الرئيسية / أدب السجون / نسيان الأسرى رأس المعضلات

نسيان الأسرى رأس المعضلات

زكرياء بوغرارة

مشرف موقع ادب السجون

لامندوحة ان الدفاع عن الاسرى والمعتقلين والانتصار لقضاياهم والسعي في فكاك أسرهم بكل سبيل ظلت غائبة عن تنظيمات وجماعات شتىبدرجات متفاوتة بعد أن تراكمت في المعتقلات ارتال هائلة من معتقليها وابناءها سواء الحركات الاسلامية وجماعاتها المختلفة من المحيط الى الخليج عامة أو التيار السلفي الجهادي خاصة تجسد ذلك في عدم قدرتهم على الانتصار لمعتقليهم بل وتخليهم عنهم باشكال مختلفة ولاعتبارات كثيرة معقدة يعسرتحقيق اي نتيجة ايجابية فيها لمعاذير كثرى ليس هنا مجال الحديث عنها …غير مغفلين سعي التيار الجهادي في كسر قبود اسراه متى ما سنحت لهم الفرص والظروف وطبيعة الصراع

لنا اليوم اسرى بلا حدود في كل بلدان العالم في الخليج ومصر ولبنان والادرن وتونس والجزائر ومصر والمغرب وموريتنايا ولاتخلو منهم سجون اوروبا وامريكا وكندا…..وهذا ما يعني اننا امام اشكالية هي رأس المعضلات

ونحن في سبيل النكش عن الخلل بحثا عن مكامن الخلللابد لنا ان نطل اطلالة على ماضينا ولمعرفة كيف كان الانتصار للاسرى عندهم في عنفوانه وذروته وبكل سعي وسبيل…..

نسلط من خلالها الاضواء الساطعة على نماذج منها في قوتها وعظمتها وصدقها

لاريب ان البون شاسع جدا بين عناية سلفنا الصالح بشأن الاسرى وكسر قيودهم ومفاداتهم بالمال والغال والنفيس وماآل إليه حالنا اليوم من النكول والنكوص والخذلان

ولهذا ننقل مشهدين عظمين من فكاك الأسرى والسعي في ذلك السبيل

والعناية الفائقة بشأنهم وحمل امانة رفع القهر عنهم وكسر قيودهم فقد كان أكبر شاغل لولاة أمور المسلمين زمن الرشد هاته المهمات الجسام

ومن تلك المواقف المشرقة التي تشكل علامة فارقة في تعاملهم مع ملف الأسرى موقف لأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز وهو يخط تلك الصفحة بمواقف غاية في الروعة متسقة مع روح هذا الدين

عندما وقع بعض المسلمين في الأسر بعث إليهم عبد الرحمن بن عمرة وهو تابعي من رواة الحديث، روى عن عثمان بن عفان وزيد بن خالد الجهني وأبو هريرة، وكان ثقة كثير الحديث كلف بمهمة جسيمة وهي فكاك أسرى المسلمين في سجون الكافرين وقال له مقولة عظيمة جليلة القدر: ( أعطهم لكل مسلم ما سألوك !!) فو الله لرجل من المسلمين أحب إلي من كل مشرك عندي ! إنك ما فاديت به المسلم فقد ظفرت به ! إنك إنما تشتري الإسلام) . رقم ( 2822 ) سنن سعيد بن منصور

يا له من ارشاد وتوجيه سديد قوي رشيد يظهر عظم مكانة المسلم الموحد وانه لايهمل أو ينسى أو يغفل عنه بل يسعى في فكاك أسره وكسر قيده بكل سبيل

ويا لها من خلاصة رشيدة تلك التي ختم بها رسالته إنك إنما تشتري الإسلام

ثم لم يغفل شأنا جليلا وهو رفع معنويات الأسرى وإظهار مكانتهم في قلوب المسلمين وأنهم جزء من كل لايتجزء فكتب لهم يقول

( أما بعد – فإنكم تعدون أنفسكم الأسارى ، ومعاذ الله بل أنتم الحبساء في سبيل الله ، واعلموا أني لست أقسم شيئا بين رعيتي إلا خصصت أهلكم بأكثر ذلك وأطيبه ، وأني قد بعثت إليكم فلان بن فلان بخمسة دنانير ، ولولا أني خشيت أن يحبسها عنكم طاغية الروم لزدتكم ، وقد بعثت إليكم فلان بن فلان يفادي صغيركم وكبيركم وذكركم وأنثاكم ، وحرّكم ومملوككم ، بما يُسأل به فأبشروا ثم أبشروا والسلام ) . انظر ص(2/831 -832) من مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق

اما المشهد الثاني المليء بالدروس والعبرفنجده في رسالة شيخ الاسلام

ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عندما كتب رسالة مطولة إلى ملك قبرص «سراجسوان» أحد ملوك النصارى في شأن أسرى المسلمين عــند ذلك الملك، ضمنها دعــوة إلى ديـن الإســلام وعبادة الله ـ تعالى ـ وحده لا شريك له، وأظهر رحمته ومحبته الخير لكل أحد، كما أشار إلى مساعيه عند التتار في فك أسرى المسلمين وأهل الذمة من النصارى.

إلى أن قال ـ رحمه الله ـ: «أما يعلم الملك أن بديارنا من النصارى أهل الذمة والأمان ما لا يحصي عددهم إلا الله، ومعاملتنا فيهم معروفة؛ فكيف يعاملون أسرى المسلمين بهذه المعاملات التي لا يرضى بها ذو مروءة ولا ذو دين؟! أليس الأسرى في رعية الملك؟! أليست عهود المسيح وسائر الأنبياء توصي بالبر والإحسان فأين ذلك؟!»(2).

(2) مجموع الفتاوى، (28/221).

اما عن حالنا وواقعنا المعاصر فيغص بحرقة وانتفاضة الأسئلة ومنها

سؤال عميق جدا اثاره الشيخ ابو مصعب السوي رحمه الله وهو يتحدث قبل اعتقاله عن هاته الاشكالية العويصة التي تدير الرؤوس من هولها

تحدث الشيخ ابو مصعب السوري رحمه الله عن هاته المعضلة( نسيان الاسرى في السجون وكأنهم خسائر حرب ……)

بكلمة مريرة يومها قال (وهذا ما يجعل الأسير يشعر بالانكسار، وكأنه بلا قيمة، إذ يرى من حوله صامتين.

وغدًا ربما أُؤسر أنا أيضًا )ولم يمر سوى زمن يسير واعتقل وظل في متاهة السجون الباكستانية الى ان غيب في سجون النظام السوري ليصبح أثرا بعد عين ….

انها رأس المعضلات نسيان الاسرى والمعتقلين

تساءل المنظر قبل اعتقاله (هناك مشكلة كبيرة نعيشها اليوم، وهي ما يمكن أن نسميه نسيان الأسرى)

الى ان خلص لنتيجة مؤسفة حزينة وفي وصف دقيق يعتبر زلزالا

(صار الحديث عنهم وكأنهم مجرّد خسائر حرب، لا أكثر.

كأنّ أسر المجاهدين أمر طبيعي لا يستحق الالتفات، وكأننا لسنا معنيين بهم، بخلاف ما نراه عند غيرنا — عند الشيعة مثلًا، أو العصابات، أو المافيات، أو سائر الجماعات القتالية في العالم — حيث يبذلون كل ما يستطيعون لتحرير أسراهم.)

أما نحن، فالأسرى عندنا يُنسَون.

لا أحد يفكر فيهم، ولا أحد يسعى لإخراجهم.

وهذا الأمر يدفعك للتساؤل: ماذا لو كنتَ أنت الأسير يومًا؟ من سيسعى لإخراجك؟

إذا كان كبار العلماء والدعاة، أمثال الشيخ عمر عبد الرحمن، وعلي بلحاج، وسفر الحوالي، وسلمان العودة — خرج بعضهم فقط بمنةٍ أميرية، ثم انتهى الحديث — فكيف يكون حال غيرهم من عامة الناس؟

وهذا السؤال للشيخ ابي مصعب يومها وهو يردف قائلا بمرارة

سمعتُ في شريط آخر للشيخ سلمان — حفظه الله — يتحدث فيه عن أسر الشيخ سفر، فقال:

«قد أُلحِق به أنا أيضًا».

ثم استشهد بقصة عجيبة فقال:

الإمام ابن تيمية سُجن، وكان يحضر دروسه آلاف الناس، ولما تُوفي خرج في جنازته ستمائة ألف شخص.

والإمام أحمد بن حنبل كذلك، سُجن وضُرب وابتُلي، وكان يحضر دروسه مئات الآلاف، فلما تُوفي خرج في جنازته مليون أو مليونان، على اختلاف الروايات.

لكن السؤال: ماذا فعل له الناس حين كان في السجن؟

هل وقفوا معه؟ هل نصروا قضيته؟

كان الإمام ابن تيمية ينبه الناس قائلًا: *أين طلاب العلم؟ أين المريدون؟ أين العامة؟ أين الذين يحملون هذه الدعوة؟*

فإذا أُسر العلماء، فمن لهم بعد ذلك؟

وهذا ما يجعل الشيخ الأسير يشعر بالانكسار، وكأنه بلا قيمة، إذ يرى من حوله صامتين.

إننا أمام مشكلة حقيقية، وهي نسيان قضية الأسرى، ونسيان من نُسيوا أصلًا.

نسيان قضية الأسرى يُفقد الأمة روحها وكرامتها.

إذا استمر هذا الحال، فسيشعر كل داعية ومجاهد أنه وحيد ومهمل عند البلاء.

انها معضلة لابد لها من حلول……

عن habib

شاهد أيضاً

قصتي مع الذهب في السودان

د. عبدالسلام طالب كيف حولنا السودان من دولة تنتج 2.5 طن ذهب سنوياً الى 200 …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *