أزمـــة الغواصـــات ..
بقلم نوري الجزائري
لابد من فهم الأسباب التي أدت استراليا لإلغاء صفقة الغوّاصات النووية الفرنسية والتي قُررت في 2016م بين باريس وكامبرا وأُلغيت من طرف استراليا لصالح غواصات نووية أمريكية عقابا لها من واشنطن إزاء عدة ملفات أمنية وخاصة منها ما يدور في الساحل الافريقي، فلطالما فرنسا استفردت بإفريقيا سياسيا واقتصاديا من عشرات السنين وكانت بوابتها الأمنية للحصول على خيرات الآفارقة عبر الانقلابات العسكرية، ففرنسا تعتبر افريقيا سلّتها الاقتصادية بامتياز وأحكمت قبضتها على الساحل الافريقي إلى غربه وشرقه مستنزفة بذلك كل ما هو معدن لتقوية اقتصاداتها ومع شح المعادن عالميا وجشع الشركات الغربية والتي ورائها قِوى عالمية معروفة وبعض الشركات الأمنية كبلاك ووتر الأمريكية وشركة فاغنر الروسية فإن الصراع على أشدّه بين الكبار والصغار على خيرات المسلمين، ففرنسا عمِلت جهدا على استبعاد كل المناوئين الغربيين ومنهم أمريكا خاصة وعدم اقتسام الكعكة الإفريقية إلا مع بعض دول أوروبا كألمانيا والدنمارك والسويد، فقد دخلت في صراع مع أمريكا من 2015م مستبعدة بذلك حلف الناتو في تدخّلها في الساحل الافريقي وذلك في عز التحالف الدولي على الثقب الأسود في العراق والشام.
وقد لاحظ بعض المراقبين أن فرنسا في مستنقع أمني خطير منذ عام 2018م حيث توالت الضربات على جنودها في ليبيا أولا ثم الساحل ثانية الشيء الذي جعل فرنسا تناور وتهدد بالانسحاب إذا لم يتم مساعدتها من دون شروط أو قيد على قبضتها الاقتصادية في ليبيا ومالي والنيجر خاصة إلى بوركينافاسو مرورا بإفريقيا الوسطى حيث اقتسمت في هذا البلد الاخير بعض المهام الامنية مع شركة فاغنر الروسية مقبل دخول بعض الشركات التابعة لها لاستغلال المناجم الثنائية وعقود أخرى أمنية مع افريقيا الوسطى، فاحتكار فرنسا لبعض الدول الافريقية الغنية بالخيرات والمفلسة سياسيا جعل أمريكا تنتظرها في منعطفات اقتصادية أخرى ومنها إحياء التحالف القديم بينها وبين بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي وانعاش الحلف الأنجلو_ساكسون والمتمثل بأمريكا وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلاند، فأمريكا بعد خروجها من الصومال وجدت نفسها من دون نفس افريقيا وجمّدت مهام الأفريكوم واكتفت كعضو مراقب في حرب فرنسا على الإرهاب مجملا، كما لاحظت أنشطة فرنسية روسية صينية وعملا مشتركا بين هذه الدول أمنيا واقتصاديا، إلى أن سمحت فرنسا لشركة فاغنر الدخول إلى مالي ومساعدتها في المستنقع الساحل الإفريقي من الضربات المتتالية من الجماعات الارهابية، فكل ذلك لم تتحمله أمريكا ولم تجوّزه مرور الكرام واعتبرته خيانة لها وللحلف الأطلسي، ناهيك عن نية فرنسا إنشاء قوة أوروبية تعدادها 50ألف جندي بديلة للناتو والذي انهار في افغانستان وسينهار حتما في العراق وسوريا في المدى القريب، الشيء الذي جعل أمريكا تنحصر جغرافيا لصالح قوى اخرى صاعدة، فمع انحصار امريكا عالميا فإن الإدارة الأمريكية في حاجة إلى عقود عسكرية بأي الأثمان كانت الشيء الذي اضطر امريكا لفسخ عقود فرنسا مع استراليا والمعروفة بأزمة الغوّاصات والمقدرة بأكثر من 60 مليار دولار لصالحها بعدما خسرته في افغانستان من دون مقابل يُذكر أو عقود يمكن أن تعوّض أمريكا ولو بشيء يسير على ما خسرته من حربها على الأفغان.
فيمكن القول اليوم أن حرب التكتلات بدأت تُرى معالمها، فأمريكا وحلفها الأنجلو-ساكسون لمجابهة الصين وأوروبا ونشأتها للقوة البديلة لحلف الناتو لإبقاء النفوذ في افريقيا وبعض دول الشرق الأوسط، فالأمور تسبقها حسابات دقيقة مستقبلية وعدم صرف المليارات هباء، والاستنزاف على قدم وساق والرابح الأكبر مستقبلا الثقب الاسود.
بتاريخ 12 صفر 1443 هـ الموافق ل 19/09/2021