اعتصامٌ في صيدا:
صرخةُ حق ضد قانون يُكرّس الظلم على المظلومين
في ساحة مسجد بلال بن رباح في عبرا، مدينة صيدا، ارتفعت الأصوات مساء اليوم، مطالبةً بالعدالة وإحقاق الحق، رافضةً أي قانون يُكرّس الظلم على المعتقلين الإسلاميين وشباب صيدا. كان المشهد مؤثرًا، حيث توافد العشرات من أهالي المعتقلين وشباب المسجد، ملوّحين بلافتات تُطالب بإنهاء الظلم وتحرير الأبرياء. هذا الاعتصام يأتي في سياق تصاعد الحراك الشعبي في المدينة، بعد الإعلان عن قانون مقترح لتعديل الأحكام القضائية، يُخشى أن يُبقي على المظلومين داخل السجون.
تفاصيل القانون المقترح: أمل للبعض وإحباط للآخرين
تحت شعار “رفضًا لأي قانون يُكرّس الظلم على شبابنا ومشايخنا في السجون”، وقف الشيخ إبراهيم الرواس، إمام مسجد بلال بن رباح، مخاطبًا جموع الحاضرين الذين تجمعوا في الباحة الخارجية للمسجد بعد صلاة العشاء. كان حديثه شديد التأثير، حيث بيّن أن القانون المقترح يهدف إلى جعل السنة السجنية تساوي ستة أشهر، كما يقترح تعديل العقوبات المؤبدة والإعدام بحيث تكون مشروطة ببلوغ السجين سن الخمسين أو الخامسة والخمسين.
غير أن الشيخ الرواس كان حازمًا في موقفه، محذرًا من أن هذا القانون بصيغته الحالية قد يُعتبر بمثابة تكريس للظلم، خصوصًا في ظل وجود “ملف الموقوفين الإسلاميين” الذي يتضمن أكثر من 120 حكمًا بالمؤبد والإعدام. هذه الأحكام، كما أشار الشيخ، كانت نتيجة محاكمات غير عادلة في محكمة عسكرية يصفها الكثيرون بأنها كانت تُدار وفقًا لأجندات سياسية.
قضية عبرا: جرحٌ لم يندمل
لطالما كانت قضية معتقلي عبرا وملف الشيخ أحمد الأسير محورًا حساسًا في صيدا، فالأحداث التي جرت في تلك الفترة تركت جرحًا عميقًا في نفوس أهالي المدينة، الذين يرون أن محاكمات أولئك المعتقلين كانت مسيسة ومغلوطة. في خطابه، أشار الشيخ الرواس إلى أن معظم أهالي صيدا يعلمون بتفاصيل المؤامرة التي تم نسجها في ذلك الوقت، وأن هذه القضية لم تُطوَ بعد، رغم المحاولات المتكررة لإغلاقها.
تحدّث الشيخ إبراهيم عن الظلم الذي تعرّض له المعتقلون في قضية عبرا، مؤكدًا أن أغلبهم كانوا ضحايا لحسابات سياسية معقدة، وأن القانون المقترح، رغم نواياه الإصلاحية، لا يُنصف هؤلاء الضحايا. وطالب الشيخ صراحةً بأن تكون الأولوية في أي تعديل قانوني لصالح المظلومين من أبناء صيدا، وعلى رأسهم الشيخ أحمد الأسير وشباب مسجد بلال، الذين يمثلون جرحًا مفتوحًا في تاريخ المدينة الحديث.
أصوات من داخل الاعتصام: مطالب بالعدالة ورفض للتسييس
في أجواء امتزجت فيها مشاعر الغضب بالأمل، تحدث عدد من أهالي المعتقلين، مشيرين إلى معاناتهم الطويلة في انتظار تحقيق العدالة. إحدى الأمهات، وهي والدة أحد المعتقلين، لم تتمكن من إخفاء دموعها وهي تتحدث عن الظلم الذي لحق بابنها، قائلة: “لقد عشنا سنوات من الألم، ونحن نشاهد أبناءنا يُحاكمون دون أدلة قاطعة، بينما يُترك الفاسدون وأصحاب السلطة دون حساب. نريد فقط أن يُعاد النظر في هذه الأحكام، وأن يُتاح لأبنائنا فرصة الدفاع عن أنفسهم في محاكمة عادلة.”
شاب آخر، أحد أقرباء المعتقلين، عبّر عن خيبة أمله من المشروع الجديد، مشيرًا إلى أن القانون المقترح يُكرّس مفهومين للعدالة: واحد لأصحاب النفوذ وآخر للمستضعفين. “هذا القانون لا يُنصف المظلومين”، قال بحزم، “بل يبدو أنه أُعدّ خصيصًا لمصلحة فئة محددة، فيما يُبقي الآخرين تحت وطأة الظلم. نريد قانونًا يضمن العدالة للجميع، دون استثناء”.
خلفية قضية عبرا: تاريخ من الألم والاتهامات
لتفهم خلفية هذا الاعتصام، لا بد من العودة إلى أحداث عبرا في عام 2013، حيث وقعت مواجهات بين أنصار الشيخ أحمد الأسير والجيش اللبناني، ما أسفر عن وقوع ضحايا واعتقالات واسعة. منذ ذلك الحين، ظلت قضية المعتقلين الإسلاميين في صيدا ملفًا شائكًا، مع اتهامات بوجود انتهاكات في الإجراءات القضائية وتجاوزات في المحاكمات العسكرية.
المعتقلون وأهاليهم يرون في هذه الأحكام إهانة لكرامتهم، ويطالبون بإعادة محاكمتهم في محاكم مدنية نزيهة، بعيدًا عن الضغوط السياسية. ويعتبر هؤلاء أن المحكمة العسكرية لم تكن يومًا مكانًا لتحقيق العدالة، بل ساحة لتصفية الحسابات السياسية.
صيدا مدينة تقاوم الظلم: دعوات للتضامن والمساندة
لم يكن هذا الاعتصام مجرد احتجاج عابر، بل هو جزء من حراك شعبي واسع في صيدا، المدينة التي عُرفت بصمودها ونضالها ضد الظلم. خلال الاعتصام، دعا الشيخ إبراهيم الرواس كل فعاليات صيدا، بمن فيهم النواب والشخصيات السياسية، للتدخل والضغط من أجل تحقيق العدالة. وخصّ بالدعوة السيدة بهية الحريري، التي تُعتبر من الشخصيات المؤثرة في المدينة، للمساهمة في رفع الظلم عن أبناء صيدا.
كما طالب المعتصمون بضرورة التحرك العاجل لوقف تنفيذ الأحكام الجائرة بحق المعتقلين الإسلاميين، مؤكدين أن هذه القضية لا تخص فقط عائلات المعتقلين، بل هي قضية إنسانية تخص كل من يؤمن بالعدالة والكرامة الإنسانية.
رسالة موجهة إلى الحكومة والمسؤولين: أين العدالة؟
كان الشعار الأبرز في الاعتصام هو “العدالة للجميع”، إذ أُرسل من خلاله رسالة واضحة إلى الحكومة اللبنانية والمسؤولين: “لا تُفرّقوا بين المظلومين، لا تُميزوا بين الناس بناءً على خلفياتهم أو انتماءاتهم السياسية. العدالة يجب أن تكون شاملة، دون تمييز أو تفضيل”.
وأكّد المعتصمون أن صيدا، بفعالياتها وشبابها وأهلها، ستبقى تدافع عن المظلومين، وستواصل المطالبة بحقوقهم حتى تتحقق العدالة.
ماذا بعد الاعتصام؟ الخطوات التالية في مسار النضال
إن هذا الاعتصام، رغم أنه يعكس حالة الغضب والاستياء، يُمثل بداية جديدة في مسار النضال من أجل العدالة في صيدا. فقد أكد الشيخ إبراهيم الرواس في ختام كلمته أن الحراك لن يتوقف عند هذا الاعتصام، بل ستكون هناك خطوات تصعيدية إذا لم تستجب الحكومة للمطالب المشروعة.
وأشار إلى نية الأهالي بتنظيم المزيد من الاعتصامات والمسيرات السلمية، والدعوة إلى لقاءات مع الجهات الرسمية للضغط من أجل تغيير الوضع الحالي. وأكد الرواس أن المظلومين لن يتخلوا عن حقوقهم، وأن كل من يؤمن بالعدالة الحقيقية مدعو للوقوف بجانبهم.
العدالة الغائبة: هل ستُستجاب النداءات؟
ختامًا، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن الحكومة اللبنانية من الاستجابة لهذه النداءات؟ وهل سيتحقق الإنصاف للمظلومين في قضية عبرا؟ الإجابة على هذه الأسئلة ستُحدد مستقبل العدالة في لبنان، ومدى قدرة المجتمع اللبناني على تجاوز الماضي الأليم وبناء مستقبل قائم على المساواة والإنصاف.
إلى أن يأتي ذلك اليوم، ستظل صيدا رمزًا للصمود في وجه الظلم، وسيبقى صوتها مرتفعًا، مطالبًا بحقوق أبنائها وداعيًا للعدالة الحقيقية التي لا تُميز بين إنسان وآخر.