《 السيف والقلم 》
( رحلتي مع الجماعة الإسلامية )
(10)
الشيخ عاصم عبد الماجد
لا يملك الذين يتهمون الجماعة الإسلامية بأن السادات أوجدهم ابتداء أو حتى استعملهم بعد وجودهم للقضاء على التيارات اليسارية في مصر دليلا على ذلك سوى أن مستوى الاضطهاد الذي تعرضوا له في عصر السادات كان أقل من المستوى الذي تعرض له سابقوهم وهم الإخوان في عصر عبد الناصر.
وكأنه يجب أن تذبح الحركة الإسلامية من الوريد إلى الوريد وإلا كانت عميلة !!
نعم كان حال الجماعة الإسلامية أيام السادات أحسن من الإخوان بدءا من عام 54 مع عبد الناصر لكنه كان أقل من حال الشيوعيين الذين ترك لهم السادات الإعلام الحكومي يمرحون فيه كما شاؤوا والذين أعطوا ثلث ميراث الاتحاد الاشتراكي ودشن لهم حزب رسمي وجريدة ناطقة باسمه.
فهل يعطي حاكم خصومه السياسيين كل هذا ويمنع حليفه المزعوم كل هذا !!
أين عقولكم !!
بل إن الجماعة حينما استطاعت أن تحصل على رئاسة اتحاد طلاب مصر عام 1978 سارع السادات بإلغاء اللوائح والقوانين التي تجعل لهذا الاتحاد قيمة أو أثرا رغم أن صلاحياته قاصرة على الجامعة فقط بينما كان للشيوعيين كما قلنا مؤسسات تؤثر في المجتمع كله.
فإذا فطست دعوة الشيوعيين بعد ذلك التدليل السلطوي فلا تلومن إلا نفسها ومبادءها المناقضة لدين الناس وقيمهم وأعرافهم.
أما لماذا لم يضطهدنا السادات كما اضطهد عبد الناصر الإخوان فلأننا لم ندخل معه في صراع كالذي خاضه الإخوان مع عبد الناصر بعد الانقلاب .
غموما لقد مضى على حقبة السادات قرابة نصف قرن وهي فترة كافية جدا لتظهر الأسرار سواء على ألسنة السياسيين في مذكراتهم أو من خلال وثائق أجهزة المخابرات المختلفة التي يفك عنها حظر النشر بصورة دورية.
فهل لدى أحد وثيقة واحدة أو سطر واحد في مذكرات سياسي صانع للأحداث تدل على صفقة ما بين الجماعة والسادات.
نتحدى !!
وهذا كاف هنا فلم تجعل المذكرات ساحة مجادلات بل مجلس روايات .
عدنا إلى العام الدراسي 78/77 الذي شهد مزيدا من تعرفي على الجماعة الإسلامية عبر مشاركتي في مظاهرات نظمتها لعدة أيام في المدينة الجامعية لا أذكر الآن على أي شيء كانوا يحتجون لكن أعرف أن مشاركتي فيها ثم توجهي إثرها مع الجموع كل ليلة لمسجد مبنى (د) أكبر مساجد المدينة الجامعية والاستماع إلى كلمات خطبائها هناك ثم الصلاة خلفهم كل ذلك كان له أثر في نفس كانت تحلم بفطرتها أصلا أن تستقيم يوما .
بعدها بقليل وجدتني أحرص على الصلاة بمصلى مبنى (ج) الذي أقطن فيه وتأسرني تلاوة إمامه زميلنا الشاب (رزق ساطور) لمطلع سورة غافر التي كان يكررها كل صلاة جهرية والتي تتحدث عن الله ( الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ )
فيما بعد قرأت في تفسيرها :
《 عن يزيد بن الأصم قال: كان رجل من أهل الشام ذو بأس وكان يفد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ففقده عمر فقال: ما فعل فلان بن فلان؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين يتابع في هذا الشراب.
فدعا عمر كاتبه فقال: اكتب ” من عمر بن الخطاب إلى فلان ابن فلان
سلام عليك
أما بعد
فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ”
ثم قال لأصحابه: ادعوا الله لأخيكم أن يقبل بقلبه وأن يتوب الله عليه. فلما بلغ الرجل كتاب عمر جعل يقرؤه ويردده ويقول: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب قد حذرني عقوبته ووعدني أن يغفر لي.
فلم يزل يرددها على نفسه ثم بكى ثم نزع فأحسن النزع.
فلما بلغ عمر رضي الله عنه خبره قال : هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخاكم زل زلة فسددوه ووفقوه وادعوا الله له أن يتوب عليه ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه 》
ثم وجدتني فجأة أقف مدهوشا مذهولا بين يدي رجل عظيم القدر جليل الشأن يسمونه (ابن تيمية)