الرئيسية / ملفات ساخنة / عرب وبربر مؤامرة لتنصير المغرب واحتلاله الحلقة -2-

عرب وبربر مؤامرة لتنصير المغرب واحتلاله الحلقة -2-

عرب وبربر

مؤامرة لتنصير المغرب واحتلاله

الحلقة الثانية

للشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي الحسني

أهداف الفرنسيين من الاحتلال وأساليبهم2/1

تزعم السلطة الفرنسية أن هدف جنودها من تدخلهم في المغرب سنة 1912م هو القضاء على الفوضى وحماية النظام وتطوير البلاد وأهلها، مما تم بموجبه عقد مقايضة بينها وبين المخزن تضمن به بقاءه في مقابل وضع اليد الفرنسية على كامل التراب المغربي ثم اقتسامه مع الإسبان، وتطويره في إطار الأهداف الفرنسية المعلنة. وفي هذا يقول المؤرخ الفرنسي تيراس[16]: (وفي مستهل القرن العشرين أصبحت الأسرة العلوية مهددة من كل الجهات، لما اندلع من فوضى وثورة، ومن ثم كان لزاما على القوات الفرنسية أن تتدخل لإنقاذ السلطان وعاصمته فاس من ثورة القبائل. وفي اليوم الثاني لبسط الحماية على المغرب تمكنت قوة عسكرية أخرى من صد حملة مرابطية جديدة قادمة من موريطانيا بقيادة الشيخ الهيبة).
فهل اكتفى الفرنسيون بتحقيق هدفهم المعلن هذا، أم كانت لهم أهداف أخرى مضمرة أشمل وأوسع وأبعد خطرا؟
إن الاستعمار الفرنسي لم يقدم قط لحماية النظام السياسي المغربي، ولا لنشر الهدوء والأمن والتطور، بل قدم وفي برنامجه أن يحول البلاد وأهلها عن الإسلام ولغة القرآن ( العربية)، ويقتطع المنطقة بكاملها عن أمتها ويربطها نهائيا بالغرب الصليبي كنيسة وعادات وتقاليد وأخلاقا وأعراقا. وفي هذا يقول ويلفريد ناب[17]: ( وكتب ليوطي بنفسه قائلا:” إنه ليس من مهامنا تعليم اللغة العربية للسكان الذين لم يتعلموها، لأن العربية هي إحدى العوامل المتعلقة بالإسلام، لأنها لغة القرآن، وهدفنا هو تطوير البربر خارج إطار الدين الإسلامي”. كما اتبع هذا النهج وعمل لهذا الهدف عدد من الفرنسيين الرسميين والموظفين العسكريين فشجعوا الأسطورة المختلقة التي تدعي بأن هوية البربر تتميز عن الهوية العربية، وأن أصل البربر قبل الإسلام يتضمن ارتباطهم بالمسيحية واليهودية.).
وفي هذا يقول ” BOBIN BIDWELL “[18]: ( يقول الجنرال بريموند في كتابه تحت عنوان فرعي” البربر بلد أروبي”: لا يوجد هناك عرب في شمال إفريقيا، فالسكان ربما جاؤوا من سيبيريا ويتكلمون لغة تشبه لغة الكيشوا في الأنديز)
There are no Arabs in North Africa. The population probably came from Siberia and speaks a language with similarities to the Kichoua of the Andes.
ويضيف[19]: ( ويقول الأستاذ برنار Bernard”: لا يوجد عرب في شمال إفريقيا، بل بربر على مستويات تعريب مختلفة).
There are no Arabs in North Africa: There are merely Berbers at different stages of Arabisation.
ويضيف[20]: ( وعندما أحيل الماريشال ليوطي على المعاش لخص سياسته البربرية على النمط التالي قائلا: “لقد كان هدفي من الغزو هو أن أحمي البربري من أي تدخل في حياته الخصوصية وأعرافه القبلية وتقاليده… إن نجاحي في إقامة المغرب الكبير …وهو أمر كان يبدو مستحيلا، يعتبر ثمرة ونتيجة لنجاحي في التغلغل إلى الروح البربرية والتمكن منها. ولقد ساندت دائما العنصر البربري ضد العنصر العربي. إن العنصر البربري لن يفهمه إلا الجندي).
Mon secret, celui de ma Conquête, Ce fut de protéger le Berbère contre toute intrusion dans sa vie intime, dans les coutumes du clan, dans ses traditions…
Si je n’avais pas conquis l’âme berbère, il m’aurait été impossible de constituer un grand Maroc. J’ai toujours soutenu l’élément, berbère contre l’élément arabe dégénéré… l’élément berbère ne sera jamais Compris que par un Soldat.
ويضيف[21]: ( واهتم الماريشال ليوطي اهتماما كبيرا بدراسة عادات البربر وأعرافهم، كما قام في 9- 1- 1915م بتعيين لجنة للدراسات البربرية . وفي يونيو 1921م وبخ الماريشال ليوطي الضابط”A.I.” الذي كتب إليه من “كرامة” باللغة العربية وانتهره قائلا:” إنه يتحتم علينا أن ننتقل مباشرة من البربرية إلى الفرنسية، فالعربية هي عامل الأسلمة، لأنها لغة القرآن، أما مصلحتنا فتحتم علينا أن نطور البربر خارج إطار الدين الإسلامي)
Nous devons tendre a passer directement bu Berbère au français… L’arabe est un facteur d’islamisation parce que cette langue s’apprend dans le Coran ; or notre intérêt nous command de faire évoluer les berbères hors le cadre de l’Islam…
ويضيف[22]: ( وأعطى ليوطي تعليماته لضباطه بألا يساهموا في نشر الإسلام بين البربر فقال:” ينبغي أن يستوعب ضباطنا جيدا هذه المبادئ، كما يجب عليهم بالأخص أن يحرصوا على عدم الظهور كأمناء وحماة للإسلام..
Tous nos officiers doivent être bien pénétrés de ces principes qu’ils évitent surtout de se présenter en fourriers de l’islam.
إن عملية تحويل البربر إلى فرنسيين سهلة التنفيذ حسب “دي كايكس”، وذلك أنه ليس للبربر ثقافة ذاتية خاصة بهم، وعليه فإنهم لن يقاوموا الثقافة الفرنسية… ولكن المشكلة الوحيدة لديه هي أن الكتاب الفرنسيين يعتبرون البربر حقيرين وجشعين.
وكتب ” PIQUET” الذي كان يعمل في الجنوب: “إن البربر أكثر استعدادا من الأجناس الأخرى للانسجام مع الحضارة الأوربية، ولم يدرك أنه تسرع في حكمه بسهولة اندماج البربر بالفرنسيين، كما أن القائلين بهذا الرأي ينسون مقولة الماريشال” BUGEAUD” وهي:” إذا أخذت جمجمة لمسيحي وجمجمة لمسلم وتركتهما على النار تغليان في قدر واحدة لمدة مائة سنة فإنك ستحصل على مرقين مختلفين)
Faites bouillir dans une même marmite pendant cents ans, un crâne de chrétien et un crâne de musulman vous obtiendrez deux bouillons séparés.
ويضيف[23]: ( إن فكرة إمكانية احتواء البربر أدت إلى ممارسة تفضيلهم على العرب في الشؤون المادية كالمنح الحكومية مثلا، وفي منتصف العشرينات حينما كانت معظم مناطق البربر تقاوم الاحتلال لم تفتأ سلطات الحماية تتطلع لليوم الذي ستشكل فيه هذه القبائل دعما رئيسا لها.
لقد كتب الأستاذ”BERNARD”سنة 1924م: “إن البربر أكثر انقيادا من العرب وذلك لأنهم أضعف حساسية وأقل اهتماما بأن يتفوقوا على المسيحيين”.
وبعد مرور سنوات كتب أحدهم:” إن فرنسا لها الحق في تحويل البربر إلى فرنسيين” بينما يتخيل آخر إمكانية ظهور أمة فرنسية في إفريقيا بعد مرور فترة من الزمن).
ويضيف[24]: ( إن من السخرية السياسية أن ترغب السلطات الفرنسية في استعداء البربر ضد العرب… لاسيما وقد كان هذا هو الهدف الحقيقي للموظفين العاملين في المغرب، كما أن حرصهم الشديد على تحويل البربر إلى فرنسيين يقود طبيعيا إلى تنصيرهم، وغزاتهم سيكونون بعثات تبشيرية تنصيرية، لذلك علينا أن نعرفهم بالمسيح)
Les conquérants seront les missionnaires. Parlons-leur de Jésus.
ويضيف[25]: ( ولإنجاح هذه السياسة البربرية تقرر إبعاد التأثير العربي الإسلامي، يقول “دي كايكس” ما معناه: “إن التعريب هو الأسلمة ، وهذا يعني إحكام قبضة ديانة من أهم أركانها الجهاد المقدس ونشر لغة بإمكانها أن تصبح وسيلة لنشر أفكار معادية).
Arabiser c’est Islamisé. C’est donc approfondir l’emprise d’une religion de guerre sainte et répandre une langue qui peut être le véhicule d’idées hostiles.
ويستطرد الكاتب نفسه قائلا[26]:( ويزعم داعية آخر يسمى” FONTAINE” أن جميع العرب كسالى ومفسدون… كما يلاحظ بلهجة المنتصر أن العرب قد وصلوا إلى إفريقيا قبل الفرنسيين وعليهم أن يغادروا المنطقة حالا…
إن هذه الأمثلة من الدعاية المبتذلة تبرهن على أهمية الصعوبات التي واجهت الفرنسيين عند انتهاجهم سياستهم المحكوم عليها بالفشل مسبقا، وتجدر الإشارة هنا إلى أن موزعي المنشورات من خلال حملاتهم الدعائية وصلوا إلى درجة من الإسفاف جعلتهم يزعمون أن مناطق البربر تابعة لفرنسا لأن التكوينات الجيولوجية لجبال الريف مماثلة لجبال الألب)
ويضيف[27]: (في عام 1931م أدرك الداعية الكبير “LEGLAY” أن هذه السياسة قد فشلت نهائيا فكتب حزينا في كتابه ” إفريقيا الفرنسية”: إن الشعوب مهما اختلفت فيما بينها فإنها عندما تكتشف طموحاتها وقضاياها المشتركة فإنها تتحد في توجيه الانتقادات إلى الفرنسيين” )
من خلال هذه النصوص، وغيرها لا يكاد يحصى، يتضح الهدف الحقيقي للاحتلال الفرنسي للمغرب، وهو تحويل المغاربة إلى نصارى دينا، وفرنسيين من درجة دنيا لغة وتقافة ووضعا اجتماعيا، وإلحاق المغرب أرضا بتراب ما كانوا يطلقون عليه”فرنسا ما وراء البحار”.
إلا أن هذا المشروع الخيالي الفرنسي ظل يتلقى الضربات القاسية على يد المقاومة المغربية في الأرياف والجبال والسهول والصحارى، فلم يجد الفرنسيون بدا من الاستعانة بسلطة المخزن التي أصبحت مرتهنة في أيديهم ضعيفة لا حول لها ولا قوة، واستغلال وضعية السلطان المولى يوسف كإمام للمسلمين، حيث أجبروه على تزكية الحملات العسكرية الفرنسية ضد الثوار. وفي هذا كتب ” BOBIN BIDWELL”[28]) إن استغلال وضعية السلطان كإمام ساعدت الفرنسيين على التدخل في المسائل المتفجرة مثل تعليم المسلمين وإصلاح نظام الأحباس، من غير إحداث معارضة، وفي استمالة شريف تازروالت الذي كان يعتبر أحد الشخصيات الدينية البارزة في الجنوب.وكتب الماريشال ليوطي: ” كنت سعيدا جدا حين طلب مني السلطان أن أوجه باسمه الجيش الفرنسي في عملية علوية شريفة للقضاء على ثورة الهيبة، وأن نتصدى بقوة لهذه المقاومة الإسلامية معززين بالسلطة الدينية التمثيلية للسلطان، وأعتقد أن اقتراح السلطان هذا يعد من أحسن المناورات السياسية الناجحة في التعامل مع الأهالي)
ولعل في إيراد البرقية التي أرسلها المولى يوسف إلى المقيم العام الفرنسي بالمغرب بمناسبة انتصار الجيش الفرنسي على المقاومة المغربية في تازة ما يغني لتوضيح هذا الأمر، وهذا نص البرقية كما وردت في كتاب “ليوطي الإفريقي”[29]:
( الرباط في 19 مايو، الساعة الحادية عشرة وأربعين دقيقة.
من صاحب الجلالة إلى المقيم العام.
أولا: تلقينا بكامل الغبطة والسرور نبأ دخولكم المظفر إلى تازة على رأس جيشكم، وبالمناسبة نبعث إليكم بتهانينا لنجاحكم في هذه العمليات العسكرية المتعاقبة التي هيئت ونفذت تحت قيادتكم الرشيدة كما نرجو منكم أن تبلغوا تهانينا الحارة لكل من الجنرال “كورو” والجنرال “بومكرتن” وإلى ضباطهم وكافة الجنود الذين أعرب لهم عن تقديري الكبير للشجاعة والحنكة التي أظهروها خلال عملياتهم الشاقة.
ثانيا: إننا نوصيكم بانتظار رسائلنا الشريفة التي تقدم التهاني باسمنا إلى كل من القائد أحمد ولد علي وهوارة لموقفهم العادل، كما نؤكد تأييدنا للقائد هاشم ولد الحاج المدني والحاج اجميعان ولد علي، وندعوهم باسم المخزن أن يستخدموا كل نفوذهم ونشاطهم للمحافظة على الهدوء وإخضاع السكان للفرنسيين).
ثم في 11 سبتمبر 1914م وقع المولى يوسف على الظهير البربري الأول الذي يضفي الشرعية على السياسة الفرنسية البربرية، ويقضي بأن تلغى الشريعة الإسلامية لدى القبائل البربرية التي تم إخضاعها من قبل الجيش الفرنسي، وإحلال العرف مكانها في المعاملات والأحوال الشخصية، والقوانين الجنائية، على أن تتخذ قرارات وزارية لضبط محتويات هذا العرف وتقنينها، وبمقتضى هذا الظهير أحدث المقيم الفرنسي العام المارشال ليوطي ابتداء من سنة 1915 في قبائل البربر ما سمي ” الجماعات العدلية”، تمهيدا لتحويلها إلى سلطة قضائية حقيقية لا تلتزم في أحكامها بأي جزئية أو كلية من أحكام الشريعة الإسلامية، وإنما بالعرف الجاهلي لسكان ما قبل الإسلام وبالقانون الفرنسي.

عن المحرر

شاهد أيضاً

ذكريات أم في القدس   قصيدة للشيخ أبي عبد الله الزليطني

ذكريات أم في القدس   قصيدة للشيخ أبي عبد الله الزليطني من أين أبدأ هذا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *