك ثمرة تينع ، ودوي يسمع ، وكأن الشاعر يعنينا حين قال : وقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي وعلى كل حال فهذه قصيدة جديدة ، تحكي مشاعر أم فقدت طفلا لها في أتون المعركة وهو يقذف اليهود ويرشقهم بحجارته الصغيرة التي ملئت إيمانا عظيما من قلبه الكبير ، وعزما وحزما على مواصلة الطريق إلى أن تحرر فلسطين ولو وقف العالم بكل قواه في وجهه ، صغير في سنه وجسده ، كبير في تفكيره وطموحاته ، مضى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة مودعا الدنيا غير آسف عليها وموصيا أمه وأمته قائلا : أماه ، أمتاه ، الله الله في القدس ، الله الله في القدس . |
ذكرتُك طفْلِي فعَزَّ الفـــــرَاقْ | وسالتْ دمُوعي ، فهلْ ثَــمَّ رَاقْ ؟ | |
نظرتُ وقلَّــبتُ ذكْــرَى رَنَتْ | لعيْنِيَ تخْطُـــو بخَطْـــوِ البُرَاقْ | |
تداعِبُ جفْنــاً لأمٍّ هَفَــــتْ | لوجْهِكَ ترْقَى أقَاصِــي المَــرَاقْ | |
تحاصِرُها الأغْنـــياتُ كمـــا | يُحاصَرُ شعْبٌ بأرْض العِــــراقْ | |
تغالبُ لوْعةَ حُـــرٍّ أَبَى الـــ | مضيَّ بغيْرِ العِـــرَابِ العِتَــاقْ | |
فليْس بمَنْ عَاشَ يسْعَى لـــذاتٍ | يكونُ الغلابُ لهُ واللّحَــــاقْ ! | |
وليس بمَن همُّه كِســــــرةٌ | يكونُ المسيرُ فكيفَ الســـاقْ ! | |
فطعْمُ الحياةِ بـــلا شُعْلـــة | تنيرُ الطريقَ مــريرُ المـــذَاقْ | |
ذكرتُك طفْلِـــي فهَيَّجنِـــي | بصفْوِك قلــبٌ إلى اللهِ تَــاقْ | |
وأنَّك خِدْنٌ لحُلْـــمٍ عظيــمٍ | وأنك تسْعى ليــومِ التَّـــلاقْ | |
وأنك بالصــدقِ غرســةُ خيرٍ | كثيرُ العطاءِ بفرعٍ وســــاقْ | |
وكنْتَ الرؤوفَ بقُدْسِك بَـــرًّا | ولستَ له حينَ نادَى بِعَــــاقْ | |
وقدمْتَ نفسَك تمضِي بحـــزْمٍ | وثمَّتَ دوْماً ذبيحٌ وعَـــــاقْ | |
فما الجُبْنُ يدري إليك طريقــاً | ولا الجبْنُ عن دربكَ الصعْبِ عاقَ | |
فكنتَ الحياةَ لشعــبٍ يبــادُ | وصرتَ المثالَ لكـلِّ الرفــاقْ | |
طريقُك يا ابني طريـــقٌ طويلٌ | شديدٌ على سالكِيــه وشَـاقْ | |
ذكرتُك طفْلِي وقدْ بنْــتَ عنِّي | ولا زالَ طيفُك في النفس بــاقْ | |
مكامِنُ عنهنَّ سهـلٌ ووعْــرٌ | ونهْرٌ وبحرٌ بأرضِكَ ضــــَاقْ | |
بكتْكَ المرابِعُ تشدو بصــوْتٍ | حزينٍ ، ودمْعاً تسُحُّ الطِّبــاقْ | |
رحلْتَ إلى الخُلدِ عنَّا شهيــداً | وطابَ لحورِكَ منْك العِنـــَاقْ | |
صبْوتَ لهــــنَّ ولمَّا تَــزَلْ | صغيراً … بقلبِـكَ طالَ اشْتيَاقْ | |
رفضْتَ الحياةً بعيــشٍ ذليـلٍ | تقـادُ لتذْبَحَ قـوْدَ العَنَــاقْ | |
أتخْشى مِن الموتِ نفسُ عزيــزٍ | وليس من الموتِ بــدٌ ووَاقْ ؟! | |
فِعالٌ عِظامٌ وليسـتْ خيــالاً | يروجُ .. له في الأنـــامِ نَفَاقْ | |
ذكرتُك طفلِي وفي القومِ ترْعَى | نفـوسٌ تُغَذَّى بنَـتْنِ النِّفـاقْ | |
يخوضُون كالحُمْرِ فينا ، عليهِمْ | ثيَابٌ تشِفُّ العَوَارَ رِقَـــاقْ | |
سياسَتُهم وأْدُ هذا الجهَـــادِ | عليه بظلْمٍ يُشَـدُّ الخِنـــاقْ | |
أفاعِي تفُحُّ بسَمٍّ رُعَــــافٍ | لكلِّ البليَّاتِ فهـــي رَوَاقْ | |
ستعْصِفُ ريحُ الأُبـاةِ بهــمْ | ويجْرِفُهم عارِمٌ لا يُطَـــاقْ | |
جهادٌ يٌحطِّم أصنامَهــــم | كتحطيمِ بوذَا ، فسيحُ النِّطاقْ | |
عذابٌ أليمٌ ، وقعْرٌ سحيــقٌ | بكلِّ خبيثِ المشارِبِ حَــاقْ | |
يميناَ يهودَ الخَنَى فابشِرُوا | شرابٌ حمِيمٌ وكأسٌ غسَــاقْ | |
ذكرْتُك طفلِي وأنْتَ صرِيـعٌ | وحوْلَكَ طهْرُ النجِيعِ مُـرَاقْ | |
تَشَهَّدُ .. تُوصِي .. تُصَبِّرُ أُمًّا | تَبَسَّمُ … تُوحِي بأنَّـك بَاقْ | |
فِدًى لكَ نفْسِي حِبِيبي صغِيرِي | تمَهَّلْ … بقلبِي عليكَ احْتِراقْ | |
مضيْتَ وخلفْــتَ أُمًّا تَحِنُّ | وترْضَى قَضَاءً إليهــا يُسَاقْ | |
ولكنْ سُؤالِي متَى أمَّتـــِي | تُفِيقِي ؟ أحينَ بلُوغِ التَّــرَاقْ | |
وإنَّ مَلامِي علَى أمَّـــــةٍ | موحَّدَةٍ دَبَّ فيها الشِّقَـــاقْ | |
فليْسَ يحُـــسُّ بنَا هَاهُنَــا | سوَى قِلَّةٍ … تسْتَجيدُ الزُّعَاقْ | |
إلى الله أشْكُو فــلا مِن نصيرٍ | بفعْلٍ جليلٍ يسُرُّ الحِـــَداقْ |