الحركات الإسلامية والتحالفات المعاصرة
أبو قتادة الفلسطيني
إن من أخطر ما وقعت به الحركات الإسلامية المعاصرة على اختلاف توجهاتها ورؤاها هو الدخول في التحالفات مع قوى الجاهلية المعاصرة .وقد بدأت المصيبة منذ أن دخل الفكر القومي إلى مجتمعاتنا متوافقاً مع الهجمة الصليبية الإستعمارية الأخيرة والتي التقت في زمانها مع سقوط دولة الخلافة ، وكانت بداية الانحراف على اتجاهين :الأول :دخول جماعات من المشايخ والعلماء في تأييدهم للخط القومي – مع مسوح إسلامية ساذجة – الخارج على دولة الخلافة ، ونقصد بالخط القومي ما يقال له اليوم ” الثورة العربية الكبرى” والتي أطلقها منتسب لآل البيت – وهو حاكم مكة المعين من قبل الخليفة العثماني في استانبول الحسين بن علي – ، وهي حركة قادتها لهم التوجه القومي ، كالأمير فيصل الثاني والذي سمي بعد ذلك ملكاً على العراق وسوريا مع الدفع الغربي الإستعماري والذي كانت تقوده بريطانيا في تلك الفترة ، حينها خرج جماعة من المشايخ لتأييد هذه الثورة ضد آل عثمان ومن هؤلاء الشيخ ” محمد رشيد رضا” و ” محب الدين الخطيب” وغيرهم ، حيث رأوا في هذه الحركة إعادة للخلافة الإسلامية إلى أهلها العرب ، وبسبب ظروف سيطرة جماعات التتريك التي بدأت تسيطر على الخلافة العثمانية وعلى ولاتها في المناطق التي تخضع لها ، هذه وغيرها من الأسباب جعلت هذه الجماعات من المشايخ والعلماء يقفون مع هذه الثورة القومية الاستعمارية ضد الدولة العثمانية .فهذا هو بداية الاستغلال القومي للعاطفة الإسلامية ، والذي ستعقبه سلسلة طويلة من هذا الاستغلال وإلى يومنا هذا.الثاني :حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب حركة إسلامية أصيلة، لم تخرج أبداً عن دولة بني عثمان ، بل أرسل القادة الأوائل رسائل إلى شريف مكة المعين من قبل الخليفة في ” استانبول” يبينون فيها عدم خروجهم عن السلطة العثمانية ، وهناك وثيقة معروفة تثبت هذا ، ولما رأى محمد على الألباني حاكم مصر ذات التوجه الانجليزي أن في هذه الحركة تهديداً لمصالحه ومصالح الإنجليز ، وذلك بعد التحالف الوثيق بين دولة التوحيد التي أقامها محمد بن عبد الوهاب مع حلفائه من آل سعود في زمن عبد العزيز بن محمد بن سعود – تلميذ الشيخ محمد – مع القواسم على شاطىء الخليج الفارسي في تكوين أسطول صغير لقطع الطريق على السفن الإنجليزية المحملة بالبضائع والغنائم من الهند ، حينها توجه محمد علي للقضاء على هذه الدولة الفتية بحجة خروج هذه الدولة على نظام الخلافة .وما زال الناس للأسف حتى بعض الحركات الإسلامية يرون رؤية محمد علي في هذه الدولة وهو ظلم وخطأ شنيع، وبعد القضاء عليها وقتل علمائها الأخيار وسوق أهلها إلى مصر – راجع أخبار وصولهم إلى مصر في تاريخ الجبرتي – ثم عودتهم مرة أخرى بعد موت محمد علي ومحاولتهم إقامة الدولة مرة ثانية إلا أنه قضي عليها في تلك الفترة على يد أبنائها المتنافسين على الملك – اقرأ هذا التنافس في كتاب جامع المسائل والرسائل النجدية وبعضها في فتاوى أهل العلم في الأجزاء الأخيرة في الدرر السنية – .ثم جاء بعد ذلك الخبيث عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود وأقام هذه الدولة المعاصرة ، ورفع شعار الدين والتوحيد في استغلال طوائف السنة وبقايا اثر العلماء الأوائل ، ومنذ ذلك الوقت استندت هذه الدولة في وجودها على إحدى ألوان الطيف في داخل الحركات الإسلامية ، وهو المسمى بالخط السلفي، ووقع في حبائل هذه الدولة الكثير من المشايخ والعلماء تحت هذه الدعوى ، فكانت هذه الدولة في صورتها كخط يميني موالٍ للغرب دون عداءٍ لإسلام معدل بداية الاستغلال للعلماء والمشايخ والحركات الإسلامية.وهكذا كانت جريمة التحالفات بخطيها القومي والإسلامي المنحرف – اليمين الغربي –وإذا أردنا ذكر تاريخ هذه التحالفات وأفرادها وما وقع إلى يومنا هذا فإنه يطول على هذا المقام ، ويحتاج إلى مؤلف مستقل.وفي كل يوم يخرج إلينا أزلام هذه التحالفات بقاسم مشترك مزعوم بين الإسلام وبين هذين الخطين ، فمرة تحت دعوى التحرر والاستقلال، ومرة تحت دعوى المصلحة الوطنية ، ومرة تحت دعوى الوقوف أمام الإلحاد والشيوعية ، ومرة تحت دعوى الإتحاد أو تحرير فلسطين ، وأخيراً تحت دعوى تحقيق الديمقراطية وترسيخ أجواء الحرية، وفي كل مرة كان الوقود هم شباب الإسلام ، وثمار التحالف تؤول إلى جرين خصوم الإسلام.
|