إنصاف الحجاج القائد الفاتح وتفنيد الافتراءات عليه
الحلقة 14
الأستاذ محمد أسعد بيوض التميمي
شبكة وا إسلاماه الإخبارية
توصلنا من الأستاذ الفاضل محمد أسعد بيوض التميمي كتابه الجديد عن الحجاج بن يوسف الثقفي دراسة تاريخية استهدف من خلالها إنصاف هذا القائد المسلم المفترى عليه وقد استغرقت منه سنوات من البحث والتدقيق في مراجع التاريخ ليقدم للمكتبة التاريخية والإسلامية دراسته المدعمة بالأدلة التي نفذ من خلالها كافة المفتريات التي ألصقت بالحجاج عن الحجاج عليه فأننا ننشرها على حلقات…. إماطة اللثام عن الوجه الآخر للحجاج القائد المسلم
ونفتح باب النقاش العلمي الرصين لمن أراد أن يدلي بدلوه في هذا الإتجاه بغية أثراء النقاش..جاد في الإتجاه الذي يخدم العلم والحقيقة وبيانها …
السيرة الذاتية للمؤلف
الاسم محمد اسعد بيوض التميمي
مواليد مدينة خليل الرحمن في فلسطين 1956
نشأ وترعرع في مدينة القدس الى ان تم ابعاد عائلته من القدس الى الاردن عام 1967
التحصيل العلمي
بكالوريوس من كلية التجارة والاقتصاد والشريعة جامعة الازهر القاهرة عام 1981
ماجستير مقارنة اديان
المؤلفات
1…كيف نوحد الله حتى لا نكون من الاخسرين اعمالا
2…واقعنا واخطر احداث القرن العشرين
3…واقعنا الفكري والثقافي والغزو والفكري والثقافي التشخيص والعلاج وكيف تنهض الأمم
4..الاسلام مفاهيم ومصطلحات وحقيقة المعركة
5..تربيتنا من اجل حياة زوجية واسرية وعائلية ناجحة
6…واقعنا الإقتصادي التشخيص والعلاج
7…الحجاج القائد الفاتح خامد الفتن وتفنيد الإفتراءات عليه
8…مئات الابحاث والمقالات الدينية والسياسية والاقتصادية منشورة على كثير من المواقع الكترونية المهمة ممكن الوصول اليها بواسطة الباحث جوجل
عشرات الحوارات
10…والندوات على القنوات الفضائية واهمها على الجزيرة وخصوصا في برنامج الاتجاه المعاكس معظمها موجود على اليوتيوب
133
تكريم الحجاج لسعيد بن جبير
ومن اجل أن يرفع الحجاج من منزلة وهيبة وشأن سعيد بن جبير بين المسلمين ولاه الحجاج القضاء في الكوفة ,إلا أن أهل الكوفة رفضوا أن يكون على القضاء إلا من كان من أصول عربية خالصة وليس من الموالي فهو من اصل حبشي موالي بني اسد كما ذكرنا في تعريف سعيد بن جبير ,فاستجاب لهم الحجاج ,فولى (أبا بردة بن أبي موسى الأشعري) القضاء ولكن من اجل أن يحفظ لسعيد بن جبير منزلته العلمية الاجتماعية طلب من بردة بن أبي موسى الأشعري بأن لا يُبرم أمراً ولا يقضي بمسألة إلا برأي سعيد بن جبير وهذا يعني بأن الحجاج جعل أبا بردة بن أبي موسى الأشعري واجهة لسعيد بن جبير وجعل سعيد بن جبير مرجعية علمية له ,ثم أعطا سعيد بن جبير مائة ألف درهم ليُفرقها على ذوي الحاجة وجعله من مستشاريه وأصحابه المقربين وكان معظمهم من رؤوس العرب وقربه اليهم فهل بعد هذا التكريم تكريم
فحفظ الحجاج لسعيد بن جبير كرامته بحفظه لمكانته العِلمية والاجتماعية والاقتصادية , وهو من الموالي ,ورفع قدره بين العرب وخصوصا ان العرب لا زالوا قريب عهد بالجاهلية ويعتزون بأنسابهم وقبائلهم
ولكن ما الذي دفع سعيد بن جبير رغم كل هذا التقدير والاحترام من الحجاج له الى الغدر ونقض البيعة مما اضطر الحجاج ان يقيم عليه الحد والقصاص منه ؟؟
134
قصة سعيد بن جبير مع الحجاج بالتفصيل
فإليكم القصة كاملة وارجو أن تركزوا وانتم تقرؤون حتى تفهمون وتعرفون ثم تحكمون
عندما جهز الحجاج حملة ابن الاشعث لمواجهة رتبيل ملك الترك التي تحدثنا عنها سابقا عندما تحدثنا عن إخماد فتنة عبدالرحمن بن الأشعث عين سعيد بن جبير مسؤولا ماليا عن نفقات الجند لشدة ثقته به ,وعندما أعلن ابن الاشعث خروجه على الوالي والخليفة عبد الملك بن مروان ,والذي شرحنا قصته في ما سبق الذي كان تمرده أشبه ما يكون بإنقلاب عسكري وكاد أن يُطيح بالدولة الإسلامية الأموية ,ومع ذلك قام سعيد بن جبير بنقض بيعة عبد الملك بن مروان وبمولات ومبايعة ونُصرة ابن الاشعث والانضمام اليه , وفي إحدى المعارك بين ابن الاشعث والحجاج وقع سعيد بن جبير في الأسر فجيء به الى الحجاج ورغم ذلك لم يقتله الحجاج بل تحاور معه بحوار فيه عتاب لسعيد بن جبير حيث دار بينهما الحوار التالي
قال له الحجاج ويحك يا سعيد أما تستحي مني بعد كل هذا التكريم الذي كرمناك به والمنزلة التي انزلناك بها ؟؟
ألا تستحي من الله المُراقب لي ولك والشاهد علي وعليك؟؟
فقال سعيد أصلح الله الأمير وأمتع به , هي بلية وقعت وعذاب نزل والقول كما قال الأمير وكما نُسب اليه إلا أني رجلاً قد أزهى وطغى ولبسته الفتنة وركب الشيطان كنفيه فان تعاقب فبذنب وإن تعف فسجية منك
فقال له الحجاج بكل محبة وود وثقة به لم تتزعزع فإنا قد عفونا عنك وسنردك الى ابن الأشعث مرة أخرى أي بأن الحجاج قبل عذر سعيد بن جبير بعد عتاب المحب وعفا عنه ,ورغم ذلك لم يفقد ثقته به ,فقرر أن يُرسله للأشعث مرة أخرى بكتاب وأن يكون هو رسوله للأشعث لحقن دماء المسلمين ووقف الفتنة والعودة الى بيعة عبد الملك بن مروان.
135
فهل هناك تقدير بعد هذا التقدير وثقة بعد هذه الثقة يا من تتهمون الحجاج بأنه قتل سعيد بن جبير ظلما وعدوانا وتأبط شرا ودون أن يقيم عليه الحجة ؟؟
فكتب الحجاج كتاباً لابن الاشعث ,وأرسله مع سعيد بن جبير ,وفي الطريق قام سعيد بن جبير بنقض البيعة مرة أخرى ,حيث قام بحرق كتاب الحجاج الى ابن الأشعث ,وقدم سعيد على ابن الاشعث وأخبره بما حصل بينه وبين الحجاج, وبايع ابن الأشعث مرة أخرى وبقي معه الى أن هُزِم ابن الاشعث في موقعة دير الجماجم وقتل فيها من قتل وهرب من هرب ,والتي تحدثنا عنها في ما سبق ,وهرب سعيد بن جبير فيمن هربوا وتوجهوا الى أصبهان ,فكتب الحجاج الى عاملها بالقبض عليه وإرساله اليه ,إلا أن الرجل أرسل الى سعيد بن جبير يطلب منه الخروج من البلاد سراً ,فخرج الى أذربيجان واغتنم الفرصة مُتجهاً الى مكة وأقام فيها ولاذ في البيت الحرام ,وعندما تولى (خالد القصري) امارة مكة, طلب أهلها من سعيد بن جبير الفرار منها خوفاً من أن يُلقي القبض عليه ,فرد عليهم قد استحييت ولا مفر من قضاء الله ,أما (عثمان بن حيان المري) فقد تولى المدينة وأخذ يُرسل الى الحجاج كل خارج على خلافة بني امية من أهل العراق ,فأرسل اليه عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وعمرو بن أبي دينار وطلق بن حبيب ومجاهد ,فعفا الحجاج عن عطاء وعمرو ومات طلق بن حبيب في الطريق وحبس مجاهد وكان ذلك سنة 94 هجري أي بعد القضاء على فتنة ابن الاشعث بتسع سنوات.
والدليل على أن الحجاج لم يكن مُصراً على قتل سعيد بن جبير هو أنه لم يقتله عندما غدر المرة الأولى وانضم الى ابن الأشعث ثم تركه تسع سنوات بعد نقضه للبيعة وغدره بالحجاج في المرة الثانية بعد تجديد ثقته به وارساله لأبن الأشعث مرة ثانية فلم يُطارده أو يبحث عنه رغم أن الحجاج كان في كل عام يعتمر مرة ويحج مرة ,وهذا يدل على أن الحجاج كان معظما لشعائر الله بتردده على الحج والعمرة, وعندما قبض عليه خالد القصري أمير مكة وأرسله الى الحجاج امتعض الحجاج من
136
ذلك لأنه لا يريد أن يقبض عليه ولم يطلب منه أن يقبض عليه ,فقال الحجاج لعن الله ابن النصرانية يقصد خالد القصري أما كنت أعرف مكانه أي مكان سعيد بن جبير طوال تلك المدة؟؟ بلى والله والبيت الذي هو فيه بمكة .
وبما أنه أصبح الأن ماثلا أمام الحجاج فلا يمكن إلا أن يُحاكمه مُحاكمة شرعية ,فلا أحد فوق شرع الله ,فدار بينهما الحوار التالي وهذه الرواية من اصح ما روي في هذا الموقف
وقد ذكرها أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر المعروف بالمُبَرِّد ينتهي نسبه بثمالة، وهو عوف بن أسلم من الأزد. (ولد 10 ذو الحجة 210 هـ/825م، وتوفي عام 286 هـ/899م)، أحد العلماء الجهابذة في علوم البلاغة والنحو والنقد، عاش في العصر العباسي في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي في (كتابه الكامل صفحة 297 الجزء الأول )
وهذه الرواية من اصح الروايات التي تعبر عما جرى بين الحجاج وسعيد بن جبير وهذه الرواية تنسجم مع المواقف التي حصلت بين الحجاج وسعيد بن جبير منذ أن تسلم الحجاج مهمة اخماد الفتن وخصوصا في اخماد فتنة عبد الله بن الزبير وبن الأشعث وهذه الرواية لا يذكرها أعداء الحجاج ويهملونها عن عمد رغم ورودها في أكثر من مصدر, ويذكرون حواراً أخر مفبركا ومفترا فيه إساءة للحجاج ويظهر بأن الحجاج تعمد قتل سعيد بن جبير ظلما وعدوانا وتأبط شرا ودون سبب رغم أن هذا الحوار لا يصح عقلا ولا شرعا اما الحوار المفبرك الذي اخترعه الشيعة سنذكره بعد الحوار الحقيقي الذي اقام فيه الحجاج الحجة والبينة القاطعة على سعيد بن جبير وهذا هو الحوار
قال له الحجاج ..يا سعيد الم أقدم مكة فأخذت منك البيعة ؟؟
قال سعيد .. بلى
قال الحجاج .. أما قدمت الكوفة ووليتك إمامة الصلاة ؟؟
قال سعيد .. بلى
137
فقال الحجاج ..الم أوِلك القضاء فضج الناس وقالوا لا يصلح للقضاء إلا عربي فاستقضيت أبا بردة بن أبي موسى الاشعري وأمرتُه ألا يقطع أمراً دونك؟؟
قال سعيد .. بلى
قال الحجاج .. أما جعلتك من المقربين مني ومن الذين استشيرهم وكلهم من رؤوس العرب؟؟
قال سعيد .. بلى
قال الحجاج .. أما أعطيتك مائة ألف درهم تُفرقها في أهل الحاجة ثم لم أسألك عن شيء منها؟؟
قال سعيد .. بلى
وظل الحجاج يُعاتبه ويلوم فعله كما يفعل الرجل مع ولده
فقال سعيد .. إني إمروء من المسلمين يُصيب مرة ويُخطيء مرة
فرد عليه الحجاج .. يا سعيد فما الذي أخرجك علي؟؟
قال سعيد .. كانت في عنقي بيعه لابن الاشعث لأنه ضغط علي
فغضب الحجاج وقال .. هيه رأيت لضغط عدو الرحمن عليك حقاً ولم تر لله وأمير المؤمنين ولا لي عليك حقاً؟؟
تنكث بيعتين وتفي بواحدة للحائك ابن الحائك اضربا عنقه فإياه عني جدير بقوله
يا رب ناكث بيعتين تركته وخضاب لحيته دم الأوداج
138
الحوار المفبرك
أما الحوار المفبرك الذي الفه المؤرخون الشيعة وهي مؤخوذة من كتاب مواقف الشيعة الجزء الثاني صفحة 301 و304 للأحمدي الميانجي (الواقدي وأبو مخنف والكلبي) وتناقله المؤرخون عنهم واشتهر بين الناس عن عمد والذي يظهر فيه الحجاج بأنه قتل سعيد بن جبير ظلماً وعدواناً وكرها له وحباً في القتل , فهو حوار لم يحدث وغير صحيح ,وهو من بنات أفكار أعداء الحجاج وأعداء بني امية وجماح خيالهم , فهم يُصورون أن الحجاج ألقى القبض على سعيد بن جبير تأبط شراً وكأنه كان معتزل في صومعة ودون أن يذكروا الأحداث التي ذكرتها سابقا قبل القبض عليه ولماذا ألقي القبض عليه وكيف فمن الفواجع والمصائب التي لحقت بالمسلمين أن رواة التاريخ الإسلام والسيرة النبوية هم من الشيعة والذين ذكرناهم في المقدمة
ومن هذه الروايات التي تسربت الينا واصبحنا نتداولها وكأنها رواية مقدسة من انكرها فقد كفر الحوار المشهور المُزور والمفبرك الذي يزعمون بأنه دار بين الحجاج وسعيد بن جبير والذي يتناقله الناس كالببغاوات
والذي كثير من علماء التاريخ نسفوا صحته وصدقه
فالذهبي في كتابه (سير أعلام النبلاء صفحة 328 و و332 330 الجزء 4 ) قال بأن هذه الرواية لا تصح وأنها قصة منكرة لأنها مروية عن حفص بن سليم السمرقندي وهو وفق علماء الرواية كان كاذبا وهو الأمر نفسه أكده الحافظ ابن حجر في كتابه الميزان
139
وقال عنها (الحافظ بن كثير في البداية والنهاية صفحة 104 الجزء 9 في ترجمة سعيد بن جبير) لقد رويت في قصة مقتل سعيد بن جبير اكثرها لا يصح فعليا .
لذلك علينا أن نعمل عقولنا فلا نقبل القصص والحكايات والروايات الهشة التي بسهولة نكتشف تزويرها وفبركتها إذا ما اعملنا عقولنا التي أكرمنا الله بها
وفي ما يلي الرواية المكذوبة التي تم اشهارها عن عمد في المناهج الدراسية والكتب التاريخية والأعمال الدرامية لتشويه تاريخا حتى يكاد الكثير أن يحفظها عن غيب فعندما جيء بسعيد بن جبير الى الحجاج ومكث أمامه
قال له الحجاج ما اسمك
قال سعيد بن جبير
قال الحجاج بل سعيد بن كسير
قال سعيد بن جبير أمي أعلم بإسمي منك
قال الحجاج لحارسه اقطع راسه
وقبل ان يقطع رأسه دعا عليه سعيد بن جبير ,اللهم لا تسلط الحجاج على أحد من بعدي أبداً ,فقطع الحجاج رأس سعيد فصار سعيد بن جبير يأتي للحجاج في المنام فيقوم مفزوعاً وهو يصرخ قتلني سعيد قتلني سعيد.
ومن اعظم الدلائل على أن هذه الرواية مكذوبة ومختلقة من أساسها أن الحجاج يعرف سعيد بن جبير معرفة جيدة فكما ذكرنا انفا ,فهو قد قربه منه بعد القضاء على فتنة الزبير
140
واصطحبه الى الكوفة وولاه القضاء ثم أرسله الى الأشعث ثم نقض البيعة وانضم الى الاشعث ثم ألقى القبض عليه في إحدى المعارك مع الاشعث ثم عفى عنه ثم نقض البيعة مرة أخرى فلو كان الحجاج يضمر قتله لما جدد ثقته به أكثر من مرة بعد كل مرة ينقض فيها البيعة ,والحجاج توفي بالمرض وفاة عادية بعد سعيد بن جبير, وسنذكر في موضع قادم كيف توفي الحجاج ووصيته.
هذه قصة سعيد بن جبير مع الحجاج , فلو كنتم مكان الحجاج ماذا ستفعلون برجل غير معصوم مهما بلغ من العِلم والتقوى والصلاح ومهما كان موقعه بين المسلمين؟؟
فمن قال بعصمة احد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كفر
وبسبب نقضه لبيعة خليفة المسلمين مرتين ثارت فتن وثورات وسالت دماء المسلمين وتطايرت أشلاؤهم في بلاد كثيرة وكادت الدولة الإسلامية ان تنهار وينهار معها جميع البلدان التي فتحت ويقضى على دين الله لولا ان تكفل الله بحفظ دينه فسخر الحجاج في هذه المرحلة الخطيرة لينصر دينه
وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)
141
فإذا كان سعيد بن جبير على هذه الدرجة من الورع والتقوى ,فما الذي دفعه لمُناصرة ابن الاشعث وقد شهد هو عليه بأنه باغ وضال ومنافق؟؟
وكيف يقاتل تحت راية ابن الأشعث الذي قاد فتنة كادت أن تطيح بالدولة الإسلامية وعندما هزم لجأ الى عدو الله ملك الترك رتبيل ليستعين به ضد الحجاج والذي ارسله الحجاج لقتاله وعندما رفض رتبيل حمايته انتحر والمنتحر مخلد بالنار
وإذا كان يسير على منهج الله وسُنة رسوله وحافظاً للقرأن فلِم كانت خيانته للمواثيق والعهود والانسياق الى الفرقة وإشاعة الفوضى؟؟؟
ورغم ذلك وقد تمكن الحجاج من القضاء على ابن الاشعث فلم يطارد سعيد وتركه حُراً طليقاً لتسع سنوات
قال تعالى (( ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط)) اللهم اغفر للحجاج ولسعيد بن جبير وارحمهما
142
عاشرا قصة الحجاج مع أنس بن مالك المكذوبة
. بداية يجب أن نعلم بأن هذه الرواية من روايات التي تفنن المؤرخون الشيعة في كذبها وافتراءها واختراعها كبقية القصص التي ذكرناها سابقا وتداولها المؤرخون عبر العصور عنهم وكأنها حقيقة غير قابلة للنقد ولا للنقض
وقبل تفنيد هذه القصة المكذوبة لا بد من التعريف بأنس بن مالك لمعرفة منزلته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند المسلمين ولأنه بسبب هذه المنزلة تم تأليف هذه القصة المكذوبة من قبل المجوس للطعن بالحجاج وتشويه صورته عند المسلمين
فمن هو انس بن مالك رضي الله عنه
هو الصحابي الجليل أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي النجاري من بني عدي بن النجار رضي الله عنه ، ولد قبل الهجرة بعشرة أعوام وخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن عشر سنوات وروى عنه كثيراً من الأحاديث وكان يفتخر بلقب خادم رسول الله ولقد دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم اكثر ماله وولده وبارك له وادخله الجنة ) وعاش طويلا فكان اخر من رحل من الصحابة وتوفي في البصرة سنة 92هـ وقيل سنة 93هـ ، وكان أمير المؤمنين يومئذ هو عبدالملك بن مروان
اما قصة الحجاج معه المكذوبة فالذي يقرأها في شتى المراجع بتمعن وتدبر وتحقق ويدقق في كلماتها والروح التي صيغت بها سيكتشف بسهولة أنها قصة مكذوبة ومفتراة من أولها الى أخرها ومن وضع شياطين الشيعة المجوس ومن اجل اعطاءها مصداقية تم تزوير رسائل متبادلة بين انس بن مالك والخليفة عبد الملك بن مروان وبين عبد الملك وبين الحجاج
143
والذي لديه علم بسيط في اللغة العربية و يدقق بلغة وتعبيرات وصياغة هذه الرسائل سيكتشف بسهولة أن هذه الرسائل المتبادلة الذي كتبها وكذبها وصاغها وافتراها هو شخص واحد يحمل روح شيعية مجوسية حاقدة على الحجاج وعلى انس بن مالك وعلى الخليفة عبد الملك بن مروان وعلى جميع بني امية وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة اجمعين فهي عبارة عن سيناريو وحوار ركيك ورديء التزوير ولا ينطلي الا على الأغبياء والببغاوات الذين يرددون ما يسمعون دون عقل وفهم ووعي
وهذه بداية القصة المكذوبة والرسائل المفبركة المتبادلة فيها
تقول بداية القصة المكذوبة أنه في يوم من الأيام ذهب أنس بن مالك لزيارة الحجاج بن يوسف الثقفي وبدلا من ان يستقبله الحجاج استقبالا حسنا يليق بمنزلته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند المسلمين استقبله بجلافة واحتقار وتقريع واهانة (كبرت كلمة تخرج من افواههم إن يقولون الا كذبا ) حيث لما دخل عليه قال له الحجاج
إيه يا أنس يوم لك مع علي ويوم لك مع ابن الزبير
ويوم لك مع ابن الاشعث والله لاستأصلنك كما
تستأصل الشأفة ولادمغنك كما تدمغ الصمغة
ولأعصبنك عصبة السمنة وهي نوع من الشجر
فرد عليه أنس بن مالك متعجبا إياي يعني الأمير أصلحه الله
فقال الحجاج إياك صك الله سمهك
فقال أنس بن مالك إنا لله وإنا اليه راجعون والله لولا الصبية الصغار ما باليت أي قتلة قتلت ولا أي ميتة مت ثم خرج بعدها من عند الحجاج وكتب رسالة الى امير المؤمنين عبد الملك بن مروان يخبره فيها بما قال له الحجاج جاء فيها
144
بسم الله الرحمن الرحيم (الى عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين من أنس بن مالك أما بعد فإن الحجاج قال لي هجرا واسمعني نكرا ولم أكن لذلك أهلا فخذ لي على يديه فأني أمت بخدمتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتي إياه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته )
رد عبد الملك بن مروان (المزور )على رسالة انس بن مالك المزورة
(اما بعد فقد قرأت رسالتك وفهمت ما ذكرت من شكاتك الحجاج وما سلطته عليك ولا أمرته بالإساءة اليك فإن عاد لمثلها فاكتب الي بذلك أنزل به عقوبتي وتحسن لك معونتي والسلام)
ثم تقول القصة المكذوبة
وعندما خرج رسول عبد الملك من عند أنس بن مالك ذهب الى الحجاج ليسلمه رسالة عبد الملك وقبل أن يسلمه الرسالة قال للحجاج ما هو مكتوب فيها من شتائم وتحقير وتعير بأصله وتهديد ووعيد مما جعل الحجاج ينتفض واقفا خوفا ورعبا وعندما سلمه الرسالة أخذ يقرأها وهو يتصبب من العرق ، ولما فرغ من قرأتها ذهب من فوره مسرعا إلى أنس بن مالك لكي يسترضيه ويستسمحه بكل تذلل
حيث جاء برسالة عبد الملك بن مروان المزورة الى الحجاج
بسم الله الرحمن الرحيم
(من عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين إلى الحجاج بن يوسف أما بعد ، فإنك عبد طمت بك الأمور فسموت فيها ، وعدوت طورك وجاوزت قدرك ، وركبت داهية إدًا ،
145
وأردت أن تبورني ، فإن سوغتها (أي قبلت افعالك واهانتك الى انس بن مالك ولم اعترض عليها مضيت قدمًا أي استمريت في اساءتك له )، وإن لم أسوغها (أي لم اقبلها ورفضتها واعترضت عليها )رجعت القهقرى (أي تراجعت عن هذه الإساءة)
فلعنك الله من عبدًا أخفش العينين منقوص الجاعرتين ، أنسيت مكاسب ابائك بالطائف وحفرهم الآبار ونقلهم الصخور على ظهورهم في المناهل ، يا ابن المستفرية بعجم الزبيب والله لأغمرنك غمر الليث الثعلب والصقر الأرنب ، وثبت على رجل من أصحاب رسول الله صلّ الله عليه وسلم بين أظهرنا ، فلم تقبل له إحسانه ولم تتجاوز له عن اساءته جرأة منك على الرب عز وجل واستخفافًا منك بالعهد
والله لو أن اليهود والنصارى رأت رجلا خدم عزير بن عزرة وعيسى بن مريم لعظمته وشرفته وأكرمته ، فكيف وهذا أنس بن مالك خادم رسول الله صلّ الله عليه وسلم ثماني سنين ، يطلعه على سره ويشاوره في أمره ، ثم هو مع هذا بقيه من بقايا أصحابه ، فإذا قرأت كتابي فكن أطوع له من خفه ونعله وإلا أتاك منى سهم بكل حتف قاض ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون)
146
تعليقنا على هذه الرسائل المتبادلة المزورة وتفنيدها
. فلو تدبرنا كلمات وأسلوب كتابة جميع الرسائل المتبادلة سنجد أن الأسلوب واحد والكلمات واحدة فهي كلمات صادرة عن شخص واحد وكتبت في جلسة واحدة وليس لأنس بن مالك ولا للحجاج ولا لعبد الملك بن مروان علاقة بها
فرسالة عبد الملك الى الحجاج مفعمة بالشتائم والكلمات النابية والبذيئة ومعايرته بأصله وفصله ومهنة ابيه وشتم لوالدته والطعن بها وفيها استهزاء بخلقته وسخرية من خلقته بإسلوب مبالغ فيه لتشويه الحجاج شكلا كما شوه مضمونا على لسان الخليفة عبد الملك بن مروان حتى يعطوا مصداقية لهذا التشويه وما جاء في الرسالة عن اصل الحجاج ومعايرته به يناقض حقيقة اصل الحجاج ومهنته ومهنة ابيه حيث هو و ابيه كانا يمتهنان ارقى واشرف مهنة وهي مهنة تعليم القرأن وتحفيظه وتعليم القراءة والكتابة فهو نشأ في الطائف وتعلم القرأن والحديث والفصاحة والبيان وكان يفقه الناس في الدين
وهو ليس وضيع النسب فهو ينتسب الى قبيلة عالية وعريقة النسب والشرف وهي قبيلة ثقيف من الطائف هو (أبو محمد الحجاج كليب بن يوسف بن الحكم بن ابي عقيل بن مسعود بن عامر بن متعب بن مالك بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف بن منبه بن بكر بن هوزان بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الثقفي ووالدته هي الفارعة بنت الصحابي الشهيد همام بن عروة بن مسعود الثقفي)
147
فالذي كتب الرسالة أراد متعمدا أن يجعل اليهود والنصارى افضل من الحجاج واراد أن يضع من قيمة الحجاج فطلب عبد الملك بالرسالة المزورة من الحجاج ان يكون كالحذاء في رجل انس بن مالك وهو تحقير له وهذا يتنافى مع مكانة ومقام واخلاق عبد الملك بن مروان ومكانة الحجاج عند عبد الملك فلا يمكن ان يكتب هذه الرسالة الا من كان حاقدا على الحجاج وعلى عبد الملك بن مروان وعلى بني امية وفيها انكار لكل ما قام به الحجاج من اعمال أوكلت له من قبل عبد الملك على اكمل وجه والتي أعادت للدولة امنها ووحدتها واستقرارها وهيبتها ولا يمكن للحجاج ان يقبل هذه الإهانة وكيف للحجاج ان ينتفض واقفا وهو يتعرق من الخوف عندما جاءه رسول عبد الملك برسالة عبد الملك اليه وهو الذي تحسب له الرجال الف حساب
وكيف لرسول عبد الملك بن مروان أن يطلع على ما جاء في الرسالة وأن يخبر الحجاج بما في الرسالة قبل أن يسلمها له ويقرأها بنفسه فهذا يعتبر خيانة للأمانة وهذا ليس من طبع رسل الخلفاء فما دام هو رسول ومعه رسالة من عبد الملك فدوره هو تسليم الرسالة للحجاج فقط وما فائدة الرسالة المكتوبة اذا اخبره بما فيها قبل ان يسلمها فكان ممكن ان يرسل له رسالة شفوية مع الرسول وكفى فهل طلب منه عبد الملك بن مروان أن يطلع على الرسالة ويبلغه شفويا ما جاء فيها قبل تسليمها للحجاج
وكيف لعبد الملك ان يقوم بالرد فورا على رسالة انس بن مالك التي شكا بها الحجاج دون ان يستوضح الامر من الحجاج ويحقق في الموضوع ويتأكد من صحة الرسالة وكيف يقوم عبد الملك بالدفاع عن نفسه في الرسالة وكأنه متهم حيث قال فيها ( وما سلطته عليك ولا أمرته بالإساءة اليك فإن عاد لمثلها فاكتب الي بذلك) فالذي كتب الرسالة المزورة أراد ان يوهم القاريء بأن عبد الملك هو الذي أمر الحجاج بالإساءة لأنس بن مالك
148
فالذي اخترع هذه القصة اخترعها عن شيطنة لأنه يعلم منزلة أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المسلمين فأراد تشويه صورة الحجاج عندهم ويجعلهم يحقدون عليه من خلال تأليفه هذه القصة من خياله الشيطاني
ومما يدل على ذلك وبأن هذه القصة لم تحدث ومزيفة وصية عبد الملك بن مروان لأولاده حين حضره الموت ففيها اعتراف بإنجازات الحجاج وفضائله ومنزلته عند عبد الملك بن مروان فأوصى أولاده به خيرا وعدم انكار الفضل بينهم وهي أعظم رد على رسالة عبد الملك المزعومة للحجاج ردا على الشكوى المزعومة لأنس بن مالك على الحجاج والتي فيها تحقير للحجاج وانكار لإنجازاته وتعيرا له في أصله وفصله
وفي ما يلي نص وصية عبد الملك بن مروان لأولده بالحجاج
عندما مرض الخليفة عبد الملك بن مروان مرض الموت جمع أبناءه وأوصاهم بالحجاج خيرا اعترافا له بالفضل والجميل ومن باب قول الله تعالى (ولا تنسوا الفضل بينكم )ومن باب منزلة الحجاج عند عبد الملك وشعوره بأنه صمام الأمان من بعده وحتى لا يتخلى عنه ولده وخليفته الوليد فقال مخاطبا أولاده ((أكرموا الحجاج فانه الذي وطأ لكم المنابر ودوخ البلاد وذل الاعداء))
وأوصى عبد الملك ابنه الوليد المستخلف من بعده قائلا له كلاما فيه تذكير له بما قام به الحجاج وفيه تذكير ونصيحة بأن لا يستمع لأحد يريد أن يوقع بينه وبين الحجاج لأنه يعرف أن ما قام به الحجاج اوغر صدور وشحن بالبغضاء كثيرا من النفوس التي كانت تتربص بدولة بني امية الدوائر وتعمل على اسقاطها فقال له
149
((انظر الحجاج فأكرمه فإنه هو الذي وطأ لكم المنابر وهو سيفك يا وليد ويدك على من ناوأك فلا تسمعن فيه قول أحد وأنت إليه أحوج منه إليك))
وهذه الوصية تعبر عن منزلة الحجاج عند عبد الملك بن مروان وتنقض ما جاء في الرسالة المفتراة والمزورة التي ادعى الشيعة المجوس بأنه أرسلها الى الحجاج ردا على الشكوى التي ادعوا بأن انس بن مالك أرسلها الى عبد الملك يشكوا فيها إساءة الحجاج له وتطاوله عليه والتي فندناها انفا واثبتنا زيفها وقد روي عن الوليد قوله((كان عبد الملك يقول الحجاج جلدة ما بين عيني وأنفي وأنا أقول إنه جلدة وجهي كله)).
وقد كانت هذه الوصية ذات أثر بالغ في نفس الوليد وكانت أيضاً شهادة حق في رجل كان رمز الولاء والطاعة في زمن شاع فيه النفاق والانقلاب على الخلافة وبث بذور الفتن والصراعات
وفي عام86 هجري توفي العالم والخليفة والفقيه المجتهد عبد الملك بن مروان الذي سخر الله له الحجاج ليكون سيفه البتار والجندي المخلص له ,فعمد به الى صلاح الأمة ورأب الصدع ولم الشمل والقضاء على الفتن وزاد من اتساع رقعة العالم الاسلامي ونشر الإسلام في الأرض وبذل جهداً عظيما لتوحيد الكلمة ,وقد ثابر في ذلك طوال عشرين عاماً واستطاع ان يُحقق أمله وأن يصل الى غايته وترك لابنه الوليد مُلكاً مستقراً هادئاً متحداً وبجانبه وُلاة مخلصين وأيدي أمينة وكان اولهم هو الحجاج