الرئيسية / المنبر الحر / الإسلام في أفريقيا بين ماضيه ومستقبله (2/2)

الإسلام في أفريقيا بين ماضيه ومستقبله (2/2)

الإسلام في أفريقيا بين ماضيه ومستقبله (2/2)

أفــريـقـــيـا الـشــــرقـيّـة

n بقلم الأخ / محمد الحلبي n

 

لقد تمّ نشر النصرانيّة في أفريقيا.. وسيطر النصارى على خيراتها، بأيدي جنودٍ مسلمين أمّر عليهم خديوي مصر إسماعيلُ القائدَ الصليبيَّ الحاقد غوردن

لقد وصل الإسلام إلى شرق أفريقيا كما ذكرنا سابقاً أول ما وصل عن طريق الهجرتين الأولى والثانية للصحابة الكرام رضوان اللـه عليهم أجمعين..، ولكن انتشاره كان ضعيفاً في بداية الأمر. وبعد الفتح الإسلامي لمصر وتوقُّف الجيوش الإسلامية عند حدود النوبة وانشغال المسلمين عنهم بالشمال الإفريقي وذلك لأهميته من حيث الكثافة السكانية أولاً، ولكون تلك المناطق في سيطرة الإمبراطورية الرومانية التي كانت في حرب ضروس مع المسلمين ثانياً.. ولقلة عدد السكان في الشرق والوسط الأفريقي وتباعد المسافات بين المناطق المأهولة ووعرة التضاريس هناك آثر المسلمون الأوائل أن يتجهوا نحو المناطق الشمالية الآهلة، ولكن اللـه بحكمته وعدله لم ينسَ سكان تلك البقاع فسخَّر لهم التجار اليمنيين الذين كانوا على صلة تجاريّة وثيقة بسكان الساحل الشرقي لأفريقيا، فنشروا بينهم الإسلام وانتشلوهم من حالة الضياع وعبادة الأوثان إلى عبادة الواحد الديان.

فمع كل رحلة تجارية كان عدد من السكان يدخلون في دين اللـه أفواجاً، حتى انتشر الإسلام في تلك البقاع ابتداءً من شمال أرتيريا إلى جنوب تنزانيا من الساحل، ومن السودان شرقاً حتى تشاد غرباً من الداخل… وتشير أكثر المصادر التاريخية على أن أول إمارة إسلامية كانت هناك مع أوائل القرن الثاني الهجري، ولكن مع الأسف الشديد كانت تلك الإمارات صغيرة جداً وفي بعض الأحيان عبارة عن مراكز تجارية فقط، ولقد كانت تلك الإمارات في أغلب الأحيان في صراع دائم مع بعضها البعض مما سهَّل على الغزاة البرتغاليين احتلال تلك المناطق، وأول مملكة قوية أُنشِئت هناك كانت مملكة “هرر” والتي دامت حتى عام 1245 هـ.

أثر الخلافة الإسلامية في أفريقيا

وقد أثَّرت التغيرات التي كانت تحصل في الشرق الإسلامي بشكل أو بآخر على مجريات الأمور في أفريقيا فعندما سقطت الخلافة الأموية هرب بعض أفرادها إلى الحبشة وأطراف السودان الشمالي وأسَّس أحفادهم مملكة «الفونج» عام 910 هـ بعد سيطرتهم على إمارة «علوة» هناك، واستمرَّت مملكتهم تلك حتى عام 1226 هـ، وأسس أحفاد العباسيون الذين هربوا بعد سقوط دولتهم على يد المغول إمارة «الدافور» عام 850 هـ في السودان الغربي والتي استمرَّت حتى عام 1293 هـ. ومع سقوط الأندلس وانتشار الأسبان والبرتغاليون في البحر ومحاولتهم تطويق المسلمين لمنعهم من استعادة الأندلس، وجَّهوا أساطيلهم إلى المحيط الأطلسي والبحر الأبيض والمحيط الهندي. وحين وجدوا ضعف الإمارات الإسلامية في الساحل الشرقي لأفريقيا وعدم ترابطها مع بعضها البعض بدؤوا باحتلالها الواحدة تلو الأخرى. وكعادتهم أظهروا حقدهم الصليبي على المسلمين فانتهكوا الحرمات وذبحوا المسلمين هناك وأقاموا المجازر لهم لتفريغ الأرض منهم، وحين استنجد المسلمين هناك بالمماليك في مصر حاول المماليك نجدة إخوانهم فأرسلوا أسطولهم ولكن، لضعف هذا الأسطول، هُزم أمام الأسطول البرتغالي الذي وجد الفرصة سانحة له ليصول على تلك البقاع مستعبداً، حتى سيطر على الساحل الشرقي لأفريقيا بكامله فاحتلَّ «زنجبار» عام 909 هـ و«كلوب» عام 911 هـ، وامتدَّ نفوذهم من هناك إلى سواحل عدن وعُمان. ومع مجيء الدولة العثمانية وفتحها لمصر عام 923 هـ ووقوفها في وجه الحملات الصليبية المسعورة، وجهوا أسطولهم لنجدة سلطان عُمان حين استنجدهم وأمدّوه بقوة بحرية هائلة استطاعت في وقت قصير تطهير تلك البقاع من رجس البرتغاليين الصليبيين وأصبح الساحل الشرقي لأفريقيا يتبع للخلافة العثمانية بما فيه أرتيريا والصومال، وسيطر حكام عُمان على الساحل الشرقي الجنوبي لأفريقيا بعد طردهم للبرتغاليين منه. وحين حاول السلطان العثماني سليم الأول التوجه من مصر نحو الجنوب إلى السودان لضمه إلى مملكته ووصلت جيوشه إلى ميناء سواكن وسمع حاكم إمارة «الفونج» عمارة دنقس بزحفهم، سارع بالاجتماع مع تابعه أمير السودان الشمالي عبد اللـه جماع ووجها رسالة إلى السلطان العثماني جاء فيها: «بسم اللـه الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة اللـه وبركاته وبعد، لا أعلم ما الذي يحملك على حربي وامتلاك بلادي، فإن كان لأجل تأييد دين الإسلام فإني أنا وأهل مملكتي عرب مسلمون ندين بدين رسول اللـه، وإن كان لغرض مادي فاعلم أن أكثر أهل مملكتي عرب بادية، وقد هاجروا إلى هذه البلاد في طلب الرزق ولا شيء عندهم…». فترك السلطان تلك البلاد لإعجابه بحكمة أميرها ولكونها تقوم بواجبها الإسلامي في نشر دين اللـه والعمل على رفعته. وبقيت تلك البلاد تحت إمارتهم، وكانت تعطي الولاء للدولة العثمانية حتى عام 1236 هـ  حين استولى عليها محمد علي.

محمّد علي وأثره في أفريقيا الشرقية

عُرِف عن محمد علي أنه كان انتهازياً محباً للسلطة، والغاية عنده تبرر الوسيلة، وقد استطاع بحنكته ودهائه أن يجبر السلطان العثماني على توليته مصر بعد أن طالب العلماء والأشراف به والياً كما طالب بولايته بعض قواد المماليك، والذين تخلَّص منهم بعد أن استقر الأمر له، فنفى نقيب الأشراف عمر مكرم، ثم ثنّى بالمماليك في مذبحة القلعة، وأظهر ولاءه للسلطان في البداية حتى إذا قوَّى جيشه وحدَّثه مستعيناً بالفرنسيين وأسلوبهم، بدأ بالانفصال عن الدولة العثمانية بمساعدة النصارى من الفرنسيين والإنكليز، كما أنه ولَّى بعض المناصب في جيشه للنصارى والأرمن حتى أن مستشاره الأول كان أرمنياً يدعى بوغص بِك، وخلال الثورة اليونانية ضد العثمانيين سمح لمماليكه اليونانيين بالانضمام إلى المرتدين اليونان ضدَّ إخوته من المسلمين الأتراك أصحاب السلطة الشرعيّة في الخلافة العثمانيّة، كلّ ذلك ليظهر للغرب تعاطفه مع النصارى، حتى يقفوا معه ضد السلطان العثماني ليستقِل بمُلك مصر، وكان له ما أراد حين ضغطت الدول الصليبية على السلطان العثماني وأجبرته على تولية محمد علي حكم مصر بالوراثة، وبذلك تكون الصليبية الغربية قد حقّقت بعض النصر على الدولة العثمانية حين اقتطعت أول قطعة من أرض الخلافة العثمانية.

وعندما استقرَّ الحكم لمحمد علي في مصر أرسل جيشاً عام 1236هـ إلى السودان بقيادة ابنه إسماعيل، فقضى على مملكة «الفونج» وعزل ملوكهم واستولى على بعض الإمارات المجاورة كـ«دنقلة» و«بربر» و«شندي»، وتابع أبناءه خطته التوسعية. وحين وصل الخديوي اسماعيل إلى الحكم عام 1279 بدأ بضرب بقية الإمارات الواقعة على ساحل البحر الأحمر وخليج عدن التابعة للدولة العثمانية، ولضعف العثمانيين هناك وضغط الإنكليز والفرنسيين على السلطنة لصالح الخديوي، تنازلوا له عنها.

بــدايــة  الـتـنـصــيـر

عهد الخديوي اسماعيل إلى ضابط يهودي إنكليزي يدعى صموئيل بيكر قيادة الجيش المصري في أفريقيا ومنحه رتبة فريق، وأمره بالتوجه بجيوش إسلامية تعمل تحت إرادته إلى أفريقيا الوسطى. وخلف ذلك الضابط ضابط إنكليزي آخر يدعى غوردن، وهو الذي عمل على توسيع النفوذ البريطاني هناك، وحين حاول بعض المسلمين من الجيش دعوة بعض أبناء تلك المنطقة إلى الإسلام منعهم غوردن، وبدأ بإرسال البعثات التنصيرية، وكانت تلك أول البعثات التنصيرية في أفريقيا الشرقية. وقد توسَّع غوردن فضمَّ إليه أرتيريا والصومال ومنطقة هرر بالإضافة إلى السودان وأوغندة وما جاورها. وحين احتج أحد أمراء السودان وهو الزبير أمير بحر الغزال على بعثات تبشير النصراني أوغر غوردن، غضب الحكام المصريين عليه فنفوه من تلك المنطقة وسيطروا على مملكته. وبدأ الصليبيون بتركيز أقدامهم في تلك البقاع وافتعال الخلافات والفتن بين ولاة تلك المناطق ومركز الإمارة في مصر والتوسع باسم خديوي مصر، فضموا أملاك سلطان زنجبار عام 1295هـ وكانوا قد احتلوا هرر قبلها عام 1293هـ، وتم كل ذلك باسم خديوي مصر، بينما هو بعيد كل البعد عما يجري هناك وبالتخطيط الصليبي لنهش أملاك المسلمين والسيطرة على منابع الخير فيها واستعباد أهلها ونشر دينهم المحرّف بجيوش إسلاميّة.

وفي عام 1296هـ دخلت الجيوش المصرية في ثلاث معارك مع الحبشة هُزمت في جميعها وكانت هذه الهزيمة المفتعلة من القادة النصارى متفق عليها لتقسيم تلك المنطقة فيما بين الصليبيين، فأخذت فرنسا جيبوتي، وإيطاليا أرتيريا والصومال الجنوبي، وكان نصيب إنكلترا الصومال الشمالي والسودان وبعض الأجزاء الجنوبية كزنجبار وكينيا وموزمبيق (تنزانيا). ولم ينسَ نصيب الأحباش النصارى فأُعطوا أوجادين وهرر.

ولقد كان لهذا التقسيم الأثر السيئ في نفوس المسلمين هناك، فقاموا بالجهاد لطرد الصليبيين من بلادهم، وكان أشهر تلك المجموعات مجموعة محمد بن عبد اللـه حسن الصومالي الذي حرر كثيراً من أجزاء الصومال، واستمر في ثورته لمدة عشرين عاماً من 1317 حتى 1337، وكذلك استمرت منطقة هرر بالثورات حتى عام 1345هـ.

وعلى الرغم من السيطرة الكاملة للمستعمرين الصليبيين إلاّ أن الانتفاضات الإسلامية المتتابعة أجبرتهم على حزم حقائبهم وترك تلك البقاع، ولكن المستعمر الصليبي كعادته لم يمنح تلك المناطق استقلالها إلاّ بعد أن مكَّن عملاءه الصليبيين من النصارى أو المتخفّين تحت أسماء إسلامية من السيطرة على سدّة الحكم، كما حدث في الصومال حين استلم محمد زياد بري الحكم ونفَّذ ما عجز الاستعمار عنه، فغيَّر أحرف اللغة الصومالية من العربية إلى اللاتينية.. ولم تقل أوضاع المسلمين حتى وقت قريب سوءاً عن أوضاع إخوانهم في غرب أفريقيا، ففي أرتيريا مثلاً بعد حرب جهادية طويلة قام بها المسلمون وغذّوها بدمائهم، وحين وافقت الحبشة على منح أريتريا الاستقلال، سلمت زمام الحكم فيها لنصراني حاقد يشنُّ الحرب على المسلمين بلا هوادة..(1) والمسلمون في الحبشة، والذين يزيد عددهم عن 65%، تحكمهم أقلية نصرانية تشُنُّ الحروب على من جاورها من بلاد المسلمين بحماية الصليبية والصهيونية، ضمن المخطط العالمي لكي لا تقوم للمسلمين قائمة في إفريقيا.

والصومال تسودها التفرقة والحروب الأهلية، والسودان محاصرة لا لشيء إلاّ لأن الشعب فيها أراد تطبيق حكم اللـه والاستقلال الفعلي عن سيادة النصارى، وتنزانيا تُحكم من قِبل النصارى بل لم يكفِهم ذلك حتى ضموا إمارة زنجبار الإسلامية إليهم. وفي أوغندا لفَّقوا التهم للرئيس المسلم عيدي أمين وافتروا عليه بالوحشية وأكل لحوم البشر حتى استبدلوه برئيس نصراني ابتدأ عهده بتقديم المسلمين قرابين لأسياده من الصليبيين، وقد ذكرت إحدى الإحصائيّات أنّ عدد المسلمين الذين قُتلوا يزيد على ثـمانية ملايين مسلم، حتى أصبح النصارى أغلبية سكانية هناك.

ومن بين هذا الظلام تنبعث الآمال المشرقة مبشّرة بولادة كتائب المجاهدين، فها هم المجاهدون في الصومال وقد ردّوا جحافل الصليبية من أمريكان وفرنسيين وطليان وسقوهم كأس الموت وجعلوهم يجرّون ذيل الهزيمة.. وها هم أبناء الحركة الجهادية في أريتريا يذيقون الصليبيين كؤوس الذلّ والهوان. وها هم المجاهدون في الصومال الغربي «أوجادين» يخطُّون بدمائهم صفحات مشرقة للمجد القادم(2). ومما لا شك فيه أن تكالب الكفر على الإسلام والتجارب التي مرَّت هناك قد أثبتت أن الإسلام قادم لا محالة {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادنا الصالحون} n

الهوامش: (1) لمزيد من المعلومات أنظر في «نداء الإسلام» عدد 15.  (2) إقرأ «نداء الإسلام» عدد 17 و19.

المراجع: التاريخ الإسلامي، محمود شاكر، جزء 7 و8  u تنصير العالم، الطبعة الرابعة u تاريخ الدولة العلية العثمانيّة، محمد فريد بك.

عن المحرر

شاهد أيضاً

آداب الطعام في الإسلام

آداب الطعام في الإسلام   الشيخ وحيد عبدالسلام بالي   آداب الطعام في الإسلام   …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *