الرئيسية / روضة الأدب / حكايتى مع نجيب محفوظ.. فى السجن تعرفت عليه-بقلم / سمير العركى

حكايتى مع نجيب محفوظ.. فى السجن تعرفت عليه-بقلم / سمير العركى

هي حكاية قديمة.. قد لا تهم كثيرين ولا تشغل بال آخرين.. ولكنى أردت بها أن أستريح قليلاً من عناء الاشتباك مع الشأن العام بهمومه وقضاياه فتذكرت حكايتي مع نجيب محفوظ !!!
فلقد بدأت علاقتي بنجيب محفوظ وأنا في سن مبكرة.. حيث كانت سنوات عمري تعد على أصابع اليدين.. ولكن من خلال ما يعرض له من أفلام أخذت من رواياته.. وكان فيلم ” الكرنك ” أول ما بدأت به مشواري مع نجيب محفوظ.. وما زالت ذكرياته تمر على ذهني كطيف.
إذ أنه أثار ذهني بالعديد من الأسئلة عقب مشاهدتي له .. أسئلة قد تبدو ساذجة ولكنها تناسب طفلاً صغيراً .
إذ خرجت بعده أسائل نفسي ..
لماذا قبضوا على هؤلاء الشباب وهم يؤيدون الثورة ؟
ولماذا عذبوهم بهذه الوحشية ؟
وهل كان جمال عبد الناصر يعلم بهذا التعذيب ؟
وعند السؤال الأخير توقفت طويلاً مع نفسي .. وخرجت من حواري الداخلي كطفل صغير بنتيجة جازمة أن الرئيس عبد الناصر لم يكن يعلم شيئاً عن ذلك التعذيب .
نعم.. لم يكن يعلم شيئاً.
هكذا كررتها في داخلي حتى يطمئن قلبي.. بل وأردفت إن مراكز القوى هي المسئولة وهى التي جاء الرئيس السادات ليخلصنا منها فيما عرف بثورة التصحيح .. والتي لم أعرفها إلا من خلال الأجازة الرسمية للمدرسة في 15 مايو من كل عام .
وهكذا سارت علاقتي بمحفوظ عبر ما أراه له على الشاشة بين الحين والآخر.. ولم أتعداه إلى ما هو أبعد من ذلك .
وفى شرخ الصبا ابتعدت عن محفوظ لأيمم وجهي شطر ” شكسبير ” ومسرحياته والتي حرصت على قراءتها بنهم شديد.. وبدأت مشواري معه بـ ” يوليوس قيصر “.. إلى أن وصلت إلى رائعته ” هاملت ” والتي اندمجت فيها اندماجاً عجيباً وصل إلى حد البكاء من بعض فصولها .
ثم سارت بى الحياة مسيرتها وشغلتني الحياة بشواغلها وابتعدت عن محفوظ وشكسبير وغيرهما.. واكتفيت بنقد محفوظ مع من نقد عقب فوزه بجائزة ” نوبل” دون أن أكلف نفسي عناء قراءة ما كتب محفوظ .. وتلك غلطة أدركتها فيما بعد.. وتعلمت منها الكثير فيما سأوضح لاحقاً .
وفى محنتي الأخيرة والتي بدأت عام 1994م.. بدأت الحياة تدب من جديد في علاقتي بمحفوظ .
فقد حرصت على قراءة الدراسات النقدية التي كتبت حوله على اختلاف توجهات كاتبيها الفكرية.
ولكن الدراسة التي استوقفتني طويلاً وأفادتني كثيراً.. وأزعم أنها أنارت لي الطريق لقراءة محفوظ من جديد دراسة لم أعد للآسف الشديد أتذكر كاتبها (سوى أنه أستاذ في جامعة الأزهر) وكانت الدراسة كبيرة الحجم تدور حول ثلاث محاور أساسية في أدب محفوظ (الحارة ، والدين ، والجنس ) .
فمحفوظ كاتب مراوغ شديد الدهاء .. استطاع أن يضمن رواياته تقلباته الفكرية الحادة والتي تحتاج إلى مكنة من القارئ حتى يكتشف أفكاره.. خاصة ما يتعلق منها بالدين.
ومن هنا فقد تتعدد مستويات القراءة تبعاً لتعدد مستويات التمكن من أدوات محفوظ وحيله .
لذا فالقارئ لمحفوظ يحتاج إلى القراءة عنه هو شخصياً وأزماته الفكرية وميوله السياسية ومواقفه تجاه التقلبات الحادة التي مرت بها مصر في القرن العشرين.. بدء ً من ثورة 1919م.. مروراً بثورة يوليو حتى يتمكن من التعامل مع محفوظ .
ومرت بى سنوات المحنة الأولى في سجن استقبال طره .. حيث لم تتوفر تحت يدي أى من رواياته أو مجموعاته القصصية.. واستمر هذا الوضع ما يقرب من ثماني سنوات.. وكنت خلالها قد انتقلت إلى سجن الفيوم العمومي ولم تفارقني الرغبة في إشباع نهمي من محفوظ .
وعقب تفعيل مبادرة منع العنف وتحسين أحوال السجون بدأت في التردد على مكتبة السجن والتي كانت تحتوى على معظم روايات محفوظ.. فلم أضع الفرصة وولجت عالمه متسلحاً بأدواتي النقدية القديمة.
فقرأت الثلاثية ( والتى حرصت على قراءتها أكثر من مرة ).. “وبداية ونهاية ، وخان الخليلى ، وزقاق المدق ، والسمان والخريف ، واللص والكلاب ، وثرثرة فوق النيل ، والكرنك ، والطريق ، والسراب ، والمرايا” .. الخ
وكان لابد من العروج على ” أولاد حارتنا ” ولم تكن موجودة آنذاك بحكم منع طبعها في مصر.
وكان على أن أنتظر حوالي سنتين كي أنتقل إلى سجن شديد الحراسة بطره ليعيرني الشيخ / أسامة حافظ نسخة بيروتية قديمة كان يقتنيها منذ زمن.. فقرأت كل حرف فيها بعناية بالغة وأقولها بصدق وبتجرد تام:
فقد فرغت ذهني من كل أفكار كونتها أو قرأتها عن ” أولاد حارتنا ” وعن ” الجبلاوى ” و” عرفه ” .. وهل كان يقصد محفوظ أن يقول : إن العلم الذي يمثله “عرفه ” في أولاد حارتنا استطاع أن يقضى على الإله – تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً – والذي يمثله ” الجبلاوى ” ؟
بحثت لمحفوظ عن مخرج أو تأويل أو تفسير.. فماذا كانت النتيجة ؟
قبل أن ألج في هذه النقطة تحديداً على أن أوضح نقطة غاية في الأهمية .. وهى أن اشتباك محفوظ مع ” الدين ” لم تبدأ في ” أولاد حارتنا ” كما يظن البعض مع الاعتراف بأن الأخيرة مثلت قمة الشطح المحفوظى والجرأة غير المسبوقة .
ولكن هذا الاشتباك حدث منذ البدايات الأولى لمحفوظ .
وأظن أن الأمر قد يحتاج إلى حكاية أخرى .
فهل تتحملني أيها القارئ الكريم ؟!!!
الأحد الموافق
19/4/1431هـ
4/4/2010م

عن المحرر

شاهد أيضاً

الأدب المقارن: المفهوم والتطبيق أ.د. حلمي محمد القاعود

 الأدب المقارن: المفهوم والتطبيق! المؤلف: أ.د. حلمي محمد القاعود الناشر : دار النشر الدولي – …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *