في القرآن
عرض القرآن الكريم للرؤيا في اكثر من موضع وفي اكثر من سورة ولطائفة من الرسل الكرام الذين جعلت الرؤيا في شأنهم وحقهم موضع ارتكاز ومحور حركة تتعلق بذواتهم أو رسالاتهم.
وضمن تلك الرؤيا ما يتطلب التنفيذ والتطبيق بحذافيرها وتمام صورتها على الرغم مما فيها من مشقة ألم وعذاب ، وقد يشتد أحيانا إلى درجة إزهاق الروح ولكنها ليست غرضا أو هدفا بحد ذاتها بقدر ما هي امتحان وابتلاء واختبار للمدى الإيماني في ألطواعية والعبودية من النبي أو الرسول لربه سبحانه وتعالي.
ومن هذه الرؤيا ما هو مؤشر رمزي لوقائع مستقبلية يفسر بعضها بعضا ، ومنها ما هو أداة عملية أوحاها الله تعالى إلى النبي لتكون سبيلا من سبل التصديق بنبوته ورسالته ، لدى العامة والخاصة على حد سواء ، أو نافذة نورانية ألإشعاع ربانية الضوء تخرج من خلالها الذات الكريمة المظلومة من اسر الظلم إلى رحابه العدل والحق.
ومنها أيـضا ما هو إشعار بالمطابقة في الزمن المستقبلي لواقعة معينة تتعلق بمجريات رسالة الرسول أو نـبوة النبي.
والقرآن الكـريم ليس كتاب أحـلام ورؤى حـتى تذهب في شأنه العقول والنفوس مذاهب شتى ، العقول المدخولة بالوهم ، والنفوس المريضة بالغرض والهوى… لأن القرآن الكريم في معرض الاهتمام بالرؤيا إنما يعالج جزئية من كينونة النفس الإنسانية ، جزئية يعيشها كل انسان في كل يوم ، عندما يخلد إلى النوم ويستسلم إلى الرقاد ، وينتقل من حياة إلى حياة .. ينتقل من حياة كانت حافلة بالوعي والحركة والعطاء إلى حياة يخمد فيها الجسم ثم تشب فيها النفس عن طوق الجسد إلى آفاق لا يعرفها هو ، أو لايحسهاأو لا يباشرها .. ماضيا وواقعا ومستقبلا.
وهذه ثلاث من اعظم الرؤى في القرآن الكريم :
رؤيا يوسف عليه السلام:
رؤيا يوسف وقوله تعالى ” إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم ”
وقوله تعالى ” يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين ”.
وقوله تعالى ” وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ و َإِسْحَاقَ و َيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ” .
وقوله تعالى ” وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِي يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُون ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ”
تختلف رؤيا ( يوسف) عليه السلام عن رؤيا أبيه (إبراهيم) عليهما السلام من ناحية الوقائع وجهة التأويل ولكنها تتفق معها في القيمة والأثر. لقد كانت بالنسبة لإبراهيم عليه السلام معلما من معالم النبوة ابتلي وامتحن بها.أما بالنسبة ليوسف عليه السلام ، فقد كانت الرؤيا محور نبوته كلها.لقد بدأت معه عليه السلام منذ يفاعة الطفولة وبراءتها وظلت تعيش أحداث حياته ووقائعها برموز واشارات مكثفة تتفاعل بقوة وعنف وشد وجذب، على الرغم من تعليم الله ليوسف عليه السلام تأويل الأحاديث وتفسير الأحلام وعبوره بهذا العلم وجسر المحنة في ظلمة السجن وعذابه إلى سلطان الحكم ورحابة القصر.
لقد رأى يوسف في إحدى لياليه كأن الشمس والقمر وأحد عشر كوكبا من كواكب السماء تنزل من عليائها إلى مستوى الأرض وتذل بين يديه وتخضع في حركة تشبه السجود ، فأكبر ذلك في نفسه وتهيب الرؤيا ، فقصها على أبيه يعقوب عليه السلام لما يتمتع به من رجاحة عقل وسمو فكر وبعد نظر ، وحنان بالغ يفيضه على يوسف.
فحذر يعقوب يوسف عليهما السلام من أن يحكي هذا لإخوته ، ولم يكن ذلك إرهاصا من يعقوب عليه السلام بتأويل الرؤيا بحذافيرها ووضع البصمات على رموزها ومؤشراتها إنما كان ذلك استشعار لأبعادها في المكرمة الإلهية ليوسف عليه السلام والمقام الذي يمكن أن يتبوأه وما سيجره عليه ذلك من سوءات الحقد وشرور الحسد وآلام الضغينة.
فالاصطفاء والاختيار أول مـعلم من معالم النبوة ، ثم تعليم تأويل الأحـاديث وتعبير الرؤيا التي أشرقت بها شمس حياته ، وبـذا تتم النعمة علـيه وعلى آل يعقوب مـثل ما أتمها على أبويه من قبل إبراهيم اسحق.
وظلت رؤيا يوسف عليه السلام في طي الأحداث ومجريات الحياة وعلى الرغم من إتمام النعمة عليه بالاصطفاء وتعليمه تأويل الأحاديث ثم خروجه من السجن إلى رحاب السلطان والتمكن في الأرض بسبب منها ، فقد بقيت رؤياه تدور في فلك حياته بين تياري المحنة والمنحة إلى أن اختتمت بإخضاع الله لاخوته له واعترافهم بذنوبهم وإذعانهم لمكانته بينهم برمزية السجود بين يديه.
ولم يكن يوسف عليه السلام من فضل في تعبير هذه الرؤيا سوى التصريح عنها عندما قال 🙁 هذا تأويل رؤياي من قبل ..) إنما الفضل كله لله تعالى في تأويلها والتعبير عنها بالحركة. فقال عليه السلام: ( قد جعلها ربي حقا).
رؤيا إبراهيم عليه السلام :
وقوله تعالى ” فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين ” .
إن في رؤيا ( إبراهيم عليه السلام) وما آلت إليه كثيرا من المواعظ والعبر. ولقد كان ثمرة إخلاص إبراهيم عليه السلام والإيمان القوى هو ذلك الفتى المؤمن بقضاء الله وقدره وهو إسماعيل عليه السلام الذي قال : ( يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين). وكان هذا الجواب بمنطق النبوة الكامنة فيه . وفي قوله تعالى : (فلما اسلما) دليل على الاستسلام والتسليم من الأب وابنه معا إشارة إلى روعة المـوقف الإيماني في نفس كل منهما ، الأب الــذي رزق بطفله الوحيد بعد يأس وكبر يـضحي به لأمر الله في الـرؤيا، والابن يصـدق الأمر ويطلب من أبيه أن يمضى في التـنفيذ مـضحيا بحياته. كلاهما اسلم أمره لله من غير إن يخالجهما أدنى شك أو استفسار أو تلكؤ.
وعندما أسلم وتله للجبين واستل السكين وباتا من الفعل على يقين ، ناداه رب العالمين: ( لقد صدقت الرؤيا انا كذلك نجزى المحسنين، إن هذا لهو البلاء المبين، وفديناه بذبح عظيم) .
نعم لقد كان إبراهيم عليه السلام وإسماعيل من العباد المؤمنين حق الإيمان وبذلك أخبرنا الله تعالى : ( سلام على إبراهيم ) إلى ابد الآبدين جزاء وفاقا لطاعته وإيمانه القوى.
الرؤيا التي رآها الرسول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل فتح مكة:
وقوله تعالى ” لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ”.
وقوله تعالى ” وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ”
قال القرطبي في تفسيره : قال قتادة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أنه يدخل مكة على هذه الصفة فلما صالح قريشا بالحديبية ارتاب المنافقون حتى قال رسول الله انه يـدخل مكة ، حتى انزل الله تـعالى 🙁 لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق) فأعلمهم أنهم سيدخلون في غـير ذلك العام وأن رؤيـاه حق وقيل إن أبا بـكر هو الذي قال إن المـنام لم يكن مؤقتاً بوقت وأنه سيدخل .وروي أن الرؤيا كانت بالحديبية ، وأن رؤيا الأنبياء حق .وقوله ( آمنين ) أي في حال دخولكم ، وقوله ( محلقين رؤوسكم ومقصرين ) حال مقدرة لأنهم في حال دخولهم لم يكونوا محلقين ومقصرين وإنما كان هذا في ثاني الحال كان منهم من حلق رأسه ومنهم من قصره ، وقوله سبحانه ( لا تخافون ) فأثبت لهم الأمن حال الدخول ونفى عنهم الخوف حال استقرارهم في البلد لا يخافون من أحد ، وهذا كان في عمره القضاء في ذي القعدة رجع إلى المدينة فأقام بها ذا الحجة والمحرم وخرج في صفر إلى خيبر ففتحها الله عليه ،فلما كان في ذي القعدة من سنة سبع خرج النبي إلى مكة معتمراً هو وأهل الحديبية ، فأحرم من ذي الحليفة وساق معه الهدي ، فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم قريباً من ممر الظهران بعث محمد بن سلمه بالخيل والسلاح أمامه ، فلما رآه المشركون رعبوا رعباً شديداً وظنوا أن رسول الله يغزوهم وأنه قد نكث العهد الذي بينهم وبينه من وضع القتال عشر سنين ، فذهبوا فأخبروا أهل مكة .. فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فنـزل بممر الظهران حيث ينظر إلى أنصاب الحرم ، بعث السلاح من القسي والنبل والرماح إلى بطن بأجج وسار إلى مكة بالسيوف مغمدة في قربها كما شارطهم عليه ، فلما كان في أثناء الطريق بعثت قريش مكرز بن حفص فقال : يا محمد ما عرفناك تنقض العهد ، فقال عليه السلام :وما ذاك ؟ قال دخلت علينا بالسلاح والقسي والرماح .. فقال عليه الصلاة والسلام : لم يكن ذلك وقد بعثنا به إلى بأجج.. فقال بهذا عرفناك بالبر والوفاء ، وخرجت رؤوس الكفار من مكة لئلا ينظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم غيظاً وحنقاً ، وأما بقية أهل مكة من الرجال والنساء والولدان فجلسوا في الطريق وعلى البيوت ينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ،فدخلها عليه الصلاة والسلام وبين يديه أصحابه يلبون .
وقال الإمام الزهري رحمه الله : ما فتح الله في الإسلام فتحا كان اعظم من صلح الحديبية ،لأنه إنما كان القتال حين تلتقي الناس ، فلما كانت الهدنة وضعت الحرب أوزارها وأمن الناس بعضهم بعضا فالتقوا وتفاوضوا الحديث والمناظرة ، فلم يكن أحد بالإسلام يعقل شيئاً إلا دخل فيه ، فلقد دخل في تينك السنتين في الإسلام مثل ما كان في الإسلام قبل ذلك وأكثر.
:الرؤى في السنة
روى ابن هشام عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : أول ما بدئ به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من النبوة حين أراد الله كرامته ورحمة العباد به ، الرؤيا الصادقة لا يرى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح .
ويروى أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قبل أن يولد بشرت به أمه في رؤيا . يقول ابن هشام : يزعمون – فيما يتحدث الناس والله أعلم – أن آمنة بنت وهب أم الرسول كانت تحدث أنها أتيت حين حملت برسول الله فقيل لها : إنك حملت بسيد هذه الأمة ، فإذا وقع إلى الأرض فقولي : أعيذه بالواحد من شر كل حاسد ، ثم سمّيه محمدا .
ورأت حين حملت به أنه خرج منها نوراً رأت به قصور بصرى من أرض الشام كما ذكر في كتاب السيرة لابن هشام .
وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم : ” قال العلماء إنما ابتدئ الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالرؤيا لئلا يفاجئه الملك ويأتيه صريح النبوة بغتة فلا يحتملها قوى البشرية فبدئ بأول خصال النبوة وتباشير الكرامة من صدق الرؤية .
رؤيا النبي المتعلقة بالهجرة :
أخرج البخاري عن أبي موسى عن النبي (صلى الله عليه وسلم) : (( رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرضٍ بها نخل فذهب وهلي (ظني) إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب )) .
وقال الزهري عن عروة عن عائشة قالت ، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو يومئذٍ بمكة للمسلمين : (( قد أُريت دار هجرتكم ، أُريت سبخة ذات نخل بين لا بتين ))
ومعنى سبخة هي الأرض المالحة ، واللابتان وهي الحرة وتعني الحجارة السود.
رؤياه (صلى الله عليه وسلم) لما وقع في معركة أحد :
عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : (( رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرضٍ بها نخل فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب ، ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفاً فانقطع صدره فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد . ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين ، ورأيت فيها أيضاً بقراً ، والله خيراً ، فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد ، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بعد وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر )) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : تنفل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سيفه ذا الفقار يوم بدر وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد فقال : ” رأيت في سيفي ذا الفقار فلاّ فأوله فلاّ يكون فيكم ، ورأيت أني مردف كبشاً فأولته كبش الكتيبة ورأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة ، ورأيت بقراً تذبح ، فبقر والله خير فبقر والله خير ” فكان الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقتل عمه حمزة بن عبد المطلب والبقر التي تذبح هو ما حصل في المسلمين من القتل يوم أحد .
رؤياه (صلى الله عليه وسلم) بنقل الوباء من المدينة :
ومن المنامات التي رآها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأولها بنقل الوباء من المدينة إلى الجحفة . وقد جاء ذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، يقول : (( رأيت في المنام امرأة سوداء ثائرة الشعر تفلة أخرجت من المدينة فأسكنت مهيعة فأولتها وباء المدينة ينقله الله تعالى إلى مهيعة )) .
رؤياه (صلى الله عليه وسلم) للكذابين مسيلمة والعنسي :
عن نافع بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فجعل يقول : إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته ، وقدمها في بشر كثير من قومه فأقبل إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، ومعه ثابت بن قيس بن شمّاس – وفي يد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، قطعة جريد – حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال : (( لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ولن تعدو أمر الله فيك ولئن أدبرت ليعقرنك الله وإني لأراك الذي أريت فيه ما رأيت وهذا ثابتٌ يجيبك عني )) ثم انصرف عنه . قال ابن عباس – رضي الله عنهما – فسألت عن قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ” إنك أرى الذي رأيت فيه ما رأيت ” فأخبرني أبو هريرة أن رسول (صلى الله عليه وسلم) ، قال : بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمني شأنهما فأوحي إليّ في المنام أن أنفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما كذابين يخرجان بعدي أحدهما العنسي والآخر مسيلمة )) .
رؤياه (صلى الله عليه وسلم) بإسلام عكرمة :
عن عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : (( أريت في المنام كأن أبا جهل أتاني فبايعني )) فلما أسلم خالد بن الوليد قيل لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد صدق الله رؤياك يا رسول الله ، هذا كان إسلام خالد فقال : ” ليكونن غيره ” حتى أسلم عكرمة بن أبي جهل وكان ذلك تصديق رؤياه .
رؤيا النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه سيتزوج عائشة :
عن هاشم بن عروة عن أبيه عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : قال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (( رأيتك في المنام مرتين أرى رجلاً يحملك في سرقة حرير فيقول هذه امرأتك فاكشفها فإذا هي أنت فأقول إن يكن هذا من عند الله يمضه )) .
.
رؤياه (صلى الله عليه وسلم) أنه يطوف بالبيت الحرام :
ومن الرؤيا الظاهرة أيضاً رؤيا النبي (صلى الله عليه وسلم) ،انه سيأتي البيت الحرام هو وأصحابه ويطوفون به ، وكان ذلك قبل عمرة الحديبية ، فلما صدهم المشركون عن دخول مكة عام الحديبية وصالحهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، على أن يرجعوا عامهم ذلك وأن يعتمروا في العام القابل قال عمر – رضي الله عنه – للنبي (صلى الله عليه وسلم) : أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به ؟ قال : بلى فأخبرتك أنا نأتيه العام ” قال :قلت: لا ، قال : ” فإنك آتيه ومطوفٌ به ” .
وقد وقع تصديق رؤيا النبي (صلى الله عليه وسلم) ، في عمرة القضاء حيث جاء هو وأصحابه إلى البيت وطافوا به وهم آمنون لا يخافون ، وقد ذكر الله هذه الرؤيا الصادقة في قوله تعالى : (( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً )) . وهذا الفتح في الصلح الذي جرى بين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وبين مشركي قريش ، قال الزهري : قوله (( فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً )) يعني صلح الحديبية ، وما فتح في الإسلام فتح كان أعظم منه .
رؤيا النبي (صلى الله عليه وسلم) لحارثة بن النعمان :
عن عائشة – رضي الله عنها قالت : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (( نمت فرأيتني في الجنة فسمعت صوت قارئ يقرأ فقلت : من هذا ؟ فقالوا : حارثة بن النعمان : فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (( كذلك البر كذلك البر )) ، وكان أبر الناس بأمه .
رؤيا النبي (صلى الله عليه وسلم) لغزاة البحر :
ومن الرؤيا التي تحققت رؤيا النبي (صلى الله عليه وسلم) ، في غزاة البحر الذين غزوا قبرص في زمان عثمان – رضي الله عنه – والذين غزوا الروم في زمن معاوية – رضي الله عنه – .
فعن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه ، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوماً فأطعمته وجلست تفلي رأسه فنام رسول (صلى الله عليه وسلم) ، ثم استيقظ وهو يضحك ، قالت : فقلت : ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال : (( ناسٌ من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكاً على الأسرة ، أو قال : مثل الملوك على الأسرة )) يشك إسحاق فقلت : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها ، ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك فقلت : ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال : (( ناسٌ من أمتي عرضواعلي غزاةً في سبيل الله ملوكاً على الأسرة أو مثل الملوك عل الأسرة )) كما قال في الأولى ، قالت : فقلت : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم ، قال : ” أنت من الأولين ” قال : فركبت البحر في زمان معاوية فصرعت دابتها حين خرجت من البحر فهلكت .
رؤيا النبي (صلى الله عليه وسلم) سبب مرضه :
ومن المرائي الواقعة رؤيا النبي (صلى الله عليه وسلم) ، في مرضه أن الوجع الذي أصابه كان بسبب السحر ، فعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة – رضي الله عنهما – قالت : سَحَر النبي (صلى الله عليه وسلم) يهودي من يهود بني زريق يقال لبيد بن الأصم ، قالت: حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله ، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة دعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، ثم دعاء ثم دعا ثم قال : : (( يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه جاءني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي أو الذي عند رجلي للذي عند رأسي : ما وجع الرجل ؟ قال : مطبوب ، قال : ومن طبه ؟ قال : لبيد بن الأصم ، قال : في أي شيء : قال في مشط ومشاطة ، قال : وجبّ طلعة ذكر ، قال فأين هو ؟ قال : في بئر ذي أروان ، قالت : فأتاها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، في أناسٍ من أصحابه ثم قال : (( يا عائشة والله لكأن ماءها نقاعة الحناء ولكأن نخلها رؤوس الشياطين )) . قالت : فقلت : يا رسول الله أفلا أحرقته ؟ قال : (( لا أما أنا فقد عافاني الله وكرهت أن أثير على الناس شراً فأمرت بها فدفنت )) .
رؤياه (صلى الله عليه وسلم) لمن تولى الخلافة بعده :
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) ، يقول : ((بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع لها ذنوباً أو ذنوبين وفي نزعه ضعف ، والله يغفر له ضعفه ، ثم استحالت غرباً فأخذها ابن الخطاب فلم أرى عبقرياً من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن )) .
رؤياه (صلى الله عليه وسلم) بكثرة امته:
عن أبي أيوب رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال :(اني رأيت في المنام غنما سوداء يتبعها غنم عفر يا أبا بكر أعبرها).فقال أبو بكر: يا رسول الله هي العرب تتبعك ثم تتبعها العجم حتى تغمرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :(هكذا عبرها الملك بسحر).
:مرائي أخرى للرسول عليه الصلاة والسلام
عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم” أعطيت مفاتيح الكلم ونصرت بالرعب وبينما أنا نائم البارحة إذ أتيت بمفاتيح خزائن الأرض حتى وضعت في يدي قال أبو هريرة فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تنتقلونها ”
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ”أراني الليلة عند الكعبة فرأيت رجلا آدم كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم قد رجلها تقطر ماء متكئا على رجلين أو على عواتق رجلين يطوف بالبيت فسألت من هذا فقيل المسيح ابن مريم ثم إذا أنا برجل جعد قطط أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية فسألت من هذا فقيل المسيح الدجال ”
عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يخرج من أظفاري ثم أعطيت فضلي يعني عمر قالوا فما أولته يا رسول الله قال العلم
عن أبا سعيد الخدري يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك ومر علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره قالوا ما أولته يا رسول الله قال الدين”
عن ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال” بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر قلت لمن هذا القصر قالوا لعمر بن الخطاب فذكرت غيرته فوليت مدبرا قال أبو هريرة فبكى عمر بن الخطاب ثم قال أعليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله أغار ”