خرسان بلاد واسعة أول حدودها مما يلي العراق أزَاذوار قصبة جوَين وبَيهق وآخر حدودها مما يلي الهند طخارستان وغزنة وسجستان وكرمان وليس ذلك منها إنما هو أطراف حدودها وتشتمل على أمهات من البلاد منها نيسابور وهراة ومروَ وهي كانت قصبتها وبلخ وطالقان ونَسا وأبيورد وسرخس وما يتخلل ذلك من المدُن التي دون نهر جيحون ومن الناس من يدخل أعمال خوارزم فيها وَيعدُ ما وراء النهر منها وليس الأمر كذلك. وقد فتحت أكثر هذه البلاد عنوة وصلحاً ونذكر ما يُعرف من ذلك في مواضعها و ذلك في سنة 31 في أيام عثمان رضي الله عنه بإمارة عبد الله بن عامر بن كُرَيز وقد اختلف في تسميتها بذلك فقال: دغفل النسابة خرج خراسان وهَيطل ابنا عالم بن سام بن نوح عليهما السلام لما تبلبلت الألسن ببابل فنزل كلِ واحد منهم في البلد المنسوب إليه يريد أن هَيطل نزل في البلد المعروف بالهياطلة وهو ما وراء نهر جيحون ونزل خراسانُ هذه البلاد التي ذكرناها دون النهر فسميت كل بقعة بالذي نزلها وقيل خُراسم للشمس بالفارسية الدرية وأسان كأنه أصل الشيء ومكانه وقيل معناه كل سَهلاً لأن معنى خُر كل وأسان سهل والله أعلم. وأما النسبة إليها ففيها لغات في كتاب العين الخُرَسي منسوب إلى خرامان ومثله الخُراسي والخراساني ويجمع على الخراسين بتخفيف ياءِ النسبة كقولك الأشعرين وأنشد: لا تكرمن من بعدها خُرسيا ويقال هم خُرسان كما يقال سودان وبيضان ومنه قول بشار في البيت.
قال البلاذري: خراسان أربعة أرباع فالربع الأول إيران شهر وهي نيسابور وقهستان والطَبَسَان وهراة وبَوشَنج وباذغيس وطوس وأسمها طابران والربع الثاني مرو الشاهجان وسرخس ونسا وأبيورد ومرو الروذ والطالقان وخوارزم وآمل وهما على نهر جيحون والربع الثالث وهو غربي النهر وبينه وبين النهر ثمانية فراسخ الفارياب. والجوزجان وطخارستان العُليا وخَست وأندرابة والباميان وبغلان ووالج وهي مدينة مزاحم بن بسطام ورستاق بيل وبَذَخشان وهو مدخل الناس إلى \” تبت ومن إندرابة مدخل الناس إلى كابُل والترمذ وهو في شرقي بلخ والصغانيان وطخارستان السفلى وخلم وسمنجان والربع الرابع ما وراء النهر بُخارى والشاش والطرَارَبند والصغد وهو كِس ونَسف والروبستان وأشروسنة وسَنَام قلعة المقنع وفرغانة وسمرقند. قال المؤلف: فالصحيح في تحديد خراسان ما ذهبنا إليه أولاً وأنما ذكر البلاذري هذا لأن جميع ما ذكره من البلاد كان مضموماً إلى والي خراسان وكان اسم خراسان يجمعها فأما ما وراء النهر في بلاد الهياطلة ولاية برأسها وكذلك سجستان ولاية برأسها ذات نخيل لا عمل بينها وبين خراسان. و قد روي عن شريك بن عبد الله أنه قال خراسان كنانه الله إذا غضب على قوم رماهم بهم وفي حديث آخر ما خرجَتْ من خرسان راية في جاهلية وإسلام فرُدت حتى تبلغ منتهاها. وقال ابن قتيبة أهل خراسان أهل الدعوة وأنصار الدولة ولم يزالها في أكثر ملك العجم لقَاحاً لا يُؤدون إلى أحد إتاوة ولا خراجاً. ثم أتى الإسلام فكأنوا فيه أحسن الأمم رغبةً وأشدهم إليه مسارعةً مناً من الله عليهم وتفضيلاً لهم فأسلمها طوعاً ودخلوا فيه سلماً وصالحوا عن بلادهم صلحاً فخف خراجهم وقلت نوائبهم ولم يجر عليهم سِباء ولم تسفك فيما بينهم دماء وبقوا على ذلك طول أيام بني أمية إلى أن ساؤوا السيرة وأشتغلوا باللذات الواجبات فانبعث عليهم جنودْ من أهل خراسان مع أبي مسلم الخراساني ونزع عن قلوبهم الرحمة وباعد عنهم الرأفة حتى أزالوا ملكهم عن آخرهم رأياً وأحنكهم سناً وأطولهم باعاً فسلموه إلى بني العباس وأنفذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه الأحنف بن قيس في سنة 18 فدخلها وتملكُ مدنها فبدأ بالطبسين ثم هراة ومر الشاهجان ونيسابور في مدة يسيرة وهرب ت يزدجرد وبقي المسلمون على ذلك إلى أن مات عثمان رضي الله عنه وولي عثمان فلما كان لسنتين من ولايته ثار بنو كُنازا وهم أخوال كسرى بنيسابور وألجوأ عبد الرحمن بن سَمُرة وعُماله إلى مرو الروذ وثنى أهل مرو الشاهجان وثلث نيزك التركي فاستولى على بلخ وألجأ من بها من المسلمين إلى مرو الروذ وعليها عبد الرحمن بن سمرة فكتب ابن سمرة إلى عثمان بخلع أهل خراسان فأرسل إلى ابن عامر عبد الله بن بشر فِي جند أهل البصرة فخرج ابن عامر في الجنود حتى تولج خرسان من جهة يزد والطَبَسَين وبث الجنود في كُوَرها وساروا نحو هراة فافتتح البلاد في وكان محمد بن علي بن عبد الله بن العباس قال لدُعاته: عليكم بأهل خراسان فإن هناك العدد الكثير والجلد الظاهر و هناك صدور سليمة وقلوب فارغة لم تتقسمها الأهوا ءُ ولم تتوزعها النحل ولم يقدم عليهم فساد وهم جندٌ لهم أبدان وأجسام ومناكب وكواهل وهامات ولحا وشوارب وأصوات هائلة.
و قد خرج من خراسان الكثير من الفقهاء و المحدثين الكبار¸و المقاتلين الأشداء أمثال الإمام أبو حنيفة و الامام البخاري و الامام مسلم و الامام الغزالي و أبو مسلم الخرساني و الكثير من أهل الصلاح و الخير