الرئيسية / المنبر الحر / المحيسنية.. امتداد جديد لآفة قديمة!

المحيسنية.. امتداد جديد لآفة قديمة!

براء العامري

نظرة على الساحة السورية.. تكشف لنا ملامح طائفة جديدة في طَور التكوين لنصطلح عليها بـ(المحيسنية)، على وزن (المدخَلية)، و(الرّسلانية)، و(الفَركُوسيّة)، وهذا النوع من الطوائف يُشبه العَفَن الذي يظهر على وجوه أطعمتنا عندما تفسد، لا نستغربه، لأنه أثرٌ طبيعي للفساد، فكذلك ينبغي ألا نستغربَ ظهور تلك الطوائف عند فساد البلاد، وعلينا كذلك أن نكون على يقين تام بأن هذا العَفَن لا يظهر عبثا ولا اعتباطا، وإنما هو حاجة مُلحّة لأعداء أمة الإسلام والطامعين في ديارها، وأداة لا يمكن أن يُفرّطوا فيها، ويبذلون لإيجادها كما يبذلون في كل ضرورات بقائهم ودوام تسلطهم على ديارنا.

وتمسكهم بهذه الأداة منذ القرن الأول في الإسلام إلى قرننا هذا لم يفكروا ساعة من نهار أن يتخلوا عنها أو يغفلوا عن إيجادها، وإنما الذي يتغير أنهم يطورونها ويجعلوها أوثَق مكرًا، وأخفىٰ تمويهًا، وأقوى أثرًا.

وحتى تتضِح الصورة ينبغي أولا أن تعرف أن حملات الكـ.ـفر أقبلت على مر التاريخ تغزو ديارنا على ثلاثة أحوال، الأولى: غزو لمجرد النهب أو الإضعاف وما يشابهها من غايات قصيرة المدى، ويمكننا تلخيصها في ثلاث كلمات: (اضرب.. اسرق.. اجرِ) يفرضون سيطرتهم عسكريا وبشكل مباشر ويُخضعون حُكّام البلاد ويذلونهم ويستغلون وجودهم في تلك الديار ما استطاعوا لذلك سبيلا، ولا يجتهد الغزاة في استجداء رضى ساكني هذه الديار، ولا ترك أي انطباعٍ حَسنٍ لديهم، والزمان كفيل بالعفو والنسيان، وهذا مثاله العراق وأفغانستان.

والثانية: الغزو لضم البلاد والهيمنة عليها واعتبارها جزءا من الأراضي الأصلية، وهذا ما حاول الفرنسيون فعله في الجزائر، وهؤلاء الغُزاة لا يسعون للنهب فقط، بل لاقتلاع البلد من دينه وتاريخه ولغته، وهذه الغايات لا يسهل بلوغها، بل تحتاج إلى وقت طويل، وجُهد كبير، ويمكننا تلخيص هذا النوع من الغزو في تلك الكلمات: (اقتـ.ـل وأبِـ.ـد.. تفاهم.. تعاون.. اسرق.. فرّق وسُد).

وأما الثالثة وهي الموجودة الآن: الاستعمار بالوكالة، ويكون الوكلاء غالبا ممن يملكون زمام الجيوش، أو عشائر قوية، ونادرا ما تخرج الوكالة عنهما، وهم الطواغـ.ـيت المُسلّطين على ديارنا يشبعون لكل راغب في شيء من البلاد شهوته، ويُبلّغونه مُنيَته؛ بلا أدنى جهد منه، وهذا منذ ما يسمى كذبا وزورا في بلداننا “الاستقلال” وحتى الآن.

وعلى كل حال.. لم يغفل أعداء هذه الأمة في كل هذه الأحوال عن تلك الأداة التي ساعدتهم دائما وبشكل كبير في إحكام قبضتهم على البلاد، وكسر شوكة الجـ.ـهاد، وقد كانت الصوفية في بادئ الأمر هي التي مكنت للصليـ.ـبيين وذلَّلَت لهم الصِّعاب، ففي حالات الغزو الأولى والثانية كانت المقاومة شديدة ضد الصائلين على ديار المسلمين، وكلَّفتهم مالا يطيقون من أموالهم وأرواح جندهم، فكان لا بد من حل!

قام (ليون روش) الجاسوس الفرنسي برحلة إلى مصر والحجاز سنة 1842 م متنكراً في زي حاج مسلم، من أجل الحصول على موافقة من “العلماء” على نص فتوى جاء بها من الجزائر تجعل الجـ.ـهاد ضد الفرنسيين من باب إلقاء النفس إلى التهلكة، ومن ثم ضرورة الرضا بحكم الفرنسيين في الجزائر وعدم شرعية الجـ.ـهاد ضدهم، وقد شارك روش في هذه الرحلة وصياغة الفتوى مجموعة من شيوخ الصوفية وظهرت آثار هذه الرحلة فيما بعد، ففي رسالة من المارشال (بوجو) أول حاكم فرنسي للجزائر إلى شيخ التجانية، ذات النفوذ الواسع، جاء فيها: “أنه لولا موقف الطريقة التجانية المتعاطف!! لكان استقرار الفرنسيين في البلاد المفتتحة حديثاً أصعب بكثير مما كان”، فسبحان الله، كم من فتوى تخرج الآن؛ يظنها الناس شرعية، وهي في حقيقتها فرنسية أو أمريكية!

وهذه المهمة قام بها الصوفية في كل البلاد التي تعرضت للاحتلال في تلك الحقبة وما بعدها ولا يتسع المقام هنا لذكر جنايتهم العظيمة على ديار المسلمين وإعانة الكفـ.ـار عليها، وسنكتب إن شاء الله منشورا آخر عن دور الصوفية في كسر شوكة الجـ.ـهاد آنذاك، وهي الراية التي حملتها من بعدهم الطوائف المنتسبة للسلفية الآن في ديارنا بعدما أصبح من الصعب الاستعانة بالصوفية الذين تدنسوا بعار موالاة الصلـ.ـيبيين وانكشفت للناس سَوءتهم، وصار هؤلاء هم البديل!

فبدأت تظهر في كل بلد من يحمل راية الفتوى عن أسلافهم هؤلاء ليقوموا بنفس المهمة، شرعنة حكم الطاغـ.ـوت الوكيل عن الكـ.ـفار، وتطويع الناس له، وكسر شوكة الجـ.ـهاد ضده بفتاويهم وخطبهم ودروسهم.

ولكنهم كانوا أفرادا لا يجمعهم جامع حتى جاءت حرب الخليج الثانية والتي كانت نتيجة لغزو الطاغـ.ـوت صدام حسين للكويت فاجتمعوا تحت راية الجامي والمدخلي، وتكثفت ملامح هذا المنهج العفن بعد احتلال العراق عام 2003م وأسفر عن وجهه الدميم حتى كنا لنجد العِلج منهم يجعل الكافـ.ـر الأصلي ولي أمر للمسلمين كعبد المحسن العبيكان الذي خرج على قناة (mbc) في فتوى شهيرة له تنصّ على أنَّ الحاكم الأمريكيّ في العراق بول بريمر هو ولي أمر شرعيّ، يحرم جهـ.ـاده ويجب السمع والطاعة له!

ثم تتالت الوجوه وانتشر هذا المذهب الخبيث، وسُنّت هذه السنة السيئة، وقام لحملها في كل بلد من يشبهها في قبحها وانحطاطها، فمن المدخلي في الجزيرة إلى فركوس في الجزائر، ومن رسلان وبرهامي في مصر إلى حفالة في ليبيا والحجوري في اليمن والعلمي في العراق، ولا تكاد تخلو دار من ديارنا إلا وقد أصيبت بهذا الداء العضال، وحطت فيها تلك البلايا الثقال.

والآن في سوريا.. ومع عضو جديد في المجتمع والتحالف الدولي، ووكيل جديد عن طواغـ.ـيت الأرض الكبار، لا بد من استخراج نفس العفن، وإيجاد نفس الأداة، وقد فُتح الباب منذ سقوط بشار ليُقدّم المرشحون أوراق اعتمادهم، فكان المحيسني أكثر المتسابقين إقداما، وأسرعهم في المضمار انطلاقا، فلم يدع كـ.ـفرا إلا وأوّله، ولا قبيحا إلا حسّنه، مرابطا على ثغره، حذو إخوانه كـ.ـلاب الطـ.ـواغيت وشرطهم في ديار المسلمين الأخرى حذو القذة بالقذة، ولذلك صارت إليه الراية، واستقرت على التزوير في دين الله عنده الوصاية.

غير أن هناك أمر أغفله هؤلاء الطـ.ـواغيت، وأولئك البلاعمة، من نابليون إلى الشرع، ومن روش إلى المحيسني، أن سنة الله عز وجل تأبى إلا أن تكون العاقبة للمتقين، وأن الله ضرب مثلا للحق والباطل فقال: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)، فهم إلى زوال بلا شك أو ريب، ولن يبقى في الأرض إلا الحق الذي تحمله “الطائفة المنصورة”؛ تلك الفئة التي تجاهد الطـ.ـواغيت أُصَلاء ووكلاء، وتدوس على لحى بلاعمتهم سواء كانت تلك اللحى تُسَمّى سلفية أو صوفية، وهم الصخرة التي ستتحطم عليها أحلامهم هم وأدواتهم، ولم ولا ولن يضرهم خذلان الخائنين، ولا زيغ المبدلين، إلى قيام الساعة، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون!

عن habib

شاهد أيضاً

من الشك إلى اليقين: رحلة نهى السيد من المسيحية إلى الإسلام وكشف أسرار الكنيسة

من الشك إلى اليقين: رحلة نهى السيد من المسيحية إلى الإسلام وكشف أسرار الكنيسة من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *