《 السيف والقلم 》
( رحلتي مع الجماعة الإسلامية )
(2)
وأما القلم فأول من وضعه بيدي أبي رحمه الله فبعد أن لقنني مبادئ الحساب والقراءة -وأنا في الرابعة من عمري- دس بين أصابعي الصغيرة قلما وقال لي اكتب.
فلما رأى القلم يميل يمنة ويسرة أخذ كفي الصغير بكفه الحاني فاعتدل القلم
ومن يومها وهو معتدل لا ينحني ولا يهتز. أما استقامته فأمر تأخر خمسة عشر عاما.
استفاد قلمي من والدي رحمه الله شيئا من الجدية والصرامة وقوة الحجة
وأخذ منه شيئا من عذوبة وحسن بيان وشيئا من فن القصة والشعر
ولقد جاريته في ذلك كله بحمد الله.
لكن ما استطعت مجاراته في جودة الخط وحلاوته -وإن كنت حسن الخط- لكنه كان يكتب كخطاط ماهر فسألته أين تعلم ذلك فقال في خمس سنوات دراسية بعد الثانوية بالمعهد العالي للمعلمين (ما يعادل كلية التربية اليوم) فقد كانوا يؤهلون (رجال التربية والتعليم) تأهيلا هائلا متكاملا
كان هذا وقت أن كان لدينا بمصر (رجال) و(تربية) و(تعليم)
ثم إن الوالد ألحقني بمدرسة خاصة بدءا من (الحضانة) وكأنه كره أن يذهب ما علمني إياه سدى في زحمة المدارس الحكومية
وكذا فعل ببقية إخوتي
وهنا ارتفعت يد أبي لتتلقفني يد والدتي فتابعتني حتى الصف السادس الابتدائي
ثم تركوني -وقد اطمأنوا لتفوقي- أشق طريقي مع كلمات تشجيع من عائلتنا كان أبي يحاول أن يوقفها خوفا من أن (يغتر الولد)
بجوار الدراسة كان للقلم مساهمات مبكرة في الشعر والأدب كنت متأثرا فيها بنزار قباني بوجه خاص
وإن كنت قرأت أيضا قصائد لأحمد شوقي وحافظ والبارودي وكذا قرأت لطه حسين ونجيب محفوظ وغيرهم ممن ازدحمت بكتبهم مكتبة والدي الخاصة
وكان للقلم مساهمات سياسية أثناء فترة الناصرية التي امتدت حتى بلغت التاسعة عشر من العمر
كان قلمي خلالها الناطق الرسمي للناصريين بجامعة أسيوط وبالأحرى بكلية الهندسة التي احتكرت النشاط الناصري بالجامعة فتقاسمت مع رفيقي في الطريقين (طريق الناصرية ثم طريق الإسلام) عصام دربالة مهمة التعبير عن التيار الناصري في مقابل تيار كبير متجذر يعبر عن الشيوعية سمعنا أن احد رواده (القط) كان يقف في وسط الجامعة رافعا يده قائلا لو كان هناك إله فليخفض يدي !!
وتيار آخر قديم متوار خوفا أو خجلا أو كسلا يحمل اسم الجماعة الدينية
**** *****
وشيئا فشيئا تغير مجرى حياتي ثم حدث أجمل انقلاب عرفته
فقد اقتربت شيئا فشيئا من موجة عاتية نشأت داخل الجماعة الدينية فمزق حجب الكسل والخوف داخلها وانطلق يحمل اسم الجماعة الإسلامية
ووجدتني في خضم تيارها الجارف فوجدت أخيرا -ويالسعادتي- إجابة على سؤال تردد طويلا بداخلي إلى متى؟؟
ووددت لو خرج جدي الأزهري من قبره ليجد استجابة من حفيده الذي كان يصرخ عليه من الطابق الأول من منزله الريفي الجميل (قولوا للولد ال…. ينزل يصلي)
بينما أنا مختبى منه ومن تشدده وتزمته الديني !! في الطابق الثاني ألعب الشطرنج لعبتي المفضلة التي تفوقت فيها على كل أبطالها الذين عرفتهم سوى خمسة من كبار محترفيها في المنيا وأسيوط غلبتهم قليلا وغلبوني كثيرا
ثم غلبت علي هذه اللعبة حتى امتلكت جهازي العصبي فتوقفت مرغما حتى لا أصاب بالجنون
الذي يعنيني هنا أن قلمي انقلب هو الآخر
وأخيرا استقام
نعم بحمد الله استقام
وتأثر تأثرا عظيما بكلام الله
وتأثر تأثرا بليغا بكلام رسوله حتى خيل إلى مرة -وكنت مخطأ- أن تأثري بكلام الرسول كان أقوى وعبرت عن ذلك بعبارة ما زلت نادما عليها
أما من الكتاب المعاصرين
فتأثر القلم بسيد قطب في ظلاله ومعالمه وتصويره الفني ومشاهد القيامة
وقبل ذلك -وياللعجب- كان قد هام بحب ابن تيمية ولذلك قصة عجيبة قد تأتي
ثم مال القلم بالكلية نحو مدرسة ابن تيمية وبصورة أقل تلميذه ابن القيم وإن لم ينس مدرسة سيد قطب وتأثرت بالغزالي المعاصر في سخريته اللاذعة
وتأثرت في جودة الترتيب في التصنيف بالغزالي الإمام وابن هشام النحوي
أما الشعراء الذين عرفتهم بعد هذا الانقلاب اللذيذ فقد أثر في بل أسرني شعر عنترة ومالك بن الريب في مرثيته لنفسه وأبيات لحسان بن ثابت وكعب بن زهير والفرزدق وجرير
وكرهت معظم المعلقات السبع ورأيت أكثرها تفسد القلم والذوق وتعكر المزاج الفكر ومججت شعر المتنبي الذي ملؤوا الدنيا ضجيجا بمدح أشعاره فلم أسمح للقلم بالتأثر به
أما من لقيتهم فقد تأثر القلم بأسلوب الأخ ناجح إبراهيم وكذا تأثرت به في الخطابة وله أفضال علي وعلى قلمي إذ استشرته هل أهتم بدراسة الخط العربي دراسة إتقان وتدقيق لأكون خطاط الجماعة (كانت اللوحات المعلقة وقتها أحد أهم وسائل الدعوة المرئية) أم أنشغل بالعلوم اللازمة للداعية فقال بعد تردد الدعوة أهم فصار قلمي بعدها ولفترة طويلة (باشكاتب) الجماعة الرسمي
وكذا تأثرت بالخطيب المفوه الأخ كرم زهدي.
وتأثرت بخطبة يتيمة جميلة للأخ كارم الأناضولي من مجموعة الفنية العسكرية
·