الرئيسية / أدب السجون / مذكرات ميت مؤقتا – زكرياء بوغرارة

مذكرات ميت مؤقتا – زكرياء بوغرارة

مذكرات ميت مؤقتا

كتبها   في اقبية السجن المحلي سلا 2

 زكرياء بوغرارة

في هرج الدنيا وهزيجها ومريجها يبحث الانسان عن ظل يتفيؤه ويستريح ليخلد للحظات من السكينة والطمانينة.. ما اجمل ان يجدها الانسان في الظلال الوارفة في رحلة الى الله تعالى قال مالك بن دينار وهو يميط اللثام عن جنة الدنيا وكيف يكون عمارها
{{ما تلذذ المتلذذُون بمثل ” ذكر الله ”
فليس شيء من الأعمال أخف مؤنةً ولا أعظم لذة ولا أكثر فرحة للقلب منه}}

2

تأملت ما انصرم من حبات مسبحة عمري فإذا بهذا المشهد يتمثل أمامي كأنما هو رفرفة سرب حمام في الفضاء..إن بعض عمري هو ما لم أعشه.. ما لم أحلمه.. ما لم اتمه.. وفيه ما لم أكتبه ولم أقله.. ادركتني جحافل الاوجاع سقط القلم من بين اناملي بدت امامي الدنيا رحلة غير مأسوف عليها… وقد حال لي الرحيل

 

3

عندما كنا بالاسلام قوة لايستهان بها قوة لا بالعدة ولا العدد بل قوة بهذا الدين .. حينها فتح المسلمون نصف الدنيا في نصف قرن، وفتحوا في جيل واحد أكثر مما فتحت الإمبراطورية الرومانية في ثمانمائة سنة…

لم نكن رقبما مهما ليخافنا الناس .. بل كنا دينا قيما يفتح قلوب الناس

اليوم صرنا والصفر سواء ندفع الجزية عن يد والصغار يجللنا

 

الى الله نشكو..

يا دين الله اما لك عودة تحيي الموات .. وترفع الآذانا..

 

 

4
في سجن سلا{{ 2 }}هناك وجدت دمعا وألما وبكاء وغصصا حرارا.. هناك من يبكي لذكرى الفقد والغياب ومن يألمه الظلم واعتقال الفجاة ومن ومن ومن .. كل ذلك الوجع رسمته ريشة القهر على الوجوه فغيرت تضاريسها وجغرافيتها المكان والزمان.. كل يوم كانت تنثال ذكرياتهم وكانما هي بتكرارها تبحث عن لحظة اطمئنان وكأني بها احدى مشاهد الحسرة ما بين القبر والقبو ورائحة الموت وسحنة السجان بلؤمه وغله واحقاده …كل زائر لي في الزنزانة يروي قصة وجع فتزيدني وجعا… كان آخرهم هذا الصباح شاب في منتصف عقده الثاني حليق الذقن ابيض البشرة جاء فجأة.. ظل صامتا للحظة تفحصني بعناية ثم قال لي {{ الله يفرج أنا غي حراق.. سلمتني تركيا.. وجاؤوا الى هنا..}} ظل مشهد الحراق في مخيالي مع حكايات كثرى كل واحد ينثرها في لحظة بوح من كنانته… زمن الوجع

5
قال لي بلسان مشقف {{انت تكتب بمرارة}} قلت {{لم اعد اكتب هجرت القلم انما اجتر بعض ما يثوي في المخيال }} انه الشعور بالقهر بالخيبة مع الدسيسة المسمومة التي دخلت علينا الباب مع النكسات والخيبات لتحتل مكانا مميزا في مطابخ العتمة المتحركة المتفننة في الطبخ بكل الألوان لكن اهم ما يميزها انها بلا لون ولا طعم ولا رائحة

6
كانت حربا أعلنوها لا هوادة أسيموها حربا على الارهاب..ليس للحرب وجه إمراة .. حروبهم كانت بوجه جلاد وسحنة سجان

7
لا أذكر لهذا الوطن إلا وجها واحدا جمع فيه كل الخيبات والانكسارات والهزائم واجهاض الحلم وبوارق الامل… ولو بصيص امل….

8

الروعة أن ننقل المبادئ من كونها مجرد شعارات إلى واقع ملموس يبصر بالعين ويحتضن بالحس والوجدان ويعاش بين الورى… ما اجمل ان ننقل الاخوة من صقيع المشاعر المتكلسة الى صهد يملأ الفؤاد ودا… ينثر الوردا…
تأمل لحظة{{ تبسمك في وجه أخيك صدقة فكيف بأجرك إذا جعلته يبتسم بعد دمع ويفرح بعد حزن؟!}} هنا شعرة دقيقة جدا ما بين موقفين وموقعين وخيارين..

عن المحرر

شاهد أيضاً

ذكريات أم في القدس   قصيدة للشيخ أبي عبد الله الزليطني

ذكريات أم في القدس   قصيدة للشيخ أبي عبد الله الزليطني من أين أبدأ هذا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *