الرئيسية / ركن الأخوات / اختاه هل ثم خيار -الحلقة الثانية-الشيخ ابو طلال القاسمي

اختاه هل ثم خيار -الحلقة الثانية-الشيخ ابو طلال القاسمي

حقوق الزوج

*قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الآخر)

رواه الحاكم وصححه

 

*قال بعضهم :

من خير ما يتخذ الإنسان في

                                  دنياه كيم يستقيم دينه

قلب شكور ولسان ذاكر

                                  وزوجة صالحة تعينه

 

 

1ـ وجوب طاعة المرأة زوجها في المعروف:

على المرأة خاصة أن تطيع زوجها فيما يأمرها به في حدود استطاعتها ، فإن هذا مما فضل الله به الرجال على النساء ، كما في قوله تعالى: ( الرجال قوَّامون على النساء) . وقوله سبحانه : ( وللرجال عليهن درجة )

وقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة مؤكدة لهذا المعنى، ومبينة بوضوح ما للمرأة وما عليها إذا هي أطاعت زوجها أو عصته .. نذكر بحول الله تعالى طرفاً منها، ثم نتبعه بقبس من أقوال العلماء.

فمن الأحاديث : ما رواه حصين بن محصن قال : ( حدثتني عمتي قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( أي هذه ؛ أذات بعل؟ ) قلت : (نعم ) قال: ( كيف أنت له؟ ) قالت :ما ألوه ـ أي لا أقصر في طاعته و خدمته ــ إلا ما عجزت عنه) . قال : ( فانظري أين أنت منه ، فإنما هو جنتك و نارك).

ومنها : عن ابن عباس مرفوعاً : ( ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة ؟ النبي في الجنة ، والصديق في الجنة والشهداء في الجنة ، والمولود في الجنة ، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر ، لا يزوره إلا لله عز وجل ، ونساؤكم من أهل الجنة الودود العؤود على زوجها، التي إذا غضبت جاءت حتى تضم يدها في يد زوجها و تقول لا أذوق غمضاً حتى ترضى).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً من حوائط الأنصار ، فإذا فيه جملان يضربان ويرعدان ، فاقترب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما فوضعا جرناهما بالأرض ، فقال من معه : نسجد لك ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما ينبغي لأحد أن يسجد لأحد ، ولو كان أحد ينبغي له أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، لما عظم الله عليها من حقه) .

وعن عبد الله بن أوفى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة  أن تسجد لزوجها ، والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها كله، حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه ) .

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، ولو أن رجلاً أمر امرأته أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود ، ومن جبل أسود إلى جبل أحمر لكان نولها ــ أي حقها ـ أن تفعل ) .

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أتى رجل بابنته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( إن ابنتي هذه أبت أن تتزوج ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أطيعي أباك ) فقالت : ( والذي بعثك بالحق ، لا أتزوج حتى تخبرني ما حق الزوج على زوجته؟) قال: ( حق الزوج على زوجته أن لو كانت به قرحة فلحستها ، أو انتثر منخراه صديداً أو دما ثم ابتلعته ، ما أدت حقه ) . قالت 🙁 والذي بعثك بالحق لا أتزوج أبداً) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تنكحوهن إلا بإذنهن ) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( أتت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إني فتاة أخطب ، فأكره التزويج ، فما حق الزوج على المرأة ؟ ) قال : ( لو كان من فرقة إلى قدمه صديداً فلحسته ما أدت شكره ).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً . ( اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما: عبد أبق من مواليه حتى يرجع إليهم ، وامرأة عصت زوجها حتى ترجع ).

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه مرفوعاً : لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين : لا تؤذيه قاتلك الله ، فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا ).

ولعظم حق الزوج أضاف صلى الله عليه وسلم طاعة الزوج إلى مباني الإسلام كما في الحديث التالي:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا صلت المرأة خمسها ، وصامت شهرها ، وحصنت فرجها ، وأطاعت زوجها ، قيل لها : ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت ).

وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت ، قال صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض ، دخلت الجنة ).

2ــ حق الزوج على المرأة أعظم من حق والديها :

عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أي الناس أعظم حقاً على المرأة ؟  قال : ( زوجها) . قلت : ( فأي الناس أعظم حقاً على الرجل ؟ ) قال : ( أمه) .

ومن أقوال العلماء:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( قوله تعالى : ( فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ) يقتضي وجوب طاعتها لزوجها مطلقاً : من خدمة وسفر معه وتمكين له وغير ذلك كما دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ( الجبل الأحمر ) وفي (السجود) وغير ذلك ، كما تجب طاعة الأبوين : فإن كل طاعة كانت للوالدين انتقلت إلى الزوج ، ولم يبق للأبوين عليها طاعة : تلك وجبت بالأرحام وهذه وجبت بالعهود ) .

وقال رحمه الله في موضع آخر : ( .. فالمرأة عند زوجها تشبه الرقيق والأسير ، فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه ، سواء أمرها أبوها أو أمها أو غير أبويها باتفاق الأئمة . وإذا أراد الرجل أن ينتقل بها إلى مكان آخر مع قيامه بما يجب عليه وحفظ حدود الله فيها ، ونهاها أبوها عن طاعته في ذلك ، فعليها أن تطيع زوجها دون أبويها ؛ فإن الأبوين لها ظالمان ؛ ليس لهما أن ينهاياها عن طاعة مثل هذا الزوج ، وليس لها أن تطيع أمها فيما تأمرها به من الاختلاع منه أو مضاجرته حتى يطلقها ، مثل أن تطالبه من النفقة والكسوة والصداق بما لا يطيق ليطلقها ، فلا يحل لها أن تطيع واحداً من أبويها في طلاقه إذا كان متقياً لله فيها ، ففي السنن الأربعة ، وصحيح أبي حاتم عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة ) .

وفي حديث آخر : ( المختلعات والمنتزعات هن المنافقات ).

وأما إذا أمرها أبوها أو أحدهما بما فيه طاعة الله : مثل المحافظة على الصلوات ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، ونهوها عن تبذير مالها وإضاعته ، ونحو ذلك مما أمر الله ورسوله أو نهاها الله ورسوله عنه : فعليها أن تطيعهما في ذلك ، ولو كان الأمر من غير أبويها ، فكيف إذا كان من أبويها؟!.

وإذا نهاها الزوج عما أمر الله ، أو أمرها بما نهى الله عنه : لم يكن لها أن تطيعه في ذلك ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) .بل المالك لو أمر مملوكه بما فيه معصية الله لم يجز له أن يطيعه في معصيته ، فكيف يجوز أن تطيع المرأة زوجها أو أحد أبويها في معصية ؟! فإن الخير كله في طاعة الله ورسوله ، والشر كله في معصية الله ورسوله).

3ــ ومن حقه عليها المتابعة في السكن :

وكما فرض الله سبحانه وتعالى على الزوج سكنى الزوجة . أوجب عليها بالمقابل ( متابعة زوجها في السكن ) أي في الإقامة معه في المنزل الذي يسكنه ، ويعده من أجلها وألا تخالف في ذلك إلى غير مسكن الزوج ، وفي هذا يقول تعالى : ( أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ) (الطلاق) ، وهذا الواجب على الزوج بالإنفاق على الأسرة ، فالزواج يقوم على ركن السكينة النفسية بين كل زوج وزوجته.

4ــ ومن حقه عليها أن لا تصوم نفلاً بدون إذنه :

إذا كان الزوج مقيماً في البلد غير مسافر ، فقد يعرض له فيها ما يتعارض مع صيامها من خدمة وعمل وإعداد طعام لضيوف أو حاجة تتنافى مع الصيام . قال النووي رحمه الله : ( وسبب هذا التحريم أن للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت ، وحقه واےب على الفور فلا يفوته بالتطوع ، ولا بواجب على التراخي ، ولذا لم يجز لها الصوم بغير إذنه ، وإذا أراد الاستمتاع بها جاز ويفسد صومها ، لأن العادة أن المسلم يأبى انتهاك الصوم بالإفساد ، ولا شك أن الأولى له خلاف ذلك إن لم يثبت دليل كراهة . نعم  لو كان مسافراً فمفهوم الحديث في تقييده بالشاهد يقتضي جواز التطوع بها إذا كان زوجها مسافراً ، فلو صامت وقدم في أثناء الصيام فله إفساد صومها من غير كراهة وفي معنى الغيبة أن يكون مريضاً بحيث لا يستطيع الجماع ) أ . هـ  نقله عن الحافظ في الفتح .

وقال القاري في المرقاة : ( وإنما يلحق بالصوم في ذلك صلاة التطوع لقصر زمنها ، وفي معنى الصوم الاعتكاف لا سيما على القول بأن الاعتكاف لا يصح بدون الصوم ) . أ . هـ

وقال صلى الله عليه وسلم:( لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تصوم المرأة يوماً تطوعاً في غير رمضان ، وزوجها شاهد إلا بإذنه ).

5 ـ أن لا تأذن لأحد في بيته إلا بإذنه :

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه).

قال القاري رحمه الله:( “ولا تأذن “بالنصب في النسخ المصححة عطفاً على ” تصوم ” ، أي : ولا يحل لها أن تأذن لأحد من الأجانب أو الأقارب حتى النساء ، و”لا” مزيدة للتأكيد ، وقال ابن حجر : ” يصح رفعه خبراً يراد به النهي، وجزمه على النهي .” في بيته ” أي في دخول بيته ” إلا بإذنه ” وفي معناه العلم برضاه ) أ .هـ

وقال الحافظ في ” الفتح” : ( قوله : ” باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه ” المراد ببيت زوجها : سكنه سواء كان ملكه أو لا ) وقال أيضاً : ( قوله ” ولا تأذن في بيته ” زاد مسلم من طريق همام عن أبي هريرة رضي الله عنه : ” وهو شاهد إلا بإذنه ” وهذا القيد لا مفهوم له ، بل خرج من مخرج الغالب ، وإلا فغيبة الزوج لا تقتضي الإباحة للمرأة أن تأذن لمن يدخل بيته ، بل يتأكد حينئذ عليها المنع لثبوت الأحاديث الواردة في النهي عن الدخول على المغيبات ، أي من غاب عنها زوجها ، ويحتمل أن يكون له مفهوم وذلك أنه إذا حضر تيسر استئذانه ، وإذا غاب تعذر ، فلو دعت الضرورة إلى الدخول عليها لم تفتقر إلى استئذانه لتعذره ثم هذا كله فيما يتعلق بالدخول عليها ، أما مطلق دخول البيت بأن تأذن لشخص في دخول موضع من حق الدار التي هي فيها ، أو إلى دار منفردة عن سكنها ، فالذي يظهر أنه ملتحق بالأول ، وقال النووي : ( ” في هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يفتأت على الزوج بالإذن في بيته إلا بإذنه ، وهو محمول على ما لا تعلم رضا الزوج به ، أما لو علمت رضا الزوج بذلك فلا حرج عليها ، كمن جرت عادته بإدخال الضيفان موضعاً معداً لهم سواء كان حاضراً أم غائباً ، فلا يفتقر إدخالهم إلى إذن خاص لذلك ، وحاصله أنه لابد من اعتبار إذنه تفصيلاً أو إجمالاً ، قوله : ” إلا بإذنه ” أي الصريح ، وهل يقوم ما يقترن به علامة رضاه مقام التصريح ؟ فيه نظر) .

وعن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع : ( .. ألا وإن لكم على نسائكم حقاً ، ولنسائكم عليكم حقاً ، فحقكم عليهن : أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون ، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ) .

قال المباركافوري رحمه الله : ( ” فرشكم ” بالنصب مفعول أول ” من تكرهون ” مفعول ثان ، أي : من تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم ، سواء كان المأذون له رجلاً أو امرأة ، أو أحداً من محارم الزوجة ، فالنهي يتناول جميع ذلك ، ” ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون” هذا كالتفسير لما قبله ، وهو عام ).

وقال السندي في حاشيته على ابن ماجه : ( .. وقال الخطابي : ” معناه أن لا يؤذن لأحد من الرجال يدخل فيتحدث إليهن ، وكان الحديث من الرجال إلى النساء من عادات العرب ، لا يرون ذلك عيباً ولا يعدونه ريبة ، فلما نزلت آية الحجاب ، وصارت النساء مقصورات نهي عن محادثتهن والقعود إليهن ) وقوله : ” من تكرهون” أي تكرهون دخوله سواء كرهتموه في نفسه أم لا ، قيل : المختار منعهن عن إذن أحد في الدخول والجلوس في المنازل سواء كان محرماً أو امرأة إلا برضاه ، والله أعلم ). أ.هـ

6ــ ألا تخرج من بيته بغير إذنه :

قال ابن قدامة رحمه الله : ( وللزوج منعها من الخروج من منزله إلى ما لها منه بد ، سواء أرادت زيارة والديها أو عيادتهما أو حضور جنازة أحدهما ، قال أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة : ( طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها ) وقد روى ابن بطة في (أحكام النساء ) عن أنس أن رجلاً سافر ومنع زوجته من الخروج ، فمرض أبوها ، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيادة أبيها ، فقال لها : رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اتقي الله ولا تخالفي زوجك ) فمات أبوها ، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضور جنازته ، فقال لها : ( اتقي الله ، ولا تخالفي زوجك ) ، فأوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم : ( أني قد غفرت لها بطاعة زوجها ) ولأن طاعة الزوج واجبة ، والعيادة غير واجبة ، فلا يجوز ترك الواجب لما ليس بواجب ، ولا يجوز لها الخروج إلا بإذنه ، ولكن لا ينبغي للزوج منعها من عيادة والديها وزيارتهما لأن في ذلك قطيعة لهما ، وحملاً لزوجته على مخالفته ، وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف ، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف ، وإن كانت زوجته ذمية فله منعها من الخروج إلى الكنيسة لأن ذلك ليس بطاعة ولا نفع ، وإن كانت مسلمة ، فقال القاضي : له منعها من الخروج إلى المساجد ، وهو مذهب الشافعي ، وظاهر الحديث يمنعه من منعها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) وروي أن الزبير تزوج عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ، وكانت تخرج إلى المساجد وكان غيوراً، فيقول لها ( لو صليت في بيتك ؟) فتقول : ( لا أزال أخرج أو تمنعني ) فكره منعها لهذا الخبر..

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها )

وعنه رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنكم ) وفي رواية : ( إذا استأذنوكم ) .

وذكر بعض أهل العلم أن أمر الأزواج بالإذن لهن في الأحاديث الواردة في ذلك ليس للإيجاب ، وإنما هو للندب ،وكذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن منعهن ، قالوا : هو لكراهة التنزيه لا للتحريم ، قال ابن حجر في ( فتح الباري ) : ( وفيه إشارة إلى أن الإذن المذكور لغير الوجوب ، لأنه إذا كان واجباً ، لانتفى معنى الاستئذان ، لأن ذلك إنما يتحقق إذا كان المستأذن مخيراً في الإجابة أو الرد ) .

وقال النووي في ( شرح المهذب ) : ( فإن منعها لم يحرم عليه هذا مذهبنا ، قال البيهقي : وبه قال عامة العلماء، ويجاب عن الزواج في ملازمة المسكن واجب ، فلا تتركه لفضيلة)أ.هـ

وقال الإمام أبو  إسحاق الشيرازي في ( المهذب ) : ( وللزوج منع الزوجة من الخروج إلى المساجد وغيرها ، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( رأيت امرأة أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالت : يا رسول الله ما حق الزوج على زوجته ؟ قال : حقه عليها أن لا تخرج من بيتها إلا بإذنه ، فإن فعلت :لعنها الله وملائكة الرحمة وملائكة الغضب حتى تتوب أو ترجع . قالت يا رسول الله ! وإن كان لها ظالماً ؟ قال : وإن كان لها ظالماً ) ولأن حق الزوج واجب ، فلا يجوز تركه لما ليس بواجب ، ويكره منعها من عيادة أبيها إذا أثقل ، وحضور مواراته إذا مات ، لأن منعها من ذلك يؤدي إلى النفور، ويغريها بالعقوق)أ . هـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( إن المرأة إذا خرجت من داره بغير إذنه فلا نفقة ولا كسوة)، وقال أيضاً رحمه الله (ولا يحل للزوجة أن تخرج من بيتها إلا بإذنه ، ولا يحل لأحد أن يأخذها إليه ويحبسها عن زوجها ، سواء كان ذلك لكونها مرضعاً أو لكونها قابلة أو غير ذلك من الصناعات ، وإذا خرجت من بيت زوجها بغير إذنه كانت ناشزة عاصية لله ورسوله ومستحقة للعقوبة ) . أ . هـــ

8ــ أن تحفظ ماله :

المرأة أمينة على مال زوجها ، وما يودعه في البيت من نقد أو مؤنه أو غير ذلك ، فلا يجوز لها أن تتصرف بغير رضاه وفي الحديث الشريف ( .. والمرأة راعية في بيت زوجها ، ومسؤولة عن رعيتها ).

وقد أشاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمرأة التي تحنو على زوجها وتشفق عليه وترعى ماله ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش: أحناه على ولد في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم 🙁 أي النساء خير؟)قال : ( التي تسره إذا نظر ، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره ) .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لها أن تطعم من بيته إلا بإذنه إلا الرطب من الطعام ) الحديث وفيه : ( ولا تعطي من بيته شيئاً إلا بإذنه ، فإن فعلت ذلك كان له الأجر ، وعليها الوزر ).

وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع : ( ولا تنفق امرأة شيئاً من بيت زوجها ) قيل: ( يا رسول الله ! ولا الطعام ؟ ) قال : ( ذلك أفضل أموالنا ) .

وعن سعد قال : لما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء، قامت امرأة جليلة كأنها من نساء مضر، قالت : ( يا رسول الله إنا كلٌّ على آبائنا وأبنائنا وأزواجنا ، فما يحل لنا من أموالهم ؟ ) قال : ( الرطب تأكلنه وتهدينه).

قال البغوي رحمه الله : ( امرأة جليلة ) قد يريد به الجسم ، وقد يريد به كبر السن ، وخص الطعام الرطب بالأكل لما جرت العادة بين الجيرة  والأقارب أن يتهادوا بالرطب من الفواكه والبقول لسرعه الفساد إليها دون اليابس الذي يبقى على الإدخار) .

قال رحمه الله : ( وفي الجملة ليس لأحدهما أن يتناول من مال الآخر ، ما يقع به الضنة دون إذنه) .

وقال الحافظ ابن حجر : (المراد بالرطب : ما يتسارع إليه الفساد ، فأذن فيه بخلاف غيره ، ولو كان طعاماً ، والله أعلم ) . أ .هـ

وفي “شرح السنة “: ( وقد روي عن عطاء عن أبي هريرة في المرأة تصدق من بيت زوجها إلا من قوتها والأجر بينهما ، ولا يحل لها أن تصدق من مال زوجها إلا بإذنه). والعمل على هذا عند عامة أهل العلم أن المرأة ليس لها أن تتصدق بشيء من مال الزوج دون إذنه ، وكذلك الخادم ، ويأثمان إن فعلا ذلك ) .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة ، كان لها أجرها بما أنفقت ، ولزوجها أجره بما كسب ، وللخازن مثل ذلك ، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئاً).

قال البغوي رحمه الله : ( وحديث عائشة خارج على عادة أهل الحجاز أنهم يطلقون الأمر للأهل والخادم في النفاق والتصدق مما يكون في البيت إذا حضرهم السائل ، أو نزل بهم الضيف، فحضهم على لزوم تلك العادة ، كما قال لأسماء 🙁 لا توعي فيوعى عليك) وعلى هذا يخرج ما روي عن عمير مولى أبي اللحم قال : كنت مملوكاً، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتصدق من مال موالي بشيء؟ قال: نعم والأجر بينكما نصفان ).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فله نصف أجره ) .

وتقييده بقوله ( من غير أمره ) قال النووي رحمه الله : ( عن غير أمره الصريح في ذلك القدر المعين ، ولا ينفي ذلك وجود إذن سابق عام يتناول هذا القدر وغيره ، إما بالصريح وإما بالعرف) ، ثم قال رحمه الله : ( ويتعين هذا التأويل لجعل الأجر بينهما نصفين ، ومعلوم أنها إذا أنفقت من ماله بغير إذنه لا الصريح ولا المأخوذ من العرف ، لا يكون لها أجر ، بل عليها وزر ، فتعين تأويله ) ثم قال رحمه الله : ( واعلم أن هذا كله مفروض في قدر يسير يعلم رضا المالك به عرفاً ، فإن زاد على ذلك لم يجز ، ويؤيده قوله : (” إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة ” فأشار إلى أنه قدر يعلم رضا الزوج به في العادة ) قال رحمه الله : ( ونبه بالطعام أيضاً على ذلك لأنه مما يسمح به عادة ، بخلاف النقدين في حق كثير من الناس ، وكثير من الأحوال).أ.هـ

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : ( ويحتمل أن يكون المراد بالتنصيف في حديث الباب ،الحمل على المال الذي يعطيه الرجل في نفقة المرأة ، فإذا أنفقت منه بغير علمه كان الأجر بينهما : للرجل لكونه الأصل في اكتسابه ، ولكونه يؤجر على ما ينفقه على أهله كما ثبت من حديث سعد بن أبي وقاص وغيره ، وللمرأة لكونه من النفقة التي تختص بها . ويؤيد هذا الحمل ما أخرجه أبو داود عقب حديث أبي هريرة هذا قال في المرأة تصدق من بيت زوجها ؟ قال : لا ، إلا من قوتها ، والأجر بينهما ، ولا يحل لها أن تصدق من مال زوجها إلا بإذنه ) .أ. هـ

8ــ أن لا تطالبه مما وراء الحاجة ، وما هو فوق طاقته ، فترهقه من أمره عسراً :

عن أبي سعيد رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم خطب خطبة فأطالها ، وذكر فيها أمر الدنيا والآخرة ، فذكر أن أول ما هلك بنو إسرائيل أن امرأة الفقير كانت تكلفه من الثياب أو الصيغ ـ أو قال الصيغة ـ ما تكلف امرأة الغني . ومن ذلك ما نراه من عادة بعض النساء ، فنرى إحداهن تطالب زوجها أن يأتيها بمثل ما جاء فلان لزوجته ، مع أنه قد يكون حال زوج فلانة هذه المادي غير حال زوجها ، أو يكون فلان هذا ضعيفاً أمام طلبات زوجته الغير ضرورية .

 

 

9 ــ أن تشكر له ما يقدم :

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجه، وهي لا تستغني عنه ) .

وعن أسماء ابنة زيد الأنصارية رضي الله عنها قالت : ( مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في جوار أتراب لي ، فسلم علينا ، وقال : ( إياكن وكفر المنعمين ) فقلت : ( يا رسول الله وما كفر المنعمين ؟ ) قال : ( لعل إحداكن تطول أيمتها من أبويها ، ثم يرزقها الله زوجاً، ويرزقها منه ولداً ، فتغضب الغضبة فتكفر ، فتقول ما رأيت منك خيراً قط) .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( اطلعت في النار فإذا أكثر أهلها من النساء ) فقلن : ( لم يا رسول الله ؟ ) قال : ( يكثرن اللعن ، ويكفرن العشير) يعني الزوج المعاشر.

وعن أمامة رضي الله عنه قال : ( أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة معها صبيان لها ، قد حملت أحدهما ، وهي تقود الآخر ، فقال : ( حاملات والدات مرضعات رحيمات بأولادهن ، لولا ما يأتين إلى أزواجهن دخل مصلياتهن الجنة ) .

وكما ورد في الحديث : لا يشكر الله من لا يشكر الناس ) ، وأي الناس أولى بالشكر من الزوج ؟ .. لا شك أختاه أن هذا الخلق الحميد يزيد من الألفة والمودة بين الزوجين ، ويكون دافعاً لمزيد من العطاء والتكريم من الزوج لزوجته ، ألا ترين الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: ( لئن شكرتم لأزيدنكم ).

10ــ تدبير المنزل ، وتهيئة المعيشة :

وذلك من طبخ وكنس وفرش وتنظيف للأواني .. الخ ، كي تهيئ للزوج المأوى الأريج الذي يمسح عنده مكابدة الحياة ووعثاء الطريق ويتزود منه لمواصلة المسير .. كي تدع للرجل فرصة للعلم والعمل ، فإن المرأة الصالحة عون على الدين بهذه الطريق.

قال أبو سليمان الداراني رحمه الله : (الزوجة الصالحة ليست من الدنيا ، فإنها تفرغك للآخرة)

وقد قدمنا حديث حصين بن محصن قال : حدثتني عمتي قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الحاجة ، فقال 🙁 أي هذه أذات بعل؟ ) قلت : (نعم ) قال 🙁 كيف أنت له؟) قلت : ( ما آلوه ــ أي لا أقصر في طاعته ــ إلا ما عجزت عنه ) قال : ( فانظري أين أنت منه ، فإنما هو جنتك ونارك ) .

روي عن علي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجه فاطمة رضي الله عنها بعث معها بخميلة ووسادة أدم حشوها ليف، ورحاءين ، وسقاءين ، قال :فقال على لفاطمة يوماً : لقد سنوت حتى اشتكيت صدري ، وقد جاء الله بسبي ، فاذهبي ، فاستخدمي ، فقالت : وأنا والله ، قد طحنت حتى مجلت يداي . فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما جاء بك أي بنية ؟ فقالت : جئت لأسلم عليك ، واستْحيَت أن تسأله ، و رَجَعَتْ ، فأَتياهُ جميعاً فذكر له علِيٌ حالَهُمَا ، قال صلى الله عليه وسلم : ( لا والله ، لا أعطيكما ،وأدع أهل الصفة تتلوى بطونهم ، لا أجد ما أنفق عليهم ، ولكن أبيع وأنفق عليهم أثمانهم ) فرجعا ، فأتاهما وقد دخلا قطيفتيهما ، إذا غطيا رؤسهما بدت أقدامهما ، وإذا غطيا أقدامهما انكشفت رؤسهما ، فثارا ، فقال مكانكما ألا أخبركما بخير مما سألتماني ؟ فقالا : بلى ، فقال : ( كلمات علمنيهن جبريل : تسبحان في دبر كل صلاة عشراً ،وتحمدان عشراً ،وتكبران عشراً، وإذا أويْتُمَا إلى فراشكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين ،واحمدا ثلاثاً وثلاثين،وكبرا أربعاً وثلاثين ) قال علي:(فوالله ما تركتهن منذ علمنيهن .وقال له ابن الكواء :ولا ليلة صفين؟ فقال :قاتلكم الله يا أهل الطروق، ولا ليلة صفين).

وعن أنس رضي الله عنه قال:( قلت لأمي :اكفي فاطمة سقاية الماء والذهاب في الحاجة، وتكفيك الطحن والعجن)..

ومن آداب المرأة المسلمة أن تعين زوجها جهدها على تدبير أمور المعيشة . قالت أسماء رضي الله عنها :(تزوجني الزبير وماله في الأرض من مال ولاشيء غير فرسه وناضحة ،فكنت أعلف فرسه ــ زاد مسلم :وأسوسه ــ وأدق النوى لناضحه، وأستقي الماء ،وأخرز غربه ،وأعجن ،وكنت أنقل النوى على رأسي من ثلثي فرسخ ، حتى أرسل إليّ أبو بكر بجارية ، فكفتني سياسة الفرس ، فكأنما أعتقني ، فجئت يوماً والنوى على رأسي، فدعاني رسول الله صلى عليه وسلم ، فقال: إخ،إخ ، يستنيخ ناقته ليحملني ، فاستحييت أن أسير مع الرجال ،وذكرت الزبير وغيرته ــ وكان أغير الناس ــ فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت ،فجئت الزبير فحكيت له ما جرى فقال : والله لحملك النوى على رأسك أشد عليّ من ركوبك معه صلى الله عليه وسلم .

11ـ أن تبر أهل زوجها من والدين وأخوات :

إن حقاً إلى الزوجة أن تؤثر رضى الله تعالى على رضى نفسها ، ورضى زوجها على رضاها كذلك ، فإذا كانت تقيم مع والدي الزوج فلتبرهما ، ولتكرمهما إكراماً لكبرهما وشكراً لهما على ما أنعم الله عليها من ولدهما الذي أصبح زوجها ، وتطيعهما في أمرهما ونهيهما ، فإن الطاعة عليها حق ،وتعد شئون البيت من رئاسة ومسئولية أولى لأبوي زوجها، وعليها لذلك البر والطاعة ، ولن تضيع زوجة مطيعة في بيت والدي زوجها ، بل العكس هو الصحيح ، والواقع الذي نراه.

وما يذكره بعضهم من الخلاف اللازم بين الحماة والزوجة فأمر مبالغ فيه ، وما يقع في تلك الأسرة من بعض خلاف فشيء طبيعي بين عاطفتين ، وبين كبير وصغير ، وبين تعجل وحلم ، ولكن حين يتوفر أدب الإسلام في أفراد الأسرة، ويعرف كل فرد في الأسرة حقه وواجبه ، فإن الحياة تسير رضية سعيدة في أغلب الأحيان.

12ــ إرضاع الأطفال وحضانتهم:

الطفل جزء من أمه ،وقطعة من كيانها ، تحنو له ، وتحدب عليه ، وتعكف على راحته ، وهذه الصلة الوثيقة التي تربط الأم بطفلها تبلغ ذروتها وأوج قوتها في الأسابيع الأولى ثم الأشهر الأولى من ولادته ، إذ يبلغ بها الأمر أن تعكف عليه عكوفاً يشبه عبادة العابد ،ونسك الناسك . وفي الحقيقة أن العلم يقرر أن هذه العاطفة الإنسانية السامية عاطفة الأمومة جعلتها الحكمة الإلهية متجاوبة مع قوة اتصال الوليد بأمه ، ومع حاجته الماسة إليها مادياً وعاطفياً .. الطفل يحتاج إلى أمه حاجة تتصل بكيانه كله ، وتشمل مشاعره وأحاسيسه ، ومن الغباء حقاً ما يتصوره بعض الناس من أن حاجة الطفل إلى أمه قاصرة على تغذيته باللبن خلال فترات منتظمة ، وهو أمر يمكن استبداله بأي لبن كان ، ثم تغيير ثيابه وتنظيفه بين الفينة والأخرى ، وهو عمل تستطيعه أي حاضنة أمينة ، وإذا تصور هذا أي رجل لم يذق إنسانية الحياة العائلية فلا يُتَصور من النساء إلا امرأة مسخت حقيقتها ، وانطوى صدرها على قلب قاس جامد ، قد نحت من صم الجلاميد الصلاب ، ولله در من قال : 

ليس اليتيم من انتهى أبواه من                          هم الحياة وخلفاه ذليلا

إن اليتيــــم هو الذي تــلقى له                             أما تخلت أو أباً مشغولا

ومن هنا جاء الخطاب الإلهي يوجب على الأم إرضاع وليدها : قال تعالى ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) البقرة .( 232)

ويثني الله تعالت أسماؤه على الأم إذ تتحلى بهذه العاطفة من التكريم فيقول : ( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ) قلمان ( 14)

والواقع أن هذا الوضع التشريعي الذي أمر به القرآن هو تحديد وفرض للوضع الطبيعي الذي بنيت عليه غريزة الأم ، وانبنى عليه كيان الطفل .

13ــ أن تحسن القيام على تربية أولادها منه :

وذلك في صبر وحلم ورحمة ، فلا تغضب على أولادها أمامه ، ولا تدعو عليهم ، ولا تسبهم ، أو تضربهم ، فإن ذلك قد يؤذيه منها ، ولربما أستجاب الله تعالى دعاءها عليهم فيكون مصابهما بذلك عظيم .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تدعوا على أنفسكم ، ولاتدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على خدمكم ، ولا تدعوا على أموالكم ،لا توافقوا من الله ساعة يسأل في عطاءاً فيستجاب لكم ) .

وعليها أن تربي أولادها على الطهارة والنظافة والعفة والشجاعة والزهد في سفاسف الأشياء وملاهي الحياة ، كي ينشأوا مسلمين ، يعيشون بالإسلام وللإسلام ، ويكثر الله تعالى بهم الخير ، ويتباهى بهم وبأمثالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم غداً.

14 ــ حفظه في دينه وعرضه:

وذلك ببعدها عن التبرج والتعرض للأجانب في البيت وخارجه ،في الشرفة أو الباب أو في الطريق والمحلات التجارية ، ولذا فهي لا تبدي زينتها ، إلا لزوجها ولذوي محارمها على التأبيد مع أمن لا تبدي زينتها ، ولا تخلوا بأجنبي ،ولو كان شقيق زوجها ،ولا تأذن لمن لا يرضى الزوج دخوله عليها ،وهي حافظة لزوجها في غيابه من عرض فلا تزني، ومن سر فلا تفشي ،ومن سمعة فلا تجعلها مضغة في الأفواه.

عن أبي أذينة الصدفي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(( خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية إذا اتقين الله ،وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات ،وهن المنافقات ،لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم )).

وعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(( أيما امرأة نزعت ثيابها في غير بيتها ،خرق الله عز وجل عنها ستره)). وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(( أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها ،فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله عز وجل )).

وعن فضالة بن عبيد مرفوعاً :(( ثلاثة لا تسأل عنهم : رجل فارق الجماعة وعصى إمامة ومات عاصياً ،وآمة أو عبد أبق فمات ،وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤنة الدنيا فتبرجت بعده ،فلا تسأل عنهم )) الحديث.

15ــ أن تحفظ حواسه وشعوره وتتحرى ما يرضيه فتأتيه ،وما يؤذيه فتجتنبه:

روي أن أسماء بنت خارجة الفزاري قالت لابنتها عند التزوج : (( إنك خرجت من العش الذي فيه درجت، فصرت إلى فراش لم تعرفيه ، وقرين لم تألفيه ، فكوني له أرضاً يكن لك سماء ، وكوني له مهداً ، يكن لك عماداً ، وكوني له أمة يكن لك عبداً ،ولا تلحفي بك فيقلاك ، ولا تباعدي عنه فينساك ، إن دنى منك ، فاقربي منه ، وإن نأى عنك فابعدي عنه ، واحفظي أنفه وسمعه وعينه ، فلا يشمن منك إلا طيباً ،ولا يسمع منك إلا حسناً ، ولا ينظر إلا إلى جميلاً )).

وأوصى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ابنته فقال : (( إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق ، وإياك وكثرة العتب ، فإنه يورث البغضاء ،وعليك بالكحل فإنه أزين الزينة ، وأطيب الطيب الماء)).

وقال رجل لزوجته :

خـذي العفو مني تستديمي مـودتي                        ولا تنطقي في ثورتي حين أغضب

ولا تنـقريني نـقرة الــدف مــــــرة                         فإنــــك لا تدريــن كـيف المـغــيـب  

ولا تكثري الشكوى فتذهب بالهوى                        ويـأبــاك قـلــبي والقــلـوب تقـلــب

فإن رأيت الحب في القلب والأذى                         إذا اجتمعا لــم يلـبث الحـب يـذهـب

وأخيراً نسوق إليك أختاه القول الجامع في دورك إن كنت زوجة :

أن تكوني قاعدة في قعر بيتك ، لازمة لمنزلك ، لا يكثر صعودك وإطلاعك ، قليلة الكلام لجيرانك ، لا تدخلي عليهم إلا في حال يوجب الدخول ، تحفظي بعلك في غيبته ،وتطلبي مسرته في جميع أمورك ، لا تخونيه في نفسك وماله ، لا تخرجي من بيته إلا بإذنه ، فإن خرجت بإذنه فمختفية في هيئة رثة  ، تطلبي المواضع الخالية دون الشوارع والأسواق ، محترزة أن يسمع غريب صوتك أو يعرفك بصوتك ، لا تتعرفي إلى صديق بعلك في حاجتك ، بل تتنكري على من تظني أنه يعرفك أو تعرفينه ، همك صلاح شأنك وتدبير بيتك ، مقبلة على صلاتك وصيامك ، وإذا استأذن صديق لبعلك على الباب ، وليس البعل حاضراً لم تستفهمي ولم تعاوديه في الكلام ، غيرة على نفسك وبعلك ، تكوني قانعة من زوجك بما رزق الله ، وتقدمي حقه على حق نفسك وحق سائر أقاربك ، متنظفة في نفسك ، مستعدة في الأحوال كلها للتمتع بها إن شاء ، مشفقة على أولادك ، حافظة للستر عليهم ، قصيرة اللسان عن سب الأولاد ومراجعة الزوج .*

* بتصرف يسير من كتاب ( أخبار النساء) ، (المرأة العربية ) نقلا عن ( عودة الحجاب)

 

الحقوق المشتركة

 

* عن أبي سعيد رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الرجل إذا نظر إلى امرأته ، ونظرت إليه ، نظر الله إليهما نظر رحمة ، فإذا أخذ بكفها تساقطت ذنوبهما من بين أصابعهما ) ..

                                                         ( فيض القدير 2/ 333ورمز له السيوطي بالصحة )

* عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى ، وأيقظ امرأته فصلت ، فإن أبت نضح في وجهها الماء . رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت ، وأيقظت زوجها فصلى فإن أبى نضحت في وجهه الماء )

( فيض القدير 4/ 25، ومعنى النضح الرش الذي لا يؤذي ولا يؤدي  لاستفزاز ، ويمكن استعمال شيء آخر كماء الزهر أو مسح الوجه بشيء من الطيب .)

 

.. ورغم أن الرسالة أختاه موجهة إليك لا إلى زوجك ، أنا رأينا تعميماً للفائدة أن نسرد طرفاً من حقوق الزوجة على زوجها ، ونقدم لذلك بمقدمة ..

إن الأصل أختاه في يقين وشعور الزوجة المرابطة على ثغر من ثغور قلعتها يجب أن يكون عطاء لا استعطاء ، وإيثاراً لا استئثاراً ؛ إذ نرى والله أعلم أن أقوى عمود يثبت قلعتها إنما هو المودة والرحمة التي أصلها ألا ترى لنفسها منَّة تمتن بها على زوجها ، بل إذابة كاملة بين جوانح زوجها وأركان قلعتها ، وفوق هذا ترى نفسها دائماً مقصرة في جنب زوجها ، تتذلل له تودداً واسترضاءً واسترحاماً .. لا تتشوف لحق ، ولا تتطلع إلا إلى رضى الله تعالى من خلال رضى زوجها لما قدمنا من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( هو جنتك ونارك ) وقوله ( لو كنت آمرا أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها ) . والسجود عبادة والعبادة تذلل وانكسار . ونحن لا نعني الذلة والانكسار المطلق بل نرى ذلها في التعزز والترفع عليه ، وبهذا تكون الزوجة حقيقة ملكة غير متوجة تملكه بغير إعلام أو مراسيم .

ولئن كانت الذلة والرحمة هما ديدن العلاقة بين الأخ وأخيه المؤمن كما قال تعالى (( .. أذلة على المؤمنين )) وقوله : (( رحماء بينهم )) فهي من باب أولى أوجب وأظهر من الزوجة لزوجها .

والخلاصة أننا نرى ونحس من قوله تعالى : (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها ، وجعل بينكم مودة ورحمة ، أن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )) ـ نرى أن (المودة )بما تدل عليه من تقرب كل إلى الآخر ، وإذابة فيه ،والتلطف معه ، ونرى أن ( الرحمة ) بما تشعر من حرص كل من الزوجين على مصلحة صاحبه ، والرفق به ، والإشفاق عليه من كل سوء ومكروه، ــ  نراهما عماد قلعة المرابطات الذي يبقى على سكينة النفس ويجعلها حقيقة مدركة في الحياة .. نراهما دستور المعاشرة بين الزوجين التي تجعل كل منهما يشعر أنه متمم للآخر ، ومتمم به أيضاً ، فإذا بالرجل والمرأة الغريبين عن بعضهما المتباعدين من قبل  يتقاربان ويتلاحمان ويتحابان محبة تجعل كلا منهما أقرب إلى الآخر من أبيه وأمه ، بل يصيران جسدين في نفس واحدة .

غير أنا قبل سرد حقوق الزوجة نقدم لذلك بحول الله تعالى: الحقوق والآداب المشتركة التي يجب أن تكون بين الزوجين ،والتي تحقق التوازن بينهما من كافة النواحي والله الموفق..

 

الحقوق والواجبات المشتركة بين الزوجين :

 

‍ــ غض الطرف عن الهفوات والأخطاء:

وخاصة غير المقصود منها السوء في الأقوال والسلوك بين الزوجين إذ:

من ذا الذي ترضى سجاياه كلها                  كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه

ويقول آخر :

من ذا الذي ما ساء قط                      ومن له الحسنى فقط

ويقول آخر :

أرى كل إنسان يرى عيب غيره               ويعمى عن العيب الذي هو فيه

إن أحدنا لتمر عليه فترات لا يرضى فيها عن نفسه ، فهو لا يرضى لها الضعف في مجال القوة ، أو الغضب في مقام الحلم ، والسكوت في معرض بيان الحق ، ولكنه يتحمل نفسه ، ويتعلل بما يحضره من المعاذير ، ( فإن المؤمن يطلب المعاذير ، والمنافق يطلب الزلات ) وحين تحسن النيات ، وتتواد القلوب، و يكون التعقل هو مدار المعيشة ، يتوفر هذا الجانب الكريم في حياة الأسرة .

2ــ المشاركة الوجدانية في الأفراح والأحزان وفي الهموم والمطالب:

وما أصدق كلام عمر رضي الله عنه وقد دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه يبكي هو وأبو بكر رضي الله عنه ، بعد قبوله الفداء في أسرى بدر ونزول العتاب : قال : (( قلت : يا نبي الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاءً بكيت ، وإلا تباكيت لبكائكما)) الحديث.

وما أجمل كلام أبي الدرداء رضي الله عنه لزوجته : ( إذا رأيتني غضبت فرضِّني ، وإذا رأيتك غضبى رضَّيتُك، وإلا لم نصطحب).

إن المصيبة إذا عمت خفت ، فليتعاون الزوجان في السراء والضراء على جلب السرور ودفع الحزن .. في قضاء الحاجات وتفريج الكربات ، ( والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه ) .

3ـ أن ينصح كل منهما قرينة في طاعة الله تعالى ويتطاوعا في ذلك :

وقد مر الكلام في ذلك قريباً .

4ــ أن لا يذكر أحدهما قرينه بسوء بين الناس ، ولا يفشي سره ، ولا يخبر بما يعرفه عنه من العيوب الخفية : قال تعالى : ( فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ) .

قال البغوي رحمه الله : ( أي : قيِّمات بحقوق أزواجهن ،والقنوت : القيام ، والقنوت : الدعاء، وقيل : قانتات : أي : مصليات ، ومنه قوله عز وجل : ( أمن هو قانت آناء الليل ) الزمر (9)

فالصالحة عابدة لله تعالى تعين زوجها على تطبيق الإسلام على نفسه وعلى أسرته ، وأما حفظ الغيب فهو واجب على كلا الزوجين ، لكنه في حق المرأة آكد وأقوى ، لأن الخطر في تساهلها عظيم جداً ، يهدد بأفظع النتائج الدينية والدنيوية ويدمر الأسرة ، فالمرأة الصالحة حافظة لزوجها في غيابه : من عرض فلا تزني ، ومن سر فلا تفشي ، ومن سمعة فلا تجعلها مضغة في الأفواه.

5ــ عدم إفشاء ما يقع بين الزوجين :

قد وردت أحاديث صحيحة في تحريم نشر ما يكون بين الزوجين متعلقاً بالوقاع.

منها : ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته ، وتفضي إليه ، ثم ينشر سرها ) .

ومنها ما روته أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والرجال والنساء قعود ، فقال 🙁 لعل رجلاً يقول ما يفعل ، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها ؟‍فأرم القوم ـ أي سكتوا ـ فقلت : (إي والله يا رسول الله إنهن ليفعلن ، وإنهم ليفعلون) ، قال : ( فلا تفعلوا ، فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق ، فغشيها والناس ينظرون ).

6ــ حق الفراش :

 معلوم أنه يجب على المرأة أن تلبي زوجها كلما أرادها على ذلك ، وإن لم يكن لديها ميل إليه ، إلا لعذر مانع .  فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته ، فبات غضبان عليها ، لعنتها الملائكة حتى تصبح ) وفي رواية : ( أو حتى ترجع ) وفي أخرى : ( حتى يرضى عنها) .

وعن معاذ رضي الله عنه مرفوعاً : ( لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا ، إلا قالت زوجته من الحور العين : لا تؤذيه قاتلك الله ، فإنما هو عندك دخيل ، يوشك أن يفارقك إلينا) .

وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها، ولو على قتب ـ أي رحل ـ لم تمنعه نفسها ) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( والذي نفسي بيده ، ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه ، فتأبى عليه ، إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها زوجها ) .

تنبيهات:

الأول : قوله صلى الله عليه وسلم : ( فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح ) قال الإمام ابن أبي جمرة رحمه الله 🙁 ظاهرة اختصاص اللعن بما إذا وقع منها ذلك ليلاً لقوله ((حتى تصبح )) وكأن السر تأكد ذلك الشأن في الليل ،وقوة الباعث عليه، ولا يلزم من ذلك أنه يجوز لها الامتناع في النهار ، وإنما خص الليل بالذكر لأنه المظنة لذلك )، وإطلاقات حديث ابن أبي أوفى وأبي هريرة تتناول الليل والنهار ، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم : (( ثلاثة لا تقبل لهم صلاة ، ولا تصعد لهم إلى السماء حسنة )) فذكر منهم (( المرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى)) رواه ابن خزيمة وابن حبان من حديث جابر.

الثاني: قوله (( فبات غضبان عليها)) به يتجه وقوع اللعن ، لأنها حينئذ يتحقق ثبوت معصيتها ، بخلاف ما إذا لم يغضب من ذلك فإنه يكون : إما لأنه عذرها ،وإما لأنه ترك حقه من ذلك ، واعلم انه لا يتجه عليها اللوم إلا إذا بدأت هي بالهجر ، فغضب هو لذلك ، أو هجرها وهي ظالمة، فلم تستنصل من ذنبها ،وهجرته ، أما لو بدأ هو بهجرها ظالماً لها فلا.

الثالث : في هذه الأحاديث الإرشاد إلى مساعده الزوج وطلب مرضاته ،وأن صبر الرجل على داعية النكاح أقل ،ولذلك حضَّ الشارع النساء على مساعدة الرجال في ذلك ،أو السبب فيه الحض على التناسل ، وفيه إشارة إلى ملازمة طاعة الله والصبر على عبادته ، جزاء على مراعاته لعبده ، حيث لم يترك شيئاً من حقوقه إلا جعل له من يقوم به ، حتى جعل ملائكته تلعن من أغضب عبده بمنع شهوة من شهواته ، فعلى العبد أن يوفي حقوق ربه التي طلبها منه ، وإلا فما أقبح الجفاء من الفقير المحتاج إلى الغني الكثير الإحسان.

هذا عن الزوجة ، أما الزوج فكذلك يحرم عليه أن يتعمد هجر زوجته؛ فهو مأمور بأداء حقها بقدر حاجتها وقدرته ، والأدلة على ذلك :

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار ، وتقوم الليل؟))،قلت:(( بلى يا رسول الله ))، قال:(( فلا تفعل ،صم وأفطر ،وقم ونم ،فإن لجسدك عليك حقاً ،وإن لعينيك عليك حقاً ،وإن لزوجك عليك حقاً )).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت :(( دخلت عليَّ خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمية ،وكانت عند عثمان بن مظعون ، قالت: فرأى رسول الله صلى عليه وسلم بذاذة هيئتها، فقال لي :((يا عائشة ما أبذّ هيئة خويلة ‍‍‍‍‍!)) قالت : فقلت:((يا رسول الله امرأة لها زوج يصوم النهار ،ويقوم الليل ،فهي كمن لا زوج لها ،فتركت نفسها ،وأضاعتها ))قالت: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن مظعون، فجاءه، فقال:((يا عثمان أرغبة عن سنتي؟!)) قالت: فقال:(( لا والله يا رسول الله، ولكن سنتك أطلب))،قال:((فإني أنام وأصلي، وأصوم وأفطر وأنكح النساء ،فاتق الله يا عثمان ، فإن لأهلك عليك حقاً ، وإن لضيفك عليك حقاً ، وإن لنفسك عليك حقاً ،فصم وأفطر ،وصل ونم )).

وروى الشعبي أن كعب بن سور كان جالساً عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،فجاءت امرأة فقالت :(( يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلاً قط أفضل من زوجي ، والله إنه ليبيت ليله قائماً ،ويظل نهاره صائماً)) فاستغفر لها ، وأثنى عليها ،واستحيت المرأة ،وقامت راجعة ، فقال كعب :((يا أمير المؤمنين هلا أعديت المرأة على زوجها فلقد أبلغت إليك في الشكوى ))،فقال لكعب:(( اقض بينهما ،فإنك فهمت من أمرها ما لم أفهم))قال:((فإني أرى كأنها امرأة عليها ثلاث نسوة هي رابعتهن ،فاقضي بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن، ولها يوم وليلة))فقال عمر :((والله ما رأيك الأول بأعجب من الآخر ،اذهب فأنت قاض على البصرة ، نعم القاضي أنت)).

وسئل أحمد :((يؤجر الرجل أن يأتي أهله ،وليس له شهوة ؟))فقال :((إي والله ،يحتسب الولد ،وإن لم يرد الولد يقول : هذه امرأة شابة ،لم لا يؤجر؟‍)).

وهذه الشريعة الحنيفة تقرر أن الزوج لو آلى (( أيحلف ))ألا يقرب زوجته ،يلزمه أن يحنث في يمينه ،قال تعالى:((للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم، وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم))البقرة(226)،فقد نص على أن الذين يؤلون ــ أي يحلفون ــ على ألا يقربوا زوجاتهم يمهلون أربعة أشهر ،فإن عاد أحدهم إلى الإنصاف وأداء الحق فيها ،وعليه كفارة يمين، وإلا كان إصراره إضراراً موجباً للفراق قال صلى الله عليه وسلم :((لا ضرر ولا ضرار)).

وقال صلى الله عليه وسلم :((من ضارَّ ضارَّه الله ،ومن شاقَّ شاق الله عليه)).

 

 

حقوق الزوجة

* عن سلامة حاضنة إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم قالت : قلت : (( يا رسول الله ، إنك تبشر الرجال بكل خير ولا تبشر النساء )) . قال صلى الله عليه وسلم : (( أصويحباتك دسسنك لهذا ؟ )) قلت (( أجل هن أمرنني )) . قال : (( ألا ترضى إحداكن ، أنها إذا كانت حاملاً من زوجها ، وهو عنها راضٍ ، أن لها مثل أجر الصائم القائم في سبيل الله عز وجل ، وإذا أصابها الطلق لم يعلم أهل السماء والأرض ما أخفى الله لها من قرة أعين .. )) وذكر الحديث في فضل الولادة والرضاعة والسهر على الولد.          أسد الغابة

عن المحرر

شاهد أيضاً

سَرَقَةُ الدِّيْباج في مدح أمنا أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها )

سَرَقَةُ الدِّيْباج في مدح أمنا أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها )   هذه قصيدةٌ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *