آه ما أقسى الرحيل
أخي عبد الحميد ، ما عساني أقول؟ فكل الكلام أمام حقيقة الموت يظل قاصرا بلا معنى ، حين تتوقف العبارات فاسحة المجال أمام العبرات ، ماذا أقول؟.. وأنا أقف أمام قاهر الإنسان بالموت، نعم تخونني الكلمات وتنكتم في حلقي الصرخات ، وتصبح عندي الرغبة في البكاء والصراخ سيان..وأنا تائه وسط دوامة من الحيرة فأنا حقا لم استوعب بعد قساوة المصيبة التي غيبتك عنا أخي..فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أحقا يا حميد قد غادرتنا على حين غفلة منا؟ أحقا يا أخي رحلت بدون عودة ؟ أحقا يا مرغيش ستبيت الليلة في بيتك الجديد؟..
كم كان حضورك معنا دافئا يعطي معنى للقاء، وكم صار غيابك قاسيا علينا يذكرنا بقرب الرحيل المحتوم.
آه يا حميد بموتك علمتنا أن الدنيا قصيرة لا تستحق منا كل العناء والهرولة والتكالب، علمتنا أن اللحظات الجميلة سرعان ما تختفي، بينما نستعيدها بين الفينة والأخرى لنتقوى بها على متابعة المسير في الوهاد الصعبة..
أعود بشريط الذكريات إلى الوراء..، فأراك يافعا في مقتبل العمر بدرب الشباب بالمحمدية، خلال تمانينيات القرن الماضي، نجتمع للصلاة في مسجد مالي مسجد الشهداء حاليا، أو نجتمع بمنزل الحاج عبد الله بنفس الدرب أمام إعدادية العقيد العلام لمشاهدة أحد الفيديوهات عن الجهاد الأفغاني أو غيره من أشرطة الصحوة، أو نلتقي في خرجة رياضية او تخييم خلال فصل الصيف…
وأذكر يا أخي أننا انخرطنا في النضال مبكرا ، وتحملنا كل مآسي الدنيا على كاهلنا..وكانت تراودنا أحلام وردية لإنهاء الظلم والعسف والإنتصار للقضايا العادلة والإنحياز للمستضعفين حيثما كانوا، كم قرأنا منذ نعومة أظافرنا أخي حميد عن مآسي الشعوب ومحنة الإنسان..حتى جاءت انتفاضة الخبز المجيدة في 20 يونيو 1981، و وفاء لشهداءها، قررنا الإحتفال بالذكرى الأليمة كل سنة ، هل تذكر ؟…وفي صيف 1983 انطلقت حملة الإعتقالات، فتم اختطافك ضمن المجموعة الأولى بمدينة المحمدية ، و تعرضت للتعذيب بمقر الشرطة القضائية بالمحمدية..، بعدها ساقوك أخي الغالي حميد إلى المخفر السري بدرب مولاي الشريف بالحي المحمدي بالدار البيضاء ، حيث قضيت فيه ستة أشهر، متلفعا بلباس الكاكي، والعصابة على العينين، مستلقيا على الظهر أو في وضعية النوم على جانبك، ممنوعا من الكلام، ممنوعا من الحركة ، من المرحاض..إلى غير ذلك من لائحة الممنوعات في ضيافة الحجاج. بعد انقضاء ستة اشهر من الإخفاء القسري ساقوك مع إخوانك إلى محكمة الاستئناف بالحبوس بالدار البيضاء ضمن مجموعة ال71 ، وكنت تتردد على مقر المحكمة وسجن اغبيلة، كما كانت والدتك المناضلة سليلة المجاهد محند بن عبد الكريم الخطابي تزورك دوما وتتحمل المتاعب وتقتحم الصعاب، رحمة الله عليها، حتى جاءت ليلة 31 يوليوز 1983 حيث وزعت هيئة الحكم قرونا من الزمن على شباب مجموعة ال71 ، نالك منها أخي حميد ،محتسبا بلا شكوى، حكم المؤبد.
بعدها رحلت إلى السجن المركزي بالقنيطرة “حي جيم” ولا شك يا أخي تذكر ماذا أصاب المعتقلين هناك..، لتبعد معية إخوانك عقب ذلك إلى السجن المدني بمدينة آسفي، وفي هذا السجن كم خضت يا أخي إلى جانب المجموعة من إضرابات عن الطعام، واعتصامات داخل السجن ومواجهات اختلط فيها دمك مع دماء إخوانك..وقد كتب لهذه التراجيديا أن تستمر في أقبية السجون إحدى عشرة سنة ، ليطلق سراحك مع مجموعة من المعتقلين السياسين في إطار انفراج سياسي شهده المغرب سنة 1994.
ولم تنته الرفقة يا أخي عند إطلاق سراحك ، بل واصلت كفاحك مع إخوانك ، وجمعتنا نحن المعتقلين الإسلاميين السابقين لقاءات ولقاءات وكنت دائما محفزا على الإلتآم ومواصلة العمل ..حتى انشأنا “لجنة التضامن لقدماء المعتقلين الإسلاميين”…
آه يا أخي.. استعرض شريط الذكريات ولا تفارقني النهاية الحتمية التي وقف عندها قطار عمرك اليوم، ويلح علي سؤال ، وماذا بعد ؟
هذا البعد يا أخي ، هو ما وراء الموت. حقا يا أخي رحلت عنا إلى دار البقاء، ونحن يا أخي كما العهد بنا نجتمع بأرواحنا بما هي جنود مجندة، فالحضور ليس بالضرورة أن يكون فيزيائيا في عقيدتنا، والوفاة هي حالة انتقال من عالم إلى عالم أسمى ، وسنجتمع هناك عند الرفيق الأعلى ، فأنت السابق ونحن بك إن شاء الله لاحقون. الموت ليس نهاية يا أخي بل بداية، سنعيش بعده حياة سعيدة معا، حياة بدون شقاء ولا تعب ولا حزن أو خوف أو قلق ، حياة أخرى نلقى فيها الأحبة محمدا وصحبه.
اطمئن يا عزيزي حميد فزوجتك المصونة وبناتك قد تولاهن الله الكريم برعايته، فنعم المولى ونعم النصير. وطوبى لك بمحبة الله الذي اختارك إلى جواره، وعجل بك إليه .نعم تحترق قلوبنا على فراقك، وبموتك يا أخي تركت فينا وجعا مؤلما، لكننا لا نقول إلا ما يرضي الرب. إنا لله وإنا إليه راجعون.
فإلى اللقاء أخي الغالي
أخوك محمد حقيقي
المدير التنفيذي للرابطة العالمية للحقوق والحريات وممثلها بالمغرب