الرئيسية / عاجل / إنصاف الحجاج القائد الفاتح وتفنيد الافتراءات عليه الحلقة الأخيرة

إنصاف الحجاج القائد الفاتح وتفنيد الافتراءات عليه الحلقة الأخيرة

إنصاف الحجاج القائد الفاتح وتفنيد الافتراءات عليه الحلقة الأخيرة

 

شبكة وا إسلاماه الإخبارية

  توصلنا من الأستاذ الفاضل محمد  أسعد بيوض التميمي كتابه الجديد  عن  الحجاج بن يوسف الثقفي   دراسة تاريخية استهدف من خلالها  إنصاف هذا القائد المسلم المفترى عليه وقد استغرقت منه سنوات من البحث والتدقيق  في مراجع التاريخ  ليقدم للمكتبة التاريخية والإسلامية دراسته   المدعمة بالأدلة   التي نفذ من خلالها كافة المفتريات التي ألصقت بالحجاج   عن الحجاج    عليه  فأننا ننشرها على حلقات…. إماطة اللثام عن الوجه  الآخر للحجاج  القائد المسلم

  ونفتح باب النقاش  العلمي الرصين لمن أراد   أن يدلي بدلوه  في هذا الإتجاه  بغية أثراء النقاش..جاد  في الإتجاه الذي يخدم  العلم والحقيقة وبيانها …

السيرة الذاتية  للمؤلف
الاسم محمد اسعد بيوض التميمي
مواليد مدينة خليل الرحمن في فلسطين 1956
نشأ وترعرع في مدينة القدس الى ان تم ابعاد عائلته من القدس الى الاردن عام 1967
التحصيل العلمي
بكالوريوس من كلية التجارة والاقتصاد والشريعة جامعة الازهر القاهرة عام 1981
ماجستير مقارنة اديان

المؤلفات
1…كيف نوحد الله حتى لا نكون من الاخسرين اعمالا
2…واقعنا واخطر احداث القرن العشرين
3…واقعنا الفكري والثقافي والغزو والفكري والثقافي التشخيص والعلاج وكيف تنهض الأمم
4..الاسلام مفاهيم ومصطلحات وحقيقة المعركة
5..تربيتنا من اجل حياة زوجية واسرية وعائلية ناجحة
6…واقعنا الإقتصادي التشخيص والعلاج
7…الحجاج القائد الفاتح خامد الفتن وتفنيد الإفتراءات عليه
8…مئات الابحاث والمقالات الدينية والسياسية والاقتصادية منشورة على كثير من المواقع الكترونية المهمة ممكن الوصول اليها بواسطة الباحث جوجل
عشرات الحوارات
10…والندوات على القنوات الفضائية واهمها على الجزيرة وخصوصا في برنامج الاتجاه المعاكس معظمها موجود على اليوتيوب

 

 

الحجاج و(صك)العملة

العملة هي النقود التي تحدد بها  قيمة  ومقدار  وأثمان الأشياء وهي الوسيلة والواسطة التي تستخدم في  العمليات التجارية بتسهيل عملية البيع والشراء وتبادل المنفعة في السلع والخدمات وتحدد به قيمة الثروات فهي أداة إبراء للذمة المالية وتكون الدولة هي المسؤولة عند إصدارها وتحديد قيمتها

161

والضامنة لها وقد تكون هذه العملة معدنية من الذهب والفضة كما كان في ذلك العصر او ورقية كما هو في العصر الحالي

فقبل اختراع العملة كانت عملية البيع والشراء تتم بالمقايضة أي تبادل سلعة مقابل سلعة وظل العرب ومنذ الجاهلية وهو يتعاملون في تجارتهم بعملة الأمم الأخرى الفارسية واليونانية والرومانية .

وأول من قام بإصدار عملة في العصر الإسلامي  الخليفة  الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث سعى لإيجاد عملة إسلامية تناسب الوضع الجديد للمسلمين واتساع أمصار دولة الإسلام وإعلان استقلالهم عن الفرس والروم ,فضرب دراهم بالشكل الكسراوي (الفارسي)غير أنه صكها بكتابة الحمد لله  عليها  مرة وكتابة محمد رسول الله مرة و لا إله إلا الله مرة.

فكان  الحجاج  أول من أنشأ داراً لضرب وصك العملة ووضع الأسس والقواعد والقوانين التي تسير عليها في عهد عبد الملك بن مروان الذي جعل الدينار الذي سكه الحجاج هو العملة الرسمية للمسلمين

فمن اجل ذلك  قام  بانشاء دارا  لصك العملة بالكوفة وفي مدينة واسط ووفر العمالة الفنية  الماهرة  ووفر جميع المواد الخام الثمينة اللازمة لصك عملة ذات قيمة حتى يكون لها قبول بين الناس وهي التبر(الذهب),وعمل على وضع نظام مراقبة دقيق  لمنع تعرض صناعة العملة الى الغش والتزييف والسرقة

 

162

وقد وسم العاملين بالمضارب ودور صك العملة بعلامات في أيديهم حتى لا يتسرب غيرهم الى دار صك العملة

  ولقد عمل على توحيد العملة في الدولة الأموية حتى لا تنقص  قيمة السلع والأشياء ويكون اختلاف في قيمة العملة فيحدث اختلاف في قيمة السلع  من اجل ذلك  قام باعتماد  هذه العملة في جميع الولايات  بعد أن قام بجمع  العملات الأخرى لضربها من جديد بالعربية فأصبحت العملة التي صكها الحجاج عملة الدولة الأموية من الأندلس غربا الى أعماق اسيا شرقا واهم وأقوى عملة بل تكاد ان تكون عملة جميع الدول في ذلك العصر  فاقتصاد الدولة الأموية كان اعظم واقوى اقتصاد ونتيجة الاتساع الشاسع لمساحة الدولة الأموية التي كانت تفرد جناحيها على القارات الثلاث أوروبا واسيا وافريقيا فكان لا يمكن لأي دولة أن تستغني عن التعامل بالعملة الأموية

163

الحجاج وتعريب الدواوين

 أولا ما هو المقصود بالدواوين هي مؤسسات  الدولة  التي تتولى كتابة وثائق وسجلات الدولة الرسمية في جميع المجالات من مراسلات وسجلات الرواتب والإيرادات والنفقات وأسماء الجند ففي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدأ بتعريب الدواوين ولكن  الحجاج  هو اول من وحد لغة هذه المؤسسات وجعلها باللغة العربية فقط

 فقبل الحجاج كانت الدواوين في الولايات تعمل وفق نظامين وديوانين ,أحدهما بالعربية للحصر والأعطية ,والثاني لتصريف شؤون الدولة خاصة في الامصار التي لا تتكلم  العربية ,وكان بالعراق ديوانان العربية والفارسية ,وعندما تولى الحجاج أمر العراق كان أهل العراق من الفرس يعملون على أن تظل الدواوين بالفارسية ,حتى لا تنقطع صلتهم بالموروث الثقافي الفارسي, فعملوا على منع تعريب الدواوين وتعطيله, ولكن الحجاج كان مصراً على ذلك ,فقام بتعريب الدواوين في جميع الامصار الإسلامية ,وتمكن الولاة المسلمين من فرض سيطرتهم الكاملة عليها سياسياً واقتصادياً, وضعف  بذلك نفوذ أهل الذمة والموالي والفرس ,بعد أن كانوا مسيطرين على العمل بالدواوين , وصارت اللغة العربية لغة رسمية وهذا شيء يجب ان يكون فالدولة إسلامية ولغتها لغة القرأن فلا يجوز أن تستخدم فيها لغة غير لغتها وهذا التعريب  زاد من سرعة انتشار اللغة العربية في البلدان المفتوحة  وكان  الحجاج أيضا يهدف

164

من تعريب الدواوين ان لا يطلع الفرس الذين لم يسلموا ويعملون في الدواوين على اسرار الدولة وهذا التعريب كان من أسباب حقد الفرس على الحجاج

الحجاج والزراعة

بعد أن تمكن الحجاج من استتباب الامن وفرض الامان والاستقرار قام بتوفير الأمن الغذائي  للناس  ,الذي لا يمكن أن يتأتى إلا بتوفير الغذاء ولتطبيق قول الله سبحانه

الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ

فمن اجل ذلك قام بالعمل على توسيع رقعة الارض الزراعية ,فجفف المستنقعات وشق الترع والأنهار ,وأقام السدود وأعاد الحياة للأراضي البور ,وأعاد الفلاح الى أرضه ومنع هجرته الى المدينة ,فبعث الحياة بأمر الله  في القرى وأنشأ قرى جديدة حول المستنقعات التي تم تجفيفها ,بل شجع أصحاب الأموال على امتلاك الاراضي الزراعية واستثمار أموالهم في استصلاح الارض وزراعتها ,وأنشأ المزارع والضياع وفرض عليهم صيانة الطرق والجسور والسدود وترميمها واهتم بالثروة الحيوانية ,ومنع  ذبح الاناث من البقر من اجل ان تتكاثر فذبح الإناث يحد من تكاثرها وهو في ذلك قد سبق عصره بمئات السنين فيا ليت الحكومات والدول اليوم تفعل كما فعل الحجاج فتمنع ذبح اناث الأنعام حتى يصبح هناك فائض من اللحوم  .

165

الحجاج وبناء المدن

بعد أن قام الحجاج بإنجاز المهمة التي أوكلت اليه من قبل  الخليفة عبد الملك بن مروان وهي القضاء على  الفتن وحالات التمرد التي اجتاحت طول وعرض الدولة الأموية وكادت ان تسقطها والتي شرحناها بالتفصيل في ما تقدم من الكتاب  ,بدأ في نشر العمران من خلال بناء  المدن فقام ببناء مدينة واسط في مكان متوسط بين مدن العراق على الضفة الشرقية لنهر دجلة ,وظلت واسط مقراً للحكومة حتى بعد موت الحجاج ,وصارت أعظم المدن الحربية في العالم الإسلامي ,واحتفظت بأهميتها من الواجهة الاستراتيجية طوال عهد الخلافة.

وقام الحجاج ببناء مدينة النيل على النهر الذي حفره , وفي عهده بنيت بلدة مشهورة بنواحي خوزستان بالقرب من رستقباد سميت(مكرم)وبنى محمد القاسم عامل الحجاج على فارس مدينة شيراز وبنى في ارجان مسجدها ودار امارتها.

لم تتوقف اعمال الحجاج واصلاحاته على بناء الجيوش وتجهيزها وبناء المدن وإعمارها وبعث الزراعة وإحيائها , بل امتدت إنجازاته الى أن عني بالأسطول الإسلامي وقام بتطويره ومده بأنواع جديدة من السفن الحربية الحديثة الملائمة لأجواء الحرب وسرعة التحرك ونقل الجنود لفتح الامصار وإعلاء راية الإسلام ففي عهد الحجاج شهدت الدولة الإسلامية  تقدما في جميع المجالات العلمية والإقتصادية والإجتماعية والعسكرية وتبلورت معالمها

166

فاصبحت دولة مؤسسات وامبرطورية بمعنى الكلمة تتفوق على امبرطورتي الفرس والروم البائدتين بل اعظم امبرطورية في التاريخ

 

الحجاج فقيها وعالم نفس و خطيبا وفيلسوفا

اذا قرأنا وتمعنا بجميع خطب الحجاج ورسائله وكلماته ومواقفه ,والتي ذكرنا بعضا منها في مواضع كثيرة في هذا الكتاب  ,وخصوصاً خطبته في مكة وفي الكوفة والبصرة ,نجد أننا أمام إنسان استثنائي تتوفر فيه جميع صفات القائد والزعيم  فهو يتصف  بالفقه والوعي والثقافة والفصاحة والبلاغة ,وقوة البيان وحدة اللسان وقوة الشخصية  بالحسم والحزم فكما قيل لسانه و حسامه  شقيقان  ,فكلامه  موجز ومعبر مختصر مفيد وهو خطيب مُفوه لا يشق له غبار ولا يبارز ,وكلماته مُفعمة بالحِكم تصل الى القاريء أو المستمع بقوة وترسخ في ذهنه وعقله و تخترق وجدانه كأنها سهام ورماح وقذائف يقذف بها فتحدث  الأثر المطلوب , ,فكلماته كانت دائما ثائرة غاضبة تتناسب والموقف والمقام الذي هو فيه

  وعند تحليل خطب وكلمات احجاج نجد أنه قد صاغها بأسلوب نفسي مدروس ومقصود يدل على انه كان على دراية بالحالة النفسية للرعية واختلاف هذه الحالة باختلاف المكان, لذلك نجده يخاطبها حسب نفسيتها ومقامها فهو كان يطبق المقولة لكل مقام مقال فمثلا كما ذكرنا سابقا كيف خاطب اهل مكة بعد

167

اخماد فتنة ابن الزبير دون تهديد ولا وعيد واظهر لهم اللين وكيف كان خطابه في اهل الكوفة والبصرة حيث كان حاد اللسان حاسما حازما ثائرا غاضبا  مهددا متوعدا  حتى انه استطاع ان يخمدا فتنتهما بلسانه دون استخدام سيفه حيث كان لسانه اشد حدة وتأثيرا من سيفه

وكما كانت بلاغته في الخطابة كانت بلاغته في الكتابة وقدراته على الوصف والتعبير الدقيق المختصر المفيد ’ فادعوكم الى التمعن والاستمتاع  بهذا الخطاب المختصر الذي أرسله الى عبد الملك بن مروان عندما أمطرت السماء بعد طول انقطاع  وشيوع القحط فأرسل اليه يقول

((أما بعد فإنا نُخبر أمير المؤمنين انه لم يصب أرضنا وابل منذ كتبت أخبره عن سقيا الله إيانا إلا ما بل وجه الارض من الطرش والرش والرزاز حتى دفعت الارض واقشعرت واغبرت وثارت في نواحيها أعاصير تذر دقائق الأرض من ترابها , فأمسك الفلاحون بأيديهم من شدة الارض واعتزازها وامتناعها, وأرضنا أرض سريع تغيرها وشيك تنكرها سيء ظن أهلها عند قحوط  المطر حتى أرسل الله بالقبول  يوم  الجمعة فأثارت زبرجاً  متمصراً ثم أعقبته

168

رياح الشمال يوم السبت  فطحطت عنه جهامة  وألقت متقطعة ,وكتبت إلى أمير المؤمنين وهي ترمي بمثل قطع القطن قد ملأ اليباب وسد الشعاب وسقي منها كل ساق فالحمد لله الذي أنزل غيثه ونشر رحمته من بعد ما قنطوا وهو الولي الحميد)

 فما رأيكم بهذه الفصاحة والبيان فمن كانت هذه صفاته هل ممكن ان يكون جاهلا وشريرا وشيطانا وقاتلا معاذ الله

 

 

 

169

وفاة الحجاج

لقد توفي الحجاج في عام 95 هجري عن عمر بلغ 55 عاما اللهم تقبله في الشهداء وفي الصالحين في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك اللهم ارض عنهما بعد خمس وعشرين عاما في خدمة بني امية في ظل خليفتين هما عبد الملك بن مروان وولده الوليد بن عبد الملك  قضاهما في الدفاع عن الإسلام والمسلمين وحيث كانت حياته كلها لله  حيث  اخمد الفتن واطفأ نارها وأدى الأمانة ونصح الأمة ونصر دين الله فجاهد في سبيل الله حق جهاده  فنصره الله  في كل معاركه وفتح على يديه بلاد كثيرة ومساحات شاسعة ودخل أهلها في دين الله افواجا حتى بلغت الدولة الإسلامية الأموية في عهده اوج عظمتها وقوتها وذروة اتساعها حيث امتدت حدودها من أعماق اروبا غربا الى أعماق اسيا شرقا كما شرحنا وذكرنا ذلك في ما تقدم من هذا  الكتاب فهل هناك إنجاز اعظم من هذا الإنجاز

وكانت وفاته على فراشه وهو على العهد مع الله وموالي لخليفة المسلمين الوليد بن عبد الملك فلم تحدثه نفسه يوما خيانة العهد والغدر والاستيلاء على السلطة والحكم واخذ البيعة لنفسه او إثارة الفتنة  رغم  أنه كان يمتلك القوة والقدرة لفعل ذلك فلم تكن الدنيا اكبر همه بل كان نصرة الدين واخماد الفتن ونشر الأمن والأمان بين الناس  واستئناف الفتوحات ونشر الإسلام في الأرض اكبر همه فهو لم يكن يعمل لنفسه وانما لله وفي سبيل الله ونصرة لدين الله

  وإذا ما تدبرنا  كلمات الحجاج وخطبه في أواخر أيامه عندما شعر بدنو أجله واقباله على الله ,فأننا  سنكتشف  هذه الحقيقة  حيث أننا سنجد إنسانا مؤمنا بقضاء الله وقدره  ,وبأنه كان صادق الإيمان يخشى الله ويطلب رضاه ولو سخط عليه الناس جميعا و يرجو

170

رحمته وعفوه ورضوانه , فلم يكن يسعى لكسب رضى الناس بسخط الله فهو لم يخشى في الله لومة لائم وليس كما يتهمه أعداءه من الشيعة الذين يحملون الروح المجوسية والذين ذكرناهم في مقدمة الكتاب الذين كتبوا سيرته بوحي من غيظهم من إنجازاته وإفشاله لمخططاتهم التي كانت تستهدف الإسلام والمسلمين وإجهاض الفتوحات والتي سببت حقدا اسودا  عليه فشيطنوه  فجعلوه شيطانا رجيما كافرا جاهلا مارقا خارجا من الملة ومضرب المثل في الظلم والعداون وسفك الدماء ويدعون بأنه مات على الكفر وجعلوا من نهايته نهاية شنيعة كما رسمها خيالهم المريض وحقدهم الأسود والعياذ بالله وهذا ما يتبين لنا من اخر أيامه وكيف كان اقباله على الله وهو مستسلم لله ومسلم بالقضاء والقدر  

قال الاصمعي وهو احد اشهر رواة اخبار العرب  :

لما مرض الحجاج أرجف الناس بموته فقام الحجاج يخطب في  الناس فقال

((إن طائفة من أهل الشقاق والنفاق نزغ الشيطان اليهم فقالوا مات الحجاج   , ومات الحجاج فمه!!!

فهل يرجو الحجاج الخير إلا بعد الموت ؟؟

والله ما يسرني أن أموت وأن لي الدنيا  وما فيها ,وما رأيت الله رضي التخليد إلا لأهون خلقه عليه(ابليس)فقال الله له(انك من المنظرين) فأنظره الى يوم الدين

171

ولقد دعا الله العبد الصالح فقال(هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي) فأعطاه الله ذلك إلا البقاء ,ولقد طلب العبد الصالح الموت بعد أن تم له أمره, فقال (توفني مسلماً وألحقني بالصالحين)

فما عسى أن يكون أيها الرجل وكلكم ذلك الرجل , كأني والله بكل حي منكم ميتا وبكل رطب يابسا ثم نقل في أثياب  أكفانه ثلاثة أذرع طولا في ذراع عرضا فأكلت الارض لحمه ومصت صديده وانصرف الخبيث من ولده ,يقسم الخبيث من ماله إن الذين يعقلون ما أقوله يتدبرونه ثم نزل))

فكلام الحجاج هذا ردا على من اطلقوا إشاعة موته قبل موته  يدل على انه كان رجلا مؤمنا عميق الإيمان لم يكن متشبثا بهذه الدنيا الفانية ولم تكن الدنيا اكبر همه ولا مبلغ علمه وانما كان زاهدا فيها  يفقه حقيقتها  ومألها  وكان  مقبلا على الله وهو ظان بالله خير الظن  بأنه سيغفر له ويدخله في رحمته فهو لم يفعل الا ما يرضي الله وكأن الله سبحانه أراد من رده  هذا على إشاعة موته لتكون  هي الرد على أعدائه الذين سيقولون هذا بعد موته والله أعلم

172

 وأيضا خشيته من الله هذا ما تدل عليه وصيته فلقد جاء في وصيته المختصرة المفيدة اللهم اغفر له وارحمه

((بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به الحجاج بن يوسف الثقفي أنه يشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له , وأن محمدا عبده ورسوله وأنه لا يعرف إلا طاعة الوليد بن عبد الملك عليها يحيا وعليها يموت وعليها يبعث وأوصى بتسعمائة درع جديد ستمائة منه لمحاربة منافقي أهل العراق يغزون بها وثلاثمائة للترك)).

تلك هي وصيته التي تنم عن صادق الايمان وخالص التوحيد وشدة الولاء , والطاعة  لولي  الأمر الذي يحكم بشرع الله وهو ما أمر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تلك الطاعة التي جمعت شمل المسلمين وقضت على الفتنة ووطدت أركان الدولة وزادت رقعتها ورفعت رايتها وحفظت حدودها واللهم اجز الحجاج عن المسلمين خير الجزاء .

173

تركة الحجاج

اما تركة الحجاج من متاع الدنيا فلم تكن  إلا ثلاثمائة درهم ومصحفاً وسيفاً وسرجاً ومائة درع موقوفة للجهاد في سبيل الله تلك هي ثروة الحجاج وميراثه عند وفاته , ثروة من كان يمسك خراج جميع  بلاد المسلمين, ويضع يده على ثرواتها من مشارق الأرض الى مغاربها , وكان يمكنه ان  يخلد الى الأرض والراحة والدعة وحياة الترف فيكنز منها الملايين بل المليارات ويرتع في القصور والبساتين والضياع ويمتلك الجواري والعبيد من حصته من الغنائم والفيء من الفتوحات الشاسعة ولكثير من البلدان الغنية كالهند والسند والصين  ولكنه قضى حياته مجاهداً فاتحا ناصرا لدين الله ناشرا له في اصقاع الأرض فمئات الملايين من المسلمين اليوم هم من البلدان التي فتحها الحجاج هذه نهاية اعظم قادة المسلمين الفاتحين اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عن سيئاته واجزه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء

174

الخاتمة

تعليقنا على سيرة الحجاج وجميع ما اوردناه في هذا الكتاب

بداية الحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله الذي اعانني على إنجازهذا الكتاب الذي ادعو الله أن يتقبله مني وأن يكون في ميزان حسناتي

فقبل البدء بكتابتي كتابي هذا عن الحجاج كانت الصورة عنه فيه غباش وبعض الضباب والرمادية والشكوك في صدق بعض الروايات التي تطعن به رغم حبي لهذه الشخصية وشعوري بأن هذه الروايات موضوعة ومكذوبة ومفتراة ولكن بعد استكمال الكتاب والبحث بعمق في سيرة الحجاج بن يوسف الثقفي انقشعت الصورة ووضحت دون أي غباش وزالت جميع الشكوك وتعززت عظمة هذه الشخصية التاريخة في نفسي وزال الشك باليقين  فوجدت نفسي أمام قائد فذ استثنائي بكل ما للكلمة من دلالة وأبعاد

وتبين لي بعد أن فندت بعون الله  الطعونات  وكشفت الافتراءات والتزوير وازلت غبار التاريخ الذي تراكم على سيرته لطمس إنجازاته  بأنه أحد  قادة الفتح العظام الذين نشروا الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها و صنعوا تاريخنا المجيد وجعلونا بأمر الله امة عزيزة و سادة الدنيا وقادة البشرية وارتقوا بنا قمة القرون تهابنا الأمم وتخضع لنا الأكاسرة والقياصرة

وأمام قائد لا يقل شأنا وعظمة عن سعد بن وقاص ولا خالد بن الوليد بطلي القادسية واليرموك وبقية القادة الفاتحين اللهم ارض عنهم اجمعين

175

ولقد وجدت بأنه كان نعمه أنعم الله بها على المسلمين في مرحلة تاريخية حرجة وخطيرة جداً كادت أن تعصف بالدولة الإسلامية الأموية وبالمسلمين وفتوحاتهم وتعيدهم الى ما قبل الإسلام ولم يكن  نقمة كما يفترون

فعند ظهوره على مسرح الأحداث كانت الدولة الأموية تترنح  وصوت طرقعة جدرانها يسمع عن عبد منذرة  بالسقوط  المدوي حيث كانت الفتن والثورات تجتاح معظم ولاياتها وخرجت عن طوع الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان  ,فبعث الله الحجاج في تلك المرحلة لينقذها ويمنع هذا السقوط فجمع به الأمةووحد صفها ورايتها خلف خليفة واحد  بعد تفرق وشتات ,فاجتز رؤوس الفتن وأخمد ثوراتهم وفرق شملهم

فهو قد رد العصاة الناقمين وقضى على المضلين الطامعين

التزم الطاعة وأدى الأمانة ولم يفارق الجماعة

فرض الأمن والأمان طوعاً وكرهاً واشتد وأرخى

أطعم الطعام وأوى الأيتام أعان الفقير والمحتاج أغاث الملهوف وأمن المرجوف

بنى وعمر زرع وحصد , وبنصر من الله ثم بإرادة وعزيم لا تلين  رفع راية الاسلام في مشارق الأرض ومغاربها

لقد وجدت بعد البحث والتدقيق في سيرته بانه لم يكن سفاحا ولا مجرما ولا سفاكا للدماء ولا متعطش لها وبأن حديث مبير ثقيف الذي يعني( المبيد القاتل سفاك الدماء )لا ينطبق عليه أقول لكم

176

وقد تتعجبون لأنني وجدت بأن الحجاج كما ذكرت في الكتاب  لم يقتل في اخماده للفتن والثورات الا ثلاثة فقط نعم ثلاثة فقط هم (عبد الله بن الزبير )وشرحت لماذا قتله عندما شرحت كيف أنهى فتنته بعد ما رفض جميع الوساطات والمفاوضات لإنهاء تمرده سلميا ودون قتال وقتله قصاصا لأن عبد الله بن الزبير قتل أخيه عبد الله عمير بن الزبير الذي ارسله له عبد الملك بن مروان ليفاوضه على انهاء تمرده فقام بقتله وتعليقه على الكعبة فعاقبه الحجاج بنفس العقاب

اما الرجل الثاني الذي قتله هو عمير بن ضابيء التميمي عندما رفض ان يلتحق بجيش المهلب بن ابي صفرة وقصاصا لأنه اشترك في قتل عثمان رضي الله عنه وشرحت قصته  في اخماده لفتنة البصرة

والرجل الثالث كان سعيد بن جبير بعد ان قربه اليه ووثق به وأكرمه ولكنه غدر به مرتين ونقض البيعة لعبد الملك بن مروان وانضم مرتين وبسبب ذلك سالت دماء بفتنة ابن الاشعث الذي اعلن الحرب والتمرد والثورة على الدولة الاموية وطلب الخلافة لنفسه وشرحت هذه القصة بالتفصيل

ولقد وجدت بأنه اخمد فتنة العراقيين (الكوفة والبصرة ) بلسانه وليس بحسامه فلم يرتكب أي مذبحة ولم يستعمل سيفه نهائيا وليس كما صوروا لنا انه اسال الدماء انهارا  في الكوفة والبصرة

177

ولقد وجدت بأنه لم يستعمل السيف الا دفاعا عن النفس مع من رفع السيف في وجه خليفة المسلمين واختار القتال بدلا من المصالحة والمسالمة وبعد أن أقام عليه الحجة كما حصل مع عبد الرحمن بن الاشعث الذي لجأ الى السيف والقتال ورفض أي تفاهمات او مفاوضات

ولقد وجدت أن الحجاج بمجرد ان ينتصر يتوقف عن القتال ومطاردة المنهزمين ولا يلجأ الى الانتقام وسفك الدماء فهدفه هو فقط اخضاع المتمردين الى طاعة ولي امر المسلمين الخليفة عبد الملك بن مروان وتوحيد صفهم خلفه

ووجدت في سيرته الوفاء والطاعة لأولي الأمر من المؤمنين والولاء لدولة الاسلام في زمن أصبح فيه كل من امتلك عصبية قبلية  او له صلة بالنسب لرسول الله صلى الله عليه وسلم او لأحد الصحابة او أمهات المؤمنين واتبعه بعض نفر خلع نفسه عن الدولة والحاكم وأعلن نفسه أميراً وبأنه الخليفة الشرعي فلم يعرف الخيانة ولا الغدر فقد كان يستطيع ان يعزل عبد الملك بن مروان او في لحظة وفاته ان يعلن نفسه خليفة بما لديه من قوة وسيطرة ولكن وجدت بأنه بعد أن قضى على جميع الطامعين لكنه بقي على عهده وبيعته ووفائه له ولبني امية الى اخر يوم في حياته وهذا ما ورد في وصيته التي ذكرناها أنفا وحيث انه كان اول من بايع الوليد بن عبد الملك خليفة للمسلمين وعلى السمع والطاعة .

 

178

ولقد وجدت ان الحجاج كان سياسياً بارعاً في تعامله مع قادة جنده ومن عينهم ولاة على الامصار وحُسن اختياره لهم ومواقفه الصلبة مع الأعداء وادارياً ماهراً في شؤون دولة متعددة القوميات واللغات والعصبيات والديانات والثقافات قادراً على مواجهة الشدائد وركوب المخاطر عرف عقول الناس وأخلاقهم وطبائعهم ونفوسهم ,ومتى كانت الشدة تجدي وتقدح وكيف يكون اللين مُنجياً ومصلح فكان عالم نفس في التعامل مع الرعية .

ففي الحجاز نراه قد وعظ وصبر أمهل وانتظر ثم قال وأسمع وضرب فأوجع ,أما في العراق نجده هدد وتوعد جلس فتوسد أنذر فأنظر قال ففعل فعندما خرجوا عليه واستخفوا به احتد واشتد وحزم وحسم وردع بكل قوة وكان الفاتح العظيم ,كان يُكافيء المُجد المُبدع المُجاهد ويُعاقب المتكاسل المُتهاون حتى قيل ((ليس مثله لمن أطاعه ولا مثله لمن عصاه)) قوي الشكيمة صلد العزيمة نافذ البصيرة حازما حاسما غير متردد

لقد وجدت بأنه انتصر على اباطرة الهند والسند والصين فلم يهزم ولا في معركة سواء في اخماد الفتن او في الفتوحات مثله في ذلك مثل خالد بن الوليد رضي الله عنه الذي لم يهزم ولا في معركة  وأن الدولة الإسلامية في عهده بلغت اوج قوتها وعظمتها واتساعها شرقا وغربا ولم تبلغ هذا البلوغ أي امبرطورية في التاريخ

لقد وجدت بأنه حج البيت الحرام واعتمر , اكثر من مرة وعمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته فكان مقيما لشعائر

179

الله معظما لها ولقد وجدت بأنه كان خادما للقرأن ومنقطا ومقسما له أجزاء وأحزاب وارباع

لقد وجدت أن الحجاج كان عادلاً يُطبق الحدود والقصاص ولا احد عنده فوق شرع الله مهما كانت منزلته ومهما كان نسبه ,فالعدل أساس الملك قاعدة شرعية ,فمن العدل كان يلقى الاستحسان, ومنه كان يُرعب ويُخيف ,وقد شرع الله القصاص في قوله(( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)) فكيف يكون القصاص إلا بتطبيق شرع الله في القاتل والسارق والزاني والغاش وشارب الخمر والخارج عن الطاعة والساعي في الناس بالفتنة, وكيف السبيل لاستتباب الامن واشاعة السلام الاجتماعي ونصرة الحق إلا بالوازع الديني والقدوة الحسنة والارشاد أو السلطة القوية وإقامة حدود الله.

لقد وجدت بأن الحجاج يخشى الله و لم تأخذه العزة بالإثم فهو القائل

إن ذنبي وزن السموات والارض

وظني بخالقي أن يحابي

فلئن من بالرضى فهو ظني

ولئن من بالكتاب عذابي

لم يكن ذاك منه ظلمُ وهل يظلم

رب يرجى لحسن المأب ؟؟

فكان المؤمن الخاشع لله ويرتجي عفوه الراضي بقضائه المقر بذنبه ,وكفاه قوله( إن إمرء أتت عليه ساعة من عمره لم يذكر فيها

180

ذنبه ويستغفر ربه من ذنبه ويفكر في ما عداه لجدير أن يطول حزنه ويتضاعف أسفه).

كان اقتصاديا ماهراً , فصك العملة وجمع الخراج وصرفه في مصارفه الشرعية اهتم بكتاب الله فأجزل العطاء للعاملين عليه وعمل على تشكيله وتنقيطيه ليسهل قراءته واستيعابه

وكلمة اخيرة أختم بها كتابي هذا عن الحجاج

أظن الآن أنّ الصّورة أصبحت واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار فلماذا إذن كل هذا التشويه والطعن في الحجاج

فما كان الحجاج نبيا ولا  رسولاً ولا معصوما , وإنما كان بشر يُخطيء ويُصيب ,وحسبه في ذلك أنه لم يكن خائناً في زمن الخيانة, ولم يكن فاسداً في زمن الفساد, وكان خامدا للفتن وليس مثيراً لها, وكان حاسماً حازماً غير متردد في مواجهة الأخطار والفتن والثورات ,كان همه الأكبر الحفاظ على الدولة الإسلامية الأموية ومنع تفككها وإنهيارها , فوفقه الله الى ذلك مما أثار غيظ وحنق أعداء بني امية عليه فشوهه من لم يرق لهم ذلك تشويهاً وطعنوا به طعناً كبيرا .

ان الحكم لله والقضاء منه وبه وهو علام الغيوب والمطلع على سرائر العباد هو أعلم بالمتقين.

ولقد خطر على ذهني سؤال خطير بعد هذه السيرة المفعمة بالأحداث المصيرية والخطيرة ؟؟

181

ماذا كان سيؤول حال الدولة الاسلامية الأموية  التي خلفت الدولة الراشدة وحملت راية الإسلام ورعاية المسلمين من بعدها والدفاع عن الإسلام والمسلمين وحماية ديارهم والحفاظ على فتوحاتهم والاستمرار بها لنشر الإسلام في الأرض لو لم يسخر الله الحجاج لإخماد الفتن والثورات التي اجتاحت جميع ولاياتها وأصبحت تهدد وجودها؟؟؟

فلو لم يتم القضاء على هذه الفتن والتمردات والثورات في مهدها واستقل كل مدعي بأنه أحق بالخلافة وكل ثائر ومتمرد وخارج على الخليفة عبد الملك بن مروان في الولاية التي سيطر عليها فكم دولة ستكون وكم امارة وكم خلافة وكم خليفة وكم راية وكم جيش وهل سيبقى اسلام ومسلمين لولا ان تكفل الله بحفظ دينه فسخر من عباده من يقوم بهذه المهمة الدينية فكان هو الحجاج

فحتما لو لم ينجح الحجاج في مهمته كان الأمر سيكون كما حصل للخلافة الأموية في الأندلس في أواخر عهدها عندما تفتت الدولة في الأندلس الى دول ودويلات وامارات وامراء طوائف متناحرين تحالف الكثير منهم مع الصليبيين ضد بعضهم بعضا و دفعوا لهم الجزية وفي ظل هذا الوضع بعث الله المجاهد البطل يوسف بن تاشفين قائد دولة المرابطين في المغرب الإسلامي في عام 1086 فخاض معركة الزلاقة الشهيرة التي انتهت بانتصار المسلمين انتصارا عظيما على جيوش القشتاليين الصليبيين والتي كانت سببا في إطالة عمر الدولة  الأموية الأندلسية اربعمائة عام حيث سقطت الأندلس في يد القشتاليين الصليبيين سقوطا مدويا عام 1492

182

وبعد اربعمائة عام عندما تفتت الدولة الإسلامية في الأندلس الى دول ودويلات وامراء طوائف وعادوا الكرة للتحالف مع الصليبيين مرة اخرى كانت النتيجة سقوط دولة الأندلس الإسلامية التي كانت هي أيضا اموية سقوطا مدويا والقضاء على المسلمين في الأندلس قضاء مبرما فحتما والله اعلم لو لم ينجح الحجاج بذلك لسقطت الدولة الأموية في ذلك الحين المبكر لظهور الإسلام والفتوحات الكبرى و لعاد الفرس الى العراق وعاد الروم الى الشام والى مصر وشمال افريقيا وشكلت محاكم التفتيش وكان مصيرها كمصير الأندلس ؟؟

وبالفعل وبعد الحجاج بأربعين عاماً تقريبا سقطت الدولة الأموية على يد بنو العباس الذين أقاموا الدولة العباسية على انقاضها ,فكتبوا تاريخ بني أمية كما يحلوا لهم وبما يبرر خروجهم عليهم واسقاطهم لدولتهم ,فشوهوا هذا التاريخ ونال الحجاج النصيب الأكبر من هذا التشويه فشيطنوه وجعلوه شيطانا رجيما ,بسبب أنه كان سبباً في امتداد عمر الدولة الأموية لعدة عقود, ,فعندما يكتب تاريخك عدوك فكيف لا يُشيطنك؟؟

هذا هو الحجاج بن يوسف الثقفي رجل العصر الأموي ,ذلك العصر الذي حفل بكل المتناقضات والحركات السياسية والفكرية ,رجل أخذ من الاسلام بساطة العقيدة ,ويُسر الشريعة ,ولم يشغل عقله بالفلسفة والمنطق وعلم الكلام ,وعمل في اطار التوحيد المطلق لله سبحانه وتعالى, لم يطعن في الصحابة, ووقر وبجل

بيت النبوة, لم تكن قسوته إلا على رؤوس الضلالة والخارجين على الخلافة والناكثين للعهود.

في صدر الدولة الإسلامية , وفي ظل اتساع الامصار ودخول أقوام شتى من أصحاب المواريث الثقافية المختلفة في الإسلام ,كان لا بد من كل الجهود وترشيد الاجتهاد والعمل على استمرار النهج النبوي في الدعوة ,وعندما شاعت الفتن كان لا بد من الامساك بزمام الأمور بقوة تخضع المارق وتعيد الشارد وتقصي الطامع ولله في ذلك شؤون .

فأرجو من الله أن أكون قد وُفقت في ما أوردته في هذا الكتاب وهو إنصاف رجل من أعظم رجال المسلمين ,وبطل من أعظم أبطالهم ,وقائداً من قادة الفتح المبين الذين لا ينافسون بالفتوحات ,فهو في مصاف قادة القادسية واليرموك, أرادوا من الطعن به الطعن بتاريخنا المجيد وأبطاله العظام فهُم جعلوا من تاريخنا صفحات سوداء فيها نقاط بيضاء لا تكاد أن ترى الا بالمجاهر حتى يسودوه في عيوننا ,حتى يجعلونا نكره هذا التاريخ ونتخلى عنه فلا نعود نفتخر به ونتخذه نبراسا للأجيال ونتخذ من ابطاله قدوة حتى لا نعمل على استعادة مجدنا المفقود فالأمة التي ليس لها تاريخ ليس لها وجود .

اللهم اغفر للحجاج وارحمه واكتب له اجر المجاهدين ومنزلة الشهداء واجزه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء

واللهم إن أخطأت فمن نفسي والشيطان و إن اصبت فمن الله

والحمد لله رب العالمين…. انتهى الكتاب بحمد الله

عن المحرر

شاهد أيضاً

ذكريات أم في القدس   قصيدة للشيخ أبي عبد الله الزليطني

ذكريات أم في القدس   قصيدة للشيخ أبي عبد الله الزليطني من أين أبدأ هذا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *