الطريق إلى المبادره (3-4)
صفحات غير مطوية من السجون المصرية يرويها
في حلقات شاهد عيان
يرويها/ وائل ذهب
معتقل سياسي سابق
___________________
بعد دخولى من آخر ترحيله إلى سجن دمنهور أخذ المعتقلون يتناقلون أخباراً عن قرب وصول القاده التاريخيين للجماعه الإسلاميه كنت أجلس فى غرفه وجمع كبير من إخوة القاهره منهم الأستاذ محمد جبر (الزاويه) ومحمد نجيب(شبرا) زوج بنت الدكتور عمر عبد الرحمن و الأستاذ مدحت الوردانى(عين شمس) والأستاذ ماهرهاشم الهواشم والمهندس محمد من حلوان وأبو البراء الدمياطى وآل بسكوته (الدويقه) حسن ومدحت والأستاذ حسين اسماعيل والأخ سمير (الأسكندريه) وبعض الأخوه من المنيا وبنى سويف وسوهاج، ……الخ
الغرفه كانت مزدحمه بشكل صعب فكان مكانى أمام دورة المياه بإختيارى، كان يدير الغرفه الأستاذ (سيد) من المنيا..كان أول شىء جذبنى هو اختلاف معتقلى سجن دمنهور عن أبو زعبل والفيوم الذى ذقنا فيه الجوع والمُر وامتناع الزياره (السلك) عن بقية السجون ومنها سجن دمنهور بالطبع ، بالإضافه إلى بعض الأشياء التى حُرمنا منها ويتم دخولها تهريب بالمقابل للمخبرين والشاويشيه مثل الأقلام والكتب والصحف والمجلات والراديو وسلك السخان وإبر الخياطه
وكل هذا كان يأتى به الشيخ سمير بعد نزوله ورجوعه للسجن وهو من الأسكندريه (السيوف) كان يقول لنا لو تحب أهرب لك مخدرات للسجن هدخلها، كان ممن سبق له السفر إلى أفغانستان وبلغة ولاد البلد شيخ (صايع) يعرف يعمل كل شىء ، كان يأتى بكل شىء ويتخذ مكانا بجوار الباب ولا يحب الإزعاج…
كنت أستعير منه الراديو لأننى أحب السهر وأعيش مع الإذاعه المصريه بشغف حتى الدراما كنت أسمعها دون حرج، ودائماً مايسعفنى بالمجلات والصحف، كان مسموح لنا بجريدة القاهره وطبيبك الخاص والأهرام العربى فضلاً عن الصحف الحكوميه
طعام السجن كان غريباً فأحياناً كانوا يأتون لنا بلحم البط واختلط على الأمر هل كان بطا ً أم من غربان الحقول التى تحيط بنا،فالسجن كان فى قرية الأبعديه بجوار الحقول والفلاحين وهذا كان فيه راحه نفسيه قليلاً بالنسبه لى لأننى أنتمى إلى الريف المصرى وجذورى ممتده بداخله حتى الآن
لأول مره أرى المعتقلين وهم يطهون الطعام على سوستة السخان بسرقة كهرباء السجن ومشاريب ساخنه وحاجه عظمه لا يضيع مذاقها إلا العدد الكبير وخصوصاً فى فصل الصيف، كان التريض أو الفسحه بانتظام تخرج تتمشى أو تلعب بالكوره المصنوعه من الأكياس والقماش وأشهر مباراة كرة قدم شهيره حتى الآن
كل من ذكرتهم يتذكرونها هى مباراة 4_2_4 خاصة إذا كان فيها خالد سميح (البساتين..الكولحه..بير أم سلطان) كوميديان السجن الذى لا تمل من الضحك فى وجوده، كثيراً ماكنت لا أرغب فى الخروج لكى أستحم أو أستنشق هواءً داخلياً بعيداً عن الصداع والجلبه خاصةً أن الماء كان يأتى لنا بشكل منقطع فيتم استهلاكه تماماً بعد دخول المعتقلين للشرب والتبريد، ولذلك قررت عمل تظلم فلربما تصدق معى الترحيله القادمه لأى سجن آخر ولربما وادى النطرون 1 الذى وصلتنا فيه الأخبار بالتهدئه فيه وقلة عدده وتحسن معاملته وقد كان وقدر الله لى لأنزل إلى مقر أمن الدوله بلاظوغلى وحدث لى فيه هذه المرّه شىءٌ عجيب لا أستطيع أن أنساه أبداً فى حياتى…
4
التاريخ عام 2000 قمت بعمل تظلم جديد للنزول إلى مقر أمن الدوله بلاظوغلى ليس للخروج، لقد انتهت فكرة الخروج إلا أن تكون من عند الله حينما يأتي الفرج لكنه كان للترويه وتبديل السجن فنحن ندور فى حلقه مفرغه مابين خمسه إلى سبعة سجون وفقط على حسب المزاج الأمنى
نزلت فى سيارة ترحيلات يقودها ظابط مختل عقلياً (مِخله) يقوم ببعض الحركات فتدرك قواه العقليه ومن المحتمل أن يكون تدرج فى الترقيه من أول غفير النقطه حتى أصبح ظابطاً للترحيلات، أنزلنا فى الشارع أمام لاظوغلى ووجوهنا للحائط ليرى الناس إذلالنا كنا حافيين الأقدام فلا نرتديها منذ زمن، شعورنا كثيفه ببدل السجن الكئيبه (الميرى)
كان ملتصق بنا حتى وقت تسليمنا لإدارة لاظوغلى التى تحاول أن تصرفه وهو لا يريد وكأننا كنّا من ميراث أهله الذى لا ينفك، حتى هبط إليه الظابط (أشرف أبو النجا) الشهير فى إجرامه والمعروف للجميع وهو يعرفنى جدا، سمع اسمى ثم قال هو شرّف وأخذت دفعه من يده متعجباً من حقده القديم على وعلى المنطقه الذى أسكن فيها تحديدا ولنا معه فيها جولات قديمه، كان الحجز مليئاً بالمعتقلين لكن أغلبهم معتقلون جدد وتعجبت أن منهم من لا يزال منتمى للجماعه الإسلاميه ولا يزال طليقا ً ، كان أغلبهم من محافظة المنوفيه وطلبه من جامعة الأزهر فاحتضنتهم وطمأنتهم
أخذت معهم أطراف الحديث وكيفية التعامل مع التحقيقات الأمنيه، كان أيضاً هناك عضو من تنظيم القاعدة تم تسليمه لمصر من إريتريا إسمه محمد تاركاً خلفه زوجه إريتريه وثلاث أولاد لا يعلم عنهم شيئاً، أيضاً كان هناك شاباً مسيحياً أخفى على سبب القبض عليه ثم افتضح أمره أنه يعمل فى مكتب التنصير والرّده بكنيسة شبرا يسمى هانى سمير وهو ابن خالة لاعب الكوره الشهير هانى رمزى لاعب الأهلى والمنتخب السابق، وبطريقتى استطعت أن أطمئنه لى وآخذ منه معلومات كثيره عن طريقة التنصير وكيفية تغلغلهم فى وسط الشباب المسلم ثم عزلوه عنى ثانى يوم
أيضاً لأول مره أرى معتقلين من سيناء والتى لطالما كنت أتوق لنشر الدعوه الاسلاميه الجهاديه فيها وفوجئت بكم كبير منهم معظمهم صغار فى العمر وينتمون لبعض القبائل بها، أدركت وقتها أن دعوة الله باقيه، وأن الأمر لم يقف علينا فقط، بل لا تزال الصحوه الإسلاميه هى الأساس فى قلب الشباب المسلم رغم أى تغريب أو عزل،مكثت فى لاظوغلى ثلاثة أيام حتى تم ترحيل الجميع باستثنائى أنا ومعى الأخ أسامه عبد الحميد (المطريه) (سلفى جهادى) والذى مر على مكوثه شهر، وهذا فى عرف المعتقلين أنه هناك إعادة نظر فى أمر المعتقل وربما يخرج، هذه المره لم يتم التحقيق معى وكل يوم أتساءل ماذا سيحدث معى، وهل فعلاً سيتم الإفراج عنى؟ ثانى يوم تم النداء على اسمى مع بعض المعتقلين كان منهم الأخ (أحمد عبد المنعم) أبو سهل (شبرا) لترحيلنا لكنهم لم يخبروننا إلى أين سنذهب، سلمنا الأمر لله وربما تكون القبله لسجن دمنهور الذى كنت كارهاً له، وعند المفارق توقفت سيارة الترحيلات، وأمر الظابط بنزولى ، كبر الأخوه معتقدين أن موضوعى لا يزال البت فيه وربما يتم الإفراج عنى، انطلق المعتقلون ونظرات الفرح مختلطه بألم الفراق حتى تلاشوا عن الأنظار فى سيارة الترحيلات، وأنا أقف مع ظابط الترحيله فى الشارع بدون قيود (كلابش) وبدون سيارة ترحيلات عند الميدان فى المفارق وتسلل إلى حلم الحريه وحلم الخروج ولم أكن أتخيل ماحدث معى….
(يتبع)
#صفحات_غير_مطويه