توصلنا من الأستاذ الفاضل محمد أسعد بيوض التميمي كتابه الجديد عن الحجاج بن يوسف الثقفي دراسة تاريخية استهدف من خلالها إنصاف هذا القائد المسلم المفترى عليه وقد استغرقت منه سنوات من البحث والتدقيق في مراجع التاريخ ليقدم للمكتبة التاريخية والإسلامية دراسته المدعمة بالأدلة التي نفذ من خلالها كافة المفتريات التي ألصقت بالحجاج عن الحجاج عليه فأننا ننشرها على حلقات…. إماطة اللثام عن الوجه الآخر للحجاج القائد المسلم
ونفتح باب النقاش العلمي الرصين لمن أراد أن يدلي بدلوه في هذا الإتجاه بغية أثراء النقاش..جاد في الإتجاه الذي يخدم العلم والحقيقة وبيانها …
43
واعظم الأدلة التي سنستشهد بها في دفاعنا عن تاريخ الحجاج المجيد والتي تنسف جميع الروايات المشوهة هي إخلاصه في خدمة القرأن وفي الدفاع عن الدولة الإسلامية الأموية وقيامه بالفتوحات ونشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها فهذه الأدلة ليست من خيالنا كما هي الطعونات التي لحقت به التي كانت من خيال من كتبها بل هي من شواهد التاريخ العُظمى والحقائق التي بناها على الأرض والتي لا زالت شاهدة على انجازاته العظيمة و التي تشهد له بأنه كان سيفا من سيوف الله وقائدا استثنائيا من قادة بني أمية وسهمهم ورُمحهم الذي وطد دعائم الدولة الإسلامية الأموية في جميع الأمصار المفتوحة , بعد خروج جميع الولايات من سيطرة الخليفة الأموي وإعلانها التمرد بعد وفاة معاوية اللهم ارض عنه وتفاقم الوضع في عهد ابنه يزيد , حيث تطلع كل والي الى الإمارة والاستقلال بولايته , وتطلع كل جندي الى القيادة, وكل من له صلة نسب ببيت النبوة بأنه أحق بالخلافة ولو كانت القضية بالنسب فأبو لهب من أقرب الناس نسبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عمه ولكن ذلك لم يمنع من أن يلعنه الله ويتوعده هو وزوجته بعذاب اليم في نار جهنم فالله سبحانه وتعالى لا يأخذ النسب بالاعتبار ونحن نتعبد بلعنه الى يوم الدين
(فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون).
ظهور الحجاج على مسرح الأحداث
44
لقد كان مشوار الحجاج نحو الصعود الى ذلك المركز الرفيع وتبوء منصب القائد العام لجيوش بني امية , بتهيئة الأسباب من رب العالمين ومن اهم هذه الأسباب كان هناك شخص اسمه( روح بن زنباع ) قائدا للشرطة ويقوم مقام وزير ومستشار وصديق للخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ويثق به ثقة كبرى , وكان الحجاج من ضباطه الأذكياء والماهرين والحاسمين والأقوياء والأشداء الذين يعملون تحت قيادته وكان يعتمد عليهم في فرض الأمن والأمان ومن الموالين ولاء شرعيا للخليفة عبد الملك بن مروان وبني أمية
ففي إحدى المعارك مع ابن الزبير انهزم جيش الشام الموالي للخليفة عبد الملك بن مروان فحدث خلل , في صفوف جُند عبد الملك بن مروان , وضعفت الطاعة و المعنويات ,فشكا عبد الملك بن مروان الأمر لقائد شرطته ومستشاره ابن زنباع وسأله ماذا يفعل من اجل معالجة الأمر واستدراك الخطر قبل فوات الأوان وحتى لا يتحول ذلك الى تمرد يصعب معالجته او السيطرة عليه فقال له ابن زنباع يا أمير المؤمنين إن في جيشي رجلاً يقال له الحجاج بن يوسف الثقفي لو قلده أمير المؤمنين أمر جنده لأرحلهم برحيله وأنزلهم بنزوله ,قال عبد الملك فإنا قد قلدناه ذلك…
ومن تلك اللحظة اصبح الحجاج السيف والرمح والدرع والجندي المخلص لبني امية والدفاع عنهم وعن دولتهم الأموية
فما هي المهمات التي أوكلت للحجاج من قبل عبد الملك بن مروان من أجل إعادة الأمن والاستقرار والوحدة للخلافة الأموية وإنقاذها من السقوط والانهيار والتي جعلت الحجاج احد اعظم رجال وقادة الدولة الأموية خاصة والمسلمين عامة مما أثار وأشعل الحقد في
45
نفوس اعداء بني امية وخاصة الذين كتبوا تاريخهم والتي جعلت الحجاج في نفوسهم المريضة الحاقدة وخيالهم الشيطاني شيطانا رجيما وشرا مطلقا
46
المهمة الأولى
فكانت أول المُهمات التي كلف بها الحجاج من قبل الخليفة عبد الملك بن مروان وكانت سبباً في صعوده الى واجهة الأحداث في ذلك الزمان وتقدمه الصفوف وحصوله على ثقة الخليفة عبد الملك بن مروان والاختبار الأول لقدراته القيادية
وهذه المهمة هي أن هناك كانت معركة بين عبد الملك وزفر بن الحارث أحد الخارجين على طاعته والمتمردين عليه والذي تحصن في مدينة قرقيسياء في بلاد الشام قرب مدينة دير الزور وقد طال القتال فيها, فأرسل عبد الملك وفداً لمفاوضته وكان الحجاج ضمن الوفد الذي يرأسه رجاء بن حيوة , وبينما هم جالسون أذن للصلاة فقام رجاء رئيس الوفد فصلى مع زفر , ولكن الحجاج رفض أن يصلي خلف زفر المتمرد على الخليفة عبد الملك بن مروان وصلى لوحده ,وعندما سُئل عن ذلك قال لا أصلي مع منافق خارج على أمير المؤمنين وعن طاعته ,وعندما سمع عبد الملك بذلك زاد اعجابه به ورفع قدره و أصبح وثيق الصلة بعبد الملك ومحل ثقته المطلقة وجعله من المقربين اليه بعد أن تأكد من ولاءه المطلق لخلافة بني امية مما جعل عبد الملك في ما بعد يختاره الى مهمات خطيرة للقضاء على فتن وتمردات وثورات انتشرت في ولايات الدولة الأموية واصبحت تهدد وجودها فكان بمثابة القائد المنقذ للدولة الأموية
47
المهمة الثانية
إنهاء فتنة عبد الله بن الزبير في مكة والمدينة……
لقد كانت المهمة الثانية التي اوكلت الى الحجاج من قبل الخليفة عبد الملك بن مروان هي إنهاء تمرد عبد الله بن الزبير ولخطورة هذه المهة وحجم الإفتراءات التي افتريت والتشويه الذي لحق بهذه القضية لا بد من من تمهيد قبل الحديث عن كيفية قضاء الحجاج على فتنة عبد الله بن الزبير ومقدمة للتعريف بعبد الله بن الزبير وبقضيته وكيف نشأت الحالة التي استمرت ثلاثة عشر عاما شكلت خلالها خطرا داهما على استمرار الدولة الأموية ونشر هذه القصة على عدة اجزاء حتى يتمعن فيها القاريء ويستوعبها جيدا
فلا يُطعن بالحجاج إلا ويُقال بأنه قتل عبد الله بن الزبير وكأنه قتله تأبط شراً وظلماً وعدواناً , فالناس تُردد ذلك دون أن تعرف شيئاً عن هذه القصة او تقرأ سطرا عنها …
حتى أن المؤرخين الذين يحملون الروح الشيعية السبئية والذين ذكرناهم في المقدمة استغلوا هذه القصة والنسب الرفيع لعبد الله بن الزبير اللهم ارض عنه فاتخذوا منها غطاء ليطلقوا احقادهم وضغائنهم واهوائهم وعقيدتهم الشيعية للطعن بالحجاج وبني امية فكتبوها بما يلائم هواهم واحقادهم , حتى جعلوها الحد الفاصل بين الكُفر والايمان ,بل وجعلوا عبد الله بن الزبير وكأنه معصوماً وبأنه لا يُخطيء وفوق البشر بل وفوق الحكم الشرعي , وبأنه على الحق المبين وجعلوا من الحجاج في هذه القصة شيطانا رجيما فجعلوا من هذه الفتنة صراعا بين جند الرحمن وجند الشيطان وبين الحق والباطل وبين الكفر والإيمان , وجعلوا كل من يُعطي رأياً مخالفا لاجتهاد عبد الله بن الزبير فكأنه كفر
48
فاتخذوا من هذه القصة سكينا للطعن بالحجاج وجعلوا الانحياز لعبد الله بن الزبير ركنا من اركان الإسلام رغم أنهم يعلمون بأنه لا عصمة لأحد من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما بلغ نسبه وقربه من رسول الله ولو كان أبو بكر وعمر الذين رضي الله عنهم والمبشرين بالجنة فالرسول صلى الله عليه وسلم يخاطب احب الناس على قلبه فلذة كبده فاطمة رضي الله عنها ويخاطب بني هاشم واعمامه قائلا لهم اعملوا فأني لا أغني عنكم من الله شيئا فلا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم ففي الحديث الذي رواه البخاري
,لذلك قام الشيعة بتأليف القصص والروايات وحتى الأحاديث لصالح عبد الله بن الزبير وليجعلوه يُمثل فسطاط المؤمنين ليس حبا فيه وإنما ليطعنوا ببني امية وبالحجاج وليجعلوهم يُمثلون فسطاط الكفر رغم أن الشيعة يطعنون بأبيه الزبير بن العوام وبخالته عائشة رضي الله عنهم ,فجعلوا من الحجاج قاتل الصحابة وأبناءهم والأئمة والفقهاء حتى أن بعضهم يدعي بأن الحجاج قتل مئة وعشرين الفا من الصحابة رغم ان الحجاج ظهر في عام سبعين للهجرة فلم يكن على وجه الأرض هذا العدد من الصحابة بل لم يتبقى منهم رضوان الله عليهم الا القليل لا يتعدون العشرات فهذه الكذبة تكفي لأن تنسف جميع الأكاذيب والطعونات التي افتروها على الحجاج
49
فمن هو عبد الله بن الزبير
هو عبد الله والده الزبير بن العوام أحد السباقين الى الإسلام ,و من العشرة المبشرين بالجنة ,وهو قد أسلم عن قناعة ويقين ,وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نقي السريرة قوي الشكيمة هاجر الى المدينة فراراً بدينه وكان مدافعا عن الاسلام بشراسة وإقدام وقاتل في سبيل الله في بدر كالأسد الهصور فهو من اهل بدر الذين غفر الله لهم ما تقدم من ذنبهم وما تأخر إكراما لهم وعلو منزلتهم عنده …
فكان مستحقاً بأن يكون من الذين بشرهم الله بالجنة , وكان أحد الستة الذين رشحوا للخلافة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ,
اما والدته فهي أسماء بنت أبي بكر الملقبة بذات النطاقين , وجده لأمه الصديق صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر رضي الله عنه وخالته أم المؤمنين عائشة احب زوجاته اليه ..
وهذا ما جعله يقتنع بأنه أحق الناس بالخلافة وبأنه يجب أن يكون خليفة للمسلمين ولكن الخلافة ليست لها علاقة بالنسب
لذلك قام عبد الله بن الزبير باستغلال نسبه الكريم الطيب الأصيل و قرابته من هؤلاء أجمعين , ومنزلته عند المسلمين ,وبالإضافة الى ذلك قام باستغلال منزلة الحسين بن علي رضي الله عنه عند المسلمين ومحبتهم له ولأبيه وأمه وقُربهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام بمبايعة الحسين أميرا للمؤمنين ورفض مبايعة يزيد بن معاوية , وقام بتحريض الحسين بن علي رضي الله عنه على بني أمية ,فكان من أسباب إعلان الحسين رضي الله عنه الثورة على يزيد وخروجه عليه وقبول نصرة أهل العراق له الذين بعثوا له ببيعتهم ونصرته , ودعُوه ليأتي اليهم ,فحثه عبد الله بن الزبير على تلبية دعوتهم والخروج اليهم وكان الوحيد من الصحابة وأبنائهم الذي حثه على الخروج كما تقول معظم الروايات والله
50
اعلم وما كان هذا الا استدراجا له من السبئيين المجوس من اجل قتله كما قتلوا عمر وعثمان وابيه رضوان الله عليهم وقد كان
و سنرى لاحقا بمشيئة الله أن الذين قتلوا هؤلاء هم الذين قتلوا الحسين بعد ان اوقعوه في فخهم …
فتقول بعض الروايات وكأن الحسين شعر بما يضمره اليه عبد الله بن الزبير من خلال حثه له والحاحه عليه بالخروج الى العراق وتلبية طلبهم , حيث أن الحسين رضي الله عنه قال بعد أن خرج من مجلس عبد الله بن الزبير في احدى المرات(ان هذا اي عبد الله بن الزبير ليس شيء يؤتاه من الدنيا أحب اليه من ان اخرج من الحجاز الى العراق)
فكلام الحسين هذا يعني أن حث عبد الله بن الزبير للحسين على الذهاب الى العراق كان وراءه مصلحة شخصية لعبد الله بن الزبير وليس لمصلحة الحسين رضي الله عنه ,فهو أراد أن يستفرد بالأمر في الحجاز ,فلا يكون هناك منافس له في ولاء المسلمين له ,وخصوصاً أن الحسين أعظم نسبا ومنزلة عند المسلمين منه , فجده لأمه رسول الله صلى الله عليه وسلم و أمه فاطمة ووالده علي بن ابي طالب رضي الله عنه..
وما أن وصل الحسين رضي الله عنه الى أرض في العراق اسمها (كر وبلاء) اسمها يدل على طبيعتها الشيطانية , حتى وقع في الفخ الذي نصبه له الشيعة المجوس أتباع عبد الله بن سبأ الذين قتلوا عمر وعثمان ووالده علي رضي الله عنهم أجمعين ,فانقضوا عليه وعلى أهل بيته دون شفقة ولا رحمة ,وبمنتهى الغل ,وكان هؤلاء بالعشرات ولم يجد رضي الله عنه أنصاراً ولا أتباعاً ولا جيوشاً ولا مُبايعين كما صور له الذين استدرجوه الى هذه الأرض الخالية وهذا ماذا سنوضحه في ما يلي عند حديثنا عن يزيد