أعيذك بالله أن تظن أنني مع كل هذه الظلمات بلغت في الضلال أو الانحراف شوطا بعيدا.
فقد كان ثمة قيم مستقرة في الأسرة والعائلة تمنع من المضي بعيدا.
فلم ننصت لدعوات الإلحاد ولا استرسلنا مع الاستهزاء بالله ورسله وآياته ولا انحرفنا صوب الشيوعية.
رغم أن ذلك كله كان متاحا بل كان مفضلا مغرى به مشجعا عليه من المؤسسات الرسمية والإعلام.
يكفي أن تعلم أن الأهرام وهي لسان الدولة الناطق نشرت على حلقات رواية لنجيب محفوظ يحكي فيها أن الله تعالى قد مات وأن المعرفة انتصرت على الرب تقدست أسماؤه !!
وهي رواية (أولاد حارتنا) التي رمز فيها للرب بكهل يدعى (الجبلاوي) يسمع الناس به ويهابونه لكنهم لم يروه قط ورمز للعلم بشاب يدعى (عرفة)
وفي نهاية القصة يتلاشى الجبلاوي ويبقى عرفة.
ولقد وجدت هذه القصة وأنا صغير في مكتبة والدي فقرأتها فلم أفهم هذه الرموز
لكن عندما كبرت وأعدت قراءتها حدثت لي صدمة كبيرة وقف منها شعر رأسي حقيقة لا مجازا. رغم أني قبل قراءتها كنت أعلم ما تحويه تماما.
لكن عندما وصلت للمشهد الأخير أصابتني صدمة كبيرة لم أصب بها من قبل.
هكذا كان يفسح المجال لدعوات الإلحاد.
بل أكثر من ذلك رأيناه وسمعناه إنه الاستهزاء بالذات الإلهية على شاشة تليفزيون الدولة وعلى القناة الأولى (كانت هناك قناتان فقط)
ولولا أنه لا يجوز ذكر ذلك -ولو حكاية- لقصصت هنا بعض النكات التي شاهدتها وسمعتها تبث مرارا.
وكانت الشيوعية ودعاتها ورموزها محل تقدير وتفضيل من الدولة حتى بعدما اصطدموا مع عبد الناصر فقد تدخل الاتحاد السوفييتي للصلح بينهما ورضي شيوعيو مصر بتأييد عبد الناصر في مقابل تعيين كبار رموزهم كقيادات في المجال الإعلامي.
وهي ميزة حافظ لهم عليها السادات ومبارك أيضا.
أيضا في مجال الأخلاق كان الانحلال قد انتشر بشكل كبير فرأينا ثياب الفتيات ترتفع وترتفع حتى ثلث الفخذ الأعلى وصار الاختلاط خاصة في الجامعات طرقاتها ورحلاتها وحفلاتها هو السمة الغالبة وانتشرت الصداقات المحرمة بين الجنسين وصار العشق المحرم شرعا هو الغاية التي يرنوا إليها الجميع ويمتدحها الشعراء والمغنون وصار هو القصة الوحيدة المشتركة في كل الأفلام والمسلسلات… بل سمعت شيخا معمما يخطب الجمعة عن الحب
أقول إننا وقفنا على شاطئ ذلك كله
فما سلمنا ولا خضنا. والله يغفر وهو أرحم الراحمين
فاستمسكنا بالإسلام ولم ننحدر مع الملاحدة ولا رضينا بالشيوعية ورأينا أن الناصرية لا تعارض الإسلام (حسب الفهم السائد للإسلام المغرغ مما عدا العبادات)
وفي فترة متقدمة حينما بدأت معاني الانقياد لله والرضا بحكمه والتحاكم لشرعته تلوح لنا ابتدعنا مقولة إن الناصرية ما هي إلا صورة معاصرة لجوانب الإسلام الاجتماعية والاقتصادية
هكذا قلنا وقتها (!!) كي نحافظ على صلتنا بالدين ولا نكون من المارقين المعاندين.
أيضا منعتنا قيم العائلة (والأسرة من ضمنها) أن ننجرف مع تيارات الانحلال. لكننا قطعا لم نكن من الصالحين بل كنا في دائرة اللمم (إن ربك واسع المغفرة)
وكان للرقابة الأبوية دور كبير
كنت مثلا وأنا عائد مساء أرتجف إن سمعت صوت فاروق شوشة يبدأ برنامجه (لغتنا الجميلة) قبل أن أصل إلى المنزل.
رغم أن الوقت كان صيفا ورغم أن الوالد يعلم أنني أقضى وقتي في منظمة الشباب الاشتراكي وهي الجناح الشبابي للاتحاد الاشتراكي حيث يمارس هو عمله السياسي ورغم أنني تحت رعاية أو قل رقابة ثلة من إداريين وموجهين من أصدقائه
لكن هذا كله لا يسمح بالتأخر بعد العاشرة والنصف مساء.
وعندما ارتفعت الرقابة الأبوية تماما في سن السابعة عشرة عندما اغتربنا للدراسة بجامعة أسيوط ظلت القيم المغروسة مانعة من الانحدار.
حتى إذا أذن الله وسرنا في ركب الهدى تنفس الوالد الصعداء وقال الآن فقط أطمأننت.