الرئيسية / عاجل / الشيخ أحمد شاكر/ الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين في مصر ومعه الشرع واللغة-4-

الشيخ أحمد شاكر/ الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين في مصر ومعه الشرع واللغة-4-

أيها السادة!
إن أكبر الكبائر في الإسلام ترك الصلاة عمداً، ثم قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، وقد جعل الله لكم في القصاص حياة، وكتب علينا كما كتب على من قبلنا أن النفس بالنفس.
ولم يرد في الكتاب ولا في السنة شرط لوجوب القصاص إلا أن يكون القتل عمداً، ولم يأذن الله بالعفو عن القصاص لأحد إلا لولي الدم وحده، لم يخالف في ذلك أحد من المسلمين، لا من المجتهدين ولا من المقلدين. ومع ذلك فإن هذه القوانين، التي تحكمون بها، شرطت في القصاص شرطاً لم يشرطه الله، ولم يقل به أحد من المسلمين، ولا موضع له في النظر السليم، فأباحت به الدم الحلال، وكان له أثر كبير فيما نرى من كثرة جرائم القتل.
ذلك أن المادة (230 من قانون العقوبات) شرطت في عقاب القاتل بالإعدام العمد “مع سبق الإصرار والترصد” وأكدت ذلك المادة (234)
فنصت على أن “من قتل نفساً عمداً من غير سبق إصرار ولا ترصد يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة”.
نحن أمة إسلامية، تجري في أعراقنا الدماء العربية الوثابة، لا ننام على وتر، ولا نسكت عن ثأر، وقد كان من أثر هذا الشرط الباطل، شرط سبق الإصرار، أن أهدرت دماء حرام، لم يأذن الله بإهدارها، بل أوجب القصاص فيها، وأن كثرت جرائم القتل، وتحامى الناس الإرشاد عن أدلتها، وخاصة في مصر الوسطى والعليا، بلاد الصعيد.
فإن كثيراً من أولياء الدم يخشون أن تطل دماء قتلاهم، وأن لا ينالوا ثأرهم الذي جعله الله لهم {وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ} فهم يحاولون أن يطمسوا آثار الجريمة، وأن يحموا المجرم وهم يعرفون جرمه، فلا تناله يد القانون الظالم في شرعهم، لينالوه بأيديهم.
ثم تتسلسل الجرائم هكذا دواليك.
وكثيراً ما يخطئون تقدير أدلة الإجرام، وهم عامة أو أشباه عامة، فينالون غير قاتلهم، بما جنى عليه وعليهم هذا القانون.
ولو أننا حكمنا شريعتنا، وأطعنا ربنا، وأعطينا الدماء حقها وحرمتها، فوضعنا القصاص موضعه، وتركنا في جريمة القتل العمد الشروط التي ليست في كتاب الله، وما يسمى الظروف المخففة، وتركنا هذه الإجراءات المطولة المعقدة، وأسرعنا في إقامة العدل، وأظهرنا منه موضع العبرة والموعظة، لو فعلنا هذا لنقصت جرائم القتل نقصاً بيناً، لما يعلم القاتل أن يد الشرع لا تفلته.
وهذه جرائم السرقة، ليست بي حاجة أن أفصل لكم ما جنت كثرتها على الأمة وعلى الأمن، وها أنتم أولاء تسمعون حوادثها وفظائعها، وتقرؤون من أخبارها في كل يوم، وترون السجون قد ملئت بأكابر المجرمين العائدين، وبتلاميذهم المبتدئين الناشئين، ثم كلما زادوهم سجناً زادوا طغياناً.
ولو أنهم أقاموا ما أنزل إليهم من ربهم، وحدوا السارق بما حكم الله به عليه، لكنتم تتشوفون إلى أن تسمعوا خبراً واحداً عن سرقة، ثم لو وقع كان فاكهة يتندر الناس بها، ذلك أن عقوبة الله حاسمة، لا يحاول اللص معها أن يختبر ذكاءه وفنه.
نعم، أنا أعرف أن كثيراً منا يرون أن قطع يد السارق لا يناسب مبادئ التشريع الحديث!
ولكن المسلم الصادق الإيمان لا يستطيع إلا أن يقول: ألا سحقاً لهذا التشريع الحديث!.
أفندع الألوف من المجرمين، يروعون الآمنين، لا يرهبون قويا، ولا يرحمون ضعيفاً، في سبيل حماية يد أو يدين تقطعان في كل عام، وقد يكون ذلك في كل بضعة أعوام؟!
وأنتم ترون أنه قد تزهق عشرات من النفوس لاختلاف على مبدأ سياسي، أو لمظاهرة قد لا تضر ولا تنفع، بحجة المحافظة على الأمن والنظام.
لا تظنوا أنكم ستقطعون من السارقين بقدر ما تسجنون.
فهاكم الأمن في الحجاز وبادية العرب، وقد كان مجرموهم قساة لا يحصيهم العد، وعجزت الحكومات السابقة عن تأديبهم بمثل قوانينكم، فما هو إلا أن جاءت الدولة الحاضرة، واتبعت شرع الله وأقامت حدوده، حتى استتب الأمن، ثم لا تكاد تجد سارقاً هناك، إلا أن يكون من الغرباء في موسم الحج.
إن بعض النظريات الحديثة ترفه عن المجرم حتى يظن أنه موضع إكرام بما جنى، وتدعي أن القصد من العقاب التربية والتأديب فقط، وأنه لا يجوز أن يقصد به إلى الانتقام، وتزعم أن الواجب درس نفسية الجاني، فتلتمس له المعاذير من ظروفه الخاصة، وظروف الجريمة، ومن نشأته وتربيته، ومن صحته ومرضه، وما يعتمل في جوانحه من عواطف وشهوات، وما يحيط به من مغريات أو موبقات، إلى آخر ما هنالك، مما لعلكم أعلم به مني. ونسي قائلوها أن يدرسوا المجني عليه هذا الدرس الطريف، ليروا أي ذنب اجترح، حتى يكون مهددا في سربه، معتدى عليه في مأمنه، من حيث لا يشعر. ولم يفكروا أي الفريقين أحق بالرعاية: أمن جعلته ظروفه ونشأته ونفسيته وما إلى ذلك هادئاً مطمئناً، لا ينزع إلى الشر، فكان مجنيا عليه، أمن كان على الضد من ذلك فكان جانياً؟
إن الله خلق الخلق وهو أعلم بهم، وهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويعلم ما يصلح الفرد وما يصلح الأمة، وقد شرع الحدود في القرآن زجراَ ونكالاً، بكلام عربي واضح لا يحتمل التأويل. أفيعتقد المخدوعون منا بمثل هذه النظريات أن السنيور لمبروزو أ

علم بدخائل نفس الجاني من خالقه؟ أم هم يشكون في أن هذا القرآن من عند الله؟

أيها السادة!
إن المدنية الأوربية قد أفلست، بما بنيت عليه من عبادة المادة، بعد أن جنت على بلاد المسلمين ما جنت.
وإن العالم يغلي ويفور، وإنه ليستقبل أحداثاً كباراً، وانقلابات هائلة في مصائر الأمم.
وكما عرفنا بعد الحرب الماضية كيف نسترد استقلالنا السياسي أو أكثره، فسنعرف الآن كيف نسترد استقلالنا التشريعي والعقلي كله، وسنعيد للإسلام مجده، إن شاء الله.
لست رجلا خياليا، ولست داعياً إلى ثورة جامحة على القوانين، وأنا أعتقد أن ضرر العنف الآن أكثر من نفعه.
إنما قمت فيكم أدعوكم إلى العمل الهادئ المنتج، بسنة التدرج الطبيعي، حتى نصل إلى ما نريد، من جعل قوانيننا من شريعتنا، وأنا أعرف أن هذا لا يوصل إليه في يوم ولا يومين، ولا في عام ولا عامين.
وأريد أولا أن أقول كلمة ترفع شبهة عن دعوتنا، فإني عرفت بين إخواني ومعارفي بالدفاع عن العلماء عامة، وعن القضاء الشرعي خاصة، فقد يبدو لبعض الناس أن يؤول دعوتي إلى نحو من هذا المقصد.
كلا، فإن الأمر أخطر من ذلك، مقصدنا أسمى من أن نجعله تنازعاً بين طائفتين، أو تناجراً بين فريقين.
إنما نريد رفع ما ضرب على المسلمين من ذل، وما لقيت شريعتهم من إهانة، بوضع هذه القوانين الأجنبية.
إنما ندعوكم بدعوة الله، ندعوا الأمة أن تعود إلى حظيرة الإسلام، ندعو إلى وحدة القضاء، وإلى التشريع بما حكم الله.
{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً} .
ضعوا القوانين على الأساس الإسلامي، الكتاب والسنة، ثم افعلوا ما شئتم، فليحكم بها فلان أو فلان، لسنا نريد إلا وجه الله.

[أحمد شاكر/ الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين في مصر ومعه الشرع واللغة (1/35)]

عن المحرر

شاهد أيضاً

ذكريات أم في القدس   قصيدة للشيخ أبي عبد الله الزليطني

ذكريات أم في القدس   قصيدة للشيخ أبي عبد الله الزليطني من أين أبدأ هذا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *