الرئيسية / مقابلات / حوار ناذر مع الأديب الإسلامي د.عدنان النحوي -رحمه الله –

حوار ناذر مع الأديب الإسلامي د.عدنان النحوي -رحمه الله –

الدكتور عدنان النحوي واحد من أكثر الأدباء الإسلاميين إنتاجا في الساحة العربية, وقد ظل وفيا طيلة مسيرته الأدبية لمنهجه الإسلامي وأدواته، رافضا كل ما أتت به وأثمرته الحضارة الحديثة من مذاهب وتيارات أدبية وفكرية, ويعتبرها خطرًا على الهوية والعقيدة الإسلامية.
والأديب النحوي درس وتخصص في الهندسة الكهربائية, وساقته تربيته الدينية والجو العائلي الذي نشأ فيه والمشبع بالحضور الطاغي للأدب الإسلامي الرصين, إلى أن ينحاز لجانب الأدب وخاصة الإسلامي منه, مستلهما تعاليم الدين الحنيف وقيم الشريعة الفاضلة.
ومما يردده النحوي ويفخر به دائما, أنه لم يرجع لمصدر أو مرجع غير القرآن الكريم والسنة النبوية في كل كتبه التي بلغت حتى الآن الـ 30 كتابا, وبذلك تصدر الدكتور النحوي قائمة أدبائنا, إنتاجا عميقا ومؤثرا يتناول مستجدات وتحديات الأمة الإسلامية شعرا وكتابة متخصصة.

هناك محاولات من البعض لحصر الأدب الإسلامي, في أدب المواعظ وعزله عن أدوات العصر الأدبية, فما جهودكم في التصدي لهذا الأمر؟
أعتقد أن محاولات حصر الأدب الإسلامي في أدب المواعظ وعزله عن أدوات العصر الأدبية هي محاولات ضعيفة لم يكن لها أثر حقيقي في الساحة الأدبية. لقد كانت المحاولات الأقوى هي محاولة عزل المواعظ عن الأدب الإسلامي، وقد كتب في ذلك عدد من الأسماء المعروفة, وتبعهم عدد من الأدباء. ويبدو أن السبب في ذلك هو هبوط مستوى المواعظ في مرحلة من مراحل العصر الحديث هبوطا ابتعدت فيه المواعظ عن قضايا الأمة من ناحية, وابتعدت عن الأسلوب الفني للأدب الملتزم بالإسلام وعناصره الأساسية, فهذا الهبوط مع ما كان يحمل من التقليد والتكرار أوجد النفور في عدد كبير من النفوس، ولكن هذا يمثل مرحلة هبطت فيها الأمة كلها في أكثر من ميدان، فلا عجب أن هبط مستوى الأدب أحيانا, وهبطت المواعظ كذلك، إلا أن تاريخنا الإسلامي يحمل أروع النماذج من أدب المواعظ والوصايا, ذخائر غنية قد لا يتوافر مثلها لدى أي أمة أخرى، فهي مواعظ ووصايا تجمع ناحيتين أو مجموعتين من الخصائص في آن واحد, حيث تتفاعل هاتان المجموعتان فيما بينهما لترتفعا بالنص إلى مستوى أدبي رفيع, هاتان المجموعتان من الخصائص هما الخصائص الإيمانية التي تجعل النص إسلاميا والخصائص الفنية التي تجعل النص أدبيا ولا تغني المجموعة الواحدة عن الأخرى في الأدب الملتزم بالإسلام.
وفي هذا التصور لا يعود هنالك مجال لعزل أي ميدان من ميادين الأدب في الإسلام، ولا لحصر الأدب في ميدان واحد فقط أو أكثر، فحيثما توافرت هاتان المجموعتان من الخصائص أصبح النص أدبا إسلاميا أو أدبا ملتزما بالإسلام.

 

ما هى التباسات اتجاهك للأدب الإسلامي, وهل ارتبط ذلك بالصحوة الإسلامية التي تعيشها الأمة الإسلامية حاليا؟
لم يكن هنالك التباسات في اختياري للأدب الإسلامي، ولم يكن هناك تحول أبدا، إنما نشأت في جو غرس في نفسي الإيمان بفضل الله وحب العلم والكتاب والسنة والأدب, فكنت في أول صباي أقرأ لكبار الشعراء المعاصرين والأقدمين، وأقرأ القصص والكتب الأدبية المختلفة وقراءة القصص العالمية باللغة الإنجليزية، ولقد بدأت أنظم الشعر ما بين 1941 – 1942م، والشعر والأدب عامة والفقه والدراسات الإسلامية ظاهرة واضحة في أجدادي، فكلهم قضاة ومفتون ومعظمهم شعراء، وكانت لنا مكتبة غنية بذلك كله, ولكن الناحية الجديدة التي برزت في أول حياتي الدراسية حب الرياضيات والعلوم، ثم نما ذلك حتى اخترت دراسة هندسة الاتصالات الكهربائية في دراستي الجامعية ثم حصلت على الماجستير والدكتوراه في المجال نفسه.
وعندما تركت العمل الرسمي كان الأدب ما يزال ممتدا في حياتي، وكان أول كتاب لي أنشره هو ديوان (الأرض المباركة) لقد تجمعت هذه الاتجاهات حتى أصبح لي رسالة في الحياة أفرغ فيها كل ما وهبني الله من فضله ونعمه للوفاء بهذه الرسالة، وكان الأدب إحدى نعم الله التي لا تحصى أسخره للوفاء بهذه الرسالة أو الأمانة التي خلقنا الله للوفاء بها في الحياة الدنيا، والتي سنحاسب عليها بين يدي الله في الآخرة.

هل ترى أن للأدب الإسلامي مقومات وقيما خاصة به, أم أنه تأثر بغيره من الأشكال الأدبية؟
للأدب الإسلامي أو الأدب الملتزم بالإسلام مقومات خاصة به، وله خصائص يشترك فيها مع الأدب عامة، فالأدب ظاهرة إنسانية بارزة لدى جميع الشعوب في تاريخ طويل، وعندما نقول اليوم : الأدب الإسلامي فقد يكون هنالك تصورات لهذا المصطلح، والمعنى الأول هو ما نحب أن يكون عليه هذا الأدب والمعنى الثاني هو واقع هذا الأدب اليوم.
وباستعراض الساحة الأدبية نجد أن بعض الأدباء المسلمين تأثروا بنسب مختلفة بالنظريات العلمانية الغربية، وبرز التأثر في إنتاجهم وعطائهم، وأوضح مثال على ذلك ما يسمى بالشعر الحر بين النثر والتفعيلة، والذي أسميه الشعر المتفلت، ولقد انتشر هذا الشعر انتشارا واسعا في المجلات الإسلامية ولدى عدد غير قليل من الشعراء المسلمين.
ولقد أصبح واضحا في الساحة الأدبية أني أرفض هذا الشعر المتفلت بجميع أشكاله، وأعتبره خطرا على اللغة العربية وأدبها، ولقد أوضحت رأيي بوضوح تام في معظم كتبي الأدبية وخاصة كتابي (الشعر المتفلت بين النثر والتفعيلة وخطره).
ومن ناحية أخرى فقد تأثر بعض الأدباء المسلمين بالحداثة والبنيوية والأسلوبية وغيرها، وقد يصرح بعضهم بذلك، وقد يتردد آخرون، ولكنني فندت هذه الاتجاهات كلها وما يتبعها من اتجاهات فكرية على أسس علمية وإيمانية دون الهبوط إلى مهاترات، وأساس ذلك كله عندي الكتاب والسنة، المصدر الذي وفر لدي كل الحجج التي أحتاجها في هذه الأبحاث والدراسات وغيرها، وما كنت أنا نفسي سابقا أدر ك حقيقة هذا الكنز العظيم الكنز الرباني، ومع هذه الدراسات أصبح الإدراك إيمانيا عمليا مشاهدا في التطبيق.

هناك ظواهر كثيرة على الساحة الإسلامية, مثل العنف وموقع المرأة في المجتمع والحريات, كما أن هناك قضايا الأقليات الإسلامية في الغرب وقضايا متشعبة أخرى, كيف يمكن لأديب مثلك أن يوظف أدواته الأدبية لمعالجة هذه القضايا حتى لا ينفصل بأدبه عن الأمة؟ وما موقع هذه القضايا في إنتاجك الأدبي؟
لقد منّ الله علي وأعانني، ساهمت في علاج معظم مشكلات الساحة الإسلامية فيما قدمت من دراسات منهجية، فكرية وأدبية وسياسية واجتماعية وغيرها، فبالنسبة للمرأة كمثال: كتاب (المرأة بين نهجين الإسلام أو العلمانية) والملاحم كلها تعالج أهم أحداث العالم الإسلامي نثرا وشعرا، البوسنة والهرسك وفلسطين ، ملحمة الإسلام في الهند ، ملحمة أرض الرسالات ، إلى آخر الملاحم التسع، والدواوين كلها تعالج تلك القضايا والقضايا الفكرية، مثل الشورى والديمقراطية, العلمانية وحقوق الإنسان, الفقه الإسلامي, النهج الإيماني للتفكير في القضايا الأدبية وحاجتنا إليه اليوم.
لقد اجتمعت هذه الدراسات كلها بمختلف موضوعاتها وميادينها لتكون منهجا عاما مترابطا في الفكر والدعوة والتربية والأدب والواقع وأحداثه وسائر ميادينه، يتمثل هذا النهج في (النظرية العامة للدعوة الإسلامية) والدراسات التفصيلية التابعة لكل بند من بنودها, النهج العام المبني عليها, المناهج العملية التطبيقية, ومن خلال ذلك لم أكتف بدراسة المشكلات وإنما وضعت العلاج النابع من المنهاج الرباني.
ومن خلال ذلك طرحت تصورات جديدة في الأدب والفكر والممارسة ومصطلحات خاصة بهذه التصورات أحيانا مثل الملحمة , الفطرة ودورها في نظرية المعرفة, النهج الإيماني للتفكير, النصح الأدبي بدلا من النقد الأدبي وغير ذلك.

هل يمكن القول بوجود جمهور خاص يتذوق الأدب الإسلامي؟
الجمهور الذي يتذوق الأدب الإسلامي إذا قيس بالذين يتذوقون الأدب المتفلت نجده أقل, وذلك بمقارنة مبيعات ديوان شعر إسلامي وديوان شعر متفلت, وألاحظ أن تذوق الشعر ضعيف بين الناشئة الإسلامية، خلافا لما كان عليه الحال عند العرب، عندما بُعث محمد صلى الله عليه وسلم آنذاك كان الشعر ديوان العرب, وتكاد لا تجد أحدا لا يقول الشعر ولو بيتا واحدا أو أبيات قليلة، والمسلمون اليوم ضعف استخدام اللغة العربية بين مثقفيهم, فما بالك بين الناشئة, وغلبت العامية واللغات الأجنبية! فكان الشعر والنثر في المستوى الأدبي الرفيع من أهم أسلحة الإسلام.
يمكن أن يكون هناك جمهور ينمو ويحتاج إلى رعاية وبناء، وهنا لا يتحمل الأدب وحده المسؤولية ولا الأدباء وحدهم، فالتربية والإعلام والواقع كله يؤثر تأثيرا مهمًّا في ذلك, وكذلك مختلف مستويات الأمة، فكل مسلم مسؤول! وأجواء الأدب عامة تؤثر في عملية بناء الجمهور, حين يكون التصور للأدب الإسلامي أخذ مكانه في الواقع عمليا, وحين تكون النفوس كلها التقت على نهج موحد صاف وتلمس بركته في الشرق والغرب, يجمع العزائم كلها ويزيل أسباب تفرقها.
ولا أعتقد أننا نستطيع أن ندرس قضية الأدب الإسلامي معزولة عن سائر ميادين الحياة الإسلامية. فكل الميادين يجب أن تتساند، ويدفع بعضها بعضا، ويثري بعضها بعضا. وهذا يقودنا إلى الواقع الإسلامي كله في واقعنا اليوم، وكيف تناثرت ميادينه، حتى أصبح كل ميدان كأنه يعمل مستقلا، لا يستفيد من الميادين الأخرى كلّ الفائدة المرجوة.

التصور الإسلامي للأدب, كيف يمكن أن نفهمه؟
أساس التصور الإسلامي هو صفاء الإيمان، صفاء النفوس والقلوب، وارتباطها بربها وخالقها ارتباط عبادة وأمانة وخلافة وعمارة، ارتباط اليقين بأن الإنسان خُلق ليؤدي مهمة في الحياة الدنيا! فهل يعرف المسلمون مهمتهم التي خلقوا للوفاء بها، وهل نهضوا لهذه المهمة، وكان الأدب في تصور المسلم عدة وسلاحا ليعين في الوفاء بهذه المهمة والأمانة.

ما الدور الذي يمكن أن يقوم به الأديب المسلم في تنقية الأدب العربي مما علق به من شوائب التغريب والإلحاد؟
دور الأديب المسلم دور مهم وعظيم، ويمكن أن يؤتي أطيب الثمار كلما صفا الإيمان والتوحيد، وصدق العلم بمناهج الله، وصدق وعي الواقع من خلال منهاج الله، وكلما صدقت الموهبة الغنية بما تحمل من زاد إيماني صادق.
مهمة الأديب المسلم أن يثبت للعالم أنه حامل رسالة حق لا باطل فيها، وأن الأرض كلها بحاجة إلى رسالته هذه حاجة ماسة، ومهمته كذلك أن ينقي أدبه من العصبيات الجاهلية التي حرمها الإسلام، ومن الهبوط إلى طلب الدنيا وتنافسها تحت شعارات وزخارف متعددة , وأن يبني نفسه أولا، وأن يحاسبها ويجاهدها حتى تستقيم على أمر الله.
الأديب المسلم الذي يريد أن يقوم بدور التنقية عليه هو أن يصفو إيمانه، ويصدق عمله بمناهج الله في صحبة منهجية، صحبة عمر وحياة، وأن يرد قضاياه كلها إلى منهاج الله كما أمره الله، وأن يفهم الواقع من خلال منهاج الله.

في واقع المسلمين اليوم قضايا كثيرة تمس الأدب والأدباء، فمن الذي يتصدى لهذه القضايا؟
مهمة الأديب المسلم قبل أن ينقي الأدب العربي وغيره، أن يكون مسلما كما يأمره الله، فالتكاليف الربانية التي فرضها الله عليه وعلى كل مسلم، تكون على قدر وسعه الصادق الذي سيحاسب عليه بين يدي الله، ثم أن يكون أديبا حقا غني الزاد والموهبة، يضع ذلك كله في طاعة الله.

يقول الأدباء الإسلاميون : إن المدرسة الكلاسيكية قائمة على الوثنية الإغريقية, والرومانسية قائمة على المسيحية, فيمتنعون تبعا لذلك عن التعاطي مع هذه المدارس, فما البديل الذي قدمه الأدب الإسلامي للساحة الأدبية؟
هذه الحقيقة، يقولها مفكرو أوربا وأدباؤهم , إن أوربا تنظر إلى فلاسفة الإغريق ومن تلاهم وتبعهم من الرومان وإلى أدبائهم نظرة تقديس، واعتبروا هؤلاء الفلاسفة والأدباء المثل الأعلى في الحياة البشرية، حتى إن الحداثة التي تحارب القديم كله وتهجره، تظل متمسكة بالأساطير اليونانية كنموذج يتبع، ولكن لا ينظرون إلى رسالة الأنبياء ولا إلى الأنبياء أنفسهم النموذج الأعلى للبشرية.
إن هذا الاتجاه كان نتيجة لفشل النصرانية في أوربا فشلا دفعها إلى أن تتأثر هي نفسها بالوثنية اليونانية والرومانية، ونتيجة لتوقف المد الإسلامي.
اعتبر أرسطو في كتابه (فن الشعر) أن الفن هو فقط تقليد الطبيعة، واعتبر الكلاسيكيون أن الفن هو تقليد القدماء من اليونان والرومان، لأنهم قلدوا الطبيعة فاختاروا ورتبوا وركبوا، فاعتبروا تقليدهم هو تقليدًا للطبيعة.
إذن المذهب الكلاسيكي لم يتهمه الأدباء المسلمون بأنه تقليد للوثنية اليونانية، وإنما أدباء أوربا هم الذين قالوا ذلك واتبعوه.
لقد انطلق المذهب الكلاسيكي أولا من فرنسا في أواخر القرن السادس عشر على يدي الناقد الفرنسي (نقولا بوالو) في كتابه فن الشعر سنة 1674م، ثم امتد هذا المذهب وانتشر مع القرن الثامن عشر إلى أن حل محله المذهب الرومانسي الذي يضل ضلالة أخرى, وتوالت المذاهب كل مذهب يزيح المذهب السابق ليحل محله، في سلسلة متتالية حتى برزت الحداثة ومذاهبها لتمثل ذروة الانحراف في الفكر والأدب, أما الأدب الإسلامي الأدب الملتزم بالإسلام، فمهمته عظيمة ومسؤولياته كبيرة. فعليه أن يقدم الصورة الجديدة للأدب الإنساني الذي ينبع من حقيقة الإيمان والتوحيد، من الحقيقة الكبرى في الكون والحياة، من القضية الأخطر في حياة ك

عن المحرر

شاهد أيضاً

من مذكرات الدعوة والهجرة (1)فضيلة الشيخ عبد الكريم مطيع مؤسس الحركة الاسلامية في المغرب

من مذكرات الدعوة والهجرة (1) فضيلة الشيخ عبد الكريم مطيع مؤسس الحركة الاسلامية في المغرب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *