عقيدة
الإمام محمد بن عبد الوهاب
أشهد الله ربي ومن حضرني من الملائكة ، وأشهدكم أني أعتقد بما اعتقدته الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة :
من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت ، والإيمان بالقدر خيره وشره .
ومن الإيمان بالله : الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، من غير تحريف ولا تعطيل ، بل اعتقد أن الله سبحانه وتعالى { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } ، فلا أنفي عنه ما وصف به تفسه ، ولا أحرف الكلم عن مواضعه ، ولا ألحد في أسمائه واياته ، ولا أكيف ، ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خلقه ، لأنه تعالى لا سمي له ولا كفؤ له ولا ند له ، ولا يقاس بخلقه ، فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره ، وأصدق قيلا ، وأحسن حديثا ، فنزه نفسه عما وصفه به الخالقون من أهل التكييف والتمثثيل وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل ، فقال : { سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين } .
والفرقة الناجية وسط في باب أفعاله تعالى بين القدرية والجبرية .
وهم في باب وعيد الله بين المرجئة والجهمية .
وهم وسط في باب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروافض والخوارج .
وأعتقد أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود ، وأنه تكلم به حقيقة ، وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه وسفيره بيه وبين عباده نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
وأومن بأن الله فعال لما يريد ، ولا يكون شيء إلا بإرادته ، ولا يخرج شيء عن مشيئته ، وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره ولا يصدر إلا عن تدبيره ، ولا محيد لأحد عن القدر المحدود ، ولا يتجاوز ما حط له في الوح المسطور .
وأعتقد الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت ، فأومن بفتنة القبر ونعيمه ، وبإعادة الأرواح إلى الأجساد ، يقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا ، تدنوا منهم الشمس ، وتنصب الموازيبن وتوزن بها أعمال العباد { فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون } ، وتنشر الدواوين فأحذ كتابه بيينه وأخذ كتابه بشماله ، وأومن بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرصة القيامة ماؤه أشد بياضا من البن وأحلى من العسل آنيته عدد نجوم السماء من شرب شربة لم يظمأ بعدها أبدا ، وأومن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم يمر بها الناس على قدر أعمالهم .
وأومن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه أول شافع وأول مشفع ، ولا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع والضلال ، ولكنها لا تكون إلا من بعد الإذن والرضى ، كما قال تعالى : { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } ، وقال تعالى : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } ، وقال تعالى : { وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى } ، وهو لايرضى إلا التوحيد ولا يأذن إلا لأهله ، وأما المشركون فليس لهم من الشفاعة نصيب ، كما قال تعالى : { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } .
وأومن بأن الجنة النار مخلوقان ، وأنهما اليوم موجدتان ، وأنهما لا يفنيان .
وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر لا يضارون في رؤيته .
وأومن بأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين ، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته .
وأن أفضل أمته أبو بكر الصديق ، ثم عمر الفاروق ، ثم عثمان ذو النورين ، ثم علي المرتضي ، ثم بقية العشرة ، ثم أهل بدر ، ثم أهل الشجرة – أهل بيعة الرضوان – ، ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم ، وأتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأذكر محاسنهم ، وأترضي عنهم ، وأستغفر لهم ، وأكف عن مساويهم ، وأسكت عما شجر بينهم ، وأعتقد فضلهم ، عملا بقوله تعالى : { والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم } ، وأترضى عن أمهات المومنين المطهرات من كل سوء .
وأقر بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات ، إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئا ، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله .
ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار ، إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكني أرجوا للمحسن وأخاف على المسيء .
ولا أكفر أحدا من المسلمين بذنب ولا أخرجه من دائرة الإسلام .
وأرى الجهاد ماضيا مع كل إمام برا كان أو فاجرا ، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة ، والجهاد ماض منذ بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل .
وأرى وجوب السمع ولاطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ، مالم يأمروا بمعصية الله ، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته وحرم الخروج عليه .