الرئيسية / ملفات ساخنة / إنصاف الحجاج القائد الفاتح وتفنيد الافتراءات عليه الحلقة 11-12

إنصاف الحجاج القائد الفاتح وتفنيد الافتراءات عليه الحلقة 11-12

 

 

إنصاف الحجاج القائد الفاتح

وتفنيد الافتراءات عليه

الحلقة11-12

الأستاذ محمد أسعد بيوض التميمي

 

شبكة وا إسلاماه الإخبارية

  توصلنا من الأستاذ الفاضل محمد  أسعد بيوض التميمي كتابه الجديد  عن  الحجاج بن يوسف الثقفي   دراسة تاريخية استهدف من خلالها  إنصاف هذا القائد المسلم المفترى عليه وقد استغرقت منه سنوات من البحث والتدقيق  في مراجع التاريخ  ليقدم للمكتبة التاريخية والإسلامية دراسته   المدعمة بالأدلة   التي نفذ من خلالها كافة المفتريات التي ألصقت بالحجاج   عن الحجاج    عليه  فأننا ننشرها على حلقات…. إماطة اللثام عن الوجه  الآخر للحجاج  القائد المسلم

  ونفتح باب النقاش  العلمي الرصين لمن أراد   أن يدلي بدلوه  في هذا الإتجاه  بغية أثراء النقاش..جاد  في الإتجاه الذي يخدم  العلم والحقيقة وبيانها …

 

 

ثانيا     الحجاج وإخماد فتنة  البصرة

بعد أن اخمد الحجاج فتنة الكوفة كانت امامه مهمة أخرى ولا تقل خطورة عن فتنة الكوفة وهي اخماد فتنة البصر ة ولكن قبل أن ينتقل الحجاج من الكوفة الى البصرة كان لا بد من تعين واليا على الكوفة يمنع اشتعال الفتنة والنفخ في نارها من جديد ولا بد ان يكون هذا الوالي له مواصفات خاصة وله منزلة في نفوس اهل الكوفة فيسمعوا له ويطيعوا ولم يختار بطاشا جبارا عنيدا  فاختار احد أبناء الصحابة له منزلة عنده وعند المسلمين وعند اهل الكوفة خاصة وهو عروة بن المغيرة بن شعبة كان علي بن ابي طالب رضي الله عنه قد عينه واليا على الكوفة ووالده من كبار الصحابة  هو الصحابي الجليل المغيرة بن شعبة والذي له مواقف ومشاهد

97

في الإسلام فهو قد حضر بيعة الرضوان من الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه ومن قادة الفتح الذين حضروا فتوحات العراق وبلاد الشام فهو قد حضر القادسية واليرموك وفقد عينيه في اليرموك وولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه على البصرة بعد فتح العراق وهذا يدل على تقديره وحبه لعلي بن ابي طالب ولجميع الصحابة ومنزلتهم في قلبه ولم يكن يكن ناصبيا كما يدعي الشيعة المجوس

وبعد ذلك غادر الحجاج الكوفة الى البصرة وهو مطمئن لاستقرار الوضع فيها وهو أيضا يتمتع بمعنويات تعانق السحاب نتيجة نجاحه بإخماد فتنة الكوفة بسهولة وبلسانه ودون إراقة دماء ومما جعله يزداد ثقة بنفسه وتصميما على استكمال مهمته بإخماد الفتنة في البصرة بأسرع وقت ممكن مما جعله متشوقا الى الذهاب اليها ولقاء أهلها لإخماد نار فتنتها وبنفس الأسلوب الذي استخدمه في الكوفة  فكان ما فعله في الكوفة رسالة قوية وشديدة اللهجة قد سبقته الى البصرة فجعلت أهلها يترقبون قدومه الى البصرة بخيفة ويتفكرون ويتسألون ماذا سيفعل بنا الحجاج هل سيبطش بنا ويعمل السيف في رقابنا ويسفك دمائنا لبث الرعب في قلوبنا ويفعل بنا ما لم يفعله باهل الكوفة ام فقط سيكتفي باستخدام لسانه معنا كما فعل مع اهل الكوفة

98

 فعندما وصل البصرة فعل كما فعل عندما وصل الكوفة فلم يعلن الأحكام العرفية ولا حالة الطواريء ولم يذهب الى الشوارع والأسواق ويقوم بقطع الرؤوس والأعناق وينكل بالناس وليبث الرعب في قلوبهم ونفوسهم وإنما ذهب فورا الى مسجدها الجامع واعتلى منبره واخذ يخاطب اهل البصرة بقوة وعنفوان بكلمات فصيحة بينة  ثائرة غاضبة قاطعة  لا تحتمل التأويل واشد حدة من الكلمات التي خاطب بها اهل الكوفة لترهيبهم وحتى يكفوه دماءهم وحتى يعلموا بأن كلامه جد لا هزل فيه

قائلاً لهم

أيها الناس من أعياه داؤه فعندي دوائه

ومن استطال أجله فعلي أن أعجله

ومن ثقل عليه رأسه وضعت عنه ثقله

ومن استطال ماضي عمره قصرت عليه ما فيه

وان للشيطان طيفاً وللسلطان سيفاً فمن سقمت سريرته صحت عقوبته

ومن وضعه ذنبه رفعه صلبه

ومن لم تسعه العافية لم تضق عنه الكهلة

ومن سبقته بادرة فمه سبق بدنه بسفك دمه

وإني أنذر ثم لا انظر

وأحذر ثم لا أعذر

وأتوعد ثم لا أعفو

إنما أفسدكم ترنيق ولاتكم

ومن استرضى لبه ساء أدبه

99

إن الحزم والعزم سلبا مني سوطي وأبدلاني به سيفي فقائمه في يدي ونجاده في عنقي وذبابة قلادة لمن عصاني

والله لأمر أحدكم أن يخرج من باب من أبواب المسجد فخرج من الباب الذي يليه إلا ضربت عنقه

ثم دعا الناس المتخلفين عن الجهاد وعن جيش الفتح بقيادة المهلب بن ابي الصفرة الى الالتحاق به فورا ودون تأخير قائلا لهم

ومن كان بالبصرة من جيش المهلب فليلحق به فمن وجدته بعد ثالث ضربت عنقه .

فما أن انتهى من خطابه حتى تسابق أهل البصرة الى تجديد البيعة لبني أمية وللخليفة عبد الملك بن مروان وسمعوا واطاعوا وصاروا يتحسسون رؤوسهم ويتفقدون أعناقهم وهكذا استطاع الحجاج بلسانه وبهيبة من الله وتأييد منه بأن يعيد البصرة الى سلطان خلافة بني امية فلم يستعمل سيفه الا مرة واحدة اثناء اخماده لفتنة الكوفة عندما امر بقتل عمير بن ضابيء التميمي والذي شرحنا قصته في اخماده لفتنة الكوفة فهذا الدم الوحيد الذي اريق في اخماد الفتنتين الكوفة والبصرة

فتخيلوا ماذا يحصل اليوم عندما تتمرد مدينة على حاكم من حكام اليوم يقوم بمسحها من الوجود وها نحن نرى بأم اعيننا ماذا يفعل الباطنيون الشيعة المجوس والنصيريون العلويون الذين يحقدون على الحجاج وبني امية وعلى الإسلام

100

والمسلمين بالمسلمين في سوريا والعراق حيث قتلوا وشردوا ويتموا ورملوا وثكلوا الملايين من المسلمين وهدموا مساجدهم ومدنهم ودون شفقة ولا رحمة وجعلوا العراق والشام خرابا يبابا

اما الحجاج اللهم ارض عنه فقد اخمد نار الفتنة وأعاد الأمن والأمان والاستقرار للمدن المتمردة بلسانه وكان يهدد بسيفه ولا يضرب به واستخدامه للسانه بدلا من سيفه لهو اعظم دليل على أنه لم يكن سفاكا للدماء متعطشا لها ولا كما يدعي المفترون عليه بأنه كان لا يعرف الا لغة السيف وبأنه اغلق المسجد على من فيه وقام بارتكاب مذبحة فيه (كبرت كلمة تخرج من افواههم ان يقولون الا كذبا )

فالله سبحانه حباه فصاحة اللسان وقوة البيان وموهبة الخطابة فكان تأثير لسانه في من يستمع له اقوى تأثيرا من حد السيف وعندما وجد أنه يستطيع أن ينجز مهمته بلسانه فقط لم يلجأ لسيفه وهذا أيضا من اعظم الأدلة على حرصه على دماء المسلمين فكيف بدماء الصحابة .

وبعد أن أتم مهمته بالبصرة بنجاح لم تنته الفتن ولم تنتهي مهمته فلا زال امامه مهمات ومهمات وإخماد الكثير من الفتن سنتحدث عنها بالتتابع

 

 الحلقة 12

 

101

ثالثا   الحجاج وإخماد  تمرد ابن  الجارود

بعد إخماد الحجاج لفتنة الكوفة والبصرة دون اراقة  دماء  فاذا بتمرد يندلع في البصرة بعد عام تقريبا واثناء انشغال جيشه بمحاربة الخوارج في مدينة في بلاد فارس اسمها رستقاباد قريبة من أصفهان  وكان  يقود هذا التمرد شخص يدعى( أبو محمد عبد الله بن علي بن الجارود النيسابوري ) وهو أحد أشراف البصرة وكان مسموع الكلمة وله تأثير على أهلها فالقول عندهم ما يقوله ابن الجارود  وكان سبب  هذا التمرد  ليس ظلم الحجاج وبني امية وعدم  شرعية خلافة بني امية كما هي الحجة التي تغطت بها جميع الفتن  التي اجتاحت الدولة الأموية ولكن كان السبب مادي بحت والدفاع عن المكتسبات المادية التي حصلوا عليها من عبد الله بن الزبير ليألف بها قلوبهم لينحازوا له ضد بني امية  فبعد أن اخمد الحجاج فتنة  عبد الله بن الزبير والكوفة والبصرة واعادهم الى  حضن خلافة عبد الملك  بن مروان قرر الحجاج  وقف  هذه الأعطيات والمكتسبات المادية وكان قرار الحجاج مبني على أن هذه الأعطيات هي شراء  الذمم والولاء بالمال وبما أن عبد الله بن الزبير لم يعد موجودا وانه قتل اثناء انهاء تمرده  وبعد ان اخمد الحجاج فتنة البصرة واستقر الأمر فيها لبني امية فلم يعد هناك مبرر لهذه الأعطيات وخصوصا  انها

102

كانت من عبد الله بن الزبير  للخروج  على بني امية ,  مما دفع ابن الجارود ان يرفض قرار الحجاج فقام بتحريض اهل البصرة على الخروج عن طاعة الحجاج  فاليكم ما حدث وكيف اندلعت هذه الفتنة

وقف الحجاج عندما كان  جيشه  بقيادة المهلب بن أبي صفرة يخوض حربه ضد الخوارج الأزارقة  يخطب في  الناس ليشد أزر المهلب في محاربته للخوارج فكانت خطبة فيها وعظ وتذكير بخشية الله وفيها وعيد ونذير واعلن فيها الغاء الأعطيات التي كان يعطيها لهم عبد الله بن الزبير  وكانت سببا في اندلاع الثورة ضد الحجاج , فقال بعد أن حمد الله واثنى عليه :

((ان الله كفانا مؤنة الدنيا وأمرنا بطلب الاخرة فليته كفانا مؤنة الاخرة وأمرنا بطلب الدنيا مالي أرى علمائكم يذهبون وجهلاكم لا يتعلمون وشراركم لا يتربون الا وإني أعلم بشركم من البيطار بالفرس الذين لا يقرأون  القرأن إلا جهراً ولا يأتون الصلاة إلا دبرا وانما الدنيا عرض زائل يأكل منها البار والفاجر الأخرة أجل

103

مستأخر يحكم فيها ملك قاهر ألا فاعلموا وأنتم من الله على حذر واعلموا إنكم ملاقوه ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى

ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة والشر كله بحذافيره في النار ألا وإن من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )

ثم اعلن الحجاج في هذه الخطبة وقف اعطيات ابن الزبير قائلا

(ألا وإن الزيادة التي زادها ابن الزبير في عطاياكم رواتب الجند زيادة فاسق منافق لسنا نجزيها))

فقال بن الجارود مُعترضاً على  الغاء  الحجاج  لأعطيات ابن الزبير  , إنها ليست بزيادة ابن الزبير وانما هي زيادة امير المؤمنين عبد الملك قد انفذها, ورفض ابن الجارود الانصياع  لأوامر الحجاج والقبول بوقف الزيادة في الأعطيات لأهل البصرة ثم قام بتحريض الناس على الثورة على الحجاج فاستجاب له كثير من الناس والتف حوله مجموعة

104

من  وجهاء القوم وعلى رأسهم ((عبدالله بن حكيم والهزيل بن عمران البرهمي وغيرهم من أشراف أهل البصرة )) واعلنوا مساندتهم  ودعمهم لابن  الجارود  والوقوف الى جانبه وتأييد مطالبه واعلنوا الثورة والتمرد على الحجاج دفاعا عن مكتسباتهم التي حصلوا عليها من عبد الله بن الزبير وقاموا بمبايعة ابن جارود على اخراج الحجاج من العراق ثم  قاموا بكتابة رسالة   الى  الخليفة عبد الملك  بن مروان  بصيغة التحدي والأمر طالبين منه خلع الحجاج وتولية غيره فإن لم يفعل خلعوا عبد الملك  نفسه  ولكن الخليفة عبد الملك رفض مطلبهم وتحديهم له

 مما دفع ابن الجارود الى اعلان الثورة على بني امية فأيقظ ابن الجارود الفتنة من جديد  في  البصرة  فشبت الثورة في أهل البصرة كالنار في الهشيم فوجدت جميع القوى الكارهة للحجاج  وبني   أمية  في هذه الثورة فرصة سانحة للخروج على الحجاج وبني امية  ومعتقدين بأن النصر هو حليف ابن الجارود خاصة وأن  جيش الحجاج ما زال منشغلا في مواجهة  الخوارج فمالوا مع الكفة والجهة التي ظنوا بأنها راجحة وغالبة

 وحاول الحجاج بداية ان ينهي هذه الثورة سلميا فبعث الى ابن  جارود  رسولا يطلب منه الحضور اليه ولكن كان رد بن جارود مستخفا بالحجاج وفيه إهانة له  فقال للرسول رافضا الحضور  ((لا ولا كرامة

105

لابن أبي   رغال  (يقصد  بأبي  رغال  الحجاج وكما نعرف ان ابي رغال هو الذي كان يدل جيش ابرهة الحبشي على الكعبة   )   وعلى  الحجاج ان يخرج من البصرة مذموما مدحوراً وإلا قتلناه)).

فلما كان هذا الرد من  ابن  الجارود  رد عليه  رسول  الحجاج  يقول لك الحجاج

((أتطيب نفسا بقتلك وقتل أهل بيتك وعشيرتك؟؟والذي نفسي بيده لئن لم تأت   لأجعلن   قومك عامة وأهل بيتك خاصة حديثا للغابرين فقال ابن الجارود لولا أنك رسول والرسل لا تقتل لقتلتك وأمر به فضُرب وأخرج )).

 فبعد رفض ابن الجارود الامتثال لأمر الحجاج بالحضور قام الحجاج بقطع الجسور  والطرق  وحماية بيت المال  خوفا من أن يتعرض للنهب من قبل المتمردين

 وعندما بدأ زحف ابن الجارود وأعوانه نحوه لم يكن مع الحجاج سوى خاصته واهل بيته حيث ان جيشه كان يحارب الخوارج بقياد المهلب بن ابي  صفرة كما ذكرنا انفا  , فتقدم ابن الجارود وأعوانه باتجاه الحجاج

106

وكانوا وهم في طريقهم  ينهبون ويسرقون ما يصادفهم من متاع ودواب ويخربون الدور والخانات ودخلوا بيت  الحجاج واعتدوا على أهل بيته وحملوا زوجتيه  بنت النعمان بن بشر وأم سلمه بنت عبد الرحمن بن إسماعيل ولكن الله سبحانه بعث للحجاج قوة لتقلب ميزان القوة لصالحه

حيث كان ابن الجارود وابن الهزيل وابن حكيم زعماء الثورة على بني أميه يتدارسون ما هم عازمون عليه فمر بهم عباد بن الحصين الحطبي   فقال لهم أشركونا في نجواكم  فردوا عليه باستهزاء واستخفاف وعدم اكتراث به فقالوا له هيهات أن يدخل في نجوانا أحد من بني الحطب ,فغضب الرجل من جوابهم  مما جعله ينضم الى الحجاج  ومعه مائة من الرجال .

والتقى الفريقين في معركة لم تدم طويلا انتهت بهزيمة ابن الجارود ومقتله

وعندما انتهت المعركة  لم  يقوم الحجاج بقتل أحدا من جماعة ابن الجارود المنهزمين غير الذين قتلوا في المعركة بل  بعث من ينادي بأمان الناس بأمصارهم , فكان من اخلاق  الحجاج  وشيمه  ان لا يتتبع المنهزِمين من العامة وينظر اليهم نظرة التابعين المقهورين فليس لديه

107

روح الانتقام , أما قادة وزعماء الفتن والثورات كان لا يتساهل معهم ولا تأخذه بهم شفقة ولا رحمة  ويقطع رؤوسهم ليقطف رؤوس الفتنة  حتى لا تقوم لهم قائمة وحتى يستتب الأمن ويرتدع كل من تسول له نفسه بالخروج عن الخليفة والوالي…

وبعد أن تمكن الحجاج من اخماد ثورة ابن  الجارود  , كتب لعبد الملك بن مروان رسالة تبين ما حدث من ابن الجارود وما فعله أهل العراق وما أل اليه الأمر فقال في كتابه

((أما بعد فالحمد لله الذي حفظ أمير المؤمنين إني لما أنزلت منزلتي من رستقباد  وثب علي أهل العراق فخالفوني ونابذوني ودخلوا  فسطاطي  وانتهبت أموالي وقالوا اخرج من بلادنا الى من بعثك الينا ففارقني البعيد وأسلمني القريب ويئس مني الشقيق فشددت عليهم بسيفي ولقيتهم  بشيعتي ,وقلت الموت خير من البراح

108

فوالله  ما رُمت الفرصة حتى جعل الله لأمير المؤمنين منهم أنصاراً فضربت بمقبلهم مدبرهم وبمطيعهم عاصيهم  فقتل الله عز وجل طاغية القوم عدو الله ابن الجارود وثمانية عشر من رؤوسهم وضرب الله عز وجل وجوههم فأخذوا شرقاً وغرباً ثم إني أمنت الناس غائبهم وشاهدهم فتراجعوا وألحقت الناس بأمصارهم ولله الحمد كثيرا والسلام ).

فرد عليه   عبد الملك  برسالة مختصرة مفيدة فيها موافقته على ما فعل وفيها تأكيد على إن عادوا الى التمرد فعد لقتالهم يقول فيها

( اما بعد فقد بلغني كتابك وأنت الناصح النجيب الأمين بالغيب القليل العيب فإذا رابك من أهل العراق ريب شك فاقتل ادناهم يُرعب منك أقصاهم والسلام )

109

وهكذا قام الحجاج باستئصال شأفة  فتنة ابن الجارود  بقتل أقل عدد وهم رؤوس الفتنة  وليس بأنهار من الدماء فهو كان اشد الناس حرصا على دماء المسلمين وهو في فتنة بن الجارود كان مدافعا عن نفسه وليس معتديا بعد ان رفض ابن الجارود التفاوض مع الحجاج لحل الأمر سلميا  وكان رده مهاجمة الحجاج واستباحة بيته والاعتداء على اهل بيته واستباحة بيوت واموال المسلمين

رابعا  .. الحجاج وإخماد   فتنة الزنج

 ما ان فرغ الحجاج من اخماد نار فتنة ابن الجارود التي تحدثنا عنها انفا فاذا بفتنة أخرى يتم ايقاظها في البصرة قام بها الزنج وسميت نسبة لهم بثورة الزنج ,فمن هُم هؤلاء الزنج وما قصتهم

هم جماعة من شعوب افريقيا الشرقية من أصحاب البشرة السوداء , من بقايا تجارة العبيد التي كانت سائدة في الجاهلية فجاء الإسلام فحررهم فاصبحوا متساوين مع إخوانهم في الدين من العرب والعجم والأبيض والأصفر من الناس وفقيرهم وغنيهم

110

ونتيجة هذه الحرية التي تمتعوا بها في الإسلام وفي جو العراق المفعم بالفتن جعلهم يقتدون بأهل العراق بالمطالبة بالاستقلال عن الدولة الأموية وبأمارة خاصة بهم اسوة بغيرهم فتتطلع بعضهم الى الزعامة والخروج عن ولاية البصرة وإعلان ولاية خاصة بهم مستقلة عن الدولة الأموية  فتجمع  بعض نفر منهم في منطقة  تسمى  (الأبلة والفرات) بقيادة   شخص منهم  اسمه (رباح شيراز نجي) حيث قاموا بحركة عصيان وتمرد فأهلكوا الزرع والضرع وعاثوا في الأرض الفساد

  ولم تكن هذه الثورة الأولى التي يقومون بها  فلقد قاموا بعدة  ثورات متلاحقة  فكانت الثورة الأولى  في عهد  ولاية (مصعب بن الزبير )على البصرة  ثم الثانية  في عهد ولاية (عبد الله بن خالد ) ثم  الثالثة والأخيرة في عهد الوالي (كراز السلمي )في عهد الحجاج

و كان والي بني امية  اسمه  ( كراز السلمي) فارسل اليه( رباح شيراز نجي) زعيم  الزنج رسالة تحط من قدره وفيها تهديد ووعيد  واعلن فيها نفسه اميرا للمؤمنين بدلا الخليفة عبد الملك بن مروان  , قال فيها ((من امير المؤمنين رباح شيراز نجي الى كراز السلمي أما بعد فقد حان وقت  ولادة ام أمير المؤمنين فأرسل اليها امرأتك لتقبلها والسلام اي لتولدها اي الداية )).

ولكن بدلا من أن يقوم كراز السلمي بمواجهة هذه الانتفاضة غادر البصرة خوفا على حياته من الزنج

وعندما علم الحجاج  بما حصل وكان قد انتهى من ابن الجارود أمر عامله على شرطة البصرة (زياد بن عمر) أن يرسل ابنه (حفص بن

111

زياد ) للقضاء على ثورة الزنج إلا أن الزنج  تمكنوا منه وهزموه , مما أدى  الى ارتفاع معنوياتهم واستفحال امرهم فارتفع  شأنهم وزادت قوتهم وكثر اتباعهم ,مما دفع الحجاج الى الذهاب الى البصرة بنفسه  وهو يغلي ويفور

بعد ان حشد جمع من اهل البصرة الموالين لبني امية وعند الوصول الى البصرة قام كما هي عاددته في مخاطبة اهل الفتنة قبل ان  يبدأهم القتال ..وخاطبهم بثورة وغضب وتهديد ووعيد فوقف قائلا لهم  :

((يا أهل البصرة إن عبيدكم  وكساحيكم  رأوا  معصيتكم  فتأسوا بكم  ويم الله لئن لم تخرجوا على هؤلاء الكلاب فتكفوني أمرهم لأعقرن  نخلكم  ولأنزلن  بكم ما انتم له أهل )).

 وولى الحجاج على البصرة ( كراز السلمي )الذي هرب عندما ثار الزنج  وكان الحجاج يهدف من وراء إعادة تعينه اميرا عليهم إعادة الاعتبار له واستعادة مكانته وكرامته بين اهل البصرة  وكان الحجاج في ذلك مُصيبا فقام كراز السلمي بمهاجمة الزنج بحماسة واندفاع وشد عليهم فتمكن من النيل من زعيمهم شيراز نجي وقتله مما جعل أنصاره يتفرقون في الامصار  وكما هي عادة الحجاج بعدم ملاحقة من يهزمون امامه لم يلاحقهم لقتلهم  ولم يقم  الحجاج بقتل أي شخص غير الذي قتل

112

في المعركة اثناء اخماد فتنة الزنج وبذلك تمت اخماد فتنتهم والقضاء على خطرهم الى الأبد

خامسا  الحجاج   والقضاء على  خطر  الخوارج قضاء مبرما

بداية علينا أن نعرف من هم الخوارج   فالخوارج هم الذين خرجوا على علي ومعاوية بعد حادثة التحكيم الشهيرة بين علي و معاوية في معركة صفين التي حدثت بينهما  حيث تم انتداب أبو موسى الأشعري عن علي بن ابي طالب وعمرو بن العاص عن معاوية بن سفيان مما دفع مجموعة من انصار علي رضي الله عنه بالخروج عليه ورفض هذا التحكيم باعتباره  احتكام لغير شرع الله واعلنوا  تكفير كل من قبل بالتحكيم  من انصار علي ومن انصار معاوية وكان معظمهم من الصحابة فهم بذلك قد كفروا الصحابة رضوان الله عليهم ولم يتوقفوا عند ذلك بل كفروا مرتكب صغائر الذنوب والكبائر فهم بذلك خرجوا عن القرأن والسنة  فالقرأن والسنة  لا يحكمان بالكفر على مرتكب الذنوب مهما كانت ولا الكبائر مهما بلغت ما دام المسلم بقي موحدا لله لا يشرك به شيئا و لم يقل بأن هذه الذنوب والكبائر حلال أي استحلها وانما ارتكبها عن ضعف وعدم تحدي لله رب العالمين  فالإنسان غير معصوم من الذنوب والكبائر مهما بلغ من الصلاح والتقوى والا

113

اذا قلنا بغير ذلك فأننا نقول بعصمته والعصمة لا تكون الا للأنبياء فبعد محمد صلى الله عليه وسلم لا يوجد عصمة لأحد ولذلك لا يجوز ان نكفر الا من كفره الله ورسوله  ولماذا امرنا الله سبحانه بالاستغفار عندما نذنب ونتوب عن الكبائر
فقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا  

فالله سبحانه لا يقبل الاستغفار من كافر ونهى الله سبحانه إبراهيم عليه السلام ان يستغفر لأبيه لانه كان مشرك ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار للمنافقين او الصلاة عليهم  فالاستغفار ليكون الا من مسلم والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم  رواه مسلم

فهؤلاء الخوارج  الذين  اصبحوا يشكلون خطرا على الإسلام والمسلمين واعتبروا انفسهم معصومين لا يخطؤون ولا يستغفرون

قد وجدوا في خروج  عبد الله بن الزبير على بني امية غطاء   لهم  ولدعوتهم  وحُجة  لهم في الخروج على الأمويين , مما جعلهم ينضمون الى عبد الله بن الزبير في مكة ,ولكن بعد ان أنهى الحجاج فتنة عبد الله بن الزبير رفع عنهم هذا الغطاء فقاموا بالفرار من وجه الحجاج الى العراق  واجتمع قادتهم نافع بن الأزرق و نجدة بن عامر وعبد الله بن صفار وعبدالله بن إباض

114

في البصرة وعينوا احدهم زعيما عليهم وهو نافع بن الازرق احد اشهر قادتهم

وبذلك  تحولت البصرة بعد القضاء على فتنة عبد الله بن الزبير  الى   ملاذ  لهؤلاء  الخوارج   ولكن سريعا ما  وقع خلاف بين زعيمهم    نافع بن الأزرق  والقادة الأخرين حول  بعض المسائل الفقهية والحكم فيها ,فلما عصي عليهم الاتفاق  رحل نجدة بن عامر الى اليمامة فأسس فرقة النجدات ثم انقلب عبد الله بن صفار ثم عبد الله بن اباض مما أدى الى نشوء ثلاث فرق من الخوارج سميت بأسماء زعماءها وهذه الفرق هي

 

الأزارقة   أتباع  نافع  بن الازرق

والصفرية أتباع   عبدالله   بن صفار

الاباضية أتباع   عبدالله  بن  اباض

وفي عام 73 هجري   اعلن  الخوارج   الأزارقة  فرض سيطرتهم ونفوذهم على الاهواز , فقويت شوكتهم واشتد عزمهم وزاد

115

طمعهم وطموحهم  حيث اصبح لديهم قوة عسكرية يستطيعون بها مواجهة جيش الامويين في العراق, وصاروا يهاجمون  الناس  ويستحلون دمائهم واموالهم  دون تفريق بين أتباع عبد الله بن الزبير الذي كانوا يتغطون به وبين أتباع بني أمية الذين هم في الأساس خرجوا عليهم  ,ينهبون ويسلبون ويقتلون ويعيثون في الارض فساداً, وعندما تولى (بشر) أخو عبد الملك البصرة كان الأزارقة قد وصلوا مشارف الفرات فأمام استفحال خطرهم هذا فلم تكن هناك قوة تستطيع  مواجهتهم والقضاء على خطرهم قضاء مبرما وتخليص المسلمين من فتنتهم وشرهم  فبعث الله عليهم الحجاج ليضع حدا لخطرهم ويوقف زحفهم ويخلص المسلمين من شرهم

فقام الحجاج بالهجوم عليهم ومطاردتهم فهزمهم وشرد بهم من خلفهم وبذلك استطاع الحجاج القضاء على الخوارج وتخليص المسلمين من شرهم الى يوم الدين حيث لم يتبقى لهم اتباع ولا قوة تستطيع ان تفرض سيطرتها على بقعة من الأرض وهذه من

116

أعظم إنجازات الحجاج التاريخية وأعظم خدمة قدمها وقام بها لخدمة الإسلام فلماذا لا يذكرون لنا هذه الخدمة ولا يعلموننا ايها في المناهج

عن المحرر

شاهد أيضاً

ذكريات أم في القدس   قصيدة للشيخ أبي عبد الله الزليطني

ذكريات أم في القدس   قصيدة للشيخ أبي عبد الله الزليطني من أين أبدأ هذا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *