الرئيسية / الحركة الإسلامية المعاصرة / ثوابت على طريق الدعوة- الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي
فضيلة الشيخ عبد الكريم مطيع مؤسس الحركة الاسلامية في المغرب

ثوابت على طريق الدعوة- الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي

كيلا تنسينا سفاهة الانتخابات

ثوابت على طريق الدعوة

 

بقلم فضيلة الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي

 مؤسس الحركة الاسلامية بالمغرب

أيها الإخوة في الله، الناهضون لتجديد حركتكم الإسلامية الأم بعد أن عاث فيها طلاب الدنيا وأنتم تعرفونهم بعد أن عرَّفوا بأنفسهم جهارا بالقول والعمل:

لا شك أن ما تعانيه حركتكم الإسلامية المعاصرة من تدهور بسبب منها قبل أن يكون من غيرها، يستوجب وِقفة تأمل ومراجعة وتصحيح، كي تنجح محاولة إعادة البناء على أسس صلبة ونهج قويم، وقفة رشد ينطلق منها العمل على بينة من النفس، وبينة من رفقاء الطريق، وبينة من الهدف، وإن أول خطوة نبدأ بها أن نقيس تصرفاتنا بالكتاب والسنة، فنعيد صياغة أنفسنا وتصرفاتنا بما صاغ به الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته الأخيار ورباهم به، ونعيد بناء حركتنا الإسلامية بناء سليما ومعافى من الطفيليات التي عاثت فيها من قبل.

أيها الإخوة الأبرار الذين انطلقوا أو ينطلقون لتحقيق هذه المهة النبيلة، مهمة إعادة البناء….

إن أول ما ينبغي تذكره هو أن نستوعب ثوابت العمل الدعوي الواضحة البينة…

وأول هذه الثوابت أن نضبط تصرفاتنا كلها بما يجب أن تضبط به في السر والعلن، في ما نخفي وما نعلن، أي بالكتاب والسنة الصحيحة…

وأن نستوعب أن تصرفات المؤمن في الحياة الدنيا بين أربعة أوصاف:

واجب ينبغي القيام به.

وحرام يتحتم اجتنابه.

ومشتبه يُتَّقَى.

ومباح إن شئت أتيت، وإن شئت تركت.

إلا أن ثمرة هذه التصرفات – إن لم تكن الفوز برضاه عز وجل – ليست إلا سرابا يحسبه الظمآن ماء.

ذلك لأن رضاه سبحانه هو المفتاح الوحيد للنعيم الأبدي في الآخرة بدخول جنة الخلد، وهذه الغاية لا تتحقق إلا بإيمان جوهره التوحيد، وعمل نيته خالصة ومبناه الصواب، وقوام ذلك كله أن تسلم وجهك إلى الله تعالى، وأن تريد بما تعتقده وما تعمله وجهه عز وجل، قال سبحانه {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} البقرة 112، وقال {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى }لقمان 22.

إن المرء يستطيع أن يقوم بالواجبات نوى بذلك وجه الله تعالى أو لم يَنْوِ.

ويستطيع أن يمتنع عن المحرمات تعففا، نوى بذلك وجه الله تعالى أو لم يَنْوِ.

ويستطيع أن يتنـزه عن المشتبهات ترفعا، نوى بذلك وجه الله تعالى أو لم يَنْوِ.

ويستطيع أن يتمتع بالمباحات لا يسأل عنها ولا تحسب عليه.

ولكنه يستطيع أيضا أن يجعل ذلك كله خالصا لله، فيحسب له في سجل حسناته ويكسب رضا ربه ويدخل جنته.

إن قوما هم الخاسرون، الذين يقومون بالواجبات رياء ومكاء وتصدية، ويجتنبون المنهيات من غير أن ينووا بذلك عبادة.

وقوما آخرين أعلى رتبة وأقوم قيلا، هم المخلصون حقا، الذين اتخذوا من كل خطرات قلوبهم وأعمال ليلهم ونهارهم عبادة خالصة لله، أولئك هم المهتدون بالكتاب والسنة، الملتزمون بأخلاق النبوة الخاتمة، القادرون على انتشال أنفسهم من الغبن والضلال، وإنقاذ أمتهم من التيه والتخلف.

هؤلاء هم الربانيون في منامهم ويقظتهم، وقيامهم وقعودهم، وسكونهم وحركتهم، وصمتهم ونطقهم، تناولهم الطعام عبادة، واستراحتهم من التعب قربى، ونومهم بالليل تهجد، وتمتعهم بالمباحات شكر، كل ما لديهم وما يعملون، من الله ولله وفي سبيل الله.

ِ- إنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ – الزمر 2-.

– قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ – الزمر 11-.

– قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي – الزمر 14 -.

– قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ – الأعراف 29 -.

– قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ – الأنعام 160-163 –

أيها الإخوة الساعون إلى مرضاة الله:

إن الإخلاص جزء من الأمانة والإيمان، وكون العمل موافقا للشريعة جزء من الأمانة والإيمان، أما إتقان العمل فهو كمال الأمانة والإيمان، بأن تستكمل العمل في طاعة الله، واجبا ومندوبا، وتتخذ من المباحات سبيلا إلى مرضاته عز وجل، وتبتعد عن معاصي الله محرمات ومكروهات، وتتقي الشبهات استبراء لدينك وعرضك، كما قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم:(إن الحلال بيّن ، وإن الحرام بيّن ، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه) ؛

إن القيام بالواجب طاعة لله وامتثالا، واجتناب المحرم خوفا منه وحياء، والتمتع بالمباح شكرا له وحمدا، ومراقبته في السر والعلن، والثبات على ذلك إلى يوم لقاء الله غير مبدل لأحكام الدين أو متلاعب بها أو متاجر بها أو متجرئ على الشبهات في المأكل والمشرب والمنكح ومعاملة الخلق، غير خائن لعهد أو معتد على حقوق أو قاذف لأعراض أو هاضم لحقوق …

كل ذلك هو الإحسان الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) ، وأهل هذه المرتبة هم السابقون المقربون في قوله تعالى:{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} الواقعة 10. وقوله:{فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ}الواقعة88.

على هذا النهج أيها الإخوة الصادقون جددوا شباب حركتكم الإسلامية، وحددوا هدفكم البين الواضح المتميز، وأعرضوا عن الجاهلين وأعرضو عن مرضى القلوب، وأعرضوا عن ساقطي الذمم، وأعرضوا عن وضيعي الهمم، فما مثلكم من يشتغل معهم أو ينشغل بهم، وما مثلكم من يضيع وقته في مجادلتهم أو الاعتماد عليهم، وسيروا على بركة الله متيقظين، فطناء حكماء نصحاء، غير هيابين ولا وجلين ولا مترددين، تدعون إلى دينكم بالرفق والحكمة والتؤدة، بعيدا عن العنف والانفعال، لا يستفزنكم المتشددون والمكفرون، ولا يغيظنكم المنبطحون والمتاجرون، تكلأكم عين الرحمن، وسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عن المحرر

شاهد أيضاً

ذكريات أم في القدس   قصيدة للشيخ أبي عبد الله الزليطني

ذكريات أم في القدس   قصيدة للشيخ أبي عبد الله الزليطني من أين أبدأ هذا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *