الرئيسية / أدب السجون / ليلة في زنازين تايلاند

ليلة في زنازين تايلاند

عمار عمر عبد الرحمان

الحمدلله وكفى وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى وبعد

كعادتي كل عدة أشهر ، أذهب إلى ماليزيا ، لأستنشق عبير الإسلام ، واسمع صوت المؤذن يصدح بالأذان خمس صلوات في اليوم ، وكنت حينها مقيماً بدولة الصين ..
إنتهت زيارتي لتلك الدولة الإسلامية الجميلة ماليزيا ، واستعدت للعودة إلى مكتبي بالصين ، حجزت تذاكر الطيران أنا وزوجتي الصينية ، ذهبنا إلى المطار في يوم هادئ وجميل ..
يوم ممطر كعادة ماليزيا ، صعدنا الطائرة وكان الترانزيت بدولة تايلاند ، وعند هبوطنا في تايلاند ، اكتشفنا أن التذاكر التي حجزت ليست ترانزيت ، بل لابد من أخذ تأشيرة دخول تايلاند ثم تستطيع الصعود للطائرة الأخرى الذاهبة إلى الصين .

ذهبنا لدفع الغرامة ، لكي نستطيع الدخول ثم الصعود للطائرة الأخرى بعد ساعة تقريباً ، لكن المفاجأة الكبرى ، أنهم وافقوا على دفع غرامة لزوجتي الصينية وكانت قيمتها 1300 بات تقريباً بالعملة التايلاندية ، ورفضوا أن أدفع الغرامة كوني مصرياً ، وقالوا سوف تجلس في سجن المطار ..

أنهيت إجراءات زوجتي الصينية .. حفظها الله ، ورفضت دخول الزنزانة وقلت لهم سوف أعود إلى ماليزيا ، فرفضوا .. وهناك موقف لا داعي لذكره 🇪🇬 😔

جاءني خمسة عساكر وضابط ، أخذوني لزنزانة المطار ، دخلت الزنزانة فإذا هو يريد أن يأخذ كل ما معي ، فرفضت وارتفع صوتي وكان معي اغراضا مهمة .. وإذا بصوت عربي يخرج من داخل الزنزانة .. جاءني عند الإستقبال وقال لهم اتركوه ، سيجلس معي ..

وبالفعل ! تركوني بجميع أغراضي ، وكانت شنط الملابس قد أخذتها زوجتي ، دخلت معه وجلسنا نتسامر .. فإذا به شاب مؤدب ، على وجهه أثار الوضوء والسجود ، وبعد دقائق علمت أنه فلسطيني من مدينة غزة .. وهو أحد أبناء ( حركة فتح ) لن أذكر اسمه ولا اين هو الآن ( المجالس أمانات ) وقد استأمنني على زوجته وأولاده بعد ذلك بسنوات ، حتى جمع الله بينهم في إحدى الدول الأجنبية ..

قضيت تلك الليلة معه ، وكانت الزنزانة بها غرفتين ، أحدها للنساء والثانية للرجال ، مفتوحتان على بعضهما .. أمر مخجل ، ووضع يأنف من إبليس عليه لعائن الله ..

في الصباح طلبت العودة إلى ماليزيا ، فأخبروني بالرفض ، فارتفع صوتي مع ضابط المطار ، وتوسط الأخ الفلسطيني لكي يتركوني أن أعود إلى ماليزيا وليس إلى غيرها .. اشترطوا عليّ أن يركب مع نفرين في الطائرة على نفقتي ، لكي يسلموني إلى أمن المطار في ماليزيا ، فوافقت .

ركبنا الطائرة للعودة إلى ماليزيا بسلام ، وهم يجلسون بجواري .. هبطت الطائرة في مطار كوالالمبور ، نزلوا معي حتى سلموني إلى أمن المطار ، وطلبوا منهم ترحيلي .. فسألني ضابط الأمن وكان يتحدث اللغة العربية ، فتذكرت أن زوجتي الصينية أويغورية أي من تركستان الشرقية ، فقلت له هذا .. فربّط على كتفي وقال لا تحزن لا تحزن .. أنت هنا في ديار الإسلام .. وأعطاني تأشيرة الدخول ..

مكثت بعد ذلك أسبوعا كاملا ، في ماليزيا استوعب تلك التجربة الخفيفة اليسيرة ، فأنا أعرف السجون منذ نعومة أظفاري .. لقد مكثت عشرين سنة ، أجوب سجون مصر أنا وأمي حفظها الله .

لكن الذي استوقفني حقيقة في تلك الرحلة المكلفة ماديا ومعنويا … هذا السجين الفلسطيني الغزاوي الفتحاوي .. علمت بعد ذلك أنه مطلوب ومحكوم عليه بالإعدام !! في غزة ..

هنا أدركت أمرا هاما جدا ، بالتجربة والمعاينة وليس بالسماع .. إن طريق الخالدين ، لا يُسلك إلا مع رجال خبرتهم منذ نعومة أظفارك ، تعرف عنهم كل شيء ، الصغيرة قبل الكبيرة ، لا يسير الراكب مع مجهول مهما طالت لحيته ، ومهما كان نقابها متفحما شديد السواد كالغربان .

أعرف رجلا ( عربي ) وزوجته ( عربية ) علم أنها عميلة للمخابرات الإنجليزية بعد وفاتها ، وظل زواجه منها عشرون ونيف ، وله منها ستة أبناء ، وكانت معلمة في إحدى المساجد ، حافظة لكتاب الله ، علم هذا بعد ……..؟……

فلا تغرنكم المظاهر ، ولا الكلمات الضخمة الفخمة ، ولا طول الرجل وعرضه ، ولا كثرة علمه ولا تفحم موضع سجوده من كثرة السجود .. ليست تلك مواصفات بناة الأمم وصانع المجد ..
ولا يغرنكم طول ثيابها ولا سواد حجابها ونقابها ، ولا كثرة علمها وفخامة حديثها ..

إن بناة الأمم وصانع المجد ، قليل الكلام كثير الفعال ، يعمل خفية ، إن كان مع الجماعة جد واجتهد وبذل ، وإن كان بمفرده كان أكثر اجتهادا وعطاء .. تجده يُثمر في كل موضع .. عندما يتحدث تشعر بهيبته ووقاره ، كأن على رأسك الطير ، كلماته تخترق القلوب .. تضئ الطريق ، محارَبا في كل مكان .. مضيق عليه .
يُعرفون من ثنايا حديثهم ، يُعرفون من نظراتهم ، يعرفهم أهل الفراسة من أبناء الإسلام .

قال الله تعالى ( بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما ) ١٣٨ من سورة النساء

اللهم عليك بالمنافقين فإن لا يعجزونك ، اللهم اجعل كيدهم في نحورهم ، واشدد وطأتك عليهم ، ودمرهم كل مدمر يا منتقم يا جبار

عن habib

شاهد أيضاً

ولكن حمزة لابواكي له(عن المعتقلين المنسيين من عهد الحسن الثاني)

بقلم زكرياء بوغرارة المشرف العام لموقع أدب السجون ولكن حمزة لابواكي له تعلو في المرحلة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *